الثلاثاء، 25 فبراير 2014

ملوثات الصناعة الحديثة على الهواء والماء و الصيد غير المنظم



قبل ملوثات الصناعة الحديثة كان الهواء والماء وكل شيء نقياً خالياً من التلوث والفساد، لكن امتدت يد الإنسان إلى مياه الأنهار والبحار والبحيرات والمحيطات والمياه الجوفية فراح يلوِّثها بما يلقيه فيها من مخلَّفات. وهناك بعض الأنهار والبحار التي فسدت تماماً ولم تعد صالحة للاستعمال شرباً أو صناعة أو ما أشبه ذلك، ولا يقتصر خطر تلوث المياه على ذلك فحسب بل إنها تمتد لتكون سبباً في إبادة الأسماك والحيوانات والأحياء البحرية بل والطيور وما أشبه ذلك مما تعيش على حيوانات البحر. بل شمل أيضاً فساد الغابات حيث قام الإنسان الصناعي الذي لا يراعي الله واليوم الآخر بتعرية الأرض من غاباتها الكبرى. وقد ذكروا إنّ الحزام الاستوائي الأخضر الذي كان يمتد عبر القارات بمساحة تبلغ ستة عشر مليون كيلو متراً مربعاً تراجعت الآن إلى ثمانية ملايين كيلومتراً مربعاً فقط، وأخذ أيضاً هذا في التناقص مما أدى إلى جرف التربة وتصحرها بحيث أصبحت غير صالحة للزراعة بتاتاً. والغابات الاستوائية التي كانت تعتبر بمثابة رئة العالم تعرَّضت للاستنزاف والتدمير من وجهة النظر البيئية والاقتصادية. وفي بعض التقريرات إن (14% ) من الغابات الاستوائية ستختفي في نهاية هذا القرن نتيجة لزيادة معدل الاستنزاف، أما إذا أضيف إلى ذلك التغيرات المناخية والحرائق التي لا تفتأ تفتك بمساحات واسعة من الغابات فتبيدها عن بكرة أبيها، فيمكن أن تصل النسبة إلى النصف وما معدله تصحر أكثر من (20 مليون) هكتار سنوياً. وكل ذلك سبب لانقراض (25 ألف) نوع من النبات و(1000) نوع من الحيوانات في غضون العشرة الأعوام القادمة أو أقل من ذلك، كما يحدِّثنا بذلك الخبراء.
الصيد غير المنظم
وإذا كان تلوث البيئة سبباً رئيسياً من أسباب إهلاك الحرث والنسل، فإن الصيد غير المنظَّم للحيوانات البحرية والطيور والغزلان سبب آخر من أسباب إبادة أنواع شتى من النسل، وقد تعرَّضت حيوانات كثيرة لخطر الانقراض بسبب عمليات الصيد غير المسؤول مثل حيوان وحيد القرن والضباع والغزلان وبعض الحيتان وبعض الفراشات والعصافير والطيور.
وقد أسهم التلوث بالمبيدات الحشرية في زيادة المشكلة وفي القضاء على عدد كبير من المخلوقات. ويتفنن الإنسان غير المؤمن بالله واليوم الآخر إيماناً كاملاً في طرق الصيد الجائر من استخدام البنادق الأوتوماتيكية إلى الحراب المسمّمة والمفرقعات والسموم خاصة في صيد الأسماك والأحياء البحرية الأخرى حيث يلجأ بعض هؤلاء إلى استخدام هذه المواد نظراً لوفرة محصول الصيد الناتج عن استعمال هذه المواد. ولجأ بعض الصيادين إلى استعمال المفرقعات في صيد الأسماك وينتج عن التفجير موجة تتخلل في مركز الانفجار، ثم موجة ضغط حول المركز وتستمر الموجة الأخيرة في انتقالها إلى مدى كبير، ويؤدي التخلخل والضغط الناتجين عن تلف الجهاز العصبي للأسماك بمختلف أنواعها وعدم قدرة هذه الأحياء البحرية في السيطرة على مثاناتها الهوائية التي تحافظ على توازنها في الماء فيؤدي إلى اضطراب حركتها وطفوها فوق سطح الماء أو غوصها إلى القاع وموتها، وقد شاهدت في مدينة سامراء قبل ثلاثة عقود من الزمن استعمال المواد السامة في نهر دجلة فكانت الأسماك الكبيرة تطفو على الماء وهي في حالة شبه إغماء فيصيدها الصيادون، ويلاحظ بعد التفجير وجود كميات كبيرة من الأسماك مختلفة الأحجام تطفو على سطح الماء وهي تقوم بحركات عشوائية وقد فقدت السيطرة تماماً على توازنها مما يسهل صيدها.
كما إنّ استعمال السموم يؤدي إلى استهلاك كمية كبيرة من الأوكسجين الذائب في الماء أثناء عملية الانفجار ويؤدي ذلك إلى نقص في كمية هذا العنصر الحيوي مما يسبب اختناق الكائنات البحرية.
كما إنّ التفجير يسبّب ارتفاع درجة حرارة المياه بالإضافة إلى إن موجات الضغط التي تتجه صوب قاع البحر بعد عملية التفجير تؤدي إلى تقليب الرواسب الموجودة في القاع، وهذه الرواسب تحتوي على المعادن الثقيلة كالرصاص، وعندئذ تزداد نسبة هذه المعادن السامة في الماء وبالتالي يزداد تأثيرها الضارّ على الكائنات البحرية، وهي لا تشمل الأسماك وحدها بل تشمل أيضاً بيوضها والأحياء البحرية الأخرى، وهذا ما يؤدي إلى تناقص أعدادها ويعرِّضها للاندثار والانقراض. والطيور التي تأكل أمثال هذه الأسماك الصغيرة أو غير الصغيرة أيضاً تصاب بالأمراض المختلفة، والتي تنتقل إلى الإنسان بالنتيجة، وقد أشرنا سابقاً إلى مخاطر المواد المبيدة مثل انتشار مادة (دي دي تي) وغيرها من المبيدات المؤلفة من مواد الكلور العضوية التي تسبب تناقصاً غريباً في أقسام من الطيور الغواصة، وأصناف عديدة من الطيور اللاقطة وطيور البحر وعدد كبير من أصناف الأسماك، فإن المحيطات هي المستودع النهائي الذي تتراكم فيه مادة (دي دي تي) أو مخلفاتها، وقد انتهى إلى هذه المحيطات ما يقرب من (25% ) من كل المبيدات التي أنتجت حتى هذا اليوم، فإنّ كمية هذه المادة في الأحياء المائية أقل بقليل من الناتج الكلّي.
وقد أثرت هذه المادة في البيئة المائية، وبذلك تناقص أعداد السمك اللازم للغذاء، وتزايد تراكيب (دي دي تي) في لحمه مما يجعله غير مناسب للاستهلاك الإنساني ولابد وأن يتسارع إذا استمرت عملية رمي هذه المادة في البيئة. وحسب بعض الإحصاءات هناك ما يقارب من نصف مليون مركب صناعي في الاستخدام. وفي الوقت نفسه لا يمكن للإنسان التنبؤ بخواص معظم هذه المركبات وتأثيراتها متى أطلقت إلى البيئة. وهي تهدد بقاء ما لا يقل عن (180 نوعاً) من الحيوانات الولودة و(350 نوعاً) من أصناف الطيور و(20 ألف) نوعاً من أنماط النباتات، علماً أن هناك من يتأسّف على هذه النتيجة ولكنه يقول إن حياة الإنسان أهم من بقاء الصقر أو الأزهار أو النباتات الأخرى أو الأسماك. نعم إن حياة الإنسان أهم لكن اللازم أن يُذكَّروا أنّ بقاء الإنسان يعتمد على هذه الشبكة المرتبطة بالكائنات الحية ومقاومتها للفناء والتي يلعب فيها بقاء الصقور والأزهار والحيتان وما أشبه ذلك دوراً هاماً، فإنه ليس تدمير البيئة بالكامل هو الذي يجلب الكارثة للإنسان فحسب، بل إن استمرار الإنسان على الوتيرة الحالية من قطع النباتات واستصلاح المستنقعات وطرح كميات كبيرة من المبيدات والنظائر المشعّة والبلاستيك والفضلات البشرية والمخلَّفات الصناعية في الهواء والماء والتربة من أجل جعلها غير ملائمة للأصناف الحياتية التي تؤثر على استقرار هذه البيئة وبقائها، هو الآخر يدمر البيئة ويسبب الكارثة لكن بالتدريج.
إن دور الإنسان الصناعي الذي لا يلتزم بتعاليم السماء كحيوان هائج في دكان لبيع الخزف مع فارق واحد هو أن الثور إذا امتلك نصف المعلومات عن خصائص الخزف التي نمتلكها نحن عن النظام البيئي سيحاول تعديل تصرّفه بالنسبة إلى البيئة بدل أن يطلب العكس.
وعلى النقيض من ذلك إنّا نرى إنّ الرجل الصناعي اليوم مصمِّم على أن يكيّف الخزف الصيني المحيط به معه. ولذلك فقد وضع نصب عينيه أنّ يحطم هذا النوع من الخزف ويدمِّره إلى قطع متناثرة في أقصر وقت.
وقد ذكر الأخصائيون أنه سوف تنضب الاحتياطيات الحالية لغالبية المعادن خلال ال‍(50 عاماً) القادمة إذا بقي معدل الاستهلاك كما هو عليه الآن، ومن الواضح أنّ هناك اكتشافات جديدة وتطورات في عمليات التعليم لكن هذا التطور سيعطينا فترة زمنية محدودة فقط ولن تساعدنا المواد الاصطناعية أو البديلة حيث إنها ستصنع من مواد هي في الأصل عرضة أيضاً للنضوب، بينما لن يحلّ المشكلة توفر الطاقة. وقد ذكرنا في السابق علاج أمثال هذه الأمور، وإذا لم تحل فستكون الكارثة والعياذ بالله.
ثم لا يخفى إنّ تلوث الغلاف الجوي مشكلة كبرى تواجه جميع دول العالم بشراً ونباتات وحيوانات إذ تنبعث في الهواء مواد كيماوية عديدة من مصادر طبيعية من صنع الإنسان وتشمل الإنبعاثات من المصادر الطبيعية والمصادر الحية وغير الحية مثل نباتات تحلل الإشعاع وحرائق الأحراج والانفجارات البركانية والإنبعاثات من الأرض والمياه، وتؤدي هذه الإنبعاثات إلى تركيز طبيعي يختلف تبعاً للمصدر المحلي للانبعاث وأحوال الطقس السائدة، فقد تسبب الإنسان في تلوث الهواء من قديم الزمان بسبب استخدام النار، إلاّ أنه ازداد بسرعة منذ بداية عصر التصنيع وخصوصاً في النصف الثاني من هذا القرن.
وكشفت البحوث طوال العقدين الكاملين أنه بالإضافة إلى ملوثات الهواء الشائعة كأكسيد الكبريت والنتروجين والمواد الدقيقة والهيدروكربونات وأول أكسيد الكربون تنبعث من الغلاف الجوي مركبات عضوية متطائرة. وبالرغم من معرفتنا بطبيعة الملوثات للهواء وكميتها وسلوكها وآثارها فقد ازداد استعمالها كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب تدخل السياسة والاقتصاد في هذا الأمر.
ففي سنة 1411ه (1991م) أطلق في الهواء حسب بعض الإحصاءات (99 مليون) طن من أكاسيد الكبريت و(68 مليون) طن من أكاسيد النتروجين و(57 مليون) طن من المواد الدقيقة العالقة و(72 مليون) طن من أول أكسيد الكربون من مصادر ثابتة ومتنقلة، وتساهم بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بنسبة (40%) من أكاسيد الكبريت ونحو (52%) من أكاسيد النتروجين و(71% ) من أول أكسيد الكربون و(23%) من المواد الدقيقة العالقة المنبعثة في الغلاف الجوي ويساهم باقي العالم في النسبة الباقية.
وتوضح البيانات أنه بالرغم من وصول حجم انبعاثات أكاسيد الكبريت إلى ذورتها التي قاربت (115 مليون) طن في سنة 1390ه (1970م) إلاّ أنها انخفضت إلى (99 مليون) طن في سنة 1410ه (1990م) نتيجة الانخفاض الملحوظ في انبعاثات أكاسيد الكبريت في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وبالمقابل فقد ارتفعت انبعاثات أكاسيد الكبريت في بقية العالم من (48 مليون) طن إلى (59 مليون) طن خلال الفترة نفسها.
وقد خلص تقييم النظام العالمي للرصد البيئي إلى أن (900 مليون) شخص تقريباً. يعيشون في مناطق حضارية في العالم يتعرضون الآن إلى مستويات غير صحية من ثاني أكسيد الكبريت، وإن ما يزيد عن مليار شخص يتعرَّضون لمستويات مفرطة من العوالق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق