السبت، 22 فبراير 2014

معنى التاريخ مفهوم تعريف التاريخ


التاريخ:

استأثر مفهوم التاريخ قديماً وحديثاً باهتمام المؤرخين والكتاب والفلاسفة وتعددت الآراء والمباحث فيه، "حتى إلفينا أنفسنا أمام نتاج واسع يتناول التاريخ مصطلحاً وفكرة وفناً وموضوعاً وميداناً من ميادين المعرفة الإنسانية"([1]) وكلمة التاريخ من الكلمات التي تعرضت الى سوء فهم لا حدود له بسبب ما الصق بها من معان متعددة ودلالات مختلفة اذ اخذ الناس يطلقونها على ظواهر وأشياء لا حصر لها من قبيل: تاريخ الكون، وتاريخ العالم، والتاريخ العام، وتاريخ البشرية، وتاريخ الطبيعة، وتاريخ الإنسان، وتاريخ العلم، وتاريخ الحضارة، وتاريخ المدنية، وتاريخ الثقافة، وفلسفة التاريخ، وتاريخ الفلسفة، والمنهج التاريخي، والتاريخية، والحتمية التاريخية، وعلم التاريخ، والبحث التاريخي، والتاريخ السياسي، والتاريخ الاقتصادي، والتاريخ الاجتماعي....إلى آخره من الموضوعات التي تطلق عليها كلمة التاريخ إذ ان من يعود إلى مادة تاريخ في أية موسوعة يتعجب من عدد الكتب المؤلفة في موضوعها وذلك في لغة واحدة "وسيصعب تقدير حجم كتاب يؤلف اليوم على نمط القسم المخصص للتاريخ في فهرست ابن النديم"([2]).

ولعل هذا اللبس الذي يكتنف مفهوم التاريخ هو ما يفسر حيرة الدارسين في فلسفة التاريخ، إذ نجدهم يتساءلون في بدء كل عمل عن "ما هو التاريخ؟" كيف نفهم التاريخ؟ ما هي فكرة التاريخ؟".

وفي سياق تتبع مفهوم التاريخ في الدراسات العربية والأجنبية نجد حشداً كبيراً من التعريفات لا يتسع المقام لإيرادها هنا. وقبل ان نفحص مصطلح التاريخ عند العرب لابد من التمييز بين معنيين لكلمة التاريخ: فالتأريخ بالهمزة هو عمل المؤرخ، تدوين وحفظ ورواية أفعال الناس في الماضي. والتاريخ دون همزة هو الخبرة العملية الفعلية في عالم الممارسة التاريخية.

لفظ التاريخ:

 يعد المؤرخ اليوناني هيرودوت الهاليكارسي (495-425ق.م) أول من استخدم كلمة التاريخ History بمعنى "دراسة أعمال البشر في الماضي، بهدف إنقاذ تاريخ البشر من النسيان، وحفظ الأعمال الرائعة التي اضطلع بها الهيلنيون والشرقيون بما هي اهل له من شهرة- خاصة تلك التي ادت الى صدام فيما بينهم"([3]).

وفي هذا الاطار يأتي المؤرخ الاثيني توكوديدس 460-395 ق.م الذي عد التاريخ "رواية لقصة الحرب البنوبونيزية"([4]). وربما كان المؤرخ الميجالي بولوبيوس 201-120 ق.م اكثر وعياً بمهمته حينما كتب "تاريخ العالم" عادّاً "ان معرفة الاحداث الماضية هي بمثابة المقوم الحقيقي للطبيعة البشرية"([5]). ويبدو ان أرسطو (384-322 ق.م) قد انطلق من هذا المعنى الفني للتاريخ، حينما عرفه بانه رواية للاحداث التي وقعت، أي انه وصف للفردي من خلال مفاهيم كلية، وهذا ما جعله يضعه في المرتبة الثالثة بعد الفلسفة والشعر"([6]).

وسوف نلاحظ ان الفهم الفلسفي للتاريخ، من حيث هو فعل الإنسان الخلاق وخبرته المتراكمة في المدنية والحضارة والثقافة، ونشاطه المستمر في التقدم والتطور والارتقاء, لم يكن واضحاً في الفكر اليوناني، بل بدا مشوباً بغلالة أسطورية عند السفسطائيين وسقراط وربما أفلاطون([7]).

 التأريخ عند العرب:

لفظة "التأريخ" عند العرب لم تكن تطابق كلمة  Historyاليونانية، كما ان الكلمة لم ترد في القران الكريم بل احتوى على مادة مقابلة يمكن ان يفيد في تفسيرها معنى تاريخياً وهي مثل "اساطير الاولين" او "أنباء" او "قصص" كما جاء في الاية الكريمة: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثاً يفترى..."  سورة يوسف اية(111).

وهناك آيات عديدة تشير الى التاريخ، بمعنى الفائدة والاعتبار والموعظة والاخبار: (او لم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) سورة فاطر أية (44).

"كذلك نقص عليك من انباء ما قد سلف" سورة طه (99).

"نقص عليك من أنباء الرسل وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين" سورة هود أية (120), "لقد كان في يوسف واخوته أيات للسائلين" سورة يوسف (7), "...فأنظر كيف كان عاقبة الظالمين" سورة يونس (39).

وكلمة التأريخ من حيث الاصطلاح تعني الزمن والحقبة ولا يظهر هذا الاصطلاح بالمعنى الذي ذكره "محمد بن يحيي الصولي، ت 336هـ، "تاريخ كل شي من حيث اللغة غايته ووقته الذي ينتهي اليه، ولهذا يقال فلان تاريخ قومه في الجود، أي الذي انتهى اليه، وتأريخ مصدر من "أرخ" بلغة قيس وهو اللفظ الشائع عند العرب او "ورخ" بلغة تميم. ويزعم بعض المؤرخين ان لفظ "تأريخ" مشتق من تأريخ العبرية بمعنى القمر او "يرخ" بمعنى الشهر وعلى اساس هذا الزعم يكون معنى لفظ "تأريخ" التوقيت او تحديد الشهر".

ويذهب روزنتال في كتابه "علم التأريخ عند المسلمين" الى ان (لفظ "تاريخ" تعريب لكلمة "ماه روز" الفارسية ومعناها حساب الشهور، والايام او التوقيت حسب القمر)([8]).

على ان المستشرق "هملتون جب" نقل عن "البيروني" في كتابه "الأثار الباقية" وعن "الخوارزمي" في مصنفه "مفاتيح العلوم" تأكيدهما خطأ رأي "روزنتال" مشدداً على الاصل السامي العام لكلمة "تاريخ" في العبرية بمعنى "تحديد الوقت"([9]).

ولقد كان امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) اول من استخدم هذا الاصطلاح- اعني التاريخ بمعنى الزمن والمدة- في سنة 23هـ منذ ان ادخل التقويم الهجري ثم تطور مدلول الكلمة بعد ذلك الى ان اصبح ينظر الى التاريخ من حيث هو ما يبحث فيه عن وقائع الاحداث في الزمان والمكان وهذا ما نجده عند معظم المؤرخين العرب امثال المسعودي والطبري، وابن كثير والسخاوي وغيرهم، وربما كان عبد الرحمن محمد ابن خلدون الحضرمي 732هـ-1332م-808هـ-1406م هو افضل من عرف التاريخ بقوله: انه:- "خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الاحوال مثل التوحش والتأنس والعمران واصناف التقلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر باعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران لطبيعته من الاحوال"([10]).

ويعد ذلك التعريف من اجود التعريفات التي تناولت حقيقة التاريخ ومعناه، فهو تعريف فهرسي وظيفي يلخص به ابن خلدون محتويات التاريخ ويختصر وظيفته من حيث هو تدافع وتغالب وحرب وصراع([11]).

وقد عرضت دائرة المعارف الاسلامية ابعاد مصطلح التاريخ فلاحظت استناداً الى مصطلح التاريخ العربي ان مصطلح التاريخ ينصرف الى معنى عرفته بـ "التاريخ العام" أي تسجيل اهم حوادث الامم بصيغة الحوليات بمعنى تدوين الحوادث عاماً عاماً وكذلك بمعنى الاخبار مرتبة بحسب العصور([12]). وقد اختلفت تعريفات التاريخ بقدر اختلاف المؤرخين والدارسين، فكل يرى التاريخ من زاوية اهتمامه, وقد اجمل الاستاذ نوري جعفر الاتجاهات الرئيسة في تعريف التاريخ بما ياتي.

"اتجاه يرى ان كلمة "تاريخ" تدل على جميع الوقائع الطبيعية والاجتماعية في الكون منذ نشأته حتى الوقت الحاضر.

اتجاه يرى ان كلمة "تاريخ" تدل على ما استطاع الانسان ان يعرفه من الحوادث التي وقعت في الماضي في الطبيعة والمجتمع.

اتجاه يرى ان كلمة "تاريخ" تدل على جميع الحوادث التي وقعت نتيجة للنشاط الانساني"، ويعرف مدني صالح التاريخ "بأنه مجمل الخبرة الانسانية في الحضارة والمدنية والثقافة"، وهذا هو معنى التاريخ الذي عرضناه لابن خلدون، وهو المعنى الذي اورده مؤرخ انجليزي ماركسي معاصر من جامعة اكسفورد هو أ.ج. هويز توم في كتابه "دراسات في التاريخ" إذ يعلق على تعريف ابن خلدون للتاريخ بقوله: (اجد ان المفهوم المادي للتاريخ كما وصفه مفكر القرن الرابع عشر الكبير ابن خلدون: هو بكل تاكيد خير مرشد لأولئك الذين، مثلي كان حقلهم صعود الرأسمالية الحديثة والتحولات التي شهدها العالم منذ نهاية القرون الوسطى الأوروبية).

   ولقد اكتسب التاريخ معاني ودلالات جديدة ومتنوعة في الثقافة الحديثة والمعاصرة، إذ لم يقتصر التاريخ على اهتمام المؤرخين، بل اخذ الفلاسفة يتخذون من التاريخ موقفاً نقدياً فلسفياً، فلم يعد مجرد سرد للاحداث الماضية ووصف للمعارك وسير الملوك والابطال، وانما اشتمل على شتى مظاهر الخبرة الانسانية في وحدتها الكلية بعدها نسيج المغامرة الانسانية في الماضي والحاضر والمستقبل.

ان التاريخ يجب ان يكتب عن كل مظاهر النشاط الانساني مجتمعة كما يكتب عن كل منها منفرده، وان يكتب على نحو تركيبي كما يكتب على نحو تحليلي([13]).

ويهمنا هنا ان نشير الى المعاني التي اكتسبها التاريخ في نظر الفلاسفة.

فالتاريخ عند المنور الفرنسي فولتير 1694-1778م "هو مسار ارتقاء الانسان من الهمجية الى المدنية"(*), وفي هذا السياق ياتي تعريف كوندرسيه 1743-1794م للتاريخ بانه تاريخ تقدم العقل البشري. ويعرف هيجل 1770-1831 التاريخ العالمي من حيث "هو تاريخ تقدم الوعي بالحرية", ولم يفعل ماركس 1918-1883م غير ان احل الانسان الواقعي محل عقل هيجل المجرد، "عادّاً التاريخ كله حصيلة نشاط الناس الساعين لتحقيق اهدافهم" أي ان ماركس حدد الاقتصاد وليس السياسة مفتاحاً لباب تقدم الانسان من خلال قانون الصراع الطبقي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق