الأربعاء، 19 فبراير 2014

مكافحة حت التربة بفعل المياه وإصلاح الأراضي المتأثرة بالتحات



مكافحة تحات التربة بفعل المياه وإصلاح الأراضي المتأثرة بالتحات

109.  يعتبر التحات بفعل المياه من العمليات الرئيسية المسببة لتدهور الأراضي، وهي العملية الأكثر انتشاراً نظراً لأنها تؤثر في حوالي 790 مليون هكتار في مختلف أنحاء الكرة الأرضية. وأسباب هذه العملية هي الرعي المفرط، وقطع الأشجار، والاستخدام السيئ للأراضي (Robert et Stengel, 1999).
ويعتبر تحات التربة بفعل المياه عنصراً رئيسياً من عناصر تدهور البيئة في المناطق شبه الجافة، وشبه الرطبة في شمال أفريقيا. وتتميز هذه البيئة المتدهورة بكل الخصائص التي تساهم في حدة التحات، وهي الغطاء النباتي المضمحل، تضاريس الأرض ذات الطبيعة الحجرية التي تساهم في تدهور الأراضي، والمناخ المتميز بالأمطار التي لا تسقط بانتظام، والسيول. وفي الوقت الحالي، أصبح فقد الأراضي الزراعية بسبب التحات مصدر قلق في المنطقة (Sibari et al., 2001).

110.  وفي شمال أفريقيا، تعتبر معدلات فقد التربة من بين أكبر المعدلات في العالم إذ تتراوح بين 500 وأكثر من 2000 طن/كم2/السنة. ففي المغرب، على سبيل المثال، تتعرض مساحة 5.5 مليون هكتار للتحات الشديد من مجموع الأراضي المزروعة في المغرب التي تبلغ مساحتها 7.7 مليون هكتار (Karmouni, 1988). أما المساحة المتبقية، وهي 2.2 مليون هكتار، فهي معرضة أيضاً للتحات ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة في المدى القصير. ويهدد التحات بفعل المياه والرياح ثلثي الأراضي الزراعية بالتدهور، ويفضي إلى تقليل قدرة السدود على تخزين المياه بحوالي 50 مليون متر مكعب في العام، أي ما يعادل خسارة سنوية في إمكانية ري أراضي تتراوح مساحتها بين 5000 و6000 هكتار. وأوضح جرد الموارد الأرضية في تونس أن مساحة الأراضي المتأثرة بالتحات تزيد على 4 مليون هكتار، منها مساحة 1.5 مليون هكتار متأثرة بدرجة خطيرة من جراء التحات المائي (MEAT, 2002).

111.  وفيما يتعلق بالأراضي المعرضة لظواهر التحات المكثف، فقد وضعت منذ عام 1945 إجراءات لمنع تدهور الأراضي وإصلاحها، ثم وضعت أيضاً إجراءات لحفظ المياه والتربة، وطبقت هذه الإجراءات بشأن العديد من مستجمعات المياه. وشملت هذه الإجراءات حوالي مليون هكتار في منطقة المغرب العربي، منها أكثر من375000 هكتار في الجزائر، وما يقارب 100000 هكتار في تونس، وحوالي 300000 هكتار في المغرب (Heutsch, 1986). ومنذ الاستقلال وحتى فترة الثمانينات، طبقت في تونس إجراءات حفظ المياه والتربة، وجمع مياه الصرف، وتصريف الأرضي لمياه الفيضانات على مساحة بلغت مليون هكتار. غير أن هذه التقنيات تتناول أعراض ظاهرة التحات وليس أسبابها (MEAT, 2002). وتتطلب نسبة 85% من هذه الأراضي عمليات تجميع، وإصلاح، وتحويل. وتوجد نفس المشكلة في البلدان الأخرى في المغرب العربي. وما برحت عمليات تشييد المصاطب الزراعية، وزراعة الأشجار، وحماية الأودية الصغيرة تصبح باطراد بديلا للأرصفة. وكان اللجوء إلى حماية الغابات لفترات طويلة في المناطق التي تعاني من التدهور يعتبر منذ وقت طويل تقنية موصى بها. غير أن تعميم هذه التقنيات واجه مشكلة ارتفاع تكلفة تطبيقها، وإهمال الإخصائيين للجوانب الاجتماعية-الاقتصادية المتعلقة بالسكان المتضررين.

112.  ويتفق الإخصائيون على تواضع نتائج عمليات مكافحة تحات التربة بفعل المياه في البلدان النامية (Biot et al, 1989). وترتكز التقنيات المستخدمة على نهج تقني ينطوي على ترسيخ استخدام الطرق الآلية. وترمي كل هذه التقنيات إلى التسرب الكامل لمياه الأمطار في التربة (أرصفة حجز المياه وامتصاصها) أو تصريف المياه خارج قطعة الأرض عن طريق منافذ (الأرصفة ذات منافذ التصريف أوذات القنوات). وهذه التقنيات التي صممت في إطار ترابي-مناخي معقد وعلى نحو سيئ أو دون دراسة كافية فرضت على سكان يفتقرون إلى الموارد المالية (Heutsch, 1986, 1995). ويقول نفس المؤلف أن أكثر من نسبة 50% من الأرصفة (أرصفة حجز المياه، أو الأرصفة  ذات المنافذ لتصريف المياه) اختفت أو دمرت في المغرب العربي. ومن المسلم به أن الأرصفة ليست هي الحل السحري للحد من ظاهرة التحات بسبب قطع الأشجار، والرعي المفرط، أو إزالة الغابات. ولا تتطلب مكافحة تحات التربة إنشاء هياكل إدارة المياه مثل المصاطب والأرصفة فحسب، بل أيضاً، وبصفة خاصة تحسين النظم الزراعية مما يؤدي إلى التقليل من مخاطر التحات، وتشجيع المزارعين على المحافظة على هذه الهياكل. ووفقاً للاعتبارات المتعلقة بالتربة والاعتبارات الهيدرولوجية، والجيولوجية، والطبوغرافية، ربما يمكن استصلاح الأراضي المتأثرة بالتحات عن طريق إنشاء السدود، أو البحيرات المحاطة بالتلال، وتغذية طبقات المياه، ونشر مياه الفيضانات، وإجراءات منع تدهور الأراضي، وإصلاح وتحسين الأودية الصغيرة وغيرها من الإجراءات.

113.  أما بالنسبة للمناطق الأقل تأثراً بالتحات، فغالباً ما تُستخدم تقنيتان (الزراعة الكنتورية،ونظم البذر المباشر، أو الحرث المبسط للأرض)، والزراعة الكنتورية، أو الزراعة باتباع منحنى التساوي العمقي، تتمثل في البذر حسب منحنى الأرض، أي البذر الرأسي في المنحدر الأكثر حدة. غير أنه لا يوصى بالزراعة الكنتورية إلا في مساحات محدودة تبلغ نسبة انحدارها 3% ولا يكون سطحها طويلاً أكثر مما ينبغي. وترتبط هذه التقنية بصورة عامة بممارسات أخرى ترمي إلى حفظ التربة (الأصناف المقاومة، والتسميد بقدر معقول، والمكافحة المتكاملة، والبذر المباشر، أو الحرث المبسط).

114.  ويعتبر التحات المائي أزمة علاقات بين المجتمعات الريفية والبيئة الطبيعية التي تعيش فيها هذه المجتمعات وتستغلها. ولذلك، لا يوجد حل مستدام لهذه المشكلة دون المصالحة بين هذه المجتمعات وبيئتها. ولا تتحقق هذه المصالحة دون الملاءمة الشديدة بين الاحتياجات النوعية والكمية لهذه المجتمعات وقدرة البيئة على تلبيتها. وستساعد هذه المصالحة على الفهم الأفضل لدينامية البيئات المتدهورة، والتحديد الأفضل للأسباب التي تحدث التدهور.

سابعا-2-5. التحكم في الفيضانات ومياه الصرف

115.  عرفت الزراعة باستخدام قنوات الري منذ العصور الوسطى في شمال أفريقيا. وقد استحدثت في الواقع العديد من التقنيات والعمليات للحصول على أكبر قدر من مياه الأمطار (1994 Boers, ). ويعتبر المزج بين الزراعة باستخدام مياه الصرف (وهي منتشرة جداً في تونس، وليبيا) وزراعة الأحراج واستغلالها، والزراعة الحرجية الرعوية، أداة فعالة للغاية لتجويد الأراضي الجافة واستصلاحها، حتى في المناطق التي تكون فيها معرفة هذه التقنيات محدودة للغاية. ولذلك، ينبغي تشجيع هذه التقنيات (وتحديثها) في المناطق الجافة من أجل خلق أراض ذات كتلة إحيائية. ويعتمد نجاح هذه التقنيات إلى حد كبير على الفصائل التي ينبغي أن تكون مقاومة للجفاف، وقادرة على تحمل الإجهاد لوقت طويل، والمتميزة بفعلية عالية فيما يتعلق باستخدام المياه (Cactus, Atriplex, Jujubiers).ويعتمد نجاح هذه التقنيات أيضاً على معرفة الأسس الإيكولوجية للبيئة الجافة التي تكون بصورة عامة غير متجانسة ومتنوعة. ويعتبر وضع النماذج بصورة عامة أداة مفيدة لمعرفة المناطق التي يصلح فيها استخدام تقنيات تجميع مياه الصرف، ونشر مياه الفيضانات (Zeggat et al, 1998).

سابعا-2-6. تكثيف الإنتاج عن طريق ترشيد استخدام المياه والاقتصاد في استعمالها، ودعم استخدام الري التكميلي لأغراض الزراعة

116.  في سياق تنمية المناطق الجافة وشبه الجافة ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار السببان المحتملان لندرة المياه خلال العام، وهما فترة الموسم الجاف، ومخاطر ندرة المياه أثناء فترة نمو المحاصيل، ولاسيما في فترة الإنبات، والازدهار، أو فترة تكوين البذور أو الثمار.

117.  والزراعة المروية في شمال أفريقيا ضعيفة جداً أمام تقلبات المناخ، ولاسيما في فترات الجفاف التي تستمر لوقت طويل. وتختلف الفوائد الاقتصادية للري باختلاف درجات نقص كميات المياه وتعرض المحاصيل للجفاف، وطرق الري، ووجود احتياطي من المياه، فضلاً عن تكلفة استخدام هذا الاحتياطي.

118.  وعلى الصعيد العالمي، يستهلك الري نسبة 70% من كميات المياه المتوفرة (Szabolc, 1986)، وتصل هذه النسبة إلى 90% في شمال أفريقيا، ومع ذلك، فإن نسبة المياه التي تصل إلى الزرع تبلغ 30% فقط. ولذلك، فمن المهم زيادة فعالية الري إلى أقصى درجة، مع ضمان استدامة المساحات المروية.

119.  وبالنسبة لجميع بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط، تعتبر الموارد المائية الشحيحة والمتذبذبة عاملاً يعوق التنمية الزراعية، والاقتصادية، والاجتماعية. وقد ساعدت سياسة تعبئة المياه السطحية المدعومة بجهد الدولة الكبير في مجال الاستثمار على زيادة رقعة الأراضي المروية بقدر كبير. ففي تونس، على سبيل المثال، ارتفعت المساحة المروية من 62000 هكتار في عام 1962 إلى 350000 هكتار في عام 2001 بفضل زيادة معدل تعبئة الموارد المائية من 10 إلى 90% (Zahar, 2001). ويعطي الجدول 10 لمحة عن المساحات المروية في كل بلد من بلدان المنطقة دون الإقليمية لشمال أفريقيا.


الجدول 10 : المساحة المروية حسب كل بلد من بلدان شمال أفريقيا (منظمة الأغذية والزراعة، 1998)

المساحة المروية (بملايين الهكتارات)
البلد
1.25
المغرب
3.30
مصر
1.95
السودان
0.38
تونس
0.56
الجزائر
0.47
ليبيا

120.  وتبلغ مساحة مصر، والسودان، والمغرب، إذا أضفنا إليها كل من جنوب أفريقيا، ومدغشقر، 19% من المساحة الكلية لأفريقيا، ولكن تبلغ فيها نسبة الأراضي المروية 60% من الأراضي في أفريقيا.

121.  ولم يحدث توسع يذكر في المساحات المروية، نظراً للتكلفة العالية لعمليات التجهيز التي تقلل من مردودية هذه المساحات. ومع ذلك، فقد سجل تكثيف النشاط الزراعي زيادة كبيرة تحت ضغط الطلب المتنامي للمنتجات الزراعية بسبب النمو الديموغرافي، والتوسع الحضري. وسيتعين أن تتحول إدارة المياه التي تضطلع بها الأجهزة الحكومية في مساحات واسعة إلى خدمة مياه تديرها وكالات الري. وستؤدي إعادة تنظيم خدمات المياه إلى تقليل التكاليف، والحد من الاستغلال المفرط لطبقات المياه.

122.  وفي إطار الزراعة المروية، تصبح المياه التي هي قوام الحياة مصدراً لتدهور الأراضي إذا لم تستغل بطريقة معقولة. وتعتبر طريقة الري، وهي بشكل عام طريقة استخدام الجاذبية، أحد أسباب عدم فعالية استخدام المياه التي تتم تعبئتها، ومصدراً لفقد كميات كبيرة من المياه. وتمارس طريقة الري بالرش في ليبيا، ومصر، والمغرب، وتونس. ويتعين تحديث نظم الري باستخدام الجاذبية، وتشجيع النظم الأكثر فعالية لاستخدام المياه (نظام الرش، والري على نطاق صغير).

123.  ونظراً لشح المياه في شمال أفريقيا، ينبغي اتخاذ التدابير الرامية إلى الاقتصاد في استخدام المياه، وبصفة خاصة محاربة الإهدار عن طريق إصلاح الهياكل الأساسية وصيانتها بصورة دورية، ودعم إدارة المياه المرتكزة على المشاركة. وينبغي تعبئة المساعدات المالية من أجل اعتماد تقنيات ري حديثة (الري بالرشح على سبيل المثال).

124.  وفي المناطق الجافة، يمكن أن يكون تخزين المياه في الطبقات الجوفية (سد أولوز في منطقة سوس جنوبي المغرب) بديلاً فعالاً لتخزين المياه في الهواء الطلق (سدود تخزين المياه).

125.  ويساعد الري التكميلي على تلافي النقص في كميات مياه الأمطار، إذ يمكن استخدامه لري المحاصيل في الفترات الحرجة. ويساعد هذا الري في ظروف شح المياه على ري المحاصيل والنباتات في المراحل الحرجة على نحو يمكنها من بلوغ مرحلة الإنتاج المرضي. ولذلك، ينبغي تطوير الرأي التكميلي في المستقبل ليصبح طريقة للري شبه المكثف بالاعتماد على البحيرات والسدود المترابطة. ففي تونس، على سبيل المثال، يستخدم الري التكميلي فوق مساحة 73000 هكتار من المساحة المروية الكلية البالغة 315500 هكتار (Mamou et Kassah, 2000, Zahar, 2001).

126.  وهناك أيضاً إمكانية استخدام واستغلال المياه غير التقليدية ذات المحتويات الكيميائية المتدنية، والمياه المستعملة المعالجة، ومياه الصرف ذات الملوحة المرتفعة.


سابعا-2-7. الاستغلال الرشيد للمراعي وتنمية قطاع تربية الحيوان

127.  تغطي أراضي المراعي مساحات واسعة في شمال أفريقيا (الجدول 11) غير أن 85% من مساحة هذه المراعي معرضة للتصحر (الجدول 7). وتساهم هذه الأراضي في تلبية احتياجات الثروة الحيوانية في شمال أفريقيا بنسبة تتراوح بين 35 و55%. وأفضت آثار عدم التوازن الإيكولوجي، بالإضافة إلى الطلب القوي على العشب، وعدم وجود تدابير سياسية ملائمة بشأن المراعي إلى تدهور مناطق الرعي بقدر كبير وتأثرها بالتحات القوي. وإزاء هذا التدهور، اضطر السكان إلى استغلال البيئة على المدى القصير، دون اكثرات لحفظ قدراتها علىتجديد نفسها. وأدت أعداد قطعان الماشية التي تفوق سعة حمل المراعي إلى تراص التربة، واختفاء أصناف العلف تحت وطأة أظلاف الماشية والرعي المفرط.

الجدول 11 : مساحة المراعي في شمال أفريقيا (Lal, 2002)

مساحة المراعي (بملايين الهكتارات)
البلد
50
المغرب
2.6
مصر
142.5
السودان
8.0
تونس
38.1
الجزائر
17.2
ليبيا

128.  ويجب وضع نظام إدارة رشيدة للمراعي، بوصفه وسيلة قابلة للاستمرار وقليلة التكلفة لاستصلاح الموارد الطبيعية وحفظها. ويرتكز هذا النظام على ما يلي:

-       تنظيم الفضاء الرعوي في شكل وحدات تأخذ في الاعتبار التنظيم الاجتماعي الأساسي؛
-       مشاركة السكان المستفيدين في كل عمليات الاستصلاح والتنمية ليصبحوا مشاركين في مسؤولية إدارة الموارد وحمايتها.


سابعا-2-8. إدارة الغطاء النباتي وتنمية مستجمعات المياه

129.  تغطي الغابات في شمال أفريقيا مساحة قليلة (أقل من 2%) مقارنة بالمساحة الكلية لبلدان المنطقة دون الإقليمية (Akrimi et Nafati, 1995). وبناء على ذلك، ينبغي زيادة الوعي والتعبئة بقدر أكبر من أجل زراعة الأشجار، وحماية الغابات. وفي هذا الإطار، قررت بلدان المغرب العربي ومصر، بعد مؤتمر نيروبي، أن تضع في عام 1978 مشروع الحزام الأخضر لبلدان شمال أفريقيا (برعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، وأن تنشئ وحدات لحل مشكلة التصحر (Skoupy, 1991). ومع ذلك، نشاهد أن تدمير الغطاء النباتي ينتشر تدريجياً ليصبح تدميراً للتربة متسماً بدرجات متزايدة من الخطورة. وبالإضافة إلى حطب الوقود، فإن استخدامات الغابات متنوعة وتشمل العلف، وحماية مستجمعات المياه، واستعادة خصوبة التربة، وتغذية طبقات المياه مجدداً، وتحسين نوعية المياه، وضبط معدلات دفق الأنهار، والحد من التحات.
130.  وبالنسبة لمربي الماشية، تعتبر الغابة مكاناً للرعي، كما تعتبر احتياطياً من الأرض بالنسبة للمزارعين. وفي المغرب، يشمل اختفاء الغطاء النباتي والغابات مساحة تزيد على 30000 هكتار في العام. وينبغي أن تكون الإدارة المستدامة لأحواض التصريف، أو المناطق عن طريق دعم التآزر بين الزراعة، وتربية الحيوان، والحراجة.

131.  ويعتبر غطاء التربة العامل الوحيد الأكثر أهمية فيما يتعلق بمكافحة التحات، وبالتالي مكافحة التصحر،وتعطى الخطة الوطنية لإعادة التحريج بعداً جديداً للغاية في شمال أفريقيا على الصُعد الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء. وتشمل هذه الخطة الطويلة الأجل في استراتيجيتها عنصر السكان القادرين على المشاركة في إدارة التراث، مع مراعاة خصوصية مناطق الغابات المكتظة بالسكان (Bensaid et al, 1998).

132.  ووجهت بشكل أساسي الأنشطة القليلة التي قامت بها خدمات الغابات في الماضي في مجال إعادة التحريج في شمال أفريقيا إلى حماية التربة واستصلاحها. غير أن المصاعب المالية التي تواجه بلدان شمال أفريقا تحتم التفكر جدياً في انتهاج أسلوب إعادة التحريج لأغراض الإنتاج.


سابعا-2-9. مكافحة الترسبات الرملية أو تثبيت التلال الرملية

133.  يعتبر خطر الرياح أحد المكونات الرئيسية لتغير البيئة في شمال أفريقيا، ويجب أخذه في الاعتبار في جميع الدراسات الخاصة بالتصحر، وفي عملية التفكير في استراتيجيات مكافحته. ومن أجل مكافحة هذه الآفة، بل ورصدها، ينبغي معرفة الآليات الأساسية للتحات الريحي، والديناميات الريحية المسببة لهذه الآليات. وينبغي أيضاً إصلاح التقنيات التقليدية لمكافحة الترسبات الرملية (Rognon, 1999). وينبغي القول أن التحات الريحي كان موجوداً على الدوام في مناطق شمال أفريقيا، ولكن آثاره هي التي أصبحت أكثر حدة. وفي المناطق الجنوبية من المغرب العربي، وجزء كبير من الأقاليم المصرية، والليبية، والموريتانية، يتصاعد فقدان النباتات بصورة تثير القلق، كما أن التحات الريحي يسود بشكل أساسي. ووفقاً لـ(Houérou, 1995) يمكن أن يتراوح التحات الريحي بين 150 و300 طن/هكتار/سنة في السهول المقطوعة الأشجار في شمال أفريقيا.

134.  ففي تونس، على سبيل المثال، تؤثر الترسبات الرملية في الوقت الحالي، وتعتبر واحدة من المظاهر المذهلة لظاهرة التصحر، في منطقة تغطي ما يقارب 64% من مساحة البلد، أي ما يقارب 10 مليون هكتار. وتحتل التلال الرملية بالفعل مساحة تزيد على 2 مليون هكتار.

135.  والتقنية المستخدمة عادة لمكافحة تراكمات التلال الرملية هي التقنية المسماة بسياج الأمن. وتتمثل هذه التقنية في تكوين حاجز خطي يعترض الرياح التي تهب للحد من سرعتها، وجعل الرمال المتحركة تتراكم على مستوى هذا الحاجز. ويفضي تراكم الرمال إلى تكوين تل صناعي يمثل المرحلة الأولى من مراحل مكافحة الترسبات الرملية. ويمكن تثبيت هذا التل بصورة نهائية عن طريق زراعة نبات دائم الخضرة. ويعتبر اختيار الفصائل النباتية الأكثر تأقلماً فيما يتعلق بتثبيت التراكمات الرملية عملية حساسة نظراً لتداخل عمليات الترسبات الرملية وعمليات الجفاف. ولذلك يُعتبر نجاح البذور في المناطق الجافة حدثاً نادراً.

136.  وتتم مكافحة الترسبات الرملية كإجراء علاجي، بينما ينبغي أن تنجز هذه المكافحة في إطار وقائي لمكافحة التصحر. وينطوي التوجه نحو المكافحة الوقائية للترسبات الرملية على معالجة المناطق ذات التربة الرملية على معالجة المناطق ذات التربة الرملية التي تكون مصدراً لهذه الظاهرة، أي المراعي، والمساحات المزروعة المعرضة لعملية التدهور. وكانت تقنية حواجز الحماية تستخدم لخلق مناخ منطقة صغيرة محسن وبمأمن التحات الريحي، والأضرار الأخرى التي تسببها الرياح. وفي الواقع، هناك تقنيتان مستخدمتان للتثبيت الهندسي، هما التل الرملي المضاد،والمربعات.

137.  وفي مجال مكافحة الترسبات الرملية، أعطت التقنيات الهندسية والإحيائية نتائج مقنعة في شمال أفريقيا. فمن أجل تثبيت التلال الرملية، فإن المكافحة الإحيائية هي الأفضل لأنها تساعد جيداً في الازدهار الإحيائي. وتساعد هذه التقنيات على خلق مناخ منطقة صغيرة مستقر في مناطق التلال الرملية، وتساعد بالتالي في نجاح المزارع. ولا تزال هذه التقنيات في مرحلة التجربة في الجزائر (Tolba, 2000). ومن هنا نبعت فكرة الاستثمار في التحريج في المناطق الجافة، وفي الأراضي الرملية حيث تقل التكلفة. وحتى إذا كانت الأشجار تنمو بصعوبة في هذه المناطق، فقد جرت التجارب على طرق جديدة حتى في المناطق الصحراوية، نظراً لأن تكلفة تخزين الكربون أكثر ارتفاعاً. وينبغي إجراء التجارب التي تجمع عدة اختصاصات لقياس كل المعايير الجوية، والسطحية (المعايير الخاصة بالتربة) التي تساهم في انكماش الرياح (Rognon et al, 1997).

138.  ولمنع انتشار الرمال المتحركة، هناك طرق مختلفة. فزرع بعض الفصائل العشبية، أو بعض النباتات المقاومة للجفاف في سفوح التلال الرملية كثيراً ما يعطي نتائج ممتازة. وتستخدم أحياناً صفوف سياج الأمن، وغيرها من عمليات اعتراض الرياح لتكديس الرمال ومنعها من الانجراف.


ثامنا : تحليل إجراءات مكافحة التصحر والجفاف التي اتخذت في بلدان شمال أفريقيا

139.  أبدت جميع البلدان السبعة في شمال أفريقيا عزمها على مكافحة التصحر في إطار سياساتها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وتعتبر مكافحة الجفاف، وتجديد البيئة واستصلاح الأراضي في شمال أفريقيا عملية يمكن إنجازها من الناحية التقنية في الكثير من الحالات. وتواجه تنفيذ هذه العملية في الأساس مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية. ويتضح من برنامج العمل الوطني أن التدابير التي طبقت لمكافحة تدهور الأراضي، والتصحر في شمال أفريقيا تشير إلى وجود تغيير في تصميم الاستراتيجيات وتطبيقها. ويتميز هذا التغيير في النُهج بالتحول التدريجي من النهج التقني (المنتج) الذي كان متبعاً خلال العقدين اللذين أعقبا الاستقلال إلى نهج يرتكز على نحو متزايد على البحث عن شراكة حقيقية في المناطق الريفية عن طريق المشاركة. ومع ذلك، فإن هذه الخطط لم تستطع وقف التصحر، ولكنها نجحت في إبطائه.


140.  ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من أنشطة الاستجابة التي يضطلع بها بمرور الوقت في شمال أفريقيا :
-       البرامج الخاصة؛
-       البرامج المتكاملة؛
-       سياسات التنمية أو الإدارة الإقليمية.

141.  ولا يمكن تحقيق مكافحة التصحر دون وجود إرادة سياسية قوية قادرة على إحداث ثورة اجتماعية ثقافية، وعلى التدخل على صعيد الحياة اليومية للسكان المحليين.

142.  وتتعلق البرامج الخاصة بإنشاء الأرصفة المضادة للتحات، وتثبيت التلال الرملية. غير أن هذه التقنيات لم تحقق نجاحاً كبيراً. وأصبح إنشاء المصاطب الزراعية، وإعادة التشجير، وحماية الأودية الصغيرة تحل تدريجياً محل الأرصفة المضادة للتحات. واستخدمت أيضاً تقنية الحواجز الوقائية لخلق مناخ منطقة صغيرة محسن، وللوقاية من التحات الريحي والأضرار الأخرى التي تسببها الرياح. غير أن التكلفة المرتفعة للعمليات، وعدم أخذ الجوانب الاجتماعية-الاقتصادية للسكان المتضررين في الاعتبار بالقدر الكافي كانتا من المشاكل التي واجهت تعميم هذه التقنيات.

143.  وترمي البرامج المتكاملة للتنمية بشكل خاص إلى التكامل بين أنشطة مكافحة التحات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. ويشمل ذلك البرنامج الزراعي-الحرجي-الرعوي في السد الأخضر (حاجز حرجي ضخم) في الجزائر الذي يهدف إلى وقف زحف الصحراء في محيط السهول الواقعة بين خط الأمطار البالغ 300 ملم شمالاً و200 ملم جنوباً، ومشروع SEBOU في المغرب، والسياسات المتعلقة بالري في تونس، والمغرب، ومصر، والسودان.

144.  وقد أضر الطابع المحدود من حيث الزمان والمكان الذي تتسم به الإجراءات المتكاملة بفعالية هذه الإجراءات نظراً لعدم وجود رؤية شاملة للمشاكل. ولسوء الحظ فإن البرامج المتكاملة لحفظ الموارد الطبيعية قد أُهملت نظراً لصعوبة تنفيذها (نظراً لأنها تتطلب تعاوناً يجمع بين عدة تخصصات). أما سياسة التنمية الإقليمية فهي تطبق بدرجات متفاوتة في بلدان شمال أفريقيا. ويتضح أن تونس والمغرب هما البلدان الأكثر تقدماً في هذا المجال. غير أن عدم وجود دراسات مسبقة، وعدم كفاية متابعة المشاريع يعتبران من أسباب تدني النتائج التي تحققت في إطار حملة حفظ الموارد الطبيعية، إذ يتضح ذلك من انتشار التصحر، وتراكم الطمي في السدود، وتدهور الأراضي. وتعتبر إدارة الموارد الطبيعية على نحو شامل وقائم على المشاركة وتجمع بين عدة تخصصات عملية يتميز تطبيقها بالدينامية، وتراعي التغيرات (من حيث الزمان والمكان)، والآثار (حسب خطورتها) بهدف تكييف التقنيات المضادة للتحات، والجوانب الديموغرافية، والمؤشرات الاجتماعية-الاقتصادية، والمتطلبات الإيكولوجية (الوطنية،وعبر الحدود).

ثامنا-1. الفوائد الاجتماعية والمكتسبات المؤسسية

145.  سيساعد تصديق بلدان شمال أفريقيا على اتفاقية مكافحة التصحر على وضع إطار إقليمي للتعاون بهدف تطبيق برامج العمل الوطنية والإقليمية. وبالإضافة إلى حماية الأراضي والبيئة، تعتبر أيضاً محاربة آفة الفقر عن طريق المشاريع الاجتماعية أولوية في شمال أفريقيا. وانطلاقاً من هذا المفهوم، فإن سياسة مكافحة التصحر لها فائدة مزدوجة. فعلاوة على دورها على الصعيدين البيئي والاجتماعي، فإن مكافحة التصحر في إطار اتفاقية مكافحة التصحر تؤدي دوراً مؤسسياً وقانونياً. وقد ساعد هذا الدور في وضع مدونات وقوانين (مدونة المراعي، والغابات، وقانون المياه).

146.  وهناك شروط ينبغي الالتزام بها في إطار التعاون لمكافحة التصحر وتمويل البرامج الخاصة بذلك. ومن بين هذه الشروط، تجدر الإشارة إلى ذكر مشاركة السكان، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، فضلاً عن لامركزية سلطات اتخاذ القرارات، ومشاركة المؤسسات غير الحكومية.

147.  وسيساعد وضع البرامج الوطنية والإقليمية لمكافحة التصحر على مشاركة السكان المحليين، وبصفة خاصة النساء والمنظمات غير الحكومية. ولذلك، ينبغي أن يكون قرار مكافحة التصحر والجفاف، أو الوقاية منهما نابعاً بصورة إلزامية من نهج البدء من القاعدة، وقائماً على المشاركة وعدم المركزية. ومع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أن تقارير برامج العمل الوطنية، وبرامج العمل دون الإقليمية في منطقة المغرب العربي لا توفر معلومات كافية بشأن نوعية مشاركة السكان في اتخاذ القرارات. وسيفضي إدماج السكان في عملية اتخاذ القرار إلى بعث الأمل في زيادة حيوية المجتمع، وتوليد العمالة، وتوفير الأنشطة ذات الصلة.

148.  وأوصى جدول أعمال القرن 21 الوارد في إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية باتخاذ إجراءات على الصعيد العالمي من أجل مشاركة المرأة في التنمية المستدامة والعادلة. وسلطت تقارير بلدان شمال أفريقيا عن اتفاقية مكافحة التصحر الضوء على دور المرأة والشباب في الوقاية من تدهور الموارد الطبيعية.

ثامنا-2. المكتسبات الاقتصادية

149.  ستفضي مكافحة التصحر إلى مكتسبات اقتصادية كبيرة للمنطقة دون الإقليمية، وللبلدان، والشعوب على حد سواء. عن طريق الحد من فقدان الأراضي، والترسبات، والعناصر الغذائية، فضلاً عن المحافظة على الهياكل الأساسية، واستصلاح الأراضي، وزيادة الطاقة الإنتاجية للأراضي، وتخفيض نسبة الفقر، وتحسين الظروف المعيشية.

150.  ويساعد إنجاز برامج العمل الوطنية، وبرنامج العمل دون الإقليمي على التنسيق والتضافر بين البرامج والمشاريع، ومن ثم الإستخدام الأفضل للوسائل الوطنية، والإقليمية والدولية المخصصة لمكافحة التصحر.

151.  وبالإضافة إلى محاربة الفقر، وحفظ البيئة، ينبغي أن يؤدي تطبيق اتفاقية مكافحة التصحر إلى بلوغ هدف تحقيق الأمن الغذائي الذي يعتبر أساس استراتيجيات التنمية الريفية والزراعية في بلدان شمال أفريقيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق