الأربعاء، 19 فبراير 2014

مكافحة التصحر والجفاف





مكافحة التصحر والجفاف في شمال أفريقيا




مكافحة التصحر والجفاف في شمال أفريقيا




المحتويات


    الصفحة
موجـز.............................................................................

مقدمة.................................................                                                1

أولاً:             الخصائص المناخية الإيكولوجية لشمال أفريقيا.......................       1

ثانياً:             الجفاف والتصحر والتغيرات المناخية: حالات الترابط...............      2

ثالثاً:                       تعدد أسباب التصحر: الأسباب الطبيعية مقارنة بالأسباب الناجمة عن
أنشطة الإنسان.....................................................     3

رابعاً:            نطاق الجفاف وانتشاره الفضائي والبعد العالمي والإقليمي للتصحر..     6

خامساً:          التصحر والجفاف في شمال أفريقيا: توافق الآراء...................        10

سادساً:          فرص تحسين برامج العمل الوطنية لمكافحة التصحر في شمال
أفريقيا..............................................................      13

سابعاً:           استراتيجيات وطرق مكافحة التصحر والجفاف في شمال أفريقيا.....     15

ثامناً:            تحليل إجراءات مكافحة التصحر والجفاف التي أُتخذت في شمال
أفريقيا..............................................................      31

تاسعاً:                     اقتراحات ملموسة بشأن الإجراءات المشتركة التي ينبغي أن تتخذها
بلدان شمال أفريقيا.................................................     34

مراجـع                                                                                     36

موجــز[1]

يستعرض هذا التقرير الخصائص المشتركة لبلدان شمال أفريقيا فيما يتعلق بالمشاكل المرتبطة بالتصحر والجفاف. ويبرز التقرير مختلف الآليات التي وُضعت لدرء هذه الظاهرة، ثم يحلل الإجراءات والاستراتيجيات التي اتخذتها بلدان المنطقة دون الإقليمية لمكافحة التصحر والجفاف. وتوضح البيانات والمعلومات المتوفرة أن نسبة الأراضي التي اجتاحها التصحر، أو المهددة بالتصحر، تتراوح بين 60 و 90 في المائة من الأراضي في المنطقة دون الإقليمية لشمال أفريقيا. وتشمل الأسباب الرئيسية لتدهور الأراضي، بالإضافة إلى الضغط السكاني القوي، وتقلب المناخ، والإفراط في الرعي، وإزالة الغابات، وممارسات إدارة التربة. ويظهر التصحر بصفة خاصة في ظواهر التعرية بفعل الريح والمياه، وفي ظاهرة التملح. والمناخ السائد في نسبة تتراوح بين 55 و 100 في المائة من بلدان شمال أفريقيا هو المناخ الجاف وشبه الجاف. ويفسر هذا حجم هذه الظاهرة في المنطقة دون الإقليمية. ولذلك، فقد أصبح الجفاف، والقحط ظاهرتين هيكليتين فيما يتعلق بتنمية القطاعات الاقتصادية الحيوية في شمال أفريقيا (وبصفة خاصة الزراعة).

ووفقاً لالتزاماتها في قمة الأرض التي انعقدت في عام 1992، وضعت بلدان المنطقة دون الإقليمية لشمال أفريقيا برامج عمل وطنية ودون إقليمية لمكافحة التصحر. وانبثقت برامج العمل الوطنية من الإرادة السياسية لهذه البلدان من أجل الحد من آثار التصحر والجفاف، ومن ثم محاربة الفقر. ولذلك، فإن برامج العمل الوطنية ترمي في نفس الوقت إلى اتخاذ التدابير الرامية إلى تحسين البيئة الزراعية من أجل محاربة الفقر، والتدابير الرامية إلى المحافظة على الموارد الطبيعية، وبناء القدرات المؤسسية، وتوفير التدريب والتنمية، ونشر الوعي. وقد أفضت العوامل التاريخية المشتركة بين السبعة بلدان في المنطقة دون الإقليمية، ودرجة تأثرها بالتصحر والجفاف بصورة مماثلة، إلى ضرورة توافق في الآراء بشأن اعتماد نهج مشترك ومنسق لمكافحة هذه الظاهرة. ويمكن اعتماد هذا النهج في إطار اتحاد المغرب العربي، واللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل.

وتفضل هذه البلدان، في سياق ما تتخذه من إجراءات لمكافحة الجفاف، استراتيجيات الدرء والإنذار. وبهذا المعنى، وضعت آليات، تشمل بصفة خاصة، إنشاء نظم إنذار في حالة الجفاف، وإنشاء مراصد للبيئة.

ومن بين استراتيجيات مكافحة التصحر التي ثبتت أهميتها، هناك طرق تنحية الكربون في التربة، وتعميم التقنيات الزراعية التي تحافظ على التربة (وبصفة خاصة نظام البذر المباشر)، وتحديث نظم الري، ومراقبة المراعي، وطرق مكافحة التحات.
وأوضح تحليل الإجراءات الرامية إلى مكافحة التصحر التي تضطلع بها بلدان شمال أفريقيا تطوراً في الاستراتيجيات يتميز بالتغيير التدريجي من النهج التقني (الإنتاجي) الذي كان متبعاً خلال العقدين الذين أعقبا الاستقلال نحو نهج يرتكز بصورة مطردة على البحث عن شراكة حقيقية في الوسط الريفي عن طريق مشاركة جميع الجهات الفاعلة.

ويخلص التقرير إلى توصيات محددة في مجال الإجراءات المشتركة التي ينبغي أن تتخذها بلدان المنطقة دون الإقليمية. وفي هذا الإطار، كان هناك تشديد على مواءمة المشاريع، وتوحيد مؤشرات التقييم والمتابعة، وضرورة وضع إطار دون إقليمي لتبادل التجارب والخبرة في مجال مكافحة التصحر، ووضع برامج التدريب وبناء القدرات، وضرورة دعم البحث العلمي.

مقدمـة

1.      اُعد هذا التقرير وفقاً لبرنامج عمل المركز الإنمائي دون الإقليمي لشمال أفريقيا التابع للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا للفترة 2002-2003، بهدف تقديمه للاجتماع الثامن عشر للجنة الخبراء الحكومية الدولية للمركز الذي سينعقد في عام 2003. وتم إعداد التقرير على أساس مجموعة من الوثائق والتقارير الواردة من البلدان السبعة في شمال أفريقيا (تونس، والجزائر، وليبيا، والسودان، ومصر، والمغرب، وموريتانيا)، والمنشورات العلمية والتقنية، وأيضاً على أساس مصادر بيبليوغرافية أخرى واردة في نهاية هذا التقرير.


أولاً:  الخصائص المناخية الإيكولوجية لشمال أفريقيا

2.      تشمل منطقة شمال أفريقيا، وهي منطقة شبه جافة وصحراوية في معظمها، كل المنطقة الجغرافية لبلدان المغرب العربي بالإضافة إلى كل من مصر والسودان. ويتضح من الوصف العام والموجز لهذه  المنطقة أنها تتميز بتقلب المناخ، وقلة الموارد المائية وتناقصها بإطراد، وتدهور النباتات (الغابات والمراعي)، وفقر التربة وعدم تماسكها، وعدم كفاية الإنتاج الزراعي وقصوره عن تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان. ويقل معدل هطول المطار في رقعة تتراوح نسبتها ما بين 55 و 100 في المائة من أراضي شمال أفريقيا عن 600 ملم، بينما تنتشر الأراضي الجافة والشديدة الجفاف (الجدول 1).

الجدول 1 : توزيع الأراضي الجافة في شمال أفريقيا ومساحتها (في كل 1000 كلم2)
(Le Houérou, 1993)

البلد
المساحة الجغرافية الكلية
المناطق المناخية الإيكولوجية
مناطق معزولة
شديدة الجفاف
جافة
شبه جافة
المجموع
%
الجزائر
2381
1562
438
210
90
2300
97
تونس
164
30
33
55
26
144
88
المغرب
713
240
150
120
130
640
90
مصر
1001
685
286
30
0
1001
100
موريتانيا
1030
375
330
300
25
1030
100
ليبيا
1760
1435
230
90
2
1757
97
السودان
2505
560
190
375
250
1375
55

المتوسط  السنوي لسقوط الأمطار (ملم)
50>P
100>P>50
400>P>100
600>P>400




3.      والسبب في تدهور النظم الإيكولوجية في شمال أفريقيا هو النقص الشديد في معدل سقوط الأمطار في كل المنطقة. وفي الواقع، هناك اتجاه تنازلي لكميات الأمطار التي هطلت في الأعوام الأخيرة. ويرتبط انخفاض كمية الأمطار بالتناقص الشديد للمواسم الممطرة التي تعتبر السبب في زيادة كميات التهطال، بمعنى أن الأمطار  تهطل خلال فترات قصيرة من العام بينما تطول فترات الجفاف. وتنجم عن هذه الحالة آثار خطيرة في نظم الزراعة والإنتاج. وتزيد التقلبات التي تطرأ بين المواسم من هشاشة هذه النظم نظراً لعدم وجود بدائل اقتصادية، أو زراعية ملائمة. والآثار المباشرة لنقص كمية الأمطار في شمال أفريقيا هي تقلص حجم تدفق مجاري المياه الكبيرة، والنقص في تغذية طبقات المياه الجوفية. ويعني ذلك وجود جفاف هيدرولوجي على صعيد مستجمعات المياه.

4.      وأثر الجفاف أيضا في حالة طبقة مستجمعات المياه في معظم أنحاء  شمال أفريقيا. ويتميز النظام الإيكولوجي لشمال أفريقيا بتقلص الغطاء النباتي الذي يفضي بدوره إلى زيادة معامل انجراف التربة.

5.      وفي شمال أفريقيا، تتضافر آثار أنشطة الإنسان وتقلبات المناخ مؤدية إلى عملية ديناميكية تزيد من تدهور البيئة. ولذلك، يجد كل من التعريف الأرصادي، والتعريف الهيدرولوجي، والتعريف الاجتماعي-الاقتصادي، والتعريف الزراعي للجفاف مدلوله في نسق تدهور الموارد الطبيعية في هذه المنطقة التي لا يفصلها عن أوروبا سوى البحر والتي تشكل امتداداً لأفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى. ونُفذت المشاريع التي تهدف بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مكافحة التصحر والحد من آثار الجفاف كل واحد على حدة، وذلك في إطار المعونات المقدمة في هذا الشأن دون الاستفادة من المعلومات المتاحة في هذا المجال أو متابعة الأنشطة التي تم الاضطلاع بها في السابق. وكانت عملية المحافظة على الموارد الطبيعية و/أو إدارتها تتم دون استشارة مسبقة للسكان أو حتى مؤسسات البحث.

ثانياً: الجفاف والتصحر والتغيرات المناخية : حالات الترابط

6.      التصحر هو مصطلح إعلامي مبهم وذو دلالات متعددة. وقد دخل هذا المصطلح حيز الاستخدام الشائع منذ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الأول المعني بالبيئة في استوكهلم في عام 1972. وفي شمال أفريقيا، لا ينبغي الخلط بين التصحر والزحف الصحراوي، فعمليات التصحر معقدة ومتغيرة، وهي جزء من دورة لها أسباب وآثار طبيعية واجتماعية-اقتصادية مثل إزالة الغابات، وتدهور المراعي واستنفاد الأراضي المزروعة، وملوحة الأراضي المروية، وتعرية التربة، واستنفاد الموارد المائية. وبمعنى آخر يعني التصحر سرعة تأثر الأراضي الجافة إلى أقصى حد بسبب الاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم. فالتصحر يعني انتشارا ذا آثار لا تزال للفيافي الصحراوية الجديدة لتشمل مناطق جافة لم يكن لها خصائص صحراوية في الماضي القريب. ويتسم التصحر بتقلص النباتات الدائمة الخضرة بقدر كبير وظهور منظومات التلال الرملية والزحف الصحراوي. ويفهم من مصطلح "آثار لا تزال" المشار إليه سابقاً تغير النباتات والتربة والنظم الإيكولوجية على نحو يصبح فيه التصحر عاملاً يحول دون عودة هذه النباتات والتربة والنظم الإيكولوجية إلى حالتها الطبيعية (حالتها الأولى) في ظروف حماية كلية أو شبه كلية للبيئة خلال فترة حياة جيل كامل (أي 25 سنة). ولذلك يجب أن تعالج برامج مكافحة التصحر مشاكل تدهور البيئة قبل أن تبلغ هذه المشاكل مرحلة تصبح فيها آثارها غير قابلة للإزالة.

7.      ووفقاً للتعريف الوارد في جدول أعمال القرن 21 في الفصل 12 يعني التصحر تدهور التربة في المناطق شبه الجافة أو المناطق شبه الرطبة بسبب عوامل عديدة مثل التغيرات المناخية أو أنشطة الإنسان. ويعني مصطلح "المناطق القاحلة وشبه القاحلة، والجافة شبه الرطبة" المناطق التي تقع فيها نسبة التهطال السنوي إلى البخر-نتح في النطاق 0.05 و 0.65 باستثناء المناطق القطبية وشبه القطبية. ويعني تدهور التربة (الأرض والمياه) الاستنفاد التدريجي لطاقتها المادية والاقتصادية وانخفاض إنتاجيتها بصورة عامة. ويتسم هذا التدهور بالتعرية بفعل حركة المياه والرياح وتغير الخصائص الفيزيوكميائية للتربة (الملوحة وتراص التربة).

8.      يختلف التصحر عن الجفاف الذي ينجم عن نقص المياه لفترة طويلة إلى حد ما. والجفاف في حد ذاته هو عامل تفضي إليه شدة التصحر.

9.      وتعريف الجفاف هو نقص التهطال عن المعدل المتوسط (أو الحد الأدنى) لفترة طويلة خلال الموسم السنوي لسقوط الأمطار. وبالنظر إلى هذه الظاهرة وفقاً لمرجع إحصائي يمكن التمييز بين الجفاف والقحط.

10.    ويحتوي الشكل 1 على موجز لحالات الترابط بين العوامل المسببة للجفاف، والتغيرات المناخية، والتنوع الإحيائي، والتصحر. وينبغي أن يكون هناك تكامل بين الاتفاقيات الثلاث الخاصة بالبيئة، كما يتعين تنسيق الجهود من أجل بيئة أكثر سلامة وتحقيق التنمية المستدامة. وينبغي أيضاً تسخير الدراية والمعرفة والشراكة والاستفادة منها مجتمعة من أجل المكافحة الفورية للآفات الثلاث وهي اختفاء الأنواع، وظاهرة الدفيئة والتصحر.

 












الشكل 1: حالات الترابط بين الاتفاقيات الثلاث الخاصة بالبيئة (التصحر والجفاف، والتغيرات المناخية، والتنوع الإحيائي)


ثالثاً: تعدد أسباب التصحر : الأسباب الطبيعة مقارنة بالأسباب الناجمة عن أنشطة الإنسان

11.    يبين الشكل 2 أسباب التصحر ونتائجه وعملياته وبعض إجراءات مكافحته. وفي شمال أفريقيا، ترتبط الأسباب المباشرة للزحف الصحراوي ارتباطاً وثيقاً بالإدارة غير الرشيدة للموارد الطبيعية. ويمكن أن نعزي هذه الأسباب إلى ثلاثة عوامل، هي تدهور الغطاء النباتي، والرعي المفرط، والإدارة السيئة للأراضي. ويعتبر الجفاف والتصحر من القيود الكبيرة التي تعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.



 





























الشكل 2 : أسباب التصحر ونتائجه وعملياته، وبعض إجراءات مكافحته


 ثالثاً- 1. دور موجات الجفاف في التصحر

12.    يحدث الزحف الصحراوي على نحو لا يمكن إزالة آثاره ليشمل مناطق جافة أخرى نتيجة لتضافر عاملين، عامل طبيعي وهو الجفاف، وعامل بيولوجي ناجم عن أنشطة الإنسان واستغلاله المفرط للغطاء النباتي والأراضي.

13.    ويبدو أن توازن الغطاء النباتي والتربة في المناطق الجافة استمر حتى حدث الانفجار السكاني في القرن العشرين. وفي الواقع، فإن هذه الموارد الطبيعية تكيفت مع ظروف الجفاف طيلة القرون والألفيات الماضية. وكانت آثار الجفاف محدودة قبل أن يبدأ الإنسان والحيوان في استغلال الأراضي بطريقة غير رشيدة. ولا يمكن أن تكون موجات الجفاف وحدها هي العوامل المسببة للتصحر دون غيرها. ففي العديد من الحالات، تكون آثار أنشطة الإنسان هي الأسباب المباشرة في تحويل الأراضي إلى صحراء، بينما يكون المناخ هو العامل المساعد فقط. وعلى المدى الطويل، أصبح الجفاف عاملاً هيكلياً من عوامل تنمية القطاعات الاقتصادية الحيوية في شمال أفريقيا (وبصفة خاصة تنمية الزراعة). وفي منطقة المغرب العربي، كان أحد أسباب التصحر هو انخفاض معدل سقوط الأمطار منذ الثمانينات (بنسبة تراوحت بين 20% و 50%) مقارنة بالمعدل العادي وذلك حسب المناطق.

14.    فموجات الجفاف يمكن أن تعجل بعملية التصحر، ولكن تتابع السنوات الممطرة يمكن أن يؤجل حدوث التصحر، أو ربما يحجب ملامحه. فالتصحر ظاهرة شاملة ذات آثار مختلفة وذات طابع إيكولوجي، أو اقتصادي، أو اجتماعي تماماً مثل ظاهرة التغيرات المناخية. علاوة على ذلك، فإن الظاهرتين مترابطتان.


ثالثاً – 2. أثر أنشطة الإنسان

15.    كان أثر أنشطة الإنسان في الموارد الطبيعية محسوساً منذ عقود، غير أن الخطر الذي يتهدد البيئة لم يتم إدراكه إلا مؤخراً بعد موجات الجفاف التي ضربت منطقة الساحل. والسبب الرئيسي للتصحر هو أن الفقر يدفع معظم السكان إلى تحقيق الفائدة القصوى من أراضيهم في أقصر وقت ممكن. ونتيجة لذلك، يمكن القول أن الاكتظاظ السكاني في شمال أفريقيا يساهم في تعجيل عملية التصحر.

16.    وفي المناطق الجافة في شمال أفريقيا، يزداد عدد السكان بمعدلات غير عادية، حيث تتراوح نسبة النمو السكاني بين 2.5% و 3.5% في العام. ويعني ذلك أن عدد السكان يتضاعف كل 20 أو 28 سنة. وتفضي الآثار المتضافرة لأنشطة الإنسان والحيوان (الرعي المفرط، وإزالة المنتجات الحرجية، والإزالة العشوائية للأشجار، والممارسات الزراعية غير السليمة، واستخدام الأراضي الزراعية لأغراض لا تتلائم مع طبيعتها ...) إلى التدمير الجزئي أو الكلي للغطاء النباتي. وينجم عن ذلك تعرية جزئية أو كلية للتربة التي تتعرض لعوامل التعرية بفعل المياه والرياح. وتفقد بذلك التربة المواد العضوية والمعدنية وتصبح قابلة للإنجراف الكلي خلال بعض السنوات لتحل مكانها مادة تحتية غير صالحة لنمو النباتات أو المحاصيل. وتتسبب هذه الممارسات غير الرشيدة في نسبة 80% من الضرر الذي يصيب هذه الأراضي. وعلى الصعيد المحلي، توجد ظواهر أخرى مثل الملوحة والقلوية التي تنجم عن نظام الري الذي يصمم أو ينفذ بطريقة غير سليمة.
ثالثا – 3. أثر تغير المناخ في التصحر

17.    سيفضي تلوث الغطاء الجوي للأرض بسبب انبعاث غاز ثاني إكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة في العقود القادمة إلى احترار المناخ تدريجياً. وفي الواقع، تشير نماذج الدوران الشامل للهواء في الغلاف الجوي إلى زيادة محتملة في درجة حرارة الهواء بحوالي 3 درجات مئوية (1.5±) في الطبقة السفلى للغلاف الجوي بحلول منتصف هذا القرن، إذا ارتفعت نسبة ثاني أكسيد الكربون من 360 إلى 700 (جزء من المليون من حيث الحجم). وسيفضي ارتفاع درجة حرارة الهواء بثلاث درجات مئوية، وبالتالي ظاهرة الدفيئة إلى ما يلي (Le Houérou, 1993):

1-     ارتفاع معدل البخر-نتح المحتمل السنوي بحوالي 210 ملم، أي 70 ملم لكل درجة مئوية سنوياً؛

2-     انخفاض حاصل التهطال/البخر-نتح المحتمل بحوالي 10-20%؛

3-     تحرك مناطق المناخ الإيكولوجي من حيث خطوط العرض والطول مع زحف المناطق الشديدة الجفاف إلى المناطق الجافة، وزحف المناطق الجافة إلى المناطق شبه الجافة، وزحف المناطق شبه الجافة إلى المناطق شبه الرطبة بسبب انخفاض حاصل التهطال/البخر-نتح المحتمل؛

4-     حدة ظواهر التصحر بسبب انخفاض حاصل التهطال/البخر-نتح السنوي المحتمل، وأيضاً بسبب انتشار هذه الظواهر جغرافياً نتيجة لحركة المناطق المناخية المذكورة أعلاه.

18.    ويفضي التصحر الناجم عن انخفاض حاصل التهطال/البخر-نتح المحتمل إلى آثار كبيرة، غير أن هذه الآثار لا تؤدي بالضرورة إلى كارثة على الصعد الزراعية، أو الإيكولوجية أو الرعوية. وفي الواقع، لا يزال الفقد الافتراضي للأمطار بمعدل 50 ملم في شمال أفريقيا قابلاً للإدارة عن طريق تطوير التقنيات الزراعية، وتحسين الموارد الوراثية للمحاصيل، والاستخدام الأمثل  للموارد الرعوية، وبالطبع رفع كفاءة وفعالية تقنيات الري. علاوة على ذلك، يمكن الإشارة إلى أن الظواهر الأخرى مثل ظاهرة الدفيئة، والاحترار العالمي، وتآكل طبقة الأوزون، تعتبر أقل حدة من ظاهرة التصحر التي تأثر مباشرة في حياة السكان. ويرى أهل الاختصاص في مجالي الأرصاد الجوية وعلم المناخ أن مساهمة المناطق الجافة في الاحتراق الجوي وانبعاث غاز الدفيئة ضعيفة ولا تتجاوز نسبة 5% (Willams et Balling, 1991). ومع ذلك، يمكن لعمليات تحات التربة وتملحها أن تتفاقم، أو على العكس يمكن أن تصبح أقل حدة، إذ يتوقف ذلك على الظروف المناخية، وظاهرة الدفيئة.


رابعاً : نطاق الجفاف وانتشاره الفضائي والبعد العالمي والإقليمي للتصحر

19.    تعترف الاتفاقية الدولية بشأن التصحر أن الجفاف والتصحر يشكلان مشكلة ذات بعد عالمي، نظراً لأن هذه المشكلة تمس كل مناطق العالم (الجدول 2). ويحدد التعريف الوارد في جدول أعمال القرن 21 نطاق التصحر، ويحصره بشكل أساسي في المناطق الجافة، والمناطق شبه الجافة، والمناطق شبه الرطبة الجافة في الكرة الأرضية، أي ما يمكن أن نطلق عليه بصورة عامة المناطق الجافة، وهي مساحات نجدها في كل القارات. وتبلغ نسبة الأراضي الجافة 41% (أنظر الجدول 2) من المساحة الكلية للأراضي في كوكبنا.

20.    وعبر التاريخ، شهدت منطقة شمال أفريقيا التي يتراوح مناخها بين المناخ الصحراوي والمناخ شبه الرطب، العديد من موجات الجفاف المتفاوتة الحدة والتي كان لبعضها آثار وخيمة. ومنذ عام 1980، شهدت بلدان شمال أفريقيا انخفاضاً في معدلات سقوط الأمطار تراوحت نسبته بين 25 و 50 في المائة.


الجدول 2 : المناطق الجافة في العالم بملايين الهكتارات  
(Dregne et al. 1991)


القارة
المجموع
النسبة المئوية من المجموع
النسبة المئوية من مساحة الأرض في العالم
النسبة المئوية من مساحة القارة
أفريقيا
1959
32
13.1
66
آسيا
1949
32
13.0
46
أستراليا
663
11
1.4
75
أوروبا
300
5
2.0
32
أمريكا الشمالية
736
12
4.9
34
أمريكا الجنوبية
543
8
3.6
31
العالم كله
6150
100
41.0
41


21.                يسلط الجدول 2 الضوء على حجم التصحر في العالم وفي أفريقيا. وحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن 30% من أراضي العالم مهددة بالتصحر، وقد فقد بالفعل ثلث هذه الأراضي الجافة أكثر من ربع القدرة الإنتاجية. وتبلغ مساحة الأراضي المتأثرة 3500 مليون هكتار، أي ما يعادل مساحة القارة الأمريكية. وقد انتشر التصحر انتشاراً واسعاً، ولا سيما في أفريقيا، حيث بلغ حجم الأراضي المنتجة التي فُقدت خلال خمسين سنة حوالي 650000 كلم2. ويعيش أكثر من 80%  من السكان المتضررين من التصحر في البلدان النامية.

22.                ويتفاوت التصحر حسب المناطق المتأثرة وحسب الممارسات الاجتماعية-الاقتصادية والثقافية السائدة في هذه المناطق. ومن السهل فهم أن الأراضي الجافة وشبه الجافة تغطي ثلثي مساحة القارة الأفريقية، أي أنها تمثل 32%  من المناطق الجافة في العالم. وتأتي في المرتبة الثانية بعد أمريكا الشمالية القارة الأفريقية التي بلغت فيها نسبة تدهور التربة 73% من المناطق الجافة المخصصة لأغراض الزراعة وتربية الحيوان. غير أن تدهور التربة أكثر حدة في أفريقيا مقارنةً بغيرها من القارات. وفي غياب تدابير منع التدهور أو الإجراءات التصحيحية، تتعرض الأراضي في أفريقيا التي تتفاوت حدة تدهورها إلى أخطار تفوق التصور (الجدولان 2 و3). ونتيجةً للظواهر المذكورة أعلاه، تشهد كل بقاع المنطقة دون الإقليمية تقريباً نضوب بعض المجاري المائية، وانخفاض طاقات النمو والإنتاج الزراعي.



الجدول 3 : الحصيلة العالمية للتصحر وتدهور التربة في المناطق الجافة المخصصة                            للأغراض الزراعية (Dregne et al. 1991)

القارة
الزراعة المروية
الزراعة غير المروية
تربية الحيوان
مجموع الأراضي الجافة المخصصة للأغراض الزراعية

المساحة الكلية (مليون هكتار)
مساحة الأراضي المتدهورة
نسبة مساحة الأراضي المتدهورة
المساحة الكلية (مليون هكتار)
مساحة الأراضي المتدهورة
نسبة مساحة الأراضي المتدهورة
المساحة الكلية (مليون هكتار)
مساحة الأراضي المتدهورة
نسبة مساحة الأراضي المتدهورة
المساحة الكلية (مليون هكتار)
مساحة الأراضي المتدهورة
نسبة مساحة الأراضي المتدهورة
أفريقيا
10.4
1.9
18
79.8
48.9
61
1342.4
995.1
74
1432.6
1045.8
73.0
آسيا
92.0
31.8
35
218.2
122.3
56
1571.2
1187.6
76
1881.4
1311.7
69.7
أستراليا
1.9
0.3
13
42.1
14.3
34
657.2
361.4
55
701.2
375.9
53.6
أوروبا
11.9
1.9
16
22.1
11.9
54
111.6
80.5
72
145.6
94.3
64.8
أمريكا الشمالية
20.9
5.9
28
74.2
11.6
16
483.1
411.2
85
578.2
428.6
74.1
أمريكا الجنوبية
8.4
1.4
17
21.4
6.6
31
390.9
297.8
76
420.7
305.8
72.7
المجموع
145.5
43.2
30
457.7
215.6
47
4556.4
3333.5
73
5159.7
3562.2
69.0


23.    هناك حوالي 100 بلد يعاني من التصحر، ولاسيما البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط، وأستراليا، والصين، والهند، وباكستان، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وأيضاً بعض البلدان في أمريكا، بالإضافة إلى البرازيل، وشيلي، والولايات المتحدة، وبيرو، وكذلك إسبانيا، واليونان، والبرتغال في أوروبا.

24.    ويبين الجدول أدناه نسبة الأراضي المتأثرة بالتصحر في كل بلد من بلدان شمال أفريقيا. ويتضح أن موريتانيا هو البلد الأكثر تأثراً بالتصحر.

الجدول 4: نسبة الأراضي المتأثرة بالتصحر (Lal, 2002)

البلد
نسبة الأراضي المتأثرة بالتصحر
المغرب
مصر
السودان
تونس
الجزائر
ليبيا
87،8
54،6
63،8
73،4
84،7
78،1

لا تشمل هذه النسب الأراضي الشديدة الجفاف.

25.    تتعرض شمال أفريقيا (المغرب العربي، وحوض وادي النيل) بسبب موقعها الجغرافي بين منطقتين مناخيتين متباينتين، واحد رطبة، والأخرى صحراوية، إلى ظروف تتسم بتقلب المناخ نتيجة لتغيرات الطقس من حيث الحيز الزمني والتوقيت. وغالباً ما تعزى أسباب عملية التصحر في شمال أفريقيا إلى ما يلي:

أ -      استمرار الجفاف أو القحط لفترات طويلة بصورة غير عادية في موريتانيا، والسودان، ومصر، وليبيا. أما المغرب، بصفة خاصة، فقد شهد، منذ عام 1912، أكثر من 25 عاماً من الجفاف. ويبلغ متوسط الفترة الفاصلة بين موجة الجفاف والموجة التي تليها ثلاث سنوات فقط)  ( Swearingen 1992. ولذلك، فقد أصبح الجفاف ظاهرة هيكلية، وليس ظاهرة ظرفية؛

ب -    تدهور الأراضي والغطاء النباتي بصورة سريعة بسبب طرق الاستغلال السيئة، أو غير الملائمة؛

ج -     الاستغلال المفرط للموارد الزراعية، والمراعي، والغابات بسبب استخدام الطرق التقليدية، وبفعل ضغط النمو السكاني السريع.

26.    ويوضح الجدول 5 نطاق كل شكل من أشكال التدهور، مبيناً أن التدهور قد أصاب بالفعل أكثر من نسبة 50 في المائة من الأراضي الجافة في شمال أفريقيا، وأن أكثر الظواهر انتشاراً هي ظاهرة التعرية بفعل الريح والمياه.


الجدول 5: الحجم النسبي لمساحات الأراضي الجافة التي تعاني من مختلف أشكال التدهور في شمال أفريقيا  (Le Houérou, 1995):

شكل التدهور
نسبة الأراضي التي أصابها التدهور
التعرية بفعل الرياح
التعرية بفعل المياه
التدهور الكيميائي
التدهور المادي
28،4
50،1
10،3
11،2
المجموع
100،0

27.    ويوجز الجدول 6 أسباب تدهور الأراضي في شمال أفريقيا. ويمثل الرعي المفرط، والاستخدام السيئ للأراضي نسبة 70 في المائة من أسباب هذا التدهور.

الجدول 6: أسباب تدهور التربة في شمال أفريقيا: (Le Houérou, 1995)

أسباب التدهور
نسبة الأراضي التي أصابها التدهور
الرعي المفرط
الاستخدام السيئ للأراضي الزراعية
إزالة الغابات
أسباب أخرى
2،52
16،6
8،1
23،1
المجموع
100،0

28.    ويورد درينغ (1984 Dregne) أن 85 %، و 75 %، و 40 % من أراضي الرعي، وأراضي الزراعة المطرية، والأراضي المروية متأثرة على التوالي بالتصحر، كما هو موضح في الجدول رقم 7. وفي الوقت الحالي، ربما أصبحت هذه المعدلات أكثر ارتفاعاً.

الجدول 7: انتشار التصحر في بلدان شمال أفريقيا الواقعة على ساحل البحر الأبيض              المتوسط


نسبة الأراضي المتأثرة بالتصحر
أراضي الرعي
85
أراضي الزراعة المطرية
75
الأراضي المروية
40
المساحة الكلية للأراضي
83

29.    وحسب لو أويرو 1991 (Le Houérou, 1991)، يحدث التناقص السريع في مساحات المراعي بسبب التوسع في المساحات الزراعية. ولذلك، فإن الأراضي التي تتوسع فيها الزراعة هي أفقر الأراضي، وأكثرها عرضة للتعرية.       


خامساً :         التصحر والجفاف في شمال أفريقيا : توافق الآراء بشأن الاتفاقية

30.    اعتمد مؤتمر ريو دي جانيرو، أو ما يسمى أيضاً بقمة الأرض، ثلاثة نصوص رئيسية هي برنامج عمل القرن 21، وهو خطة مفصلة للعمل على الصعيد العالمي في جميع مجالات التنمية المستدامة، وإعلان ريو بشأن البيئة والتنمية، وهو سلسلة من المبادئ التي تشتمل على الإدارة المستدامة للغابات على الصعيد العالمي. وساعد بذلك مؤتمر ريو على بروز مفهوم التنمية المستدامة بوصفه عملية توفيق بين التنمية الاقتصادية، والتقدم الاجتماعي، وحماية البيئة.

31.    وأعقب هذا المؤتمر التوقيع على الكثير من الاتفاقيات الدولية:

-       اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بالتغيرات المناخية التي أصبحت سارية المفعول في آذار/مارس 1994. وقد أصبحت هذه الاتفاقية أكثر إحكاماً بفضل بروتوكول كيوتو، وهو الاتفاق البيئي الأكثر إلزاماً؛

-       اتفاقية التنوع الإحيائي التي أصبحت سارية المفعول في عام 1993، والتي أصبحت بموجبها الدول تتمتع بحق السيادة على الأنواع الحية. وانبثق عن هذه الاتفاقية بروتوكول قرطاجنة بشأن السلامة في التكنولوجيا الإحيائية الذي بلغ عدد البلدان التي صدقت ووقعت عليه في كانون الثاني/يناير 2000 في مونتريال 103، والذي يخول للدولة منع استيراد الكائنات المحورة وراثياً؛

-       اتفاقية مكافحة التصحر الذي يؤثر في ربع مساحة اليابسة في بعض البلدان التي اعتمدت في عام 1994.

32.    وبالإضافة إلى حماية الأراضي والتربة من التصحر، تهدف اتفاقية مكافحة التصحر أيضاً إلى محاربة الفقر. وتلتزم البلدان المتقدمة النمو، بموجب هذه الاتفاقية، بدعم جهود البلدان المتأثرة عن طريق منحها المساعدة المالية والتقنية الكافية في إطار التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف من أجل التنمية.

33.    وقد أدركت بلدان المنطقة دون الإقليمية لشمال أفريقيا منذ فترة طويلة النتائج الخطيرة للتصحر وأثر هذه الظاهرة في التقدم الاقتصادي لهذه البلدان، وفي الجوانب الاجتماعية، والسياسية، والبيئية. وإزاء انتشار هذه الظاهرة واستمرار آثارها، شرعت هذه البلدان منذ سنوات في وضع برامج مكافحة التصحر أو التحات حتى قبل انعقاد المؤتمر الدولي الأول المعني بالتصحر في عام 1972.

34.    غير أن هذه البرامج كانت تتسم بالطابع التقني الخالص كما كان نجاحها محدوداً (Heusch 1985). ونجح القليل من الدراسات فقط في تحديد العوامل المحلية التي تقوض ممارسات الاستغلال المستدام المتبعة منذ آلاف السنين. وبعبارة أخرى، لم تتضمن برامج مكافحة التصحر أو التحات سوى جهود قليلة لمعرفة الأسباب الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية الحقيقية لسوء استخدام الأراضي.

35.    ونظراً للعوامل التاريخية والعوامل الاجتماعية-الثقافية المشتركة بين السبعة بلدان في المنطقة دون الإقليمية، وتقارب درجات تأثر هذه البلدان بالتصحر والجفاف، هناك ضرورة لتوافق الآراء فيما يتعلق باعتماد نهج مشترك ومنسق لمكافحة هذه الظاهرة. وفي هذا السياق، إلتزمت بلدان شمال أفريقيا بأن تصبح
جزءاً من أعضاء المجتمع الدولي الموقعين على الاتفاقية. وقد أعربت جميع بلدان شمال أفريقيا عن عزم أجهزتها المختصة على مكافحة انتشار التصحر. ويتضح ذلك من تصديق السبعة بلدان على الاتفاقية (الجدول 8). وانضمت جميع بلدان المنطقة دون الإقليمية إلى حملة مكافحة التصحر في الفترة 1995-1996 (بالتصديق على الاتفاقية) من أجل تحقيق التنمية المستدامة. والمغرب هو البلد الوحيد الذي لم يشارك في الإعلان المبدئي للاتفاقية.

36.    وعلى صعيد منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ساعدت الاتفاقية على إقامة شراكات بين بلدان الشمال (المانحة) وبلدان الجنوب (المتأثرة). وفي الواقع، فقد انضمت  جميع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط الأوروبية إلى الاتفاقية، ولذلك فهي ستساهم في التمويل، ونقل التكنولوجيا والمعرفة والدراية في هذا المجال.

الجدول 8 : مركز بلدان شمال أفريقيا من حيث التصديق على اتفاقية مكافحة التصحر

البلد
التاريخ
مصر
07/07/95 (الرابع)
تونس
11/10/95 (العاشر)
السودان
24/11/95 (السادس عشر)
الجزائر
22/05/96 (الواحد والثلاثون)
ليبيا
22/07/96 (الخامس والثلاثون)
موريتانيا
07/08/96 (الثامن والثلاثون)
المغرب
12/11/96 (الخامس والخمسون)
37.    وسيعتمد نجاح الاتفاقية على الإرادة السياسية في البلدان السبعة والبلدان المانحة على حد سواء وسعيها في السنوات القادمة إلى إيجاد ومضاعفة وإدارة الأموال التي ستساعد على وضع وإنجاز البرامج التي أوصت بها الاتفاقية. ويعتمد النجاح أيضاً على مساهمة مؤسسات البحث في هذه الجهود. فعنصر البحث يساعد بلدان شمال أفريقيا على معرفة العوامل التي تتحكم في عمليات التصحر معرفة أفضل، ومن ثم، وضع البرامج الجادة لمكافحة التصحر ومحاربته.

38.    وينبغي أن يساعد برنامج العمل الوطني، وهو أحد متطلبات الاتفاقية، على زيادة التماسك والتنسيق بين أنشطة المساعدة في مجال التنمية المستدامة ومكافحة التصحر. ويجب أن يكون البرنامج إطاراً استراتيجياً متكاملاً ومتناسقاً مع برامج ومشاريع البلدان الأخرى المتأثرة، وأن يشمل أنشطة البحث، والتنمية والاتصالات.

39.    وسيساعد تنفيذ برامج العمل الوطنية من جانب بلدان شمال أفريقيا على تهيئة بيئة جديدة في المجالات التشريعية والاقتصادية والتكنولوجية. غير أن تهيئة هذه البيئة يتطلب أيضاً وضع السياسات التي تعتبر حافزاً للسكان والمنظمات غير الحكومية. وبالإضافة إلى هذه الإجراءات الموصى بها أو الإجراءات التي تم تحسينها من أجل استخدام برامج العمل الوطنية على نحو سليم، يملي منطق الاستدامة في نفس الوقت إعادة النظر في الجوانب المؤسسية أيضاً.

40.    وتحدد المادة 11 من اتفاقية مكافحة التصحر مبادئ التعاون بين البلدان الأطراف في الاتفاقية المتأثرة بالتصحر، كما تقترح المادة تنفيذ برامج عمل إقليمية ودون إقليمية. واستجابة للمتطلبات الواردة في الاتفاقية، وضع كل بلد من بلدان شمال أفريقيا برامج عمل وطنية. كما وضعت الخمسة بلدان الأعضاء في اتحاد المغرب العربي برنامجاً دون إقليمي. وعملاً بهذا الحكم، التزمت بلدان اتحاد المغرب العربي (المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا) في أيلول/سبتمبر 1999 في الجزائر العاصمة، بالتصديق على برنامج العمل دون الإقليمي لمكافحة التصحر.

41.    والأهداف والمقاصد المحددة لبرنامج العمل دون الإقليمي ذات صلة وثيقة بروح اتفاقية مكافحة التصحر، نظراً لأنها ترمي إلى بلوغ الهدف العالمي الذي تسعى إلى تحقيقه الاتفاقية. ولذلك فإن هذه المبادرة هي ثمرة تفكير طويل وجماعي بشأن واقع المنطقة دون الإقليمية وإنجازاتها. وفيما يتعلق بالتعاون في مجال الرصد والتقييم العلميين، نفذت ثلاثة مشاريع مشتركة بين بلدان شمال أفريقيا، هي مشروع الحزام الأخضر، ومشروع شبكة مراصد المراقبة الإيكولوجية الطويلة الأجل ([2]ROSELT)، ومشروع التغيرات في النظم الإيكولوجية الجافة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط على المدى الطويل ورصد الأرض« [3]CAMELEO » .

42.    وفي سياق برامج العمل الوطنية، أُخذت في الاعتبار السياسات الوطنية، فضلاً عن سياسات شمال أفريقيا الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة. كما  ساعدت هذه البرامج المنظمات غير الحكومية والسلطات العامة على القيام بدور هام وفعال في سياق القرارات الخاصة بالأنشطة والاستراتيجيات. وعملية الانتقال من مرحلة وضع برامج العمل الوطنية ودون الإقليمية إلى مرحلة تشغيل هذه البرامج هي عملية معقدة وصعبة، ولذلك ينبغي أن تُنجز دون تبديد الجهود في أنشطة لا ترتبط ارتباطا وثيقاً بحل المشكلة. وقد أنشأ كل بلد جهازه الوطني للتنسيق من أجل وضع برامج العمل الوطنية وتنفيذها، ومن ثم تطبيق الاتفاقية.

43.    والمغرب هو أول بلد ينشئ مرصدين، هما مرصد رصد البيئة الذي أنشئ في عام 1994، ومرصد آخر لرصد الجفاف. وتم إنشاء هذين المرصدين لجمع المعلومات ذات الطابع الاستراتيجي التي يمكن أن تساعد في اتخاذ القرارات وتحديد الأنشطة التي ينبغي أن تضطلع بها الحكومة. وهذان النوعان من المراصد التي أُنشئت أو ما زالت في مرحلة الإنشاء في بلدان جنوب منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط يعتبران بمثابة الأداة القوية لإدماج الشواغل الإنمائية والبيئية في بوتقة واحدة. ويتعين أن يقوم المرصدان بمهمة بناء القدرات البشرية عن طريق التدريب، ومواءمة تفسير البيانات الخاصة بالتصحر. ويتعاون المرصدان مع مرصد الصحراء الكبرى والساحل، وهو منظمة إقليمية تتمتع بعضوية 20 دولة في شمال وغرب وشرق أفريقيا، فضلاً عن عضوية المنظمات دون الإقليمية لهذه البلدان (اتحاد المغرب العربي، واللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل، والهيئة الحكومية الدولية للتنمية "ايقاد"). ويُعتبر مرصد الصحراء الكبرى والساحل مركزاً حيوياً يساعد الدول الأعضاء على أن ترصد كمجموعة التغيرات في ظواهر الجفاف والتصحر، وأن تعمل على زيادة فعالية الأنشطة والطرق الرامية إلى مكافحة ظاهرة التصحر والجفاف.


سادساً : فرص تحسين برامج العمل الوطنية لمحاربة التصحر في شمال أفريقيا

44.    تعتبر اتفاقية مكافحة التصحر فرصة لجماعة شمال أفريقيا لتجنب آثار تدهور الأراضي. وتأوي المنطقة منظومات جغرافية حيوية كبيرة مهددة بالتصحر. وستساعد الاتفاقية، عن طريق حفز بلدان شمال أفريقيا على استكمال البرامج الوطنية، وبلدان اتحاد المغرب العربي على استكمال برنامجها، في إحداث تغيرات جذرية وعميقة في أنماط السلوك، وعملية اتخاذ القرارات السياسية على الصُعد دون الإقليمية، والوطنية والمحلية. وتشير مختلف التقارير الخاصة ببرامج العمل الوطنية إلى أن الدولة تضطلع إلى حد كبير بوضع سياسة مكافحة التصحر، وبرامج التخفيف من حدة آثار الجفاف.

45.    وتنحى البلدان إلى تفسير برامج العمل الوطنية على أنها كراسة مواصفات جامدة شأنها شأن قوائم المشاريع التي تقدمها للشركاء الماليين. ويجب أن يعتمد التنفيذ المتكامل لهذه السياسة على الهياكل المتخصصة، والمؤسسات العامة، ومؤسسات البحث، والمؤسسات الأكاديمية والمجتمعات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني من أجل مواءمة الاستراتيجيات والبرامج والخطط الخاصة بإدارة الموارد الطبيعية.

46.    وبلدان شمال أفريقيا لها نفس الأهداف الإنمائية، ولكنها لم تضع آجالاً محددة لإنجاز هذه الأهداف.

47.    وتشجع برامج العمل الوطنية على إدماج السكان، ومنظمات المجتمع المدني، غير أن التقارير لا توفر معلومات كافية عن نوعية هذا الإدماج. كما أن مشاركة السكان والمنظمات غير الحكومية في تخطيط الاستراتيجيات الإنمائية تعتبر غير كافية.

48.    وقد وضعت بلدان شمال أفريقيا في اعتبارها إضفاء الطابع الإقليمي على البرامج والأنشطة الرامية إلى مكافحة التصحر، غير أن إضفاء الطابع اللامركزي على أنشطة الإدارات التقنية لا يزال في حاجة إلى التطوير. وينبغي تجنب التركيز على القرارات الصادرة عن المركز. كما يتعين تشجيع الأنشطة المحلية التي تضطلع بها المؤسسات الإقليمية، أو المحلية.

49.    وفي كل بلد، يتطلب نجاح تنفيذ برامج العمل الوطنية التزام الحكومة بالعمل على تحقيق التنمية الاجتماعية التضامنية الرامية إلى المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي عن طريق محاربة الفقر، والعمل على تلافي نواحي القصور في الهياكل الأساسية والخدمات الأساسية، وتنمية المناطق الريفية. غير أن التقارير الوطنية لا تساعد على تسليط الضوء بصورة واضحة على التآزر بين عمليتي محاربة الفقر في المناطق الريفية، وإدارة الموارد الطبيعية.

50.    وتنحى اتفاقية مكافحة التصحر بصفة خاصة إلى محاربة الفقر عن طريق المشاريع المتكاملة الرامية إلى إدارة الموارد الطبيعية (المياه، والغابات، والأراضي، وتربية الحيوان ...). ونجحت الاتفاقيتان الأخريان الخاصتان بالتغيرات المناخية والتنوع الإحيائي في استقطاب تعاون أوسع وأموال أكثر لأنهما تناولتا الجوانب البيئية عن قرب.

51.    وتشدد نصوص اتفاقية مكافحة التصحر على توفير التمويل عن طريق الشراكة، ولاسيما عن طريق المرفق الخاص بأفريقيا. وفي الواقع، فإن مفهوم المعونة قد استبدل بمفهوم الشراكة. فالشراكة تساعد على زيادة الاتصال والتنسيق بين المانحين والمستفيدين. غير أن بلدان شمال أفريقيا، على غرار البلدان النامية الأخرى، لم تستفد حتى الآن من التمويل الإضافي لتطبيق نصوص اتفاقية مكافحة التصحر،  والعمل على نجاح برامج عملها الوطنية. وهذا التمويل ليس ضرورياً لإنجاز الأنشطة المستقبلية على نحو فعال فحسب، بل أيضاً لضمان الاستمرارية، وتحسين النتائج والمكتسبات.

52.    وتضع الاتفاقية في الإعتبار ما تتمتع به المنظمات غير الحكومية من قوة في مجال إنجاز أنشطة مكافحة التصحر وتنفيذها والمشاركة فيها. ولهذه المنظمات دور نشط للغاية فيما يتعلق بتمويل وتنفيذ برامج العمل الوطنية. علاوة على ذلك، تضطلع هذه المنظمات بمهمة رئيسية فيما يتعلق بتوعية الجمهور وإعلامه. كما تشارك في تنفيذ برامج العمل الوطنية، وتوجيه الأرصدة المحلية والدولية إلى الجماعات المتأثرة بالتصحر، والمساهمة بالتالي في تحسين الأحوال المعيشية للسكان. ولا تركز تقارير برامج العمل الوطنية بصورة ملموسة على وظائف المنظمات غير الحكومية. ويجب أن تكون هذه المنظمات متخصصة في مجال مساهمتها في حملة مكافحة التصحر.

53.    وركزت تقارير برامج العمل الوطنية كثيراً على الجوانب الوصفية وجوانب رصد التصحر دون أن تعطي أولوية للأنشطة الميدانية لمكافحة التصحر.

54.    وتشمل اتفاقية مكافحة التصحر جهازاً مهمته إسداء المشورة العلمية، وهو لجنة العلوم والتكنولوجيا. ووظيفة هذه اللجنة هي السعي إلى معرفة آراء الخبراء العلميين وتقييمها استجابة للطلب المحدد الوارد في مؤتمر الأطراف. ولذلك فإن مهمة تحديد التقييم العلمي لتدهور الأراضي وبحث التآزر بين الاتفاقيات البيئية هي مسؤولية كل بلد على حدة، أو كل منطقة دون إقليمية على حدة. ويمكن لهذه الدراسات أن تساعد فقط في نشر الاكتشافات العلمية بصورة منتظمة بين الأوساط الحكومية، والمؤسسات العامة والخاصة.

55.    ولا تزال عملية نقل التكنولوجيا والمكتسبات العلمية متخلفة مقارنة بالآثار الضارة للتصحر. وستساعد عملية نقل التكنولوجيا، إذا طبقت مع أخذ القضايا الاجتماعية-الاقتصادية في الاعتبار، على الحل التدريجي لمشكلة فقد الموارد الطبيعية أو تدهورها. علاوة على ذلك، فإن نقل التكنولوجيا يحمل بلدان الشمال على النظر إلى مشكلة التصحر لا بوصفها مشكلة إقليمية فحسب، بل ظاهرة تؤثر بدرجات متفاوتة في معظم بلدان العالم.

56.    ويعتبر الجانب الاجتماعي من الاتفاقية عاملاً يحد من التعاون الدولي ورغبة البلدان المتقدمة النمو في إدارة هذه الكارثة البيئية (التصحر). علاوة على ذلك، لا تزال المؤشرات المحسوسة لمعرفة التأثير الكمي للتصحر ذات صياغة رديئة. وفي المقابل، أفضي العمل على تخفيض مستوى انبعاثات غازات الدفيئة، في إطار الاتفاقيات الأخرى، إلى التزامات كبيرة (ولاسيما الالتزامات المالية) من جانب البلدان الكبيرة التي تعتبر مصدراً للتلوث. ولذلك لا يزال تنفيذ اتفاقية مكافحة التصحر أمراً لا يتسم بسهولة القراءة. وفي الواقع، تواجه لجنة العلوم والتكنولوجيا صعوبات فيما يتعلق بتشغيل الآلية العالمية وتنفيذها.

57.    ولا تزال مشاريع وبرامج بناء القدرات مقتصرة على بعض البلدان أو المناطق. ويتعين دعم المنظمتين الإقليميتين المشاركتين في هذا المجال، ومنحهما مزيداً من الثقة فيما يتعلق بإدارة هذه الظاهرة (والمنظمتان هما مرصد الصحراء الكبرى والساحل، واللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل).

58.    وعلى صعيد شمال أفريقيا، فإن الإجراءات التي اتخذتها مختلف أجهزة اتخاذ القرار توضع وتطبق بصورة عامة دون ترتيب. ونجم عن ذلك تشتيت مجموعة الأنشطة المقترحة في برنامج العمل دون الإقليمي لبلدان المغرب العربي.

59.    ولا تزال بلدان المنطقة تواجه المصاعب في تطبيق الأدوات المتعلقة بالتصحر وتغير المناخ بسبب عدم كفاية مواردها البشرية ووسائلها المؤسسية والمالية. وطالما أن البحث العلمي لا يحظى بالأولوية في البرامج الوطنية، فإن الكثير من التكهنات ينشر فقط للمساعدة في إنشاء قواعد بيانات تفتقر بقدر كبير إلى الدقة، وسعياً إلى توضيح الاتجاهات في هذا الشأن.

60.    وتنص الاتفاقية على التشاور والتعاون بين البلدان الأطراف المتأثرة، حسب الاقتضاء، من أجل وضع برامج العمل دون الإقليمية بهدف مواءمة وتكملة البرامج الوطنية وجعلها أكثر فعالية (المادة 11 من الاتفاقية). وينبغي أن يوضح برنامج العمل الإقليمي الذي وضعته بلدان اتحاد المغرب العربي، وهو عمل مشجع ومثمر للغاية على كل المستويات، ضرورة التنمية المشتركة للقطاعات الاستراتيجية (على سبيل المثال، الزراعة على نحو يحافظ على البيئة، والإدارة المتكاملة التي تحافظ على الأراضي، والطاقة، والهياكل الأساسية)، كما ينبغي أن يساعد البرنامج على معالجة المشاكل العابرة للحدود.


سابعاً : استراتيجيات وطرق مكافحة التصحر والجفاف في شمال أفريقيا

61.    في حين أن بعض طرق الإنتاج الزراعي تلحق الضرر بالبيئة وبالصحة العامة، تشير هذه الدراسة إلى وجود نظم إنتاج أكثر استدامة، ومرتبطة بالتربة، وتساعد على استعادة التوازن الطبيعي بين التربة والمجتمعات. ومن خلال هذه الدراسة، يمكن إعادة التفكير في النظم التقليدية لإدارة التربة والأراضي لإيجاد رؤية جديدة لاستخدام الموارد الطبيعية، والمحافظة عليها من آفة التصحر. ويمكن الاضطلاع بثلاثة أنواع من الإجراءات لمكافحة هذه الظاهرة، وهي: حماية المناطق التي لا تزال معرضة للتدهور، وإصلاح الأراضي التي يمكن أن تصبح معرضة للتدهور، وحماية، أو إصلاح الأراضي التي تعرضت للتدهور، من أجل الحد من آثار الجفاف.

62.    وعلى ضوء الخصائص المشتركة المتعلقة بهشاشة النظم الإيكولوجية في شمال أفريقيا التي وصفناها في الأجزاء السابقة، يصعب تحديد استراتيجيات مكافحة التصحر على الصعيد الإقليمي (التدابير الوقائية، أو العلاجية). ويعزى ذلك إلى طبيعة تشابك الأسباب المادية، والاقتصادية، والاجتماعية لهذا التدهور (Gonchalov, 1989 ; Mainguet, (1990. علاوة على ذلك، ينبغي أن يراعي أي برنامج إنمائي الطرق التقليدية لاستغلال الأراضي، ووزن العوامل الاجتماعية-الثقافية. ونظراً للطابع المعقد لأسباب التصحر، ليس من الممكن تصور، أو تحديد استراتيجية وحيدة لمحاربة آثار هذه الآفة. كما ينبغي أن تشمل استراتيجية مكافحة التصحر سياسة متماسكة لحماية البيئة، والتخفيف من وطأة الفقر.

63.    وينبغي أيضاً استخدام جميع طرق وتقنيات مكافحة التصحر، مع مراعاة خصائص التربة فيما يتعلق باستعادة قدرتها الطبيعية (Lal, 1997). وقد نجحت الكثير من برامج المحافظة على خصوبة التربة وإدارتها في مختلف أنحاء العالم بفضل مراعاتها لخصائص التربة فيما يتعلق باستعادة قدرتها الطبيعية. ويمكن بحث هذه البرامج بهدف تطبيقها في شمال أفريقيا.

سابعاً-1- آليات الوقاية من ظاهرة الجفاف

64.    اختارت اتفاقية مكافحة التصحر استراتيجية مزدوجة : تشمل التدابير الوقائية، والتدابير العلاجية (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر). وترتكز استراتيجية التدابير الوقائية وتعتبر أقل تكلفة، وأكثر فعالية ومردودية على المديين المتوسط والطويل، على سياسة ديمغرافية ملائمة، وعلى تنوع نظم الإنتاج، وأيضاً على توفير سبل العيش، والهياكل الأساسية للسكان. وفي الوقت الحاضر، هناك التزام بالمحافظة على ما هو موجود، نظراً لأن الحالة أصبحت حرجة للغاية.

سابعا-1-1. تحسين الظروف الاجتماعية الاقتصادية للسكان (إجراءات الدعم)

65.    تنص اتفاقية مكافحة التصحر على أن التصحر والجفاف يعوقان التنمية المستدامة بسبب الترابط القائم بين هاتين الظاهرتين والمشاكل الاجتماعية الكبيرة، مثل الفقر، والحالة الصحية والغذائية السيئة، وعدم الأمن الغذائي، فضلاً عن المشاكل الناجمة عن الهجرة، ونزوح السكان، والدينامية الديمغرافية. وفي السبعينات، كانت هناك جهود بالفعل ترمي إلى معالجة مشكلة التصحر في إطار سياسة شاملة للتنمية الزراعية بهدف القضاء على البطالة واستئصال شأفة الفقر. ومن الضروري وضع أو دعم برنامج تضامن وطني يرمي إلى النهوض بمستوى معيشة الشرائح المحرومة ذات الدخل الضعيف، وإتاحة التدريب والتعليم بشأن احترام مكونات البيئة، ودعم الهياكل الأساسية والخدمات العامة، وتحسين ظروف المعيشة،والقضاء على البطالة. وبفضل برنامج التضامن الوطني، استطاعت تونس بالفعل تخفيض نسبة انتشار الفقر من 12.9% إلى 4.2% خلال عشرين عاماً (2002 MEAT,).

سابعا-1-2. توعية السكان باستمرار عن طريق عمل الحركة الارتباطية، والمنظمات غير الحكومية

66.    من أجل التمكن من الحد من انتشار آفة التصحر، من الضروري إشراك المواطن في نهج قائم على المشاركة في إطار شراكة حقيقية. وينبغي وضع برنامج وطني للتوعية، والتعليم، والثقافة في مجال البيئة، يشارك في إطاره كل السكان في رهان تدهور الموارد الطبيعية، ويتدخلون بصورة مباشرة في إعادة هذه الموارد لحالتها الطبيعية وحمايتها. وينبغي استخدام كل الوسائل لنجاح هذا البرنامج، أي نظم الاتصالات، ووسائط الإعلام، ومؤسسات التعليم والبحث، والمنظمات غير الحكومية، والسلطات الإقليمية والمحلية، والمؤسسات المالية، ورجال الصناعة.

سابعا-1-3. دعم الإطار المؤسسي للوقاية من التصحر والجفاف

67.    تنص اتفاقية مكافحة التصحر على أن تحسن البلدان الإطار المؤسسي، والتنظيمي، والقانوني الذي تندرج في إطاره استخدام الموارد الطبيعية وإدارتها. يتعين على بلدان شمال أفريقيا العمل على إعادة تنظيم نظام حيازة الأراضي، ونظام الأملاك العامة لتيسير عملية تنفيذ مختلف مشاريع استغلال الأراضي وإدارتها. وعلى الصعيد التشريعي، يوجد مجموعة من القوانين المتنوعة المتعلقة بحماية الموارد الطبيعية والحفاظ عليها. وتدعم هذه المجموعة من القوانين بصورة منتظمة أحكام تواكب ما يحدث من تغيير على صعيد الإطار الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي، وأيضاً الالتزامات الدولية التي تقع على عاتق البلد. وهناك العديد من القوانين (قوانين حماية الغابات، ورسم حدود لتنمية مناطق الزراعة المطرية ....) التي اعتمدت، أو التي ما زالت في مرحلة الاعتماد. وتخضع الموارد المائية أيضاً لنصوص، ورسائل دورية ترمي كلها إلى زيادة فعاليتها، وتحسين استخدامها. ووضعت بعض بلدان شمال أفريقيا (موريتانيا على سبيل المثال) القوانين في مجالات من قبيل الرعي، والغابات، والحيوانات، والنباتات بهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية وإدارتها. ومن المنتظر أن تضع تونس قانوناً متكاملاً لإدارة الموارد الطبيعية يرتكز على القوانين الموجودة (قانون المياه، وقانون الغابات، والقانون الخاص، والقانون الخاص بحماية الأراضي الزراعية).

سابعا-1-4. دعم مؤسسات البحث، وإنشاء جهاز لنقل المعلومات على صعيد المنطقة

68.    في عام 1991، أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن التكلفة الكلية لتدابير وقاية الأقاليم المتأثرة بالتصحر في العالم، والتدابير التصحيحية، وتدابير إصلاح هذه الأقاليم تتراوح بين 10 و 22.4 مليار دولار أمريكي في السنة، أي ما يقارب نصف الدخل المفقود كل عام في العالم بسبب تدهور التربة (42.3 مليار دولار أمريكي).

69.    ولا يمكن أن تثمر الجهود الرامية إلى مكافحة التصحر، والحد من آثار الجفاف دون أساس علمي. ولذلك، فإن مكافحة هاتين الظاهرتين تستلزم دعم أنشطة البحث والتطوير. وتنص المواد 16، و17، و18 من اتفاقية مكافحة التصحر، وهي المواد الخاصة بمكانة العلم وتطوره في عملية مكافحة التصحر، على أن جمع المعلومات وتبادلها بشأن التصحر، وتطبيق البحث والتطوير، واقتناء التكنولوجيات ونقلها، هي عناصر رئيسية في اتفاقية مكافحة التصحر.

70.    ولا يجد البحث والإرشاد، وهما عنصران أساسيان لزيادة الدراية، واستحداث نهج جديدة لإدارة المناطق الزراعية، والنظم الإيكولوجية الهشة، كل الاهتمام الذي يستحقانه. وحين يسعى المرء إلى فهم التفاعل بين التصحر والمناخ وقياسه، فإن أكبر عقبة تواجهه هي ندرة البيانات الدقيقة عن نطاق التصحر، وحالته، واتجاهاته الحالية. فهناك حاجة ملحة لزيادة الجهود وتوسيع نطاقها بهدف إنشاء قواعد بيانات دقيقة بشأن تدهور الأراضي عن طريق الطرق والمعايير المتطابقة والموحدة.

71.    ويلزم إجراء بحث مكتمل بشأن الظواهر المرتبطة بالتصحر والجفاف من أجل تحقيق التنمية المستدامة. وهناك العديد من الأجهزة الحكومية المتخصصة في هذا المجال، أو التي تشمل أهدافها دراسة هاتين الظاهرتين. وفي هذا الإطار، ينبغي الاعتراف بالجهود التي يقوم بها معهد المناطق الجافة في مدنين (تونس)، ومركز الزراعة في المناطق الجافة في سطات (المغرب)، ومركز البحث العلمي والتقني بشأن المناطق الجافة (الجزائر)، ومركز البحوث الخاصة بالتصحر في القاهرة (مصر) في مجالات البحث والتطوير، والتدريب، وتعميم النتائج. ومع ذلك، يمكن زيادة فعالية هذه الأجهزة ودعم التنسيق والتعاون بينها على الصعيد الإقليمي عن طريق تهيئة البيئة الملائمة التي تيسر تبادل التجارب، ونشر النتائج والمكتسبات وتعميمها، وتعبئة الكفاءات العلمية والتقنية.

سابعا-1-5. إنشاء نظام لتداول المعلومات بشأن التصحر والجفاف

72.    يرتبط نجاح برامج مكافحة التصحر بتوفر المعلومات الملائمة التي تساعد على معرفة أفضل لحالة الموارد وديناميتها، وطريقة إدارتها، والعوامل التي تؤثر في استدامتها (Goncharov 1998). ويساعد إنشاء نظام لتداول المعلومات بشأن التصحر والجفاف على ما يلي:

1-    تشجيع تداول المعلومات بين مختلف الجهات الفاعلة التي غالباً ما تكون متشتتة؛
2-    المساعدة في الحد من مخاطر فقد الموارد وازدواجية الجهود عن طريق اضطلاع المركز بمهمة التوثيق؛
3-    متابعة وتقييم برامج العمل الوطنية وبرامج العمل دون الإقليمية؛
4-    تحسين عملية تدفق المعلومات، وتوفير أدوات المساعدة في اتخاذ القرارات المناسبة لمكافحة التصحر.

وفيما يلي النتائج المتوقعة على الصعيدين الوطني والإقليمي (مركز الصحراء الكبرى والساحل، واللجنة الدائمة المشتركة بين الدول لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل، واتحاد المغرب العربي) :
1-    دعم التضافر والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة؛
2-    توفير العناصر الأساسية التي تساعد على تخصيص الموارد؛
3-    مساعدة الجهات الفاعلة المشاركة على تحديد الثغرات في المجالات القانونية، والمؤسسية، والإدارية، والتقنية المتعلقة بمكافحة التصحر.

ونظراً لأن الظواهر الإيكولوجية وآثار التصحر تتعدى الحدود الجغرافية، فمن المهم النظر في إنشاء شبكة معلومات أوسع نطاقاً تغطي المنطقة دون الإقليمية لشمال أفريقيا، وتشجع التبادل المنتظم للبيانات والملاحظات. ويندرج في هذا السياق بصفة خاصة العمل المشترك الذي يضطلع به مرصد الصحراء الكبرى والساحل والوكالة الألمانية للتعاون التقني الذي يستحق المساندة والدعم.

73.    ويعمل الكثير من بلدان شمال أفريقيا (ولاسيما المغرب، وتونس) على تحديث نظام المعلومات القائم بوصفه أداة لاتخاذ القرار. وقواعد البيانات الملائمة موجودة بالفعل وتُستكمل بصورة منتظمة. ومع ذلك، فمن الضروري إثراء قواعد البيانات هذه، وتيسير عملية الوصول إليها، ودعم تبادل المعلومات بين مختلف الجهات الفاعلة.

74.    وتتطلب مكافحة التصحر تقنيات حديثة في مجال الاستشعار عن بعد. وعلى صعيد كل بلد من بلدان شمال أفريقيا، تجدر الإشارة إلى إنشاء وحدات متخصصة في التقنيات الفضائية الرامية إلى رسم الخرط الخاصة بظاهرة تدهور البيئة. وهناك تنسيق بقدر كبير على الصعيد دون الإقليمي بغية تحسين نوعية المعلومات الخاصة بالتصحر (نظام تداول المعلومات بشأن التصحر والجفاف/اتحاد المغرب العربي) في شمال أفريقيا، (ونظام المعلومات المتعلقة بالتصحر في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط) في شمال حوض البحر الأبيض المتوسط، (وشبكة مراصد المراقبة الإيكولوجية على المدى البعيد ومرصد الصحراء الكبرى والساحل) بالنسبة لكل أفريقيا.

سابعا-1-6. استكمال المعارف بشأن ظواهر الجفاف وتحسينها

75.    لا يمكن درء التصحر دون معرفة البيئة الطبيعية واستكشافها علمياً في شمال أفريقيا (Rognon 1996). فالاستكشاف العلمي لأسباب الجفاف لا يزال هو العمل الجوهري الذي يعتبر بمثابة الشرط المسبق. وينبغي أن يأخذ هذا العمل في الاعتبار قطاعات عديدة من قبيل الإيكولوجيا النباتية، وعلوم المناخ، والمياه، وأشكال الأرض، والجغرافيا، وعلم التربة. وقد أُنجز جزء من هذا العمل في شمال أفريقيا، ولكن ينبغي دعمه عن طريق البحث. ومن بين الأنشطة التي يشملها هذا العمل، يمكن الإشارة إلى الاستشعار عن بعد الذي أصبح أداة لا غنى عنها من أجل ترقية المعارف بشأن ظواهر التصحر، وتدهور البيئة الطبيعية (الأراضي الزراعية، والغابات، والمراعي).

سابعا-1-7. تطوير البحث الأساسي والبحث التطبيقي

76.    بدأت البحوث بشأن الجوانب المادية، والبيولوجية، والبشرية في المناطق الجافة في شمال أفريقيا منذ وقت مبكر، أي في الفترة 1953-1963، في إطار برنامج خصصته اليونسكو لمختلف المناطق الجافة في العالم. ومع ذلك، لا تزال المعارف بشأن أنماط سلوك النباتات، والحيوانات في المناطق الجافة وشبه الجافة في شمال أفريقيا غير كافية. ولتلافي حالات القصور هذه، يمكن توجيه البحث إلى المسارات التالية:

-       معرفة الأنواع : ينبغي زيادة المعرفة بشأن متطلبات الأنواع النباتية وأنماط سلوكها (المروج، والغابات، والمراعي) إزاء الجفاف، والملوحة، والأراضي، ونوعية التربة. وينبغي معرفة شروط نجاح الأنواع البرية، والمحلية، والزراعية على حد سواء؛

-       البحث في مجال التكنولوجيا الإحيائية : يتيح هذا البحث معرفة واسعة بشأن التكيف في حالات الجفاف، والملوحة، والأمراض، وحالة التربة. ولا يزال التقدم يحرز في هذا المجال في بلدان شمال أفريقيا. ويساعد تحديث الزراعة، وتربية الحيوان، باستخدام التقنيات البيولوجية، والجينات الإحيائية على توفير موارد متنوعة، ويقلل بالتالي من مخاطر التصحر؛

-       البحث في مجال المكافحة الإحيائية : ينبغي أن تحظى البحوث الجديدة بشأن المراقبة الإحيائية بالأولوية من أجل مكافحة الأمراض، والطفيليات، والأنواع القناصة التي تهاجم النظم الإيكولوجية الجافة وشبه الجافة. وهذه الآفات تقلص الكتلة الإحيائية والغطاء النباتي بقدر كبير، وتساهم بالتالي في عملية التصحر؛

-       رسم خرائط لمخاطر التحات، واستكمالها بتحليل متعمق بشأن العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية؛

-       البحث في مجال تقنيات مكافحة التحات، والملوحة، والتقنيات المائية والزراعية؛

-       البحث في مجال ظواهر التحات، والترسبات الرملية، والملوحة.

77.    وتهيئ زيادة الفهم العلمي للظواهر المناخية وتفاعلها على صعيدي المكان والزمان فرصاً لمراقبة الممارسات الهدامة في مجال استخدام الأراضي، وزيادة أرصدة الكربون عن طريق إدارة التربة على نحو أفضل، وزيادة قدرتها على استعادة حيويتها (Hillel et Rosenzwieg, 2002).

سابعا-1-8. رسم خريطة للزراعة، والغطاء الترابي، وإجراء دراسات تقييم للتربة

78.    من أجل نجاح الاقتراحات الواردة في استراتيجية مكافحة التصحر، من الضروري إعداد خريطة للتربة على نطاق منطقة شمال أفريقيا. وستكون خريطة الغطاء الترابي هي الأساس الذي يرتكز عليه إعداد أية استراتيجية زراعية أو غيرها. علاوة على ذلك، سيكون من الممكن إنشاء نظام رصد نوعية التربة، ومن ثم معرفة حالة التربة على نحو أفضل (التصحر على سبيل المثال).

79.    وتنطوي المحافظة الحقيقية للتربة، وبالتالي المكافحة الوقائية للتصحر على استخدام مختلف أنواع التربة ومعالجتها حسب إمكانية مردودها واحتياجاتها الخاصة (القيود). وهذا المبدأ الأساسي للمحافظة على التربة والموارد المائية ينطبق على كل أجزاء شمال أفريقيا. ولذلك، ينبغي تكييف الزراعة لتصبح ملائمة للبيئة الطبيعية، لا من أجل زيادة الإنتاج فحسب، بل أيضاً للمحافظة على هذا الإنتاج للأجيال القادمة.

80.    ومن أجل الانتقال من مرحلة تحديد خصائص التربة إلىمرحلة تخطيط استخدامها، ينبغي استخدام أوتكييف نظام لتصنيف طاقات الاستخدام. وقد أنجز بالفعل العديد من الدول، أو المناطق هذه الدراسة بوصفها أداة تساعد على اتخاذ القرارات. أما في المغرب فقد واجهت هذه الدراسة مشكلة عدم وجود خرائط متصلة بشأن التربة. وشرعت تونس في مشروع استكمال دوري لجرد الموارد الطبيعية لمعرفة ما يطرأ عليها من تغير على الصعيدين الكمي والكيفي. وينبغي أن تستخدم البلدان الأخرى تجربة هذين البلدين في مجال وضع الخريطة الزراعية لتتمكن من جمع العناصر الضرورية لرسم خريطة زراعية لكل منطقة شمال أفريقيا. وهذه الخريطة مهمة جداً لمعرفة الإمكانات الإقليمية، وتلافي العجز في الإنتاج.

81.    وستساهم الخريطة الزراعية بقدر كبير في تجديد نظم الزراعة وفقاً لما تمليه الظروف المناخية، وحالة التربة، والاحتياجات الزراعية. وفي سياق النشاط الزراعي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن هذه الأراضي فقيرة وهشة، ولذلك فإن استخدامها ينبغي أن يرتكز على مبدأ المحافظة عليها.

82.    وفي عام 2000، شرعت الجزائر في خطة وطنية للتنمية الزراعية بهدف تكييف استخدام الأراضي ليلائم المعايير المناخية، ومعايير حالة التربة، والمعايير الزراعية. وترتكز هذه الخطة على تقديم الحوافز لأصحاب المزارع ودعمهم، وبصفة خاصة إصلاح نظم استغلال الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة، وتخصيص الأراضي المعرضة للقحط (المخصصة الآن لزراعة الحبوب، أو الأراضي البور المهددة بالتدهور) لزراعة الأشجار، والكروم، وتربية الحيوان، والأنشطةالأخرى الملائمة، مع التركيز على زراعة الحبوب في المناطق الصالحة.

سابعا-1-9. نظام الإنذار، ومكافحة آثار الجفاف

83.    المنطقة دون الإقليمية لشمال أفريقيا معرضة إلى أقصى درجة للأضرار الناجمة عن تقلبات المناخ الحادة (الجفاف والفيضانات) التي أصبحت أكثر تكراراً بسبب التغيرات المناخية في المستقبل. وتوجد في المنطقة دون الإقليمية برامج وطنية لمكافحة آثار الجفاف وضعت لتحقيق التوازن الاجتماعي-الاقتصادي، وترمي بصفة خاصة إلى توفير مياه الشرب، والمحافظة على الثروة الحيوانية، وتوليد العمالة.

84.    ومن بين إجراءات درء الجفاف، يمكن ذكر وضع برامج المراقبة والإنذار السريع بفضل مراصد البيئة أو الجفاف في شمال أفريقيا.

85.    وقد أنشأت بلدان شمال أفريقيا نظاماً لتداول المعلومات الخاصة بالتصحر بدعم من مرصد الصحراء الكبرى والساحل. وسيساعد هذا النظام على تداول المعلومات بمجرد اختيارها والتصديق عليها، وإتاحتها لمختلف الجهات الفاعلة في صيغة مفهومة وفي متناول اليد.

سابعا-1-10. إيجاد مصادر جديدة للطاقة

86.    يمكن درء التصحر باستخدام بدائل جديدة، وبصفة خاصة مصادر الطاقة المتجددة بدلاً عن استخدام حطب الوقود مما سيساعد على المحافظة على الغابات. وتعتبر المناطق في شمال أفريقيا مصدراً للطاقة الشمسية، والطاقة الريحية. وينبغي تشجيع استخدام مصادر الطاقة هذه في المغرب وتونس بصفة خاصة، لأن البلدين لا ينتجان الهيدروكربونات. وتستخدم مصادر الطاقة المتجددة بالفعل، ولكن بدرجة غير كافية لأغراض التدفئة، والطبخ، والتبريد، والري على نطاق ضيق. وقد وضع المركز المغربي لتنمية مصادر الطاقة المتجددة الخطة الاستراتيجية الوطنية لتنمية مصادر الطاقة المتجددة. ويتوقع المركز زيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في حجم الطاقة على الصعيد الوطني من نسبة 0.24% إلى 11.43% خلال 10 سنوات (من 2000 إلى 2010). وينبغي تشجيع الإنتاج الصناعي لهذه الطاقة في شمال أفريقيا، وتعميم استخدامها، مع تخفيض تكلفة تخزينها وتركيب معداتها. وقد أوضح ولد محمد بالفعل (2001) أن الطاقة الريحية يمكن أن تسهم بنسبة 11% في إنتاج الطاقة السنوي في نواديبو في موريتانيا. ويمكن استخدام هذه المصادر للطاقة في تحلية المياه لتوفير ما يكفي من المياه العذبة، ومياه الري.

سابعا-2. استراتيجيات مكافحة التصحر وآثار الجفاف في بلدان شمال أفريقيا

87.    وسائل مكافحة التصحر متعددة، ولكنها مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً. فإجراءات الدرء الرامية إلى تخفيف أو وقف تدهور التربة لم تكن عميقة جداً في شمال أفريقيا. وتتطلب في الواقع أجزاء كبيرة من الأراضي في شمال أفريقيا إجراءات علاجية لتستعيد إنتاجيتها.

88.    وتنطوي سبل ووسائل مكافحة التصحر على إمكانية عملية ومكتسبات تقنية بقدر كبير. ومع ذلك، فإن معظم هذه الطرق والدراية تكون أكثر تطوراً في البلدان ذات المناخ المعتدل التي تختلف خصائصها من حيث التربة والمناخ، والجوانب الاجتماعية-الاقتصادية من خصائص بلدان شمال أفريقيا.

89.    وإجراءات مكافحة التصحر لها تاريخ قديم في شمال أفريقيا. وحتى قبل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتصحر الذي انعقد في نيروبي في عام 1977، شرعت بعض بلدان شمال أفريقيا في بذل الجهود الرامية إلى المحافظة على الموارد الطبيعية، ومكافحة الترسبات الرملية، وتعبئة الموارد المائية، وذلك في إطار أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

90.    ولزيادة فرص تحقيق التنمية المستدامة، ومن ثم استعادة ظروف الاستقرار الاجتماعي، ينبغي اللجوء إلى الطرق السلمية فيما يتعلق باستخدام الأراضي وإدارتها، أي الطرق التي تؤدي إلى أدنى حد ممكن من تحويل الأراضي، وتغيير وظائفها، أو التي لا تفضي إلى التدهور الذي لا يمكن أن تزال آثاره.

سابعا-2-1. استراتيجيات حبس الكربون في التربة

91.    يعتبر فقد التربة للمادة العضوية أهم مصادر لتدهورها. وعلى الصعيد العالمي، تقدر انبعاثات غاز الكربون في الغلاف الجوي بسبب الزراعة منذ بداية القرن بحوالي 60 ألف طن (في شكل غاز كربوني) (1997 Lal,).

92.    وتشمل الاستراتيجيات الموصى بها لمكافحة التصحر وإصلاح الأراضي استعادة حيوية الغطاء النباتي ليشمل الأنواع الملائمة والمناسبة للنظم الإيكولوجية، والاستغلال الرشيد للمراعي، والتكامل بين الزراعة وتربية الحيوان، وتسميد المراعي بالفوسفات، وتقنيات جمع مياه الصرف، واستخدام النباتات المشكلة للأملاح، واعتماد طرق التدوير الملائمة. وسيساهم تطبيق طرق إصلاح الأراضي المالحة، والمشبعة بالصودا مساهمة كبيرة في زيادة حبس الكربون في التربة، وفعالية الري، ومن ثم تحسين الإنتاج.

93.    وقد أفضت الزراعة في شمال أفريقيا التي ترتكز على الحرث وتصدير الكتلة الإحيائية والتي تمارس دون مساهمة للتعديل العضوي إلى نقص عام في محتويات التربة من الموارد العضوية مع تلغيز الكربون، فضلاً عن انبعاث الغاز الكربوني. وبلغت محتويات التربةمن المواد العضوية مستويات متدنية للغاية (بين 0.5% و2%)، مع آثار ذلك المحسوسة على صعيد تجمع التربة واستقرارها وهيكلها وتأثرها بالتحات من ناحية، وعلى صعيد التنوع الإحيائي، والحياة البيولوجية من ناحية أخرى (Mrabet et al., 2001).

94.    وسيتعين تعجيل هذا التغير الإحيائي بسبب احتباس الكربون في التربة المحتمل. وبذلك يصبح احتباس الكربون في التربة ظاهرة هامة. ومن شأن إعطاء قيمة اقتصادية للممارسات الزراعية التي تساعد على تراكم الكربون أن تشجع على إدارة أفضل للمواد العضوية التي تعتبر العامل الرئيسي فيما يتعلق بأداء التربة لوظائفها.

95.    وتنطوي نظم الزراعة الجديدة على أقل درجة من الحرث، وعلى البذر المباشر، والإدارة الرشيدة لعملية التسميد، والري المكمل، وتكثيف نظم الزراعة، وتناول المحاصيل، واستخدام السماد الأخضر، وزراعة الغطاء النباتي والتي ينبغي تطويرها لاستعادة الغطاء النباتي، وزيادة المواد العضوية في التربة على حد سواء.

96.    وفي القطاع الزراعي، يمكن أن يساهم استخدام السماد من رواث البهائم والمخلفات الزراعية في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وفي نفس الوقت التقليل من الحاجة إلى قطع الأشجار. ويمكن أن تساهم الزراعة باستخدام المواد العضوية في تحسين الوضع الغذائي مع الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. كما تقلل أيضاً من استخدام المدخلات المكلفة، كما يمكن أن تساهم أيضاً، إذا تمت ممارستها على نطاق واسع، في تغيير التربة في شمال أفريقيا إلى مصدر للكربون.

97.    وفي قطاع الغابات، والأحراج الرعوية، تشير الخطط التوجيهية لزراعة الغابات التي وضعتها بلدان شمال أفريقيا إلى ظاهرة احتباس الكربون في التربة، ولكنها إشارة غير صريحة.

98.    وفي إطار مكافحة التغيرات المناخية، شُرع في العديد من المشاريع في مجال الزراعة والغابات، وزراعة الأحراج، بالإضافة إلى برامج إعادة التشجير وزراعة الغابات. وفي الواقع، يمكن أن تساهم إدارة الغابات، والأراضي الزراعية، والمروج في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النتريت، وزيادة مصادر الكربون. وفي مجال الغابات، فإن الإجراءات التي ينبغي اتخاذها تتعلق بالمحافظة على الغطاء النباتي الموجود، والحد من قطع الأشجار، وتجديد الغابات.

سابعا-2-2. مكافحة الملوحة

99.    من بين العمليات الكيميائية المسببة لتدهور الأراضي، تؤثر الملوحة على الصعيد العالمي في حوالي مليار هكتار من الأراضي التي غالباً ما تكون غير صالحة للزراعة، ولكن يمكن استخدامها على نحو أفضل في المستقبل لزراعة المحاصيل ذات العائد المدني والمخصصة لإنتاج الطاقة (Gupta et Abrol, 1990) وتبلغ مساحة الأراضي المالحة والأراضي التي تحتوي على الصوديوم حوالي 98.5 مليون هكتار في أفريقيا. وتوجد كل هذه المساحات تقريباً في المناطق الجافة وشبه الجافة (LeHouérou, 1995,  Robert et Stengel, 1999)  وتعزى العملية الثانوية للملوحة والتشبع بالصوديوم إلى نظام الصرف غير السليم، واستخدام المياه والأراضي التي لا تصلح للري. ففي مصر، على سبيل المثال، يُذكر في التقرير السنوي الأول (1999) عن البرنامج الوطني المصري لمكافحة التصحر أن ملايين الهكتارات قد استصلحت لتشكل نظاماً للصرف.

100.  وتتطلب التنمية الزراعية في الأراضي الجافة (والصحراوية أيضاً) بالضرورة إدماج مكافحة الملوحة في أنشطة مكافحة الجفاف. والطرق المستخدمة اليوم في استغلال الموارد المائية، وموارد الأرض في المناطق المروية لا تكفل استدامة هذه الموارد، ولا استمرار التحسينات التي تتم في مجال الهيدرولوجيا الزراعية. وإحدى الوسائل الفعالة لتحسين الإنتاج في المناطق المعرضة لمخاطر الملوحة هي تحديد الأنواع المقاومة للأملاح. وينبغي أن يرتكز اختيار المناطق على أساس خصائص غطاء التربة وقابليته للري، ومدى تأثره بالملوحة. وفيما يتعلق بالأراضي القاحلة، يعتمد تخفيض ملوحة التربة (غالباً ما تكون هذه التربة ضعيفة القدرة على حفظ المياه والعناصر المغذية) على التحكم  في تقنيات الري والصرف.

101.  ويوضح الجدول 9 أن ملوحة التربة أصبحت واقعاً معاشاً في الأراضي المروية في شمال أفريقيا، ومشكلة ينبغي مكافحتها. ففي المغرب، على سبيل المثال، تنتشر ظاهرة الملوحة في حوالي 40000 هكتار من الأراضي المروية.

الجدول 9 : مساحة الأراضي المتأثرة بالملوحة (Lal, 2002)

نسبة الأراضي المتأثرة بالملوحة
الأراضي المالحة والمشبعة بالصوديوم
(ملايين الهكتارات)
البلد

1.50
تونس

1.15
المغرب
30-40
7.36
مصر
10-15
3.15
الجزائر
20
4.87
السودان

2.46
ليبيا


سابعا-2-3. دعم الزراعة الرامية إلى حفظ البيئة في مناطق الزراعة المطرية

102.  شهدت الأراضي في شمال أفريقيا سلسلة من التحولات فيما يتعلق بممارسات إدارتها التي أفضت إلى هشاشة البيئة الطبيعية. ومنذ أن نالت الاستقلال، انشغلت بلدان شمال أفريقيا بتكثيف زراعة الحبوب، ولا سيما في المناطق شبه الجافة. وأصبح انتشار زراعة المحاصيل ظاهرة تساعد على الحماية من آثار التصحر وتدهور خصائص التربة (Akrimi et Neffati, 1995).

103.  واختارت هذه البلدان نفس السياسة فيما يتعلق بزراعة الحبوب، ونفس نموذج التنمية الزراعية المرتكز على استخدام الماكينات والأسمدة الكيميائية، واختيار الأصناف النباتية. وفي شمال أفريقيا، يبدو أن حرث الأرض هي الوسيلة الأساسية لزيادة الخصوبة الطبيعية للتربة وزيادة مردودها.

104.  غير أن هذا الاستخدام للأراضي لم يعد مقبولاً لأسباب زراعية واقتصادية، وأسباب تتعلق بتفاعل التربة والمياه. ولذلك، فإن تدهور الأراضي المزروعة يعزى بشكل رئيسي إلى عدم إدارة خصوبة هذه الأراضي. ويرتبط هذا التدهور بتعدد استخدام التربة ونقص معدل المواد العضوية فيها. وهناك شكل آخر من أشكال تدهور التربة يتعلق بتراص التربة، وهبوط الأرض في المناطق المستخدمة والمناطق المغمورة. وهذا الشكل من أشكال التدهور يعزى أيضاً إلى حرث الأرض، والضغط بسبب الماكينات الزراعية، ونقص المواد العضوية في التربة. وأصبح هبوط الخصوبة باطراد عاملاً يقلل من الإنتاج الزراعي، ويحد من النمو الاقتصادي في شمال أفريقيا.


105.  وينبغي أن يكون تحسين إدارة خصوبة التربة عنصراً هاماً في السياسة الإنمائية لبلدان شمال أفريقيا. والتحدي الكبير هو عكس عملية فقر التربة، وزيادة عناصرها الغذائية، وإصلاح حالتها المادية عن طريق المبادرات الرامية إلى إصلاحها وتنميتها.

106.  ولذلك ينبغي الدعوة إلى زراعة جديدة مستدامة ترتكز على التقليل من آثار الماكينات في التربة، والعمل على حماية الأراضي بالغطاء الميت أو الحي. والزراعة السليمة بيئياً، وهي البديل المستخدم على نطاق واسع في العديد من البلدان هي الكفيلة باستعادة خصوبة التربة والمحافظة عليها، وتحسين الإنتاج الزراعي. وترتكز هذه الزراعة على ثلاثة مبادئ هي عدم حرث الأرض، والمحافظة على غطاء نباتي دائم، والبذر المباشر للنباتات التي يراد زراعتها من خلال الغطاء النباتي (Mrabet, 2001 a, b et 2002) والبذر المباشر هو البديل الذي يمكن تعميمه في شمال أفريقيا.

107.وأصبحت السنوات التي تشهد موجات الجفاف الواسعة تتكرر أكثر وأكثر مفضية إلى هشاشة بيئية على نحو يثير القلق، وأصبحت تقنيات إدارة الأراضي التي تمارس حالياً دون أثر سوى زيادة الحالة سوءاً. ولذلك، ينبغي التوجه نحو تكييف نظم الزراعة لتصبح أكثر ملائمة للاتجاهات المناخية الجديدة. ويعتبر اختيار المحاصيل، وإيجاد فصائل جديدة أكثر مقاومة للجفاف وسيلتين للتغلب على آثار الجفاف.

108.  وفي حينانه يمكن إنتاج مجموعة كبيرة من المحاصيل في بيئة أكثر رطوبة باستخدام نظم زراعية مكثفة أكثر، تصبح إمكانية اختيار المحاصيل في المناطق الجافة وشبه الجافة أقل كثيراً. وفي هذه المناطق، تتسم عملية إراحة الأراضي بأهمية كبيرة من أجل ضمان إنتاج مستقر نظراً للتغيرات المناخية (Bouzza, 1990 ; El-Brahli et Mrabet 2000).


أعد هذه الوثيقة الدكتور رشيد مرابط، خبير استشاري.[1]
[2] :    Réseau d’Observatoires de Surveillance à Long Terme (ROSELT).
[3]   : Changes in Arid Mediterranean Ecosystems on the Long term and Earth Observation (CAMELEO).  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق