شرعية الزواج
استخلف الله الإنسان في الأرض بقوله سبحانه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، وأودع في كل منهما ما يجعله يميل للآخر ليتم الازدواج بينهما، ويكون من ثمراته التناسل ليبقى النوع الإنساني يعمر الأرض حتى يبلغ الكتاب أجله.
ولكن المولى سبحانه الذي كرم بني آدم لم يتركهم إلى ما تمليه عليهم طبيعتهم في أمر الازدواج كبقية المخلوقات الأخرى من الحيوانات والطيور، بل سن لهم طريقة خاصة تتفق ومنزلتهم بين سائر المخلوقات.
فشرع الزواج الذي يختص فيه الرجل بالأنثى لا يشاركه فيها غيره ليسلم العالم من شر الإباحة التي يترتب عليها التزاحم والتنازع بل والتقاتل أحياناً، ومن طغيان الشهوات التي تجعل من الإنسان حيواناً سفاحاً لا يعرف رباط العائلة، ولا يفقه معنى الرحمة، ولا يفطن لسر المودة فيضيع النسل حيث لا رابط يربط الأبناء بآبائهم.
ولم تخل شريعة من الشرائع السماوية من الإذن به بل وتنظيمه من يوم أن أرسل الله الرسل. يقول جل شأنه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189].
ويقول سبحانه مخاطباً لرسوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ} أي أرسلنا قبلك الرسل الكرام {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].
ولقد تزوج الأنبياء والرسل كلهم، ولم يذكر المؤرخون من عاش منهم بلا زواج سوى يحيى وعيسى عليهما السلام، ولم يكن عدم تزوجهما لعدم شرعية الزواج في زمنهما، لأن الناس كانوا يتزوجون في عصرهما، وقد قيل إن سبب عدم زواج عيسى انحطاط أخلاق نساء بني إسرائيل فرغب عنهن للعبادة وأداء الرسالة.
والسبب في عدم زواج يحيى أنه لم يكن عنده المقدرة على إتيان النساء، لأن الله قال في وصفه:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]والحصور في اللغة هو الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن، وعلى القول بأن الحصور هو الذي يكف نفسه عن النساء ولا يقربهن مع القدرة، فيمكن أن يعلل سبب امتناعه عنه بمتابعته لعيسى لأنه كان في زمنه وأول من آمن به كما قال الله في شأنه: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ} [آل عمران: 39] أي عيسى على ما عليه أكثر المفسرين.
ولهذا لم تكن الرهبانية - وهي الإعراض عن الزواج - مشروعة في أي دين سماوي، وإنما هي شيء ابتدعه النصاري في عصر اضطادهم كما أخبر القرآن عن ذلك في قوله تعالى {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27].
أما الإسلام فقد عنى بهذا العقد عناية خاصة، وأضفى عليه قدسية تجعله فريداً بين سائر العقود الأخرى لما يترتب عليه من آثاره خطيرة لا تقتصر على عاقديه ولا على الأسرة التي توجد بوجوده، بل يمتد إلى المجتمع فهو أهم علاقة ينشئها الإنسان في حياته، لذلك تولاه الشارع بالرعاية من حين ابتداء التفكير فيه إلى أن ينتهي بالموت والطلاق.
فبين الطريقة المثلى لاختيار الزوجة وكيفية إنشاء العقد ورسم طريقة المعاشرة الزوجية مبيناً ما لكل من الزوجين قبل الآخر من حقوق وما عليه من واجبات.
ولم ينس أنه قد يطرأ على الحياة الزوجية ما يعكر صفوها من نزاع أو شقاق فرسم طريق الإصلاح، وبَيَّنَ الطريقة التي ينهي بها العقد إذا ما عجز الإصلاح وباءت الحياة الزوجية بالفشل وغير ذلك مما يترتب على الإنهاء من آثار تتعلق بالزوجين أو بأولادهما.
ومن يتتبع نصوص التشريع في القرآن والسنة يجد هذا العقد قد ظفر بعدد كبير منها.
فالقرآن يخبر أولاً بأنه من أكبر النعم التي أنعم الله بها علينا ثم معروض امتنانه بنعمه وآلائه فيقول جل شأنه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72].
وفي آية أخرى يعده من آيات قدرته {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
ثم يحله في صراحة ويأمر به في غير آية.
يقول سبحانه بعد عد المحرمات من النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24].
ويقول سبحانه وتعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].
ويقول {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32-33].
فقد خاطب الأولياء بأن يزوجوا من لا زوج له من الرجال والنساء، لأن الأيامى جمع أيم - وهو من لا زوج له من النساء والرجال، وإن كان أكثر استعماله في النساء.
والرسول صلى الله عليه وسلم يرغب فيه بشتى أنواع الترغيب فيقول: فيما روي في الصحيحين "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب سنتى فليس مني. ويقول "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ويقول: "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". ويروي لنا مسلم عن عمرو بن العاص أن رسول الله قال "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
ويروي أبو داود عن ابن عباس عن رسول الله قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته".
وقد بعث رسول الله والعرب يتزوجون بطرق شتى بعضُها يتفق ومنهجَ العقلاء، وبعضُها لا يفعله إلا السفهاء، فألغى فاسده وأقر صحيحه
استخلف الله الإنسان في الأرض بقوله سبحانه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، وأودع في كل منهما ما يجعله يميل للآخر ليتم الازدواج بينهما، ويكون من ثمراته التناسل ليبقى النوع الإنساني يعمر الأرض حتى يبلغ الكتاب أجله.
ولكن المولى سبحانه الذي كرم بني آدم لم يتركهم إلى ما تمليه عليهم طبيعتهم في أمر الازدواج كبقية المخلوقات الأخرى من الحيوانات والطيور، بل سن لهم طريقة خاصة تتفق ومنزلتهم بين سائر المخلوقات.
فشرع الزواج الذي يختص فيه الرجل بالأنثى لا يشاركه فيها غيره ليسلم العالم من شر الإباحة التي يترتب عليها التزاحم والتنازع بل والتقاتل أحياناً، ومن طغيان الشهوات التي تجعل من الإنسان حيواناً سفاحاً لا يعرف رباط العائلة، ولا يفقه معنى الرحمة، ولا يفطن لسر المودة فيضيع النسل حيث لا رابط يربط الأبناء بآبائهم.
ولم تخل شريعة من الشرائع السماوية من الإذن به بل وتنظيمه من يوم أن أرسل الله الرسل. يقول جل شأنه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189].
ويقول سبحانه مخاطباً لرسوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ} أي أرسلنا قبلك الرسل الكرام {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].
ولقد تزوج الأنبياء والرسل كلهم، ولم يذكر المؤرخون من عاش منهم بلا زواج سوى يحيى وعيسى عليهما السلام، ولم يكن عدم تزوجهما لعدم شرعية الزواج في زمنهما، لأن الناس كانوا يتزوجون في عصرهما، وقد قيل إن سبب عدم زواج عيسى انحطاط أخلاق نساء بني إسرائيل فرغب عنهن للعبادة وأداء الرسالة.
والسبب في عدم زواج يحيى أنه لم يكن عنده المقدرة على إتيان النساء، لأن الله قال في وصفه:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39]والحصور في اللغة هو الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن، وعلى القول بأن الحصور هو الذي يكف نفسه عن النساء ولا يقربهن مع القدرة، فيمكن أن يعلل سبب امتناعه عنه بمتابعته لعيسى لأنه كان في زمنه وأول من آمن به كما قال الله في شأنه: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ} [آل عمران: 39] أي عيسى على ما عليه أكثر المفسرين.
ولهذا لم تكن الرهبانية - وهي الإعراض عن الزواج - مشروعة في أي دين سماوي، وإنما هي شيء ابتدعه النصاري في عصر اضطادهم كما أخبر القرآن عن ذلك في قوله تعالى {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27].
أما الإسلام فقد عنى بهذا العقد عناية خاصة، وأضفى عليه قدسية تجعله فريداً بين سائر العقود الأخرى لما يترتب عليه من آثاره خطيرة لا تقتصر على عاقديه ولا على الأسرة التي توجد بوجوده، بل يمتد إلى المجتمع فهو أهم علاقة ينشئها الإنسان في حياته، لذلك تولاه الشارع بالرعاية من حين ابتداء التفكير فيه إلى أن ينتهي بالموت والطلاق.
فبين الطريقة المثلى لاختيار الزوجة وكيفية إنشاء العقد ورسم طريقة المعاشرة الزوجية مبيناً ما لكل من الزوجين قبل الآخر من حقوق وما عليه من واجبات.
ولم ينس أنه قد يطرأ على الحياة الزوجية ما يعكر صفوها من نزاع أو شقاق فرسم طريق الإصلاح، وبَيَّنَ الطريقة التي ينهي بها العقد إذا ما عجز الإصلاح وباءت الحياة الزوجية بالفشل وغير ذلك مما يترتب على الإنهاء من آثار تتعلق بالزوجين أو بأولادهما.
ومن يتتبع نصوص التشريع في القرآن والسنة يجد هذا العقد قد ظفر بعدد كبير منها.
فالقرآن يخبر أولاً بأنه من أكبر النعم التي أنعم الله بها علينا ثم معروض امتنانه بنعمه وآلائه فيقول جل شأنه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72].
وفي آية أخرى يعده من آيات قدرته {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
ثم يحله في صراحة ويأمر به في غير آية.
يقول سبحانه بعد عد المحرمات من النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24].
ويقول سبحانه وتعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].
ويقول {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32-33].
فقد خاطب الأولياء بأن يزوجوا من لا زوج له من الرجال والنساء، لأن الأيامى جمع أيم - وهو من لا زوج له من النساء والرجال، وإن كان أكثر استعماله في النساء.
والرسول صلى الله عليه وسلم يرغب فيه بشتى أنواع الترغيب فيقول: فيما روي في الصحيحين "أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب سنتى فليس مني. ويقول "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ويقول: "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". ويروي لنا مسلم عن عمرو بن العاص أن رسول الله قال "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
ويروي أبو داود عن ابن عباس عن رسول الله قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته".
وقد بعث رسول الله والعرب يتزوجون بطرق شتى بعضُها يتفق ومنهجَ العقلاء، وبعضُها لا يفعله إلا السفهاء، فألغى فاسده وأقر صحيحه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق