النشأة
الأولى للغة العربية
اللغة
العربية هي إحدى اللغات السامية (*) ، انشعبت هي و هن من أرومة واحدة نبتت في أرض واحدة ، فلما خرج
الساميون من مهدهم لتكاثر
عددهم اختلفت لغتهم الأولى ، و زاد هذا الاختلاف انقطاع
الصلة و تأثير البيئة و تراخي الزمن حتى أصبحت كل لهجة منها لغة مستقلة
و يقال أن
أحبار اليهود هم أول من فطن إلى ما بين اللغات السامية من علاقة و تشابه في أثناء
القرون الوسيطة ، و لكن علماء المشرقيات من الأوربيين هم الذين اثبتوا هذه العلاقة
بالنصوص حتى جعلوها حقيقة علمية لا إبهام فيها و لا شك .
و العلماء
يردون اللغات السامية إلى الآرامية و الكنعانية و العربية ، كما يردون اللغات
الآرية إلى اللاتينية و اليونانية و السنسكريتية .
فالآرامية
أصل الكلدانية و الآشورية و السريانية ، و الكنعانية مصدر العبرانية و الفينيقية ،
و العربية تشمل المضرية الفصحى و لهجات مختلفة تكلمتها قبائل اليمن و الحبشة ، و
الراجح في الرأي أن العربية أقرب المصادر الثلاثة إلى اللغة الأم ، لأنها
بانعزالها عن العالم سلمت مما أصاب غيرها من التطور و التغير .
و ليس في
مقدور الباحث اليوم أن يكشف عن أطوار النشأة الأولى للغة العربية ، لأن التاريخ لم
يسايرها إلا و هي في وفرة الشباب و النماء ، و النصوص الحجرية التي أخرجت من بطون
الجزيرة لا تزال لندرتها قليلة الغناء ، و حدوث هذه الأطوار التي أتت على اللغة
فوحدت لهجاتها و هذبت كلماتها معلوم بأدلة العقل و النقل ، فإن العرب كانوا أميين
، فكان من الطبيعي أن ينشأ
من ذلك و من اختلاف الوضع و الارتجال و من كثرة الحل و
الترحال و تأثير الخلطة و الاعتزال اضطراب
في اللغة كالترادف ، و اختلاف اللهجات في الإبدال و الإعلال و البناء و الإعراب ( 1 )
( * ) المراد باللغات السامية لهجات سكان القسم الجنوبي من غرب
آسيا من حدود الأرمن شمالا إلى البحر العربي جنوبا و من خليج العجم شرقا إلى البحر
الأحمر غربا ، و هي منسوبة إلى سام بن نوح عليهما السلام ، كما تسمى اللغات الآرية
باليافثية أيضا نسبة إلى يافث أنظر مصطفى صادق الرافعي ، تاريخ آداب العرب
، ج1 ، ط5 ، ص 74 ، 75
( 1 ) أحمد
حسن الزيات ، تاريخ الأدب العربي ، ط 24 ، ( دار المعرفة ، بيروت ) ، ص 13
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق