الخميس، 27 فبراير 2014

التمييز مسألة عديم التمييز مسؤولية عديم التمييز



هل يسأل عديم التمييز عن فعله الشخصي في حالة التسبب[1]؟
من المعلوم أن الفقهاء المسلمين لم يدرسوا النظم القانونية وخصوصا المسؤولية، على شكل نظريات، كما هو موجود في القوانين الوضعية، وإنما هم وضعوا الحلول الجزئية للمشكلات المعروضة، وصاغوا الفقه على أساس تلك الفرعيات تخريجا على اصول مذاهب أئمتهم ولهذا فأحكام المسؤولية في الفقه الإسلامي متفرقة في عدة أبواب مثل باب الجنايات، الغصب، الإتلاف، الديات وغير ذلك.
ويبدو أن الفقهاء لم يعرضوا لهذه المسألة تحديدا، مكتفين بما ورد في شأنها على وجه الإجمال، وإن كان الفقهاء المحدثون قد عرضوا لها في مؤلفاتهم.
ولا شك أنه في حالة التسبب بطريقة العمد، لا يوجد خلاف حول مطلب التمييز، ذلك ان العمد يستلزم الإرادة، وهذه الأخيرة لا تقوم بغير إدراك وتمييز، ومن ثم ففي هذه الحالة يسأل عديم التمييز عن فعله الضار، أما في حالة الإهمال والتقصير، وهي عكس العمد، فلم يكن هناك حلا واحدا في شأنها في الفقه الحديث.
فقد ذهب اتجاه في الفقه يرى أولى بالاتباع، إلى ان العبرة بالنظر إلى ذات الفعل وليس شخص الفاعل، فمتى كان الفعل محظورا وأتاه الشخص كان من قبيل التعدي الموجب للضمان.
أما الإتجاه الثاني فيرى بأنه ينبغي التفرقة بين حالة المباشرة والتسبب. وإذا كانت القاعدة صريحة في عدم تطلب التمييز عند المباشرة لكن الأمر مختلف في حالة التسبب التي تستلزم التعمد أو التعدي اي الخطأ، وهذا الأخير ينبغي أن يكون الشخص معه مميزا.
اعتقد أن الإتجاه الأول هو الأرجح، ذلك أن أساس الضمان الجبر وليس الجزاء والعقوبة، ومن ثم فإن المقصود منه هو رفع الضرر الذي حدث، أيا كان الشخص الذي وقع الضرر بفعله مميزا أو غير مميز، وهذا ما يتوافق مع قوله صلى الله عليه وسلم "لاضرر ولا ضرار"[2].
ثانيا -  موقف القانون المدني الأردني من مسؤولية عديم التمييز عن فعله الضار 
من المعلوم أن القانون المدني الأردني قد استقى احكامه من الفقه الإسلامي، ولذا فقد عد الإضرار هو اساس المسؤولية، وليس الخطأ كما عليه الحال في بعض التشريعات المعاصرة  وبالتالي فقد أقر في هذا الصدد مسؤولية عديم التمييز، ونص على ذلك صراحة في المادة (256) مدني بقوله "كل إضرار بالغير يلزم فاعله، ولو غير مميز، بضمان الضرر". وكذلك جاء في المادة (278) مدني أردني أنه "إذا أتلف صبي مميز أو غير مميز أو من في حكمهما، مال غيره، لزمه الضمان من ماله"[3].
إنّ النص الأردني كان واضحًا وصريحًا في مساءلة عديم التمييز، وبذات المصطلح المستخدم ضمانه للأضرار الناتجة من فعله ولو في هذه النصوص بذاتها مع التغاضي عما يتبعها ويسبقها من نصوص[4]
يتبين من هذين النصين أن المشرع الأردني يعترف كقاعدة عامة بمسؤولية عديم التمييز وهو قد سلك مسلكا متطورا في تقريره المسؤولية الكاملة لعديم التمييز، وقد استفاد واضعوا القانون من التطور الذي مرت به مختلف التشريعات في هذا الخصوص. وما قرره المشرع الأردني قد استوحاه من الفقه الإسلامي، الذي يقيم المسؤولية على أساس الإضرار.


19- انظر المرجع السابق.
[2]  ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية،دراسة مقارنة بين القانون المدني المصري والقانون المدني الأردني،أسماء موسى أسعد أبو سرور،رسالة ماجستير،
 جامعة النجاح الوطنية،نابلس،فلسطين،2006،ص(84-85).
[3]  المسؤولية التفصيرية لعديم التمييز"دراسة مقارنة" ، فضل ماهر عسقلان،رسالة ماجستير،جامعة النجاح الوطنية،نابلس،فلسطين،2008،ص(49).
[4]  ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية،دراسة مقارنة بين القانون المدني المصري والقانون المدني الأردني،أسماء موسى أسعد أبو سرور، رسالة ماجستير،
 جامعة النجاح الوطنية،نابلس،فلسطين،2006،ص(105).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق