الجمعة، 28 فبراير 2014

الايلاء لغة واصطلاحا واركان الايلاء




1. الإيلاء لغة هو القسم، واصطلاحاً: هو قسم من زوج على الامتناع من قربان امرأته، وألحق به: كل قول ترتب عليه إلزام لم يكن لازماً من أجل تأكيد الامتناع عن ذلك.
2. أركان الإيلاء :
أ- رجل مولٍ ب- امرأة مولى منها ... ج- تأكيد القول بيمين أو ما ألحق بها ... د- صيغة تدل على الامتناع عن غشيان المرأة هـ- مضي مدة يترتب عليها حكم شرعي
3. ينعقد الإيلاء بكل قسم بالله ، أو باسم من أسمائه ، أو صفة من
صفاته، وألحق به: إلزام الرجل نفسه ما لم يكن لازما عليها عند قربان أهله.
وخلاصة ذلك: أن الإيلاء يثبت بكل قول يمنع الجماع، إلا مع لزوم كفارة أو ما جرى مجراها.
4. القسم بغير الله تعالى لا يكون له حكم الإيلاء، إذ ليس بشيءإلا عندما يترتب عليه الضرر بالمرأة لإجحاف حقها من المعاشرة .
5. يمين الإيلاء كغيرها من الأيمان في وجوب تكفيرها مع الحنث في قول الجمهور.
6. ألحق أصحابنا وطائفة من أهل العلم بالإيلاء قول الرجل : إن لم يفعل كذا فامرأته طالق، أو إذا لم يفعل كذا. واختلف سائر الأمة في ذلك، فمنهم من قال: لا يقع الطلاق بشيء من هاتين الصيغتين؛ إلا عندما يأتي من الوقت ما يتعذر معه فعل ما علق الطلاق على عدم فعله وذلك باحتضار أحد الزوجين . ومنهم من فرق بين ما إذا كان التعليق ب"إن" أو ب"إذا"، فإن كان بـ"إذا" وقع الطلاق فوراً إن مضى من الوقت ما يمكن فيه ذلك الفعل، وإن كان بـ"إن" فلا يقع حتى يأتي من الوقت ما يتعذر معه فعله . واختار المؤلف عدم التفرقة بينهما، وعدم إلحاق شيء منهما بالإيلاء، وأن الطلاق يقع بكل منهما فوراً بمضي قدر ما يتأتى فيه الفعل، إلا أن تكون للمعلق نية معينة، أو يكون الفعل المذكور مرتبطا بميقات معين كالحج ، أو تصحب
قوله قرينة تدل على تقييد كلامه بشيء .
7. لا خلاف بين القائلين بإلحاق ما سبق بالإيلاء في منع الزوج من الوطء ، إلا أن يقع منه الفعل فيمتنع الطلاق، وذلك خلاف لقول من لا يرى وقوع الطلاق إلا بدنو موت أحدهما.
8. يلحق بالإيلاء عند الجمهور -ومنهم أصحابنا- تعليقه طلاقها على وطئها، فيطبق عليه حكمه بمضي أربعة أشهر من غير وطء.
9. يحمل على الإيلاء أي تعبير يدل على أنه أقسم بأن لا يجامع امرأته، من غير اشتراط نية ذكر الجماع بلفظه الصريح الدال عليه، أما إن ذكره بما يحتمله وغيره من الألفاظ في معناه فإنه يحمل على الإيلاء إن نواه، ويصدق إن ادعى أنه نوى غيره ، ولكن يطالب بالوطء ليصدق مدعاه، لئلا يضيع حق المرأة .
10. لا خلاف في ثبوت الإيلاء إن صدر من زوج بالغ عاقل حر مسلم قادر على الجماع إن آلى من زوجته البالغة بعد بنائه بها.
11. لا خلاف أنه لا يعتد بإيلاء المجنون، أو الطفل غير المميز.
12. اختلف في الإيلاء من المرأة قبل الزواج بها، والصحيح عدم ثبوته، وقيل: يثبت إن قيده بما إذا تزوجها. وقيل: يثبت بعد زواجه بها ولو كان قبله ولم يقيده به ومهما يكن فإن امتتناعه عن حقها في المعاشرة لا يقر
عليه.
13. اختلف في إيلاء العبد المملوك، والراجح أنه لا اعتداد به، إلا إن كان بإذن سيده، والصحيح أن مدة الإيلاء في الأرقاء كالأحرار. وقيل: تربص العبد شهران ولو آلى من حرة، وقيل: من آلى من أمة تربص به شهرين ولو كان حراً.
14. اختلف في إيلاء غير المسلم، فقيل: لا يثبت بحال، وقيل: بثبوته على الإطلاق لئلا يضر بامرأته، وهو الصحيح إن امتنع عن غشيانها، وقيل بالتفرقة بين أن يكون إيلاؤه بصلاة ٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ أو حجٍ أو غير ذلك مما لا يصح إلا بالإسلام، وبين كونه بطلاقٍ أو عتاقٍ أو غيرهما مما يشترك في حكمه المسلم وغيره. قيل: وكذلك إن كان قسما بالله .
15. اختلف في ثبوت إيلاء العاجز عن الجماع ، والراجح ثبوته، وأنه يطالب بأن يفيء بالإشهاد على أنه لولا العجز لفاء إليها بالفعل، مع استحباب الإتيان بما يقدر عليه من اللمس ونحوه .
16. لا فرق على القول الصحيح بين المدخول بها وغيرها في ثبوت الإيلاء منهما، وقيل : بل يفرق بينهما، فيثبت في المدخول بها دون غيرها.
17. لا يشترط في الإيلاء أن يكون من غضب عند الجمهور،
وهو الصحيح، وقالت المالكية: بل يشترط ذلك، فمن آلى من أجل مصلحة الولد في الرضاعة فلا يكون لذلك حكم الإيلاء عندهم .
18. ذهب جماعة من أهل العلم إلى اشتراط البلوغ في المولى منها، والصحيح: أن البالغ وغيرها في ذلك سواء .
19. اختلف قي ثبوت حكم الإيلاء إن قيد بما دون أربعة أشهر، أو قيد ببعض الوقت كالليل أو النهار، أو ببعض الأمكنه، أو ببعض الأحوال، بحيث يتأتى الوطء فيما عداها من غير حنث؛ فعند جمهور أهل العلم لا يعد ذلك إيلاء، ولو تمادى في عدم الوطء حتى مضت مدة التربص، واختار المؤلف ما ذهب إليه بعض أصحابنا أنه إن تمادى في عدم الوطء حتى انقضى أمد التربص كان له حكم الإيلاء .
20. اختلف في من حلف ألا يدخل قرية، وكانت سكنى امرأته بها؛ فقيل: هو إيلاء، وقيل: ليس إيلاء إلا إن اشترطت السكنى فيها، وقيل: الإيلاء إنما هو من النساء لا من البلدان، فلا يثبت بذلك إيلاء إلا إن كنى بذلك عن عدم وطء المرأة. وذهب المؤلف إلى أنه إن أدّى ذلك إلى حرمانها من حقها الشرعي في المعاشرة كان له حكم الإيلاء.
21. ذهب فريق من العلماء إلى أن الإيلاء ينهدم حكمه إن استثنى مشيئة الله تعالى، وكذلك إن علَّقه بمشيئة أحد من الناس، فلا يثبت حتى يشاء ذلك الإنسان، وكذلك ما نيط بأحوال المستقبل، فإن كانت قريبة الوقوع فلا يكون إيلاء، وإن كانت متعذِّرة أو يُستبعد وقوعها فهو إيلاء، ومثل ذلك: إن علقه بمشيئتها، فحتى تشاء، وذهب المؤلف إلى أنه إن تسبب ذلك في حرمانها من الوطء حتى مضت مدَّة التربص فهو إيلاء.
22. إن آلى منها مدة نحو عام، ولكنه استثنى إتيانها مرة فلا يتحقق الإيلاء عند أكثر أهل العلم؛ حتى يطأها تلك المرة التي استثناها، ويكون قد بقي من الزمان الذي حدده في إيلائه مقدار مدة التربص . وكذلك إن علق إيلاءه منها بإتيانها . وذهب المؤلف إلى أنه إن أضر بها ذلك بحيث بقيت طوال مدة التربص من غير غشيان فهو إيلاء.
23. الفيء المطلوب هو الجماع، وأقله: تغييب الحشفة في قبلها هذا هو الحكم في القادر المتمكن من الجماع، أما العاجز فيكفيه أن يُشهد على فيئه، وأنه لولا المانع لغشيها، سواء منعه مرض أو فتور، أو كانت في حال حيض أو نفاس ، أو كان أحدهما محرما ، أو كانت غائبة عنه أو فارَّة منه، ويؤمر استحبابا في حال عجزه بمرض أو فتور أو كِبر أن يأتي بما يقدر عليه، كاللمس باليد. وهل يكفي العاجز فيئه بالقول ولو زال المانع من بعد، أولا بد له من الوطء بعد زواله؟ قولان، والثاني هو الصحيح .
24. إن اختلفا في الإصابة؛ فقيل: القول قوله مع يمينه، وقيل ذلك في مدة التربص، أما فيما بعدها فالقول قولها مع يمينها، وقيل: إن كانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه، وإن كانت بكرا فالقول قولها مع يمينها ، وهو
الصحيح.
25. الحبس من جملة الأعذار التي يكفي فيها الفيء بالقول مع الإشهاد وفرَّق بعضهم بين حبس المظلوم وحبس المستحق، فعده عذرا في المظلوم دون المستحق وجنح إليه المؤلف.
26. من طرأ عليه جنون أو نحوه فهو كالسليم عند من يرى عزيمة الطلاق بانقضاء أمد التربص، والقائلون بالوقف يرون إمهاله إلى برئه، ثم استئناف المدة من جديد.
27. لا يتحقق الفيء إلا بأن يطأ قاصدا على الصحيح ، ومنهم من قال: وطء الناسي أو المُكره أو السكران يُعد فيئا.
28. إن اختلفا في مضي المدة ، ولم تكن لأحدهما بينة فالقول قوله مع يمينه.
29. إن كان إيلاؤه بتعليقه طلاقا أو عتاقا على وطئها لزمه بفيئه ما ألزمه نفسه ، فإن كانت هي التي علق طلاقها على وطئها أُمر بأن لا يتجاوز في فيئه طعنة مغيبة للحشفة ، وبهذا تطلق وله رجعتها إن كان الطلاق المعلق رجعيا ، وقيل يؤمر بأن يأتي بشاهدين من وراء الستر ، ويغشاها بطعنة ، ثم يُشهدهما على مراجعتها قبل أن ينزع. وقيل يكفيه أن ينوي الحنث ، ويُشهد على المراجعة . والقول الأول أرجح، والثاني أحوط . ولا خلاف في المذهب
أنها تحرم عليه إن تمادى في وطئها بعد الطعنة .
30. من كانت له أربع نساء فآلى منهن جميعا بلفظ واحد، فقيل: لا يتحقق إيلاؤه حتى يطأ ثلاثا، لأنه بوطئه الرابعة يحنث، وعليه فإنه يُحكم بإيلائه من الرابعة قبل أن يطأها، وقيل: هو مول منهن جميعا؛ لمضارته إياهن، وإن كان لا يحنث حتى يطأهن جميعا، والأول هو قول الشافعي وأصحابه، وبالثاني قال أبو حنيفة وأكثر أصحابه. واتفق الفريقان أنه لو ماتت واحدة منهن سقط الإيلاء بناء على ما اتفقوا عليه أنه لا يحنث إلا بوطئهن جميعا، وبالموت يتعذر الوطء، وخلاف ذلك لو طلق بعضهن لإمكان وطء المطلقة حلالا بمراجعة، أو حراما بدونها .
واختلف الحنابلة في أصل هذا الإيلاء، فمنهم من أخذ بقول الشافعي، ومنهم من أخذ بقول أبي حنيفة، وخالفوهما معا في طلاق بعضهن، فعدوه هادما للإيلاء كموت بعضهن، ومذهب أصحابنا يتفق مع ما ذهب إليه الشافعية؛ في كون الإيلاء يتحقق في آخرهن وطئا. ولكن المؤلف اختار أن الإيلاء يلحقهن جميعا فيطالب بالفيء إلى كل واحدة منهن، وإلا خرجن بالإيلاء بمضي أمد التربص، وذلك لأجل رفع الضرر وحمايتهن من الحرمان من المعاشرة.
أما الحنث فلم أجد من تعرض له من أصحابنا، ولكن كلا القولين سائغ وله أصل في أصول أصحابنا وغيرهم، فالقائلون بأنه يحنث بأول وطء يرون الأخذ بأوائل الأسماء، والقائلون بعدم حنثه حتى يطأ الأخيرة يأخذون بأواخرها.
31. إن قال لا أطأ واحدة منكن قارنا ذلك بقسم، فيحتمل الإيلاء منهن جميعا، ويُحتمل إرادة واحدة، فإن قصدهن جميعا فعلى ما سبق في الصورة السابقة، لكن الحنث في هذه الصورة يقع بوطء أي واحدة منهن، ولذلك يسقط به الإيلاء عندهم ، وإن نوى واحدة بعينها طولب أن يُعيّنها، وإلا فإنها تتعين بوطء ثلاث عند الحنابلة، ويُحكم بالإيلاء من الباقية وهي الرابعة، وكذلك الشافعية، وإنما ذهب بعض الحنابلة إلى أنها تخرج بالقرعة، واختلف الحنفية هل يكون إيلاؤه شاملا لهن أو أنه من واحدة فقط؟ وخلاف ذلك ما إذا قال: "إحداكن" فلا يكون إلا من واحدة، أما إن قال:"كل واحدة" فيشملهن جميعا، ومع الإجمال يُطالب بتعيين واحدة بعينها عندهم، ولكن في نهاية مدة التربص لا قبل ذلك.
أما أصحابنا فعندهم لو قال في قسمه: "لا أطأ واحدة منكن" فهو ينطبق عليهن جميعا؛ إن لم ينو واحدة بخصوصها، وتلزمه الكفارة بوطء أي واحدة.
وذهب المؤلف إلى أنه يطالب في هذه الحالة أن يفيء إليهن جميعا قبل انقضاء أمد التربص ، وإلا خرجن بعزيمة الطلاق ، ولا يكفيه أن يفيء إلى بعض دون بعض لما فيه من الإضرار بمن لم يفىء إليها ، ,وإن كان حنثه
بغشيان أول من يغشاها منهن ، بحيث لا يتكرر بإتيان غيرها .
32. إن قال لإحدى امرأتيه: "والله لا وطئتك" ثم قال للثانية: "أشركتك معها في إيلائها"؛ فجمهور أهل العلم أن الثانية لا يلحقها الإيلاء، واختار المؤلف أنه إن امتنع عنها انطبق عليه حُكمه لما فيه من الإضرار بها، وإن كان لا يحنث بوطئها.
33. إن قال لامرأته وأجنبية معها أو أمته :" والله لا أقربكما" فلا يكون موليا عند الجمهور إلا إذا أتى الأمة أو الأجنبية ، لأنه عندئذ يحنث بوطء امرأته ، وذلك بخلاف ما إذا قال لهما : "والله لا أقرب واحدة منكما".
ورأى المؤلف أنه إن امتنع عن إتيان امرأته ألحق ذلك بحكم الإيلاء لدفع الضرر عنها.
34. إن كرر الإيلاء من امرأته ثلاث مرات في مجلس واحد فإن قصد به التأكيد طلقت واحدة بمضي التربص ، وإن قصد به التأسيس فإنها تبين بثلاث متتابعة بمضي أمد التربص عند الحنفية ، وذلك لتتابع الإيلاء ، كما يتتابع الطلاق ، فيُلحق الطلاق بغيره.
ورأى المؤلف أن طلاق الإيلاء لا يتكرر لأنه طلقة بائنة ، فلا تتبعها غيرها.
35. ذهب أكثر علماء الأمة إلى أن المولي يُوقف عند انتهاء أمد
التربص ، فيفيء أو يُطلِّق أو يُطلَّق عليه ، وذهب طائفة من سلف الأمة إلى أن انقضاء أمد التربص هو طلاق تنفصل به المرأة عن الزوج ، ولا داعي إلى الوقف والتطليق إن لم يفيء ، وبهذا قال أصحابنا والحنفية ، واختاره بعض المحققين ، واختلف هؤلاء هل هذه الطلقة رجعية أو بائنة ؟ وبهذا الأخير قال أصحابنا ، وهو الصحيح عند المؤلف.
36. ذهب جمهور علماء الأمة إلى أن المولى منها بعد مضي أمد التربص لا بد لها من عدة تعتدها، سواء كان انفصالها بطلاق؛ عند من يقول بأنه لا بد من طلاق للانفصال، أو بنفس مضي أمد التربص؛ عند من يقول بأنه عزيمة الطلاق .وذهب أبو الشعثاء جابر بن زيد رحمه الله إلى أنها لا عدة عليها، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال به أكثر أصحابنا ، كما قال به قلة من علماء غيرنا ، ولكن هؤلاء اشترطوا أن تكون مرت بها ثلاثة قروء في خلاف أمد التربص، ولم يشترط ذلك أصحابنا، إلا أنهم اشترطوا عدم الحمل، فإن كانت حاملا فلا تحل للأزواج حتى تضع حملها. وذهب قلة من أصحابنا إلى وجوب الاعتداد عليها، كما قال الجمهور، وهو الذي اختاره المؤلف.




أحمد بن حمد الخليلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق