الأحد، 23 فبراير 2014

شعر ابن زيدون



سلمى الخضراء الجيوسي


ابن زيدون استطاع في شعره أن يحدث توازنًا في نوع الشعر الذي كان يكتب في زمنه، فهو، لعلو منزلته شاعرًا، أدى رسالة إلى شعراء زمنه بأن الشعر يجب أن لا يعتمد على جمالية خالصة، وأعاد إلى الشعر فخامته العربية السامقة. لقد كان من نوع الشعراء الذين أسميهم بالمطورين، أولئك الذين يطورون اتجاهًا قائمًا فيعطونه ألقًا جديدًا وروحًا قيمة. فشعره حاول أن يعيد إلى الشعر الأندلسي في زمنه شيئًا من متانة التعبير القديم وجزالته واتساع حصيلته اللغوية. كما حاول إيقاف الشطط في عكوف الشاعر على الجماليات الخالصة، فرفض أن يجعل الطبيعة غرضًا في حد ذاته، بل استطاع أن يدمج الجمالية بالحياة كما نجد في قافيَّته الجميلة: إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا وفي نونيَّته أيضًا. ولم يُعْنَ بغزل (المذكر) الذي لم يعفّ عنه شعراء كبار آخرون أمثال ابن شهيد وابن خفاجة. لقد كان ابن زيدون سيِّدًا في نظم الشعر بالنسبة إلى عصره حمل إليه التوازن والسيطرة البلاغية والقوة العاطفية وفخامة الأسلوب التي كانت تميز الشعر المعاصر في المشرق... وكانت تجربته تقف وسطًا بين التجربة الجمالية الصرف في الأندلس وشعر التجربة الذي يمثل قسمًا من شعر الجيل الأصغر عمرًا، مثل ابن عمّار والمعتمد بن عباد فكان شعره بمثابة صمام أمان للحدّ من انتشار الجمالية الصرف، جاهدًا، بنجاح ملحوظ، لإيقاف تدفق المجازات التي لا تتصل بتجربة محددة... أو بالوضعية الإنسانية عمومًا، وقد تميز شعره فوق ذلك بخلوه من الميوعة العاطفية كما يليق بشاعر كبير حمته موهبته الأصيلة من أي نوع من الغثاثة والابتذال العاطفي.
ابن زيدون في ميزان النقد
اما أ.د. وهب رومية فيتناول في ورقته المقدمة للندوة الاحتفائية شاعرية ابن زيدون من حيث الضروب الشعرية، والمجالات التي خاضها، ومدى انعكاس شخصيته على شعره، باعتبار الشعر مرآة الشاعر وعصره، ويضع الباحث في مستهل كتابته معايير عامة لما يجب أن يتحلى به الشاعر، مثل الالتزام بالوطن والقيم الوطنية، ونحو ذلك.
ويعرض شخصية ابن زيدون الشعرية، من خلال أبواب شعره الرئيسية، هي قصيدة المديح، حيث يتناول شاعرية ابن زيدون من خلال المديح، ويتساءل كيف تبدو قصيدة المديح في شعره بنية وموقفًا؟ وهل ثمة علاقة بينها وبين شخصية الشاعر؟
يقدم الباحث إحصائية بعدد قصائده في الرثاء والمديح، والغزل والحنين والشكوى والتهديد والعتاب والشفاعة، حيث المديح (33) والرثاء (5) والغزل (3) والحنين (5) والشكوى (1)، ويرى أن المديح غلب على شعره، ويعتبره من الصفوف الأولى للشعراء العرب المداحين، ولكنه كان قلقًا على نفسه في المدائح جميعًا التي يعدها الباحث خالية من الحياة وأحداثها، ويشيد الباحث بشاعرية ابن زيدون عندما ينتقل إلى الغزل من خلال المديح، الذي يرى أن فيه ضروبًا من الصناعة المثقفة القائمة على العقل أكثر من العاطفة.
لا ينكر الباحث ما حققه ابن زيدون لقصيدة المدح الأندلسية من وحدة نفسية حيث يقول أكاد أقول دائمًا إنه حقق وحدتها النفسية ووحدتها الأسلوبية، وأن ينحو بغزلها منحى الرمز، فيجعل منه مكافئًا عاطفيًا لوحدة المدح.
يظهر في شعر ابن زيدون معاناته الخاصة بشكل واضح، وما تعرض له من اضطهاد، بسبب تطلعاته السياسية فتتحول الذكرى الحزينة إلى أسف وحسرة، ثم يتحول الأسف والحسرة إلى مرض عضال، ويتحول المرض العضال إلى تربص وتهديد بالقتل.
يتناول الباحث الشكوى في شعر ابن زيدون، حيث ينتقل من الرمز والتلميح الى المباشرة والتصريح ولكن ضمن مداره النفسي.
ثم يعرج الباحث الى قصيدة الرثاء في شعر ابن زيدون ومنها يعتقد أن مراثي ابن زيدون لم تحظ باهتمام الباحثين وذلك بسبب قلة المراثي، وعدم فاعلية الشاعر فيها، فهي تعطي صورة الارستقراطي العاشق، وحسب رأي الباحث فإن ابن زيدون لا يصلح للرثاء، ولا يطيق الصبر عليه، لكنه يحسن التأبين، وينعكس ذلك لاحقًا على نفسيته وشخصيته.
وفي باب القصيدة الذاتية يستند الباحث في تقدير شاعرية ابن زيدون في هذا المجال، إلى ما قاله باحثون آخرون من أن ابن زيدون أهم شاعر وجداني ظهر في الأندلس، وأن شعر ابن زيدون الذاتي يتسم بالعبقرية. لقد اتصفت القصيدة الذاتية لدى ابن زيدون بأنها تدور حول الشكوى والحنين والغزل وبخاصة تلك التي بعث بها إلى صديقه الوزير الكاتب وهو في السجن حيث يعتبرها الدكتور شوقي ضيف بديعة النسج، وهي سلسلة صافية نقية.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق