الخميس، 27 فبراير 2014

اسباب عدم التمييز عن الصغر الطفل الصغير مسؤولية عديم التمييز عن فعله الضار



 أسباب عدم التمييز[1]
        يمكن أن يرد انعدام التمييز إلى أمرين أساسيين أولهما صغر السن، وثانيهما المرض العقلي، وما يهمني هنا في بحثي الاول وهو صغر السن.
تنص المادة (44/2) من القانون المدني الأردني على أن "كل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقدا للتمييز".
وواضح من هذا النص أن المشرع الأردني قد حدد سن التمييز بسبع سنوات، ومن ثم فإن الشخص الذي لم يبلغ هذه السن يعد عديم التمييز.
ولا ريب أن المشرع الأردني قد تأثر بالفقه الإسلامي، وهو بصدد تحديد سن التمييز، إذ إن الراجح في هذا الفقه الحنيف هو سبع سنوات، طالما أن الشخص لم يصب بمرض عقلي، إنطلاقا من أن الغالب أن الشخص في هذه المرحلة العمرية تكون مداركه قد تمت.
أن المشرع الأردني بتحديده سن السابعة من العمر كسن للتمييز إنما أقام قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس من أن الصغير لا زال فاقدا للتمييز على الرغم من بلوغه هذه السن.
 انعدام التمييز بسبب المرض العقلي[2]
ولا بد ان اعرج بالحديث عن النوع الثاني من اسباب عدم التمييز بسبب المرض العقلي، إن الصغير الذي يبلغ سن السابعة يعتبر مميزا في القانون الأردني، اما في ظل القانون الفرنسي فالأمر مرجعه للقاضي حسب حالة الشخص الراهنة طالما لم يبلغ سن الثامنة عشرة، لكن ذلك كله مرهون بألا يطرأ على الشخص بعد بلوغه هذه السن ما يؤدي إلى انعدام تمييزه.
وقد نصت المادة (44/1) مدني أردني على أنه "لا يكون اهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون".
والجنون كعارض من عوارض الأهلية، يؤدي إلى انعدام التمييز، ذلك أنه مرض يصيب العقل فيفقده، والفقهاء المسلمون يميزون بين نوعين من الجنون، فهناك الجنون المطبق وهو الذي يكون موجودا كل الوقت، وهذا يؤدي إلى انعدام التمييز، كما أن هناك الجنون المتقطع، وهو الذي لا يستوعب كل الوقت وإنما تتخلله فترات يفيق الشخص فيها، ومن ثم يعد مدركا لأفعاله، وهذا يأخذ حكم المعتوه[3].
وقد أخذ المشرع الأردني بالتفرقة التي قال بها الفقه الإسلامي بين الجنون المطبق والجنون المتقطع، في المادة (128/2) مدني على أن "المجنون المطبق هو في حكم الصغير غير المميز. أما المجنون غير المطبق فتصرفاته في حال إفاقته كتصرف العاقل".
أما العته، فهو لا يؤدي إلى زوال العقل كالجنون، وإنما إلى نقصانه فقط، فيكون الشخص مختلط الكلام قليل الفهم، ويفرق الفقهاء المسلمون بين نوعين من العته، الأول يأخذ الشخص فيه حكم الصبي المميز، ذلك لأنهما يتماثلان في الإدراك، والثاني يأخذ حكم الصبي غير المميز والمجنون، ذلك أن الإدراك في هذه الحالة يقل عن إدراك الصبي المميز[4].
ولقد اعتبر المشرع الأردني المعتوه في حكم الصغير المميز فيما يتعلق بتصرفاته، ونص على ذلك صراحة في المادة (128/1) مدني "المعتوه هو في حكم الصغير المميز".
وإن كانت المادة (44/1) مدني قد عدت المعتوه فاقد التمييز إذ تقول :"لايكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون".


 مسؤولية عديم التمييز عن فعله الضار
        أن القانون المدني الأردني قد استقى الغالب الأعم من أحكامه من الفقه الإسلامي، لأن مجلة الأحكام العدلية هي التي كانت سائدة قبل صدور مشروع القانون في (آب) 1976، على أن يبدأ تطبيقه اعتبارا من 1/1/1977م كما جاء في المادة الأولى منه.
وتعد مجلة الأحكام العدلية بمثابة قواعد شرعية مستقاه من الفقه الحنفي، وكان يرجى منها أن تكون قانونا مدنيا في الدولة العثمانية،نظمت مجلة الأحكام العدلية أسباب انعدام التمييز لدى الإنسان في الباب الأول من الكتاب التاسع، وحدد ت سببين لانعدام التمييز وهما صغر السن والجنو ن[5].
فإذا أردنا أن نبحث مدى مسؤولية عديم التمييز عن فعله الضار في القانون المدني الأردني، فإنه يجدر بنا أن نبحث هذا الموضوع بداية في الفقه الإسلامي، وثانياَ نتناول هذا الموضوع من زاوية القانون المدني الأردني.

اولا- مسؤولية عديم التمييز عن فعله الضار في الفقه الإسلامي
ابدأ بالقاعدة الفقهية المعروفة وهي: المباشر ضامن وإن لم يتعمد أو يتعد، والمتسبب لا يضمن بالتعمد أو التعدي.
اولاً : ان المقصود بالمباشرة ومدى انطباق حكمها على عديم التمييز ومن خلال التعريفات التي أوردها الفقهاء في هذا الصدد أنها تركز على إظهار علاقة السببية بين الفعل الذي يحدث من المباشر وبين النتيجة، فمتى ترتبت هذه النتيجة على الفعل، عندئذ تكون بصدد المباشرة، ولا يهم بعد ذلك القصد.
واذكر من تعريفات الفقهاء للمباشرة ما يلي: يرى الأحناف أن المباشر "من يلي الأمر بنفسه".
ويعرفها الشافعية بأنها "ما يؤثر في الهلاك ويحصله"، ويرى المالكية أنها "ما يقال عادة حصل الهلاك به من غير توسط"، والحنابلة قد وضعوا لذلك بعض الأمثلة منها كأن يلقيه في النار أو يسد فمه أو نفسه ..
وقد عرفت مجلة الأحكام العدلية في المادة (887) بقولها "الاتلاف مباشرة هو اتلاف الشيء بالذات ويقال لمن فعله فاعل مباشر".
والقاعدة في الفقه الإسلامي هي أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعد، والمتسبب لا يضمن إلا بالتعمد أو التعدي. 
ان الرأي الذي عليه جمهور الفقه الإسلامي هو تضمين عديم التمييز أي مسؤوليته عن أفعاله الضارة متى كان فعله قد أدى إلى هذا الضرر، وليس بالضرورة أن يكون متعمدا أو متعديا[6].
ذلك أن الفقه الإسلامي يهتم بجبر الضرر مراعاة لمصلحة المتضرر، دون النظر إلى الشخص الذي أحدثه، ومن ثم فإن الصبي غير المميز والمجنون ومن في حكمهما، يسأل عن الضرر الذي يحدثه للآخرين في النفس أو في المال، يستوي إذن كون الشخص مميزا أو غير مميز في ضمانه لأفعاله الضارة، فهو لايعفى من أفعاله الضارة في كل الحالات، وبالرغم مما تقدم فإن هناك اتجاها لبعض المالكية يرون فيه عدم تضمين عديم التمييز،
فيقول ابن جزي "وأما الصبي الذي لا يعقل فلا شيء عليه فيما أتلفه من نفس أو مال، كالعجماء، وقيل المال هدر، والدماء على العاقلة كالمجنون". لكن جمهور المالكية يذهبون إلى تضمين عديم التمييز كغيرهم من فقهاء المذاهب الأخرى.
ثانيا: التسبب ومدى انطباق حكمه على عديم التمييز.
أن الفعل في حالة المباشرة يؤدي إلى النتيجة دونما واسطة أي بشكل مباشر، بينما في حالة التسبب تكون هناك واسطة بين الفعل والنتيجة أي تشترك معه عوامل أخرى في إحداث الضرر ولذلك جاءت تعريفات الفقهاء للتسبب حول هذا المعنى، فعرفه الأحناف بقولهم "إحداث أمر في شيء يفضي إلى تلف شيء آخر على جرى العادة ويقال لفاعله متسبب" ، ويرى الشافعية أن التسبب "ما يؤثر في الهلاك ولا يحصله"
ويعرفه المالكية بأنه "ما يحصل الهلاك عنده بعلة أخرى إذا كان السبب هو المفضى لوقوع الفعل بتلك العلة"  إذن يتعين حتى تتحقق المسؤولية في حالة التسبب أن يتجاوز الشخص حدود حقه الشرعي (التعدي على حق غيره) سواء كان عمدا اهمالا وتقصيرا 


13- المعالجة التشريعية لاسباب انعدام التمييز في مجلة الاحكام العدلية ومدى كفايتها(دراسة تحليلية مقارنة مع مشروع القانون المدني الفلسطيني، إياد محمد جاد الحق،  مجلة جامعة الأزهر بغزة، سلسلة العلوم الإنسانية 2010 ، المجلد 12 ، العدد) 2 ص 703-732)
14- انظر المرجع السابق.
15- عوارض الاهلية (دراسة موازنة بين القانون الفلسطيني والقانون المصري)، احمد فوزي ابو عقلين، رسالة ماجستير،جامعة الازهر بغزة،2012.ص(30).
16- عوارض الاهلية (دراسة موازنة بين القانون الفلسطيني والقانون المصري)، احمد فوزي ابو عقلين، رسالة ماجستير،جامعة الازهر بغزة،2012. ص (33).
17- المعالجة التشريعية لاسباب انعدام التمييز في مجلة الاحكام العدلية ومدى كفايتها(دراسة تحليلية مقارنة مع مشروع القانون المدني الفلسطيني، إياد محمد جاد الحق،  مجلة جامعة الأزهر بغزة، سلسلة العلوم الإنسانية 2010 ، المجلد 12 ، العدد) 2 ص706)
18- المسؤولية التقصيرية لعديم التمييز(دراسة مقارنة) ، فضل ماهرعسقلان،رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين(2008).ص(24).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق