الجمعة، 28 فبراير 2014

الصلاة عماد الدين



(تعتبر الصلاة عمود الدين ورأسه بعد أركان الإيمان قال الله تعالى في وصف المؤمنين: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وقال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
وهي من الميثاق الذي طالب الله تعالى بها الأمم السابقة قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ).
وكان تضييعها من أسباب الخسران المبين في الدنيا والآخرة قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) وقال: (ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين)
لذا كانت الصلاة الركن الذين يأتي مجاوراً لمفهوم الجملة وما يتعلق بتفسيرها الاعتقادي، لذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الصلاة للناس ولم يتركهم إلا وهي كاملة مستقرة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، ويرى كل أحد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم يصلي فيتعلمون منهم الصلاة (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهي عبادة تمارس كل يوم فرضاً ونفلاً؛ لذا كان المستبعد جداً بل من الممتنع أن تكون هنالك أمور أو صلوات معينة خص بها أناس دون آخرين.
فعلى هذا تكون الصلاة وهيئتها مما نقل بالتواتر العملي، أي نقلها عبر العمل المتواصل جيلاً بعد جيل، لأنها ليست من الأمور التي تخفى على أحد.
وقد مرت الصلاة بمراحل متعددة حتى استقرت بالكيفية التي نعرفها؛ شأنها شأن كثير من التشريعات التي أخذت حيزها الزمني حتى ترسخ في حياة الناس، جاء في المدونة ج1 ص47-48 : (سألت الربيع فقلت: أوَ أرد السلام على الرجل إذا سلّم عليّ وأنا في الصلاة؟.
قال: لا؛ وكذلك قال أبو المؤرج، وروى لي عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم عليه أحد وهو في الصلاة رد عليه السلام، فسلم عليه رجل وهو يصلي فلم يرد عليه شيئاً، فظن الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعه من رد السلام عليه سخطه له، فجلس الرجل حتى انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله ونبيه من سخطهما، سلمت عليك يا نبي الله فلم ترد عليّ شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً"، قال أبو المؤرج: ومن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ناسخ ومنسوخ، والقرآن قد نسخ بعضه بعضاً، وقد فعل النبي عليه الصلاة والسلام أشياء مثل هذا ورجع عنها)، ومن تلك الأمور:
1. أن الصلاة كانت ركعتين فزيدت في الحضر وبقيت في السفر، كما دل على ذلك حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.
2. أن بعض صور الكلام لم تمنع ابتداء في الصلاة كرد السلام والحديث البسيط كما دلت على ذلك كثير من الأحاديث منها الحديث المعروف بحديث ذي اليدين في مسند الإمام الربيع، وكذا الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم: (إن صلاتنا هذه لا يصح فيها شيء من كلام الآدميين).
ثم منعت كل هذه الأمور وصارت الصلاة إلى وضع الاستقرار وهي التي تناقلها الناس عملياً (قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون).
وكذا الحال بالنسبة للصلوات، فالصلوات الخمس علمت للجميع ومورست عملياً، وكذا السنن المؤكدة، علمت للناس وواظب النبي صلى الله عليه وسلم عليهن ورغب الناس في إتيانهن كالوتر وركعتي الفجر وصلاة العيد، وكذا الحال بالنسبة للصلوات المندوبة؛ التي رغب الناس فيهن وكانت درجة الترغيب والممارسة أقل من السنن المؤكدة، ووصل علم ذلك للجميع، فليست هناك صلوات يخص بها أناس دون آخرين، إنما هي مما يعلم للجميع).
(لذا فثبوت هيئات الصلاة وكذا الصلوات يجب أن يكون في أعلى درجات الثبوت العلمي، خاصة بعد دخول المسلمين في نفق الصراع السياسي الذي صبغ كثيراً من الأمور بطابعه المميز.
دروس في الصلاة:
من أوائل المدارس الإسلامية التي نشأت في القرن الأول الهجري المدرسة الجابرية، التي أرسى دعائمها عدد من فقهاء التابعين على رأسهم الإمام الكبير جابر بن زيد رضي الله عنه، وهذه المدرسة كان لها منهجها الخاص في التعامل مع النص باختلاف القضايا المطروحة، ومن الكتب التي دونت آراء منظري تلك المدرسة:
- مسند الإمام الربيع بن حبيب
- مدونة أبي غانم الخراساني، وهو تلميذ الربيع وابن عبدالعزيز وأبي المؤرج.
- أصول الدينونة الصافية لعمروس بن فتح وهو تلميذ أبي غانم.
وقضية هيئة الصلاة كانت من ضمن القضايا التي ناقشوها ووضعوا لها ضوابط واضحة ومحددة سواء في الثبوت أو الدلالة، ومن دراسة العديد من النصوص التي أثرت عنهم تبين لنا الآتي:
1. هيئات الصلاة الأساسية والمتعلقة بهيكلها ودعامتها الأساسية يجب أن تثبت بالتواتر العملي كعدد الركعات وهيئة الركعة من قيام وركوع وسجود، وهذا القدر مما اتفقت الأمة عليه ومارسته عملياً.
2. ما يتعلق بتفصيلات هذه الدعائم يجب أن يثبت بالسنن المجتمع عليها (هي التي وصل علمها للجميع وإن كانت بطريق الآحاد) التي يدعمها عمل الأمة المتواصل.
ومن خلال دراسة هيئة الصلاة المنقولة عنهم لم توجد بحسب البحث أي جزئية انفردوا بها عن غيرهم، بل وجد عند غيرهم الانفراد بكثير من القضايا التي تعد زيادة على الهيئة المعروفة للصلاة.
ومن خلال الاستقراء للنصوص التي تؤيد هذا التحليل:
1. خلو المسند والمدونة وهما معتمدهم في الحديث من روايات الحركة والكلام في الصلاة، بحيث رفضوا الروايات التي خالفت الأصل العملي في وجوب الخشوع في الصلاة، وهي الهيئة التي استقرت عليها الصلاة تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى: (قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون).
يقول في ذلك شيخنا القنوبي حفظه الله في برنامج سؤال أهل الذكر: (وهذه المسائل التي جاءت في السؤال لا يمكن أن يقال بأنها من المسائل التي تخفى على بعض العلماء أو بأنه رووها من قبل ولكنه قد عزبت عنهم فيما بعد؛ لأن هذه من المسائل التي تتكرر في سبعة عشر ركعة في اليوم الواحد، وذلك في الفرائض فضلاً عن السنن والنوافل فلا يمكن أن يدعي مدع بأنها قد عزبت عن حفظهم أو أنهم لم يشاهدوا الصحابة بأنهم كانوا يفعلون ذلك، مع أن بعضهم كالإمام جابر بن زيد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه قد صلى مئات بل آلاف الصلوات مع صحابة رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعاش معهم فترة طويلة جداً لا يمكن أن يقال بأنه لم يشاهد ذلك).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق