الأحد، 23 فبراير 2014

ابن زيدون في الغرب و في الادب العربي



ابن زيدون في الغرب
أ.د. ماريا خيسوس بيغيرا تقول في ورقتها المعنونة بابن زيدون في الغرب دراسة وتذوق الشاعر الأندلسي بين المستعربين الأوروبيين: لاشك في أن أهل قرطبة وزوارها يستطيعون أن يستلهموا حنين العشق عند ابن زيدون استلهامًا عميقًا عندما يمرون على تمثال ابن زيدون الأبيض وهو يشير بيده بجانب يد ولادة يعبر بها عن ألم الفراق.
وحسنًا فعل القرطبيون عندما أبقوا على هذا الشعور الداخلي العميق الذي ينقله تمثال ابن زيدون الذي أصبح رمزًا لألم الضياع بالنسبة لأهل الأندلس بدءًا بالحزن على سقوط قرطبة الأموية برموزها الداخلية مثل - ثبات الخلافة - التي محيت كذلك في أيام ابن زيدون، ثم بعد ذلك ضياع أرض الأندلس الذي تتابع كذلك اعتبارًا من قرنه (الخامس الهجري - الحادي عشر الميلادي).
وصورة ابن زيدون شاعر الحنين تتفق مع ذلك الشعور الذي ينتج عند تصفح النصوص العربية في العصر الوسيط وذلك على الرغم من أن عصر ابن زيدون (الخامس/ الحادي عشر) قد عرف ازدهارًا عامًا من جميع المدن الأندلسية إلا قرطبة.
وتشير الباحثة الى انها لا تهدف من خلال هذا البحث إلى دراسة موضوع الحزن الطاغي عند ابن زيدون، وتقول: ان مهمتي تتركز في دراسة كيف ومتى ولماذا تناول الدارسون الأوروبيون هذا الموضوع باعتباره النسيج الأساسي لشعره، وكذلك سأركز على أن الحنين الذي يفيض به شعره يجعله في هذا المنحى أمير شعراء عصره.. وسأذكر في هذا الخصوص بعض الآراء التي تؤيد هذا الأمر مثل إميليو غارثيا غوميس حين يقول: لقد كان ابن زيدون (1003 - 1070) والذي كان معاصرًا للمعتمد ويكبره سنّاً - واحدًا من أكبر شعراء الكلاسيكية الجديدة في إسبانيا وقد عاش أولاً في قرطبة - موطنه - في حكم الأقلية البرجوازية، ثم مضى منها إلى إشبيلية في خدمة العباديين.. لكن ابن زيدون كان قبل كل شيء شاعرًا عاشقًا، فقد أحب ولادة وكانت أميرة ذات نسب ملكي، بها طابع الرجولة، ومثقفة وآية في الرشاقة والحسن، وانتهى بها الأمر إلى هجره، وتحولت قصائد ابن زيدون التي يبكي فيها البعد والازدراء - وخاصة قصيدته النونية الشهيرة - الى مثار لذة وتسلية للعرب.. إنها قصيدة إنسانية تقترب من الذوق الغربي، وتخلو من الألوان الزاهية التي كانت شائعة، وقد نجد فيها أبياتًا تعكس لونًا لبنيًا كلون الرخام القديم، وتختلط فيها الأضواء بظلال سوداء كلوحة شطرنج يلعب عليها ابن زيدون دورًا في حبه اليائس.
وتطرح الباحثة بعد ذلك رأي (خوان بيرنيت) الذي لا يختلف كثيراً عن سابقه حيث يذكر: ... كانت حياته الأدبية مرتبطة ارتباطًا شديدًا بحبيبته ولادة الأميرة الشاعرة الأموية، وقد كانت حدائق قرطبة وضواحيها وهي آيلة للانحدار مصدر إلهام لشعره الذي كان يحاول فيه تقليد البحتري.. وأصدق مثال لذلك قصيدته النونية التي يعبر فيها عن حنينه لتلك الأيام الخوالي التي قضاها مع محبوبته.. ولم يعد الهجر محتملاً بالنسبة له فترك قرطبة مهاجرًا إلى إشبيلية.
بعد ذلك تعرض الباحثة تعليقًا للأستاذ إلياس تيريس وآخر للأستاذة تيريسا غاولو، وتقول إنها في بحثها استشهدت بأقوال أخرى تؤيد بها نظريتها في أن ابن زيدون يتميز شعره قبل كل شيء بأنه شعر الحنين والشوق ثم هو في ذلك الغرض يعد من أشهر سفراء الحنين على الإطلاق، وتضيف بأنه بين رقة الحنين عند ابن زيدون وذوقنا الشعري يكمن فيما يسمى الحزن الرومانسي.
وفي نهاية بحثها تركز الأستاذة ماريا خيسوس بيغيرا على المعايير التي بنى عليها الأوروبيون تقييمهم لابن زيدون والعلاقة بين تقييم العرب للشاعر وتقييم المستعربين.

ابن زيدون في الأدب العربي
قبل ان يقدم ورقته المعنونة بابن زيدون في الأدب العربي المعاصر بين الدارسين والمبدعين يذكر أ.د. محمد حسن عبدالله أن مقالته لا تهدف أن تقدم حصرًا ببليوجرافيًا لكتابات الباحثين، واستلهامات المبدعين العرب لسيرة ابن زيدون أو شعره، فهذا مستحيل وإن أمكن تقريب الصورة. وقد دلت الصورة التقريبية على أنه (سيرة وفنًا) كان شديد الحضور في الموضوع الأدبي الأندلسي بعامة، من خلال قصة حبّه لولادة وما آلت إليه علاقتهما. لقد نبهت النقاد العرب إلى الألم وكيف يكون باعثًا على الإبداع، سابقًا أو مصاحبًا للذة، كما نبهتهم إلى اقتران صور الطبيعة بصور العشق وحالاته في نوع من التراسل جديد، وأخيرًا هناك قصيدة أضحى التنائي - أحلى ثمرات هذا الحب الملتبس، وقد وصفها أحد نقادنا بأنها نوع من أنين الموسيقى، وكذلك تنازع نسبتها إليه كل من الإسبان والعرب، وهذا التنازع يبرهن على أنها تشكيل فني خاص، نابع من حالة ولم يستلهم نموذجًا (كما ظن دارسون تقليديون).
إن اختصار تجربة ابن زيدون التاريخية والفنية في قصة العشق والغربة، ثم اختصار العشق والغربة في أضحى التنائي ينطوي على أن الزمن العربي الإسلامي في إسبانيا لا يزال إلى اليوم ينظر إليه من زاوية عاطفية وكأنه حلم، وليس على أنه واقع تاريخي يحتاج إلى إعادة تحليل وتفسير لاستخلاص قوانين.
لقد كتبت عدة مسرحيات، وحوكيت قصيدته بما يصعب الإحاطة به وتعقبه، ولكن أحدًا لم يهتم بموضوع تغيير الولاء السياسي، أو صراع المدن/ الدول على أنه ضعف في الحسّ الحضاري الذي لم يستوعب معنى الدولة فاستهلكه معنى القبيلة وقد شارك ابن زيدون في الأمرين بنصيب وافر.
في مقالتنا ذكرنا إقبال الباحثين المتكرر على تحقيق الديوان، ومن المهم الاطمئنان إلى استقرار صنعته إلى حد كبير، وتعقبنا - في حدود ما تيسر من دراسات - القصائد التي كثر الاستناد إليها لتأكيد التفوق الفني للشاعر، وعددناها الديوان المصغر المنتخب له، ثم توقفنا عند المسرحيات التي اتخذت من حبه لولادة مجالاً للغناء والرقص وتصوير معاناة العشاق من العاذلين وتداخل المكائد السياسية، أو اتخذت من ابن زيدون قناعًا تاريخيّاً لحلم الوحدة العربية الراهن، وأنها السبيل لدرء خطر التآكل المستمر.
ويضيف: نستطيع أن نغامر بالقول بأن الجوانب البلاغية الجمالية التي استخدمها ابن زيدون في أضحى التنائي أثّرت بوضوح، لا نقول في معارضات القصيدة عبر العصور وحسب، فهذا متوقع، ولكن في ديباجة الشعر العربي بعامة، وأنها - ربما - دفعت الشعر في اتجاه الإسراف في استخدام ما عرف بالمحسنات البديعية، وكانت نتائج هذا الإسراف غير طيبة، غير أننا لا نستطيع أن نحملها على الشاعر بذاته، أو هذه القصيدة بعينها.
أخيرًا: ربما يمكن القول إن ابن حزم في طوق الحمامة بدأ اتجاهًا منفردًا في دراسة العشق انفصل به عن المأثور القادم من الشرق، وبنفس الدرجة يمكن القول أن ابن زيدون - في أشعاره العاشقة - وكان قريب العهد بابن حزم - كان محققًا لمفاهيم العشق عند الفقيه الأندلسي الظاهري.
إن تعدّد المسرحيات التي اتخذت من عشق ابن زيدون مثيرًا فنيّاً لها يدل على الطابع الدرامي لحياته، كما أن إيثار أضحى التنائي بالمحاكاة عبر العصور، وإلى اليوم يدل على موافقة الإيقاع والصور للذوق العربي، كما يدل على أن اللذة والألم معًا أهم مفاتيح الإبداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق