الخميس، 20 فبراير 2014

الدولة العثمانية مع الحروب الصليبية



الدولة العثمانية فتاريخها مع الحروب الصليبية النصرانية تاريخ عريق، فلم تنس أوربا النصرانية هزيمتها أمام الدولة العثمانية، أحرز فيها العثمانيون نصراً مؤزراً، فقد قُتل من النصارى الكثير، وغرق آلاف منهم في نهر الدانوب والحمد لله. ولن تنسى أوربا النصرانية سقوط القسطنطينية بيد السلطان محمد الفاتح رحمه الله، ومنذ ذلك التاريخ وقادة أوربا النصرانية يضعون الخطط للإجهاز على الدولة العثمانية واقتسام تركتها، واستمر القوم يتآمرون ويتعاونون مع جمعيات الماسون السرية التي كانت تضم المجرمين من اليهود والصرب واليونان، حتى تمكنوا من عزل السلطان عبدالحميد وإسقاط الخلافة، ليتحكم فيها جماعة الاتحاد والترقي ومعظم قادتها وأعضائها من يهود الدونمة، فتمكن الاستعمار الخبيث من القضاء نهائياً على الخلافة، واصطناع الحدود بين أقطارها عن طريق اتفاقية "سايكس بيكو" الشهيرة عام 1915م، وتم إلغاء الخلافة الإسلامية وطَرْدِ الخليفة خارج الحدود، ومصادرة أمواله، وإعلان علمانية الدولة، وإلغاء الشريعة الإسلامية. ولم يكتف الصليبية النصرانية بكل هذا، بل استمروا في حربهم الصليبية ضد المسلمين واستغلوا خيرات بلاد المسلمين من المغرب العربي إلى مصر وبلاد الشام، فلم تسلم دولة إسلامية من ذلك حتى باكستان وأندونيسيا.
لقد أشرقت شمس الرسالة على أهل الأرض ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت لهم سراجاً منيراً، فأنعم الله بها عليهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً، وأهل الكتاب وقتئذ مترقبون ينتظرون، فلما أشرقت من مكة شمس الرسالة ببعثة محمد بن عبدالله الهاشمي، كفروا بها وجحدوها إلا قليلاً منهم، وكانوا هم أولى باتباع النبي  لما يجدونه مكتوباً عندهم في كتبهم، قال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل). وخص الله سبحانه أهل الكتاب من اليهود والنصارى بدعوة خاصة فقال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم) فناداهم بـ(يا أهل الكتاب) تشريفاً وتكريماً، وليكون ذلك أدعى لقبول ما جاء به محمد ، فكان منهم من أسلم فسلِم، وآمن فأمِن، وكُتب له الأجر مرتين، وكان منهم من أخذه الكبر والحسد فكفر وجحد ومع ذلك أقرهم الإسلام على دينهم، وأذن للمسلمين في الإحسان إليهم، وعَصَم دماءهم وأموالهم، وحفِظ لهم حقوقهم وأبقاهم بين المسلمين رجاء الخير لهم بإسلامهم وإيمانهم. فكان الإسلام عليهم نعمة والمسلمون لهم رحمة. إن أهل الكتاب ما نعموا بعدل ولا سعدوا بأمن إلا تحت حكم المسلمين وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة: من ذلك أنه لما انسحب أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه من حمص بعد أن فرض عليها الجزية بكى النصارى في حمص وقالوا: "يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا ولكنهم - أي الروم - غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا". هكذا كان الإسلام لهم، وهكذا أَمَرَ الله ورسوله  المسلمين أن يكونوا لهم. وفي مقابل هذا البر والإحسان والرحمة والإنعام كيف كان أهل الكتاب للمسلمين؟. إن تاريخ النصارى في التعامل مع المسلمين تاريخ أسود كله.
كانت الحرب الصليبية الأولى عام 489هـ بقيادة بطرس الناسك بتحريض من رجال الدين لاحتلال بيت المقدس، ثم جاءت الحرب الصليبية الثانيه عام 541هـ بقيادة ملك ألمانيا، والثالثة كانت عام 585هـ بقيادة ريشارد قلب الأسد ملك انكلترا، وفيليب ملك فرنسا بحجة استعادة بيت المقدس بعد الانتصارات التي حققها البطل المجاهد صلاح الدين الأيوبي، ثم كانت الحرب الصليبية الرابعة عام 594هـ بقيادة أمراء فرنسيين انتهت بالفشل، أما الحرب الصليبية الخامسة فكانت عام 615هـ، ثم السادسة عام 625هـ بقيادة ملك ألمانيا انتهت بتسليم بيت المقدس إلى الصليبيين، والحرب الصليبية السابعة كانت عام 637هـ، أما الحرب الصليبية الثامنة فهي الهجمة الصليبية مع بداية القرن المنصرم والتي من خلالها تم تدمير الخلافة الإسلامية وتفكيك العالم الإسلامي إلى دويلات متفرقة وجثوم الصليبين على قلب العالم الإسلامي، ومن ثم تسليم فلسطين لأخوان القردة والخنازير، وفيها ركل القائد الانكليزي قبر صلاح الدين وقال قولته المشهورة: "ها قد عدنا يا صلاح الدين". قالها بعد سبعمائة سنه من آخر حملة. وقد ذكر بعض المؤرخين المعاصرين أن الحرب الصليبية التاسعة والتي كانت عام 1422هـ هي الهجوم على بلاد الأفغان. وهناك من يقول بأن العاشرة قد دقت طبولها في العراق، وأن الحروب الصليبية لم تنته بعد.
إن الدول الغربية تفتعل أي سبب لكي تضرب أية دولة أو لتشن حرباً صليبية جديدة، حالهم في ذلك حال ذلك الذئب الذي كان يشرب من أحد الأنهار، فأبصر حملاً فطمع في افتراسه، ولكنه أراد أن يراعي شريعة الغاب حتى يكون افتراسه موافقاً لقرارات الأمم المتحدة، فيبدأ بتقديم مسوّغ لافتراس ذلك الحمل يقنع به باقي الوحوش! فما إن رأى الحمل يجترّ بفمه، حتى بادره قائلاً: أتهزأ بي لا أبا لك! قال الحمل: أبداً، إنما اجترُّ بعض الطعام. قال: فلماذا كدرت عليّ ماء النهر أثناء شربي؟. قال الحمل: وكيف وأنت أعلى النهر وأنا أسفله. قال: إذاً أنت الذي قتلت أبي في العام الماضي! قال الحمل: أبداً، فلم أولد إلا قبل أشهر! قال: فأبوك إذاً هو الذي قتله!. ثم هجم عليه وافترسه!. هكذا يتعامل الغرب اليوم مع الشعوب المسلمة لكي يغطوا عورتهم في الحرب الصليبية الجديدة.
إننا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون في هذه الحملات الصليبية من المحن المحملة بالمنح، وأن يصدق فيها قول الله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)، ولعلها تكون كذلك من ناحيتين:
الناحية الأولى: أن تكون موقظة للأمة من غفلتها: فإن الأمة تعاني من أمراض عظيمة، من حب الدنيا، وكراهة الموت، والابتعاد عن الشرع، والخلود إلى الأرض، فأعجزها ذلك عن الحراك، وسلط عليها الكفار من كل جنس، وعلاجها والله أعلم لا يكون إلا بصدمات قوية متتابعة، بقوة ما هي عليه من مرض، فلعل هذه الحملات الصليبية تحمل بين أظهرها علاج هذه الأمة فتجعلها تفيق من غفلتها، وتنهض من كبوتها، وقد رأينا كيف كان الاجتياح الشيوعي الأحمر لأفغانستان قبل أكثر من عشرين سنة من أعظم أسباب إحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله بين المسلمين في العصر الحاضر، وما يدريك أن حملة بني الأصفر الحالية على المنطقة أن تحيي الجهاد في هذه المنطقة أيضاً ويحصل ما كان يخشاه الغرب، وتوقظ قلوب المسلمين، وتكون طريقاً لإظهار الإسلام على الدين كله ولو كره الكافرون، وما ذلك على الله بعزيز.
الناحية الثانية: أن تكون طريقاً لنهاية بعض الدول التي تُسمى بالدول العظمى، إنها تمر الآن بأزمات اقتصادية متتابعة خانقة، ولو تورطوا بحملة صليبية جديدة، فإن ذلك يحتاج إلى ميزانية ضخمة، بالإضافة إلى ما يسببه الاعتداء على مناطق النفط من أزمات عالمية ستتضرر منها هذه الدول، وهذا يؤذن بأفول نجم هذه الدولة بحول الله وقوته، إذ إن قوامها قائم على الاقتصاد، والتاريخ الحديث فضلاً عن القديم يشهد لذلك، فأين هي الاتحاد السوفيتي الآن بعدما تورطت في دخولها بلاد الأفعان.
أما نحن المسلمين فإننا مأمورون أيام الفتن بتقوى الله سبحانه والرجوع إليه، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والاهتمام بأصل الدين ولبه توحيد الله وتعلمه وتعليمه، ودعوة الناس إليه، وهجر الشرك كله صغيره وكبيره، وتحذير الناس منه، والتمسك بالسنة واتباعها، والحذر من البدع وأهلها، والمعاصي والتحذير منها، والبراءة من الكفر وأهله، فإن هذه الأمور من أعظم أسباب النصر قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم).
في الثاني والعشرين من إبريل عام 1993م لم يكن مضى على استلام الرئيس الأمريكي "بل كلينتون" للحكم أكثر من ثلاثة أشهر، حين أقام احتفالاً في العاصمة الأمريكية بمناسبة افتتاح متحف المحرقة اليهودية وبحضور عدد من رؤساء أوروبا بشرقها وغربها، وقف رئيس وزراء الكيان الصهيوني الهالك "رابين" في ذلك الحفل خطيباً وقال: "إننا لسنا متأكدين بعدُ من أن الرئيس كلينتون وفريقه يدركان تماماً خطر الأصولية الإسلامية والدور الحاسم لإسرائيل في محاربتها، إن مقاومتنا ضد الإرهابيين المسلمين القتلة مقصود منها إيقاظ العالم الذي يرقد في سبات عميق على حقيقة أن هذا خطر جاد وحقيقي يهدد السلام العالمي".
ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء إلى بُعيد الحرب العالمية الثانية، حيث ما يسمى بحلف شمال الأطلسي "الناتو"، كان هدف إنشاء هذا الحلف في بداية أمره ليكون وسيلة دفاعية ضد ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، وكانت دول أوروبا وحلفاؤها تشعر بالقلق تجاه السياسة السوفيتية التوسعية، وازدادت المخاوف عندما فرض السوفييت أشكالاً من الحكومات الشيوعية على العديد من دول وسط أوروبا وشرقها، ونتيجة لذلك سعت الحكومات الغربية إلى تحالف جديد لفترة ما بعد الحرب العالمية لتأمين الدفاعات الأوربية ضد احتمالات التهديد السوفييتي، فنشأ ما يسمى بحلف "الناتو".
دكّ مجاهدو أفغانستان تلكم الإمبراطورية ولم يعد للاتحاد السوفيتي وجود الآن، فلماذا بقي الحلف موجوداً والهدف الأساسي الذي من أجله أُقيم قد زال؟ بل السؤال الأهم: لماذا التوسع الآن في هذا الحلف؟.
الجواب في كلمة مختصرة: أن هدف الحلف تحوّل الآن ضد التيار الإسلامي. هذه هي حقيقة القصة والقصة الحقيقية.
إن أي حلف يوجد على وجه الأرض لا بد أن يكون له عدو، وإلا ما كان لوجوده أي فائدة، والإسلام للغرب النصراني عدو دائم وليس عدواً جديداً، وهو الخطر القادم بعد زوال الشيوعية كما يصرحون هم بذلك.
فالمسلمون اليوم لا يواجهون حلفاً من ست عشرة دولة أول ما قام حلف "الناتو"، ولكننا نواجه حلفاً يتكون من أربع وأربعين دولة بعد التوسع، وهو يعتبر أكبر تحالف في التاريخ، فإن ثمة مجلساً ظهر يسمى "المجلس الأوروبي للتعاون الأطلسي"، وقد عقدت اجتماعاته عقب قمة مدريد بحضور الدول الست عشرة المعلنة، وثمان وعشرين دولة أخرى وقّعت مع الحلف ميثاقاً خاصاً، ومن بينها كل دول الاتحاد السوفييتي السابق. وعلى هذا فالمسلمون أمام أربع وأربعين دولة، مجهزة بأحدث الأسلحة، وتتحكم في 70% من إنتاج العالم بزعامة حلف الأطلسي، فحسبنا الله ونعم الوكيل. فهل نحن مدركون لهذا الواقع؟ وهل نحن على وعي تام لما يراد بنا ولنا؟ وهل نحن على مستوى هذه التحالفات؟.
إلى كم يُهان الدين والعلج يطربُ      وحتى متى يا قوم ننعى ونشجب
وحتى متى يستأسد الفأر في الربى       ويزرع فينا الخوفَ والحقَّ يَسلب
أفي كل يوم يشتكي الظلم إخوتي      وفي كل صقعٍ من بلادي معذّب
وفي كل يوم تستباح حقوقنا            وما عاد فينا من يذود ويغضب
أللخائن العربيد ألفُ تحية               وللعالِم المغوار سيفٌ مذرّب
أننعم والإسلام يشكو مصابهُ           ونضحك والرحمن للحق يغضب
فمن يا ترى للحق يأسو جراحه        ومن في سبيل الله للنفس يُتعب
أهذا أوان النوم يا ابن عشيرتي        ودمع ذوي القربى على الخد يُسكب
أهذا أوان النوم يا شبل خالدٍ           وأنفاسنا في اللوح تحصى وتكتب
فقم يا حفيد الصحب واثأر لأمةٍ       يسوم لها الباغي وفي المجد يلعب
وقل لبني الإسلام واصرخ بجمعهم      سأنصر دين الله والحقَّ أطلب
سأثأر للحق الذي بات يشتكي        فلا القيد يثنيني ولا السوط يُرهب
سأنصر هذا الدين مهما تكالبت        عليه الأعادي أو العود أُصلب
سأثأر على أن أموت مجاهداً            شهيداً إلى الجنات أسعى وأذهب
فمن يا ترى للذل يحني جبينه           ومن ذا عن الهيجاء يرضى ويرغب
لئن كان للشر المبجّل صولةٌ            فإن هدى الرحمن أعلى وأغلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق