السبت، 22 فبراير 2014

تعريف مفهوم فلسفة التاريخ



- مفهوم فلسفة التاريخ :
لنقل أولا إنه من الصعب جدا وضع تحديد دقيق لما تعنيه فلسفة التاريخ، فالفكر الحديث رغم تقدمه لا يزال في علم التاريخ وعلم الاجتماع والفلسفة عاجزا عن تقديم تحديد واضح وحاسم لمفهوم هاتين العبارتين، فإذا كان التاريخ دراسة في أحوال الإنسان وحركته على الأرض، فإن كل مؤرخ يميل إلى تناول أحداث الماضي بما يملك من أفكار فلسفية وإيديولوجية، لذلك من الطبيعي أن تكون لهذه الأفكار أثرها الكبير في رؤيته التاريخية لذلك تعددت نظريات فلسفة التاريخ .
وتعبير فلسفة التاريخ هذا لم يستحدث إلا في القرن الثامن عشر الميلادي على يد فولتير، غير أن التفلسف في التاريخ بدأ فعلا قبل ابتكار هذا التعبير بمدة طويلة، حيث يرى شميت أن ابن خلدون هو الذي اكتشف ميدان التاريخ الحقيقي، كما يرى كثيرون غيره أنه أبو التاريخ الحقيقي أو مؤسس علم التاريخ بتعبير البروفيسور البان ج ويدرجي .(14)
إن فلسفة التاريخ مؤسسة على علم التاريخ من حيث أنه علم الوقائع الموجودة في المكان والزمان، فالتاريخ لا يسير اعتباطا و إنما حسب حدود مرسومة، وهذه الحدود هي المنطق الذي يربط حوادث التاريخ وينظمها، وهذا المنطق عبارة عن فروض عامة أي فلسفة تصبغ تموجات التاريخ بصبغتها، فالتاريخ البشري لا يتحرك فوضى وعلى غير هدف، وإنما تحكمه سنن ونواميس كتلك التي تحكم الكون والعالم والحياة والأشياء سواء بسواء، وأن الوقائع التاريخية لا تخلق صدفة وإنما من خلال شروط خاصة تمنحها هذه الصفة أو تلك أو توجهها صوب هذا المصير أو ذاك،  فتفسير التاريخ إذن يقصد به معرفة الروابط التي تربط الأحداث والوقائع المتفرقة ودراستها لتبين دوافعها وارتباطاتها ونتائجها، واستخلاص السنن والنواميس الإلهية، والاعتبار بالدروس والعضات فيها، وهي مرحلة تأتى بعد التحقق والنقد للأخبار، فالذي ثبت في الوقائع و الأحداث هو الذي يفسر وتدرس ارتباطاته ويتعرف على دلالته وآثاره، وذلك بهدف تفسير القوانين والسنن التي تتشكل بموجبها معطيات التاريخ بوقائعه المزدحمة والمتشابكة، من أجل وضع اليد على مجموعات نمطية من المؤثرات التي تتحكم بالحركة التاريخية، فتسوقها في هذا الاتجاه أو ذاك والتي ترتب النتائج والمسببات على الأولويات والأسباب فيما يعرف بفلسفة التاريخ .(15)
ففلسفة التاريخ هي التي تبحث في الوقائع التاريخية، وتعمل على استنباط القوانين العامة التي تتطور بموجبها الأمم والدول، أي تهتم بتفسير وفهم مجرى التاريخ في ضوء نظرية فلسفية معينة، وتضع لعلم التاريخ أساسا فلسفيا، بحيث لا يبقى التاريخ مجرد سرد وتفسير للوقائع فقط، وإنما البحث عن القوانين الثابتة التي تتخطى الزمن والمكان ولا تجري وفق الأهواء أو المصادفات، ومن ثم كانت مهمة فلسفة التاريخ هي الكشف عن هذه القوانين التي تفسر تاريخ البشرية، وفق تحليل مضمون المصادر التاريخية ودراسة المصطلحات العامة التي يستخدمها المؤرخون في تفسير الوقائع التاريخية كالعلية والفرضية والقانون ونحوه.
إن فلسفة التاريخ تقوم على أساس وجود قوانين تتحكم في سير التاريخ، وهذه القوانين يجب اكتشافها والتعامل معها، ومن هذا المنظور فالتفسير التاريخي للحوادث لا يعدو كونه اجتهادا بشريا يحتمل الخطأ والصواب، لأنه يدخل في ميدان الدراسات النظرية.(16)
وقد تطور مفهوم فلسفة التاريخ في الدراسات الحديثة فأصبح مصطلحا يشير إلى جانبين مختلفين من جوانب دراسة التاريخ، الجانب الأول يجعلها دراسة لمناهج البحث، أي الطرق والأساليب المستعملة للتحقق من الوقائع التاريخية، وهذه الدراسة تتضمن في جملتها الفحص الدقيق لمنهجية المؤرخ، ومن هنا يمكننا القول أن فلسفة التاريخ تقوم بدور الناقد الأعلى، إذ أنها تقوم باختبار دقيق لما يدعيه أصحاب المنهج التاريخي من معرفة أو حقيقة، وهذا الفرع يطلق عليه الفلسفة النقدية للتاريخ .
والجانب الثاني هو تقديم وجهة نظر عن مسار التاريخ وهو ما يطلق عليه الفلسفة التأملية للتاريخ، والتي تهتم بالأسباب المؤدية إلى ظهور أنماط معينة في حركة التاريخ، عن طريق اكتشاف القوانين المتحكمة في ذلك والتنبؤ على أساسها بالمستقبل، وهذه النظرة التأملية للتاريخ تمثل الدراسة التي يقوم بها المؤرخ للعصور السابقة بهدف استخلاص القوانين التي تحكم سير الحياة والإنسان والمجتمع والدولة والحضارة.(17)



(14) : الموسوعة الحرة ، ويكيبديا . مجموعة مقالات في الفلسفة ومفاهيمها . 
(15) : خاليد فؤاد طحطح ، فلسفة التاريخ ، مدونة رواق الفلسفة ، شبكة المعلومات الدولية .
(16) المرجع السابق ، ج2 .
(17) نفس المرجع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق