الأربعاء، 26 فبراير 2014

المنطلقات الفكرية للجودة والاعتماد في منهجية التعليم العالي



المنطلقات الفكرية للجودة والاعتماد في التعليم
ارتبطت حركة المعايير بحركتين كبيرتين هما الجودة الشاملة والاعتماد التربوي. وشكلت الحركات الثلاثة فكراً تربوياً مترابطاً ثلاثي الأبعاد خلال حقبة التسعينات من القرن الميلادي الماضي, حتى أصبحت المعايير هي المدخل الحقيقي إلى تحقيق جودة التعليم في مؤسسة ما. وأصبح الاعتماد هو الاعتراف بأن المؤسسة التعليمية قد حققت معايير الجودة المعلنة.
وارتبطت العناصر الثلاث ارتباطاً تاريخياً بحيث أصبح لا يمكن الفصل بينها. وفهم هذه العلاقة يؤدي إلى فهم الصورة الكلية وفهم السياق العام الذي يجب أن يتوفر لعمل معايير . ويلاحظ تعدد الطرق والأنظمة والمداخل للجودة. فبينما اتجه البعض لتطبيق المعايير عن طريق المساءلة والتقويم الشامل, مثل انجلترا, اتجه البعض الآخر لتطبيق نظم إدارة الجودة, مثل بعض دول أوروبا وأمريكا.
وتختلف الأنماط العالمية للتقويم المؤسسي التربوي في أهدافها وتركيزها والأساليب المستخدمة بها اعتماداً على الثقافة وعلى العوامل المختلفة. وقد صُنفت نظم التقويم في إنجلترا بأنها تتجه نحو اليمين لأنها موجهة خارجياً وترتبط بالدعم. كما صنفت نظم أوروبا بأنها قريبة من الوسط. وكلاهما جديد, ويعتمد على مراجعة الزملاء للبرنامج. أما نظم التقويم بكل من أمريكا وكندا وأمريكا اللاتينية فقد صنفت بأنها قريبة من اليسار, لأنها داخلية وموجهة نحو التحسين.  والتقويم الذاتي المعمول به بهدف التحسين وتوكيد الجودة موجود في دول متعددة. ولكن من الصعب أن يكون فعالاً في عمليات موجهة خارجياً وبالذات التي توجه من الحكومة والمرتبطة بالميزانية  (إيول Ewell ,( 1994 .
ويعتبر النموذج الأمريكي في الاعتماد, والنماذج التابعة له, من أكثر النماذج نضجاً لاعتماده على التنظيم الذاتي, ولتناوله جميع جوانب المؤسسة, كما يعتبر من أوضح الأنظمة وأكثرها تفصيلاً ومراعاة لجوانب التغيير الأساسية. ويتصف إطار الجودة والاعتماد في أمريكا بأن اهتمامه داخلي ويؤكد على التقويم الذاتي والتنظيم الذاتي الداخلي, وأنه بعيد عن تأثير الحكومة, ويركز على  التغذية الراجعة من المستفيدين وتطوير التعلم والتعليم والخدمات والإدارة (رشاد ومسعود Rashad and Massoud, 2001).

وفيما يلي تفصيل لهذه المنهجية:
1- وضع الأسس والمعايير وتطويرها: تقترح هيئة الاعتماد الأسس والمعايير للاعتماد وضمان الجودة  والنوعية, ويتم تعميم الأسس والمعايير حسب الضرورة وبالاستفادة من مخرجات عملية التقييم الدورية للمؤسسة التربوية.
2- إجراء التقويم الذاتي Self evaluation : تقع مسـؤولية إجراء التقويم الذاتي على المؤسسة نفسها, ويكوّن التقييم الذاتي أهم العناصر في عملية التقييم الخارجي. وتجري المؤسسة تقييماً ذاتيا، موضوعياً وعلمياً، كوسيلة مجدية لمراجعة البرامج التي تقدمها دورياً، وعلاقة تلك البرامج مع رسالة وسياسة المؤسسة. ثم تعين المؤسسة "لجنة موجهة" لهذا الغرض, وتؤخذ مدخلات كافة العناصر من إدارة، وأعضاء هيئة التدريس, وطلبة. وتناقش النتائج الأولية لعملية التقييم الذاتي على أوسع نطاق ممكن, وتستخدم لتحليل مكامن القوة والضعف. ويجب أن يؤدي تقرير الدراسة الذاتية self study (أو التقييم الذاتي) إلى خطوات محددة على المؤسسة اتخاذها لمعالجة مكامن الضعف التي تم تشخيصها. وعلاوة على أن التقييم الذاتي يسهم في التقييم الخارجي، فإنه أيضاً وسيلة مجدية في تحقيق نوعية ما يقدم في المؤسسة التعليمية نفسها، وإدخال التحسينات المطلوبة فيها.
3- إجراء التقويم الخارجي External evaluation : تقع مسـؤولية التقييم الخارجي على هيئة الجودة والاعتماد الأكاديمي, ويتم إجراء التقييم الخارجي من قبل لجنة مهنية متخصصة، وتعين لهذا الغرض، وتسمى "لجنة التقييم الخارجي". ويتم إشعار المؤسسة المعنية بالإطار الزمني للتقييم المزمع عقده، ومواءمته مع الجدول الزمني للمؤسسة المعنية. وتوفر المؤسسة المعنية تقرير "اللجنة الموجهة للتقييم الذاتي" كمدخل أساسي في عملية التقييم الخارجي. ويتم تعيين أعضاء "لجنة التقييم الخارجي". وتعقد اللجنة اجتماعا تمهيديا، قبل "زيارات الموقع"، لاعتماد "الشروط المرجعية" ومراجعة تقرير "لجنة التقييم الذاتي". وخلال الزيارات الميدانية، تعقد اللجنة مقابلات مستفيضة مع معدّي التقييم الذاتي، وتقوم بزيارة وتفقّد المرافق من مكتبات ومختبرات وفصول، كما تقيّم المصادر التعليمية، ووسائل الامتحانات المستخدمة. وتعّد اللجنة "تقريراً أولياً" وتناقشه مع "لجنة التقييم الذاتي" , وبناء على النقاش تعد اللجنة "تقريراً نهائياً".
4- اتخاذ القرار وتعميم النتائج: تناقش الهيئة مسوّدة التقرير مع إدارة المؤسسة التربوية المعنية وتتناول التوصيات معها. تعمّم الجهة المسؤولة التقرير النهائي، بعد إقراره وترفق مع التقرير الإجراءات التي تنوي اتخاذها اعتمادا على توصيات الهيئة. تعلم هذه الجهة (مثل الوزارة) إدارة المؤسسة المعنية بالقرارات التي تنوي اتخاذها في ضوء عملية التقييم: إما بالموافقة على الاعتماد دون تحفظ، أو الموافقة بشرط التعديل، أو عدم الموافقة.  وفي حالة الموافقة المشروطة أو عدم الموافقة, تحدّد فترة زمنية لتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير.
5-إعادة التقييم: يتم إعادة تقييم المؤسسة دورياً، مرة كل عدة سنوات. وتتّبع الإجراءات المبينة أعلاه في عملية إعادة التقييم الدوري. وتدرس الهيئة إمكانية تطوير المعايير للاعتماد وضمان الجودة بناء على نتائج عملية التقييم والمدخلات ذات العلاقة (جيمس James ,  1996 ؛ إلقارت  Elgart, 2002)

ثانياً: مساعي المملكة العربية السعودية لتحقيق الجودة في التعليم العالي:
         لقد صمم نظام الاعتماد وتوكيد الجودة في المملكة العربية السعودية للتأكد من أن جودة التعليم العالي مساوية لأعلى المستويات العالمية, ومعترف بها بشكل واسع في المجتمعات الأكاديمية والتخصصية العالمية. ووضع للتأكد من مستويات محصلات تعلم الطلبة بغض النظر عن المؤسسة التعليمية التي يدرسون بها,  ولتوضيح تساوي هذه المعايير مع تلك المعايير التي وضعت للشهادات التي تمنح عالمياً. وبحسب مستوى الدرجة الممنوحة, يختلف مستوى محصلات التعلم لكل مجال من مجالات التعلم الخمسة: المعلومات, والمهارات المعرفية, والمهارات الاجتماعية والمسؤوليات, والمهارات الحسابية والتواصلية, والمهارات النفسية الحركية. وتعرف الهيئةُ الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي الجودةَ بأنها مستوى الأداء مقارنة بالمعايير المقبولة للممارسات الجيدة عالمياً والخاصة بتطوير تعلم الطلبة وإدارة المؤسسات التربوية, ومناسبة الأداء لما تريد الجامعة تحقيقه (الأهداف والأولويات),  ومدى مناسبة أهداف وأولويات المؤسسة في ظل الظروف التي تعمل بها المؤسسة والمجتمعات التي تخدمها (الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديميNCAAA, الدليل الثالث لورشة عمل توكيد الجودة والاعتماد الأكاديمي, 2006).
واشتقت معايير الاعتماد من الممارسات المقبولة التي رأتها الهيئة من خلال الإطار النظري المحلي, وتمثل أفضل الممارسات العالمية, ويستخدمها المراجعون الخارجيون كمحكات في تقويمهم. وعدد هذه المعايير أحد عشر معياراً يمكن جمعها في خمس مجموعات: السياق المؤسسي ويشمل: (1) إنشاء الرسالة, والغايات, والأهداف, (2) السياسة و الإدارة, (3) إدارة عمليات توكيد الجودة وتحسينها؛ وجودة التعلم والتدريس, وتشمل: (4) التعلم والتدريس؛ ودعم تعلم الطلاب, ويشمل: (5) إدارة شؤون الطلاب وتوفير الخدمات لهم, (6) توفير مصادر التعلم؛ ودعم البنية التحتية, ويشمل: (7) إدارة التسهيلات والتجهيزات, (8) الإدارة والتخطيط المالي, (9) عمليات توظيف أعضاء هيئة التدريس والموظفين؛ والإسهامات المجتمعية, وتشمل: (10) البحث, (11) علاقات المؤسسة التعليمية بالمجتمع. كما تم وضع إطار نظري للمؤهلات  لوصف معايير التعلم المتوقعة في كل مستوى تأهيلي.
وتضمنت مراحل تطوير النظام من قبل الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي ثلاث مراحل تدريجية: شملت الأولى تطوير المعايير وعمليات الجودة و الاعتماد, ثم استطلاع آراء العاملين بالمجال فيها عن طريق أربع ورش عمل. أما المرحلة الثانية فشملت عمل دراسة استطلاعية لتطبيق المعايير الجديدة على جامعتين (جامعة الأمير سلطان,  وجامعة الملك عبد العزيز), وأجريت الدراسة الذاتية ثم التقويم الخارجي من قبل فريق من الخبراء من خارج المملكة. كما شملت تنفيذ عدة ورش عمل مستقلة على مدى السنتين الماضيتين في مدن المملكة الرئيسية (الرياض, وجدة, والدمام). وتكونت كل ورشة عمل من ثلاثة مستويات تدريبية, حيث شمل المستوى الأول التدريب العام على مفاهيم ومعايير الاعتماد, وشمل المستوى الثاني الاعتماد المؤسسي, وشمل الأخير الاعتماد البرامجي. وقد حضر ورش العمل عدد من المتدربين الذين يمثلون عمداء الكليات السعودية والقائمين بعمليات الجودة بالجامعات والكليات المختلفة. تلى ذلك البدء في خطوات التقييم الذاتي. أما المرحلة الثالثة فتشمل التطبيق الكامل للنظام لاعتماد المؤسسات والبرامج بعد التأكد من تطبيق المؤسسات لنظم جودة داخلية ومراجعة الاعتماد كل سبع سنوات (Almusallam , 2007).
الطريقة التي يعمل بها نظام توكيد الجودة في الجامعات السعودية: يؤسس مركز للجودة بكل جامعة, وتمثل لجنة الجودة أقسام الجامعة, ويقوم المركز بالقيادة والنصح والعمل مع الكليات والأقسام والوحدات لتطوير نظم توكيد جودة مناسبة. ويقوم بتصميم نماذج التخطيط والتقارير وينسق لتقويم الجودة. وداخل كل برنامج ومقرر, يجب عمل خطط من المسؤولين عن البرنامج لتحديد ما تم تعلمه, وكيف تم تعلمه, وكيف قيّم هذا التعلم. ويجري اتخاذ قرارات عن المؤشرات التي يمكن أن تستخدم كدليل لتحقيق الجودة. وفي نهاية كل سنة ينبغي عمل تقارير عن ما تم إجراؤه والخطط التي أجريت للتحسين. وينبغي عمل إجراءات مماثلة للوظائف غير التعليمية. وتجرى دراسة ذاتية مؤسسية شاملة كل خمس سنوات تقريباً لمراجعة كل جوانب الجودة بما في ذلك البرامج والخدمات والإدارة. ويكون تركيز المراجعين الخارجيين –من هيئة التقويم والاعتماد - على التقارير عن الدراسات الذاتية للجامعة وللبرامج والخطط الموضوعة بناء على ما تم استكشافه,  وذلك لاعتماد البرامج وتقييم الجامعة. ويمكن إجراء الدراسات الذاتية للبرامج وللمؤسسة ككل بشكل منفصل. ولكن ينبغي التنسيق بينها وبين المراجعات الخارجية زمنياً وتنظيمياً.  
وهناك خطوات عمل ينبغي على لجنة الاعتماد وتوكيد الجودة بالجامعة أو الكلية أو المؤسسة التعليمية القيام بها: حيث ينبغي أن تحصل على دعم الجهات العليا بالجامعة, وأن يتضح للجميع أهمية مشاركة الكل. ويتم اختيار فريق عمل جيد, ويتم البحث عما عملته الجامعات الأخرى في هذا المجال والحصول على التطبيقات والإرشادات والإجراءات والأفكار المتاحة ويتم اختيار المناسب منها للاستنارة به. ثم يتم تقويم الوضع الحالي من حيث الجودة, وجمع الأدلة اللازمة لعملية التخطيط. ثم يتم استخدام مقاييس التقويم الذاتي كمرشد مبدئي وأدلة الجودة لتحديد جوانب القوة والضعف الموجودة, ويتم البحث عن الأقسام التي تقوم بأنشطة جودة يمكن أن تكون أساساً لغيرها. ثم يتم تحديد الأهداف من خلال رسالة وأهداف الجامعة, ووضع استراتيجية للتطوير. وينبغي التدرج في التنفيذ, والبدء بالمجالات التي يمكن تحقيق النجاح فيها بسهولة, مما يجعل الآخرين راغبين في متابعة النتائج. وتحدد العوائق التي ستحد من عملية التغيير, مقابل العوامل التي تدعم عملية التغيير, وتحدد طرق التغلب على العوامل المعيقة وإزالتها, مقابل طرق زيادة وتقوية العوامل المساعدة, وتناقش الاستراتيجية مع لجنة توكيد الجودة, وتحدد أفضل الطرق للاستمرار. ثم يتم تجريب الأفكار قبل تعميمها, وإجراء مشاريع استطلاعية في المجالات التي حددت للبدء بها, مع استخدام الاستمارات وعمليات التخطيط والتقويم, ثم التوسع في تطبيق نظام الجودة, (الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديميNCAAA, الدليل الثاني لورشة عمل توكيد الجودة والاعتماد الأكاديمي, 2006). ويمكن استخدام المعايير للتقويم المبدئي لمستوى الجودة الحالي وتحديد أولويات التحسين, واختيار بنود للمراقبة المستمرة, وللمراجعات النصفية (3 سنوات على سبيل المثال), وللدراسة الذاتية قبل المراجعة الخارجية (نحو 5 سنوات), ومرشداً لفريق المراجعة الخارجي.


 
  وتتكون منهجية الاعتماد والجودة من خمس خطوات رئيسة: (1) وضع الأسس والمعايير وتطويرها, (2) إجراء التقييم الذاتي, (3) إجراء التقييم الخارجي, (4) اتخاذ القرار وتعميم النتائج, (5) إعادة التقييم, كما هو موضح في الشكل رقم (1). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق