الخميس، 20 فبراير 2014

تاريخ الحروب الصليبية



تاريخ الحروب الصليبية
ناصر بن محمد الأحمد

في السابع والعشرين من شهر نوفمبر من عام 1995م اختارت الدول الأوروبية الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط هذا اليوم ليكون موعداً لانعقاد مؤتمر موسع في برشلونة بأسبانيا يضم 15 دولة أوربية و12 دولة متوسطية من بينهما 8 دول عربية إضافة إلى تركيا وقبرص ومالطة ودولة العدو الصهيوني، ما مناسبة هذا المؤتمر؟ ولماذا عقد؟ وهل جاء هذا الموعد في زمانه ومكانه محض مصادفة؟.
الجواب: أن كل هذا الترتيب وفي هذا الموعد بالذات لم يكن مصادفة، إن هذا الموعد يوافق بالتمام والكمال ذكرى مرور 900 سنة على بدء الحروب الصليبية، ففي مثل ذلك اليوم من ذلك الشهر في عام 1095م، أطلق بابا النصارى "أوربان الثاني" دعوته لبدء الحملات الصليبية على البلدان الإسلامية الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط بغرض الاستيلاء على بيت المقدس. وكان مما قيل في ذلك المؤتمر ما صرح به "ويلي كلاوس" حيث قال: "إن الأصولية خطيرة كما كانت الشيوعية، ونرجوكم ألا تقللوا من شأن هذا الخطر". وقال أيضاً: "إن الخطر الأصولي الإسلامي هو من أهم التحديات التي تواجه الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، ومن واجبنا أن نتعاون مع الدول التي تواجه ذلك النوع من الصعوبات". فهل كان هذا المؤتمر تحضيراً لحروب صليبية جديدة؟ ألم تنته الحروب الصليبية بعد؟ ألم يقل القائد "اللنبي" بعد استيلاء الإنجليز على القدس في الحرب العالمية الثانية وهو واقف على قبر صلاح الدين: "الآن انتهت الحروب الصليبية"! هل كان مخطئاً؟ يبدو ذلك، بل بالتأكيد كان مخطئاً، هذا إن أحسنّا به الظنّ، ولم يكن يعلم أن النصرانية لم تشبع بعد من دماء المسلمين ولم تكفها سبع أو ثماني حملات في القرون الوسطى لإشفاء غليلها من المسلمين الموحدين، ولم تشفها الحملات المعاصرة قبل وبعد الحربين الكونيتين في النصف الأول من هذا القرن، بدليل أن صيحاتهم باتت تصم الآذان منذرة بقيام المزيد من الحروب الصليبية بين العالم الإسلامي والعالم النصراني، وأنها لم تنته بعد، صرّح بذلك مؤخراً كبيرهم الذي علمهم السحر.
إن القائد "اللنبي" قال: إن الحروب الصليبية انتهت باستيلاء النصارى على القدس في القرن العشرين، ولكن جاء الصرب وافتتحوا حملات جديدة حتى قال وزير إعلامهم بالحرف الواحد في إعلان شهير له: "إن الصرب في معاركهم في البلقان إنما يمثلون طليعة الحرب الصليبية الأخيرة لاستئصال شأفة الإسلام". إن العالم قد رأى بعينيه الصلبان تحفر على صدور ورقاب المسلمين في البوسنة، فهل تستحق هذه الحرب وصفاً آخر غير الحرب الصليبية؟!.
لقد فرغ النصارى من أمر أكثر الدول والأنظمة في العالم العربي والإسلامي تقريباً، ثم أقبلوا الآن على الشعوب المسلمة ذاتها ليناصبوا كل من بقي على الوفاء للدين العداء، والأصولية أو الإرهاب التي نصبوها عدواً بديلاً بعد سقوط الشيوعية ما هي إلاّ تعبير عن رغبة قطاعات عريضة من الشعوب الإسلامية في العودة لأصول الدين. هذه الأصولية بهذا المعنى هي المستهدفة بالحرب الشعواء التي بشّر الغرب بقيامها، ثم باشر البدء فيها فعلاً أحياناً بالقوة العسكرية وأحياناً بالمحاصرة الاقتصادية، وفي أحايين أخرى بالتسلط الدولي تحت مسمى الشرعية الدولية، ومهما حاول الصليبيون الجدد ستر أغراضهم وأحقادهم الدينية بالأقنعة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو تحت ذريعة محاربة الإرهاب فإن تلك الأقنعة تسقط ويظهر الوجه الحقيقي للصراع وأنها حرب صليبية، قال الله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وقال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقال تعالى: (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون). إن القرآن لم يحدثنا عن الأطماع الاقتصادية أو الأهداف السياسية والعسكرية أو الحضارية للنصارى واليهود، ولكنه ركز على الأغراض الدينية لهم، أما الأغراض الأخرى فتأتي بالتبع، لقد كانت هتافات الجنود النصارى الزاحفين على بيت المقدس أيام الحروب الصليبية الأولى: أمر الله، إنها إرادة الله. وباسم هذا الإله المُدّعى ذبح النصارى المسلمين العُزّل وقت دخولهم القدس في الحملة الصليبية الأولى حتى بلغ عدد القتلى من المسلمين في ساحات الأقصى وطرقات المدينة نحو سبعين ألفاً، وهذا ما يريده النصارى الجدد في حروبهم الصليبية القادمة التي أعلنوا عنها. وتخبرنا الروايات الصليبية نفسِها بأطراف من المأساة، فيقول أحدهم وهو: "ريمون داجيل" في رواية موثقة لدى أدعياء المسيحية السمحة طرفاً من الحدث فيقول: "وقعنا على مشاهد لم يسبق لها مثيل، فقد قُتِل عدد كبير من أبناء المدينة فكانوا يُرمَون بالنبال أو يجبرون على القفز جماعات من فوق الأسوار، كما عُذّب بعضهم قبل أن يُرمَوا في النار، شوارع المدينة كانت مليئة بالرؤوس والأيدي والأرجل، وكان الجنود في كل مكان يسيرون فوق الجثث، لقد كانت مجزرة رهيبة، بعدها كنا نسير في بحيرات من الدم، لقد نهب الصليبيون حتى ارتووا". وقال نصراني آخر: "إن النساء كن يقتلن طعناً بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يُختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم ويقذف بهم من فوق الأسوار أو تهشّم رؤوسهم".
ولماذا نذهب بعيداً فقد رصد التاريخ الإسلامي الحدث ذاته بكثير من التفصيل والدقة سردها الإمام ابن الأثير رحمه الله في كتابه الكامل: وذكر أن المذبحة استمرت طوال يوم الدخول وليلته واقتحم النصارى المسجد الأقصى في صباح اليوم التالي وأجهزوا على من احتموا فيه، وصبغت ساحات المسجد بدماء العبّاد والزهّاد الركّع السجود، وتوجه قائد الحملة في الضحى لدخول ساحة المسجد متلمساً طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبته، وكان النظر لا يقع إلا على أكوام من الرؤوس والأيدي والأقدام المقطعة في الطرقات والساحات، ونهب النصارى جميع الأمتعة وخربوا أثاث المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ونهبوا القناديل التي بلغت نيفاً وأربعين قنديلاً، كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا نيفاً وعشرين قنديلاً من ذهب. وأبادوا أهل أنطاكية وخربوا حمص وبعلبك وحماة وعسقلان وقِنّسرين وطبرية وغيرها من البلاد وهجَّروا أهلها منها وفعلوا الأفاعيل العظيمة التي استحى حكماؤهم ومؤرخوهم منها.
إن هذا بل وأكثر ليس بغريب أن يفعله النصارى لو تمكنوا من رقابنا، بل لماذا نذهب بعيداً ففي خلال الأعوام الماضية القريبة كم قُتل من مسلمي البوسنة وطاجاكستان وألبانيا والشيشان، بل كم قُتل من شعب الصومال والسودان والعراق على أيدي النصارى الصليبيين، وإلى الآن لم يرتووا ولو حصل لهم فرصة أخرى لأحرقوا الأخضر واليابس.
أعود لتاريخ المؤتمر، إنه اليوم الذي أرادوا أن يكون عيداً يحتفلون به على أنقاض أرض الأندلس الضائعة، بل ليتهم أرادوا الاحتفال بالذكرى فحسب، بل أرادوا أن يجعلوها بداية انطلاق لبدء رحلة جديدة من الحروب الصليبية، وقبل ذلك بالتعاون مع العدو القديم اليهود، الذين أصبحوا اليوم أعز أصدقاء النصارى الصليبيين وأخلص معاونيهم، حتى إن الغرب النصراني كله قد أجمع على تحويل الأرض المقدسة إلى ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية الموجهة إلى صدور كل شعوب المنطقة الإسلامية، وإن دولة اليهود إسرائيل هي الفرس الذي يعتليه النصارى ويوجهونه، واليهود يعرفون دورهم هذا تماماً وهم يعلمون أن النصارى يدخرونهم ليوم معلوم، قد يحاول المسلمون فيه استعادة كرامتهم ومقدساتهم. ولهذا فإن المراقب المسلم لا يمكنه أن يتجاهل الدور اليهودي في التبشير بالصراع القادم، ودق الطبول للحرب المرتقبة، وتصريحاتهم القديمة في ذلك كثيرة ومتواترة، ولا يزال قادتهم يرددون وبقوة أشد التحذيرات والصيحات والنذر، من خطورة عودة الروح إلى الإسلام على يد دعاة الأصولية.
إن النصارى الجدد يريدون أن يستمروا في إراقة الدماء ولو كان دماء شيوخ ونساء وأطفال، المهم أنهم مسلمون، وقد يخترعون مسرحية أم شماعة يعلقون عليها أهدافهم. إنها حرب صليبية ولا تفسير لها إلاّ ذلك.
إن الإسلام هو دين الله عز وجل، فلا خوف على الإسلام من الحرب الصليبية الجديدة، إنما الخوف على موقفي أنا وأنت من هذه الحرب التي قد دُقت طبولها، ماذا قدمنا وماذا سنقدم؟ وما هو الدور الذي يجب أن يقفه كل مسلم؟ أما الإسلام فهو كتلك الحبة التي تبقى في باطن الأرض عشرات السنين فإذا نزل المطر نبتت من جديد، وهذا الأمر واقع في الدنيا كلها، فلقد عمل أعداء الإسلام للقضاء على دين الله بكل الوسائل: أباحوا المحرمات، حاربوا التعليم الإسلامي، همشوا لغة القرآن، ألغوا تطبيق الأحكام الشرعية، شجعوا كل أنواع الملاهي المفسدة للشباب، جعلوا من وسائل الإعلام معاول لهدم الأخلاق، نشروا الصحف والكتب التي تشكك حتى في الإيمان بالله، ومع ذلك فهل تم القضاء على الإسلام؟.
لقد انتشر الإسلام على يد الأتراك العثمانيين في مقدونيا وألبانيا وكوسوفا والبوسنة والهرسك، وأصبحت المآذن في كل هذه الأرجاء تردد صباح مساء نداء: الله أكبر، ومنذ عام 1912م والمخططات تعمل للقضاء على الإسلام في تلك الإنحاء، فالحكم الشيوعي حارب الإسلام حرباً لا هوادة فيها، حتى وصل الأمر في ألبانيا إلى منع الأسماء الإسلامية وفي مقدمتها اسم: محمد، ونشأت أجيال تحت الحكم الإلحادي الكافر القاضي بقهره وسفكه لدم كل من يُظهر شيئاً من الإسلام، حتى ظن أعداء الإسلام أنهم قد قضوا تماماً على أي وجود إسلامي، لكنهم فوجئوا كما فوجئ الغرب بنور الإسلام يشع في تلك الأرجاء بمجرد انحسار الحكم الشيوعي، فما إن سقطت الأنظمة الشيوعية حتى ارتفعت المآذن وامتلأت المساجد وظهر الشباب الحافظ لكتاب الله والمتقن للغة العربية وتيقن أعداء الإسلام أن نور الله لا ينطفئ أبداً، كيف ينطفئ وقد قال الله عز وجل: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
لقد ارتكب النصارى جرائم وحشية في حق مسلمي الأندلس، أجبروهم على التنصر، وحوّلوا مساجدهم إلى كنائس، وأتلفوا كتبهم ومصاحفهم، واعتبروا أطفالهم نصارى، فعمّدوهم بالقوة ومحوا شعائرهم وشعاراتهم، ومنعوا تقاليدهم وعاداتهم، ونكثوا العهود والمواثيق، فقتلوا وعذّبوا ونكَّلوا وشرَّدوا. وفي القرن المنصرم فعل الاستعمار الصليبي في بلاد المسلمين من قتل وتشريد وفساد وإفساد وتخريب ودمار ونهب للأموال والممتلكات ما تقشعر له الأبدان، وحُرم المسلمين من أدنى الحقوق التي لا تحرم منها الدواب والبهائم، وليست مذابح البوسنة والهرسك ومجازر كوسوفا منّا ببعيد. وها هم اليوم يتغنون كذباً وزوراً بالأمن والسلام والوحدة والوئام، فهذا مجلس الأمن، وذاك مبعوث السلام، وهذه خطة أمن، وتلك صِلاة سلام، فبالله عليكم متى علمتم الوحوش الضارية استأنست؟ ثم هل تلد الوحوش غير الوحوش؟ والأعجب أن المسلمين لا يعتبرون من التاريخ، وما يزال البعض يثق بالنصارى ويصدق بأنهم عادلون منصفون يرعون حقوق الإنسان، وصدق الله العظيم: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).
لقد بدأت محاولات الغزو الصليبي الحديث منذ القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، بعد أن طَرد الأوروبيون الإسلام من الأندلس بعد معارك وحشية طويلة، بارك البابا الانتصار الصليبي وشجع الصليبيين على متابعة المسلمين لطردهم من بقية بلاد الإسلام، يدفع إلى ذلك حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين، ثم تبعتها الرحلات الاستكشافية تحت غطاء العلم، لأن المقصود من تلك الرحلات هو تطويق العالم الإسلامي آنذاك، وقد صرح بذلك الرحالة "فاسكوداجاما" الذي استعان بالبحّارة المسلم "ابن ماجد" الذي أَمَدّه بالمعلومات والخرائط وقاد معه سفينته نحو جُزر الهند الشرقية، فلما وصل قال ذلك الصليبي الحاقد بعد إتمام الرحلة: "الآن طوقنا رقبة الإسلام ولم يبق إلا جذب الحبل فيختنق ويموت". ثم تتابعت الرحلات الأخرى التي قام بها الصليبيون في العالم الإسلامي يدرسون مداخله ومخارجه، هذه الرحلات التي نُدرِّسها لطلابنا على أنها من أعظم الرحلات وأنها كانت رحلات علمية.
أما اليوم فها هو التبشير والتنصير قد أنشب أظفاره وكشر أنيابه وهو نتيجة من نتائج التعصب الصليبي المسلّح، ومولود من مواليد القوة الطاغية، التي تُسمِي كل ما ترضى عنه من الأعمال المنكرة حرية دين، أو حرية فكر، أو حرية رأي، وتُسمي كل ما لا ترضى عنه من المطالبة بالحقوق المغصوبة وغير ذلك، تسميه إرهابًا وعنفًا وأصوليةً وتشددًا.
إن عداوة أهل الكتاب للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بينها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببينة القرآن ولم يكفه شاهد العيان فلا حيلة إليه.
لقد غزت أوربا النصرانية بلاد المسلمين بجيوش جرارة لأحقاد دفينة ترفضها جميع الأديان السماوية، وأرادوا تحقيق أغراض توسعية لمصلحة الكنائس الغربية واستغلالاً لخيرات بلاد المسلمين.
إن الدافع الأول من أهداف الحروب الصليبية القديمة والجديدة هو الدافع الديني، ومن أشهر من تبنى الدعوة إلى الحروب الصليبية، هو البابا نفسه والذي يعتبر المسؤول الأول عن الترويج لحرب المسلمين، وقد وعد البابا الجموع المشاركين بالحرب برفع العقوبات عن المذنبين منهم، وإن كانت حملاتهم لا تخلوا من مآرب اقتصادية لاستغلال خيرات العالم الإسلامي. فهل توقفت الحملات الصليبية الآن؟.
أنّى لها أن تتوقف، وأحقاد القوم لا يطفئها إلا الانتقام وإراقة الدماء. الحروب الصليبية لم تتوقف أبداً منذ مطلع الدعوة الإسلامية وحتى عصرنا الحاضر (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).
يعود تاريخ الحروب الصليبية إلى بداية المواجهة ضد النصارى في غزوة مؤتة، واستمر هذا الصراع مع حملة الصليب عبر الأندلس وصقلية وفلسطين وسواحل بلاد الشام. غزوة مؤتة كانت مثالاً للصراع المبكر بين المسلمين والنصارى في السنة الثامنة من الهجرة، وكان الصليب هو شعار الروم آنذاك، واستمر الصراع فجاءت معركة اليرموك بقيادة كبار الصحابة، ورُفعت رايات الإسلام على بلاد الشام خفّاقة مشرقة، ودخل الإسلام أرض الكنانة. ومن المعارك الفاصلة في تاريخ الصراع الصليبي مع المسلمين، موقعة ملاذكَرد، انهزم فيها النصارى هزيمة ساحقة وامتلأت الأرض في آسيا الصغرى بجثث القتلى، وأُسر الامبرطور نفسه على يد القائد المسلم ألب أرسلان. ثم جاءت الحروب الصليبية الشهيرة واستمرت قرنين من الزمان، وكانت الحملات فيها تتوالى من الغرب الصليبي على بلاد المسلمين كالأمواج المتلاطمة، وكان الصليب فيها شعارهم، فكانت عدواناً صارخاً حاقداً ليس له نظير في تاريخ الحروب العالمية، إذ خلّفت الخراب والدمار، وكانت سمتها المجازر الوحشية، مما يعتبر وصمة عار في تاريخ العالم النصراني. وكل حملة من هذه الحملات كانت توجه لبقعة من أراضي المسلمين، فجاءت الحملة الصليبية الأولى نحو بيت المقدس، ثم الثانية، ثم الثالثة، وهكذا حتى جاءت السابعة بقيادة ملك فرنسا موجهةً إلى مصر، فتصدى لهم المجاهدون قرب المنصورة، وألحقوا بهم هزيمة ساحقة، بلغ فيها عدد القتلى من الصليبيين ثلاثين ألفاً، أما الأسرى فحدث ولا حرج والحمد لله. والحملة الثامنة توجهت نحو المغرب ونزل في تونس، وبعد أربعة أشهر نزل وباء قضى على أكثر الجيش الصليبي والحمد لله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق