: متى يكون العذاب
خاصا ، ومتى يكون عاما ؟!
وإذا وقعت العقوبة شملت الصالح والطالح،
والمحسن والمسيء، فما مصير الصالح ؟.
إن الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، والأمر الرشيد، حكمه العدل، وقوله
الحق، حرم الظلم على نفسه، وجعله بيننا محرما، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، حجة على
الخلق، وشرع التوبة، وأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لئلا يتنزل العذاب
على عامة الأمة، قال سبحانه وتعالى: )فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (116)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(([1])
قال ابن جرير الطبري رحمه الله:( وما كان ربك - يا محمد - ليهلك القرى التي أهلكها - التي قص عليك نبأها –
ظلما، وأهلها مصلحون في أعمالهم غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم - مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربهم - ظلما، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله، وتماديهم في
غيهم، وتكذيبهم رسلهم وركوبهم السيئات). ([2])
فإذا انتهكت محارم الله، وعصيت
أوامره، واستعلن بالفواحش؛ حلّ العذاب، ونزل النكال، وحاق بالمفسدين سوء أعمالهم،
فيرسل الله عذابه ونقمته على المعاندين، كما قال تعالى مخبرا عن حال ثمود:) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
وَنَجَّيْنَا
الَّذِينَ
آمَنُوا
وَكَانُوا
يَتَّقُونَ(([3])، وقال جل ثناؤه في
بيان خبر لوط مع قومه: )وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ
إِلاَّ
امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنَاهَا
مِنَ
الْغَابِرِينَ ( ([4]). فانظر كيف عمهم
العذاب، وأنجى الله سبحانه وتعالى، بمنه وكرمه أولياءه وحزبه المفلحين، وسألت أم
المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها : هل
ينزل العذاب وفي الأمة الصالحون؟ قائلة: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟. فأجابها الذي لا ينطق عن الهوى،قائلا:
(نعم إذا كثر الخبث!!) ([5])
وبين النبي r أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأنهم وإن
هلكوا مهلكا واحدا، فإن الله يبعثهم على نياتهم، فقال رسول الله e:( يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض؛ خسف بأولهم وآخرهم. قالت عائشة: يا رسول الله! وفيهم سواهم، ومن ليس منهم؟. قال:
يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم).([6])
فيكون العذاب حينئذ عاما إذا كان الفساد عاما، وينجي الله المتقين، ويكون
النكال خاصا إذا كان المنكر خاصا غير مستعلن، كما قال عز من قائل في خبر قارون:) فخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ( ([7]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق