1.
الوضع القانوني لبحر قزوين :
لعل
المشكلة الرئيسة التي تواجهها هذه الدول الثلاث الناشئة ، هي مسألة الوضع القانوني
لبحر قزوين الذي تتواجد في مياهه ثروة نفطية كبيرة فهناك خمس دول تطل على بحر
قزوين هي روسيا وايران واذربيجان وكزاخستان وتركمانستان .
وفي ضوء
الاتفاقات الايرانية - السوفياتية القديمة ، كان البحر مشتركاً بين الطرفين . ومع
بروز الدول الثلاث الى الوجود ، بدأ الصراع بين الدول الخمس المشاطئة لبحر قزوين
على كيفية تقاسم البحر وثرواته . فروسيا وايران تطالبان بان تكون لكل دولة من
الدول الخمس مياه اقليمية حتى عشرين ميلاً من شاطئها ، وان تظل منطقة وسط البحر
التي تبعد اربعين ميلاً عن الشواطيء ملكاً لجميع هذه الدول وتديره بشكل مشترك .
اما اذربيجان وكزاخستان اللتان لديهما حقولاً نفطية كبيرة في المياه ، فتطالبان
بتقسيم البحر الى خمسة اقسام بين الدول الخمس . فالاقتراح الاول يتيح لروسيا
وايران الحصول على كميات نفطية اكبر من الكميات المحاذية لشواطئهما ، والاقتراح
الثاني يتيح لاذربيجان وكزاخستان الحصول عى قدر اكبر من النفط المتوافر في
المنطقتين المحاذية لشواطئهما . وقد ايدت تركمانستان الاقتراح الروسي - الايراني
اولاً ثم تراجعت ، وذلك في ضوء ان ثروة تركمانستان النفطية في المياه قليلة وهي
تملك كميات كبيرة من الغاز المتوافر تحت رمالها .
يبدو
واضحا انه ما لم يحسم الوضع القانوني لبحر قزوين فان مصير الثروات النفطية في هذه
المنطقة سيظل معلقاً ، كما يبدو ان المواقف السياسية للقوى الدولية ، وفي مقدمتها
الولايات المتحدة ، ستؤثر على النتائج التي سيتمخض عنها الوضع القانوني . فتقسيم
البحر الى خمس ماطق سيكون في مصلحة الدول الناشئة ، وتقسيمه على النحو الذي تقترحه
روسيا وايران سيكون في مصلحتهما .
2.
معركة على خطوط الانابيب
منذ استقلال الدول النفطية في
وسط آسيا وانفتاح المعلومات عن الثروة النفطية فيها على العالم ، بدأت معركة حامية
الوطيس بين الشركات الغربية والقوى الدولية والاقليمية على ذلك الكنز المكتشف .
ويبدو واضحا ان هناك مستويين
من التنافسات :احدهما مواقف الشركات العالمية غير المعنية كثيرا في المدلولات
السياسية لمد الخطوط في اتجاه او آخر ، والاخر هو المواقف السياسية والاستراتيجية
للقوى الدولية ، التي تؤثر بدورها على مواقف الشركات . هذا اضافة الى مواقف الدول
الاقليمية التي تتخوف من ارتهان نفطها لهذه القوة او تلك بدرجة او بأخرى .
ان كميات النفط والغاز التي
بوشر بتصديرها من اذربيجان وكزاخستان وتركمانستان ما زالت كميات قليلة . فبالنسبة
لاذربيجان ، تم في عام 1997 الاتفاق مع روسيا على ترميم جزء من خط قديم ينقل النفط
من باكو الى ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود عبر اراضي الشيشان . ولكنه خط مؤقت
، ولا تحبذ اذربيجان ولا روسيا استمراره وتقويته لعدة اسباب ، في مقدمتها ان عدم
الاستقرار السياسي في الشيشان قد يشكل تهديداً للخط بالنسبة لاذربيجان ، بينما لا
تحبذ روسيا مرور الخط عبر الشيشان بسبب مطالب الاخيرة بالاستقلال ، وتقترح خطاً
اخر يلتف على الاراضي الشيشانية الى ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود . كما يجري
ترميم خط من باكو الى ميناء سويسا الجورجي على البحر الاسود . اما كزاخستان ، فقد
باشرت بنقل كميات من النفط بالقطارات والشاحنات ، وذلك باتجاهين : اتجاه نحو
الصين، واتجاه اخر نحو دول البلطيق بعد نقل النفط في المراكب عبر بحر قزوين . وهذه
حلول مؤقتة ريثما يتم الاتفاق على خطوط الانابيب الارضية الدائمة . كذلك تم مد خط
صغير لنقل الغاز من تركمانستان الى شمال ايران وذلك للاستهلاك الداخلي .
اما بالنسبة للخطوط الدائمة ،
ففي الوقت الذي تطرح فيه بعض الشركات اقامة خطوط في مختلف الاتجاهات ، فان التنافس
ما زال حاميا حول اربعة اتجاهات :
1- خطوط شمالية : تربط نفط دول بحر قزوين بشبكة الخطوط الروسية القديمة
وتتجه اما براً الى اوروبا او نحو ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود ، وهي الخطوط
التي تريدها روسيا .
2- خطوط غربية : تنقل نفط اذربيجان ، ونفط كزاخستان بعد مد انابيب تحت
البحر الى باكو ثم الى البحر الاسود عبر ميناء سويسا الجورجي . وهي خطوط تؤيدها
اذربيجان وجورجيا . ولكن المشكلة في هذه الخطوط تتمثل في الموقف التركي الرافض
لمرور النفط عبر البوسفور والداعي الى مد خطوط من ميناء باكو الاذربيجاني الى
ميناء سيحان (الاسكندرون ) التركي على الشاطيء الشرقي للبحر المتوسط ، عبر الاراضي
التركية اليابسة في الشمال الشرقي .
وينبع الاعتراض التركي على
مرور النفط عبر اليوسفور من ادعائها بان البوسفور لم يعد يتحمل ما يتعرض له من
تلوث بيئي بسبب مرور النفط فيه . غير ان سبباً اخر يكمن وراء المعارضة التركية ،
ويتمثل في حقيقة ان البوسفور يعتبر ممراً مائياً دولياً وفقاً لمعاهدة مونترو
الموقعة في عام 1936 ، ولا يتيح ذلك لتركيا التحكم فيه او جباية رسوم مرور او اية
مكوس اخرى ، وذلك على العكس من مرور الانابيب عبر اليابسة التركية . مقابل ذلك ،
ثمة اعتراضات كبيرة على مثل هذه الخطوط من قبل ارمينيا ، التي تعتبر المناطق
الشمالية الشرقية من تركيا اراضٍ ارمنية مغتصبة ، وترى ان مرور الانابيب منها يعني
اعترافاً دولياً بالاغتصاب التركي. الى جانب ذلك ، فمن شأن هذه الانابيب ان تمر من
اراض اخرى يعتبرها الاكراد اراضيهم ، وثمة خشية من ان يهدد الاكراد هذه الخطوط .
3- خطوط شرقية : كزاخستان تتطلع الى تصدير نفطها بأي اتجاه طالما ان ذلك
سيدر عليها اموالا طائلة. وتكافح الصين بقوة من اجل مد خطوط باتجاه الشرق ، حيث
وقعت مؤخراً اتفاقياً اولياً مع كزاخستان على بناء خط تقدرتكاليفه بنحو 3.5 مليار دولار
، وتعرض كذلك شراءها عدداً من الحقول النفطية الكازاخية .
وهناك حديث عن خط للغاز من
تركمانستان عبر افغانستان الى باكستان والهند . غير ان عدم الاستقرار في افغانستان
يعطل البحث فيه .
4- الخطوط الجنوبية : يكثر الحديث حالياً عن افضلية الخطوط النفطية الجنوبية ،
أي نحو ايران وعبر اراضيها الى الخليج العربي - الفارسي . وهناك عملية دعاية واسعة
لهذا الخيار، الذي يقول انصاره بانه اقصر الخطوط وارخصها تكلفة ، وبخاصة بالنسبة
لغاز تركمانستان المحاذية لايران . غير ان الاعتراضات على هذا الاتجاه ، وفي
مقدمتها اعترضات امريكية ، تنقسم الى شقين ، اولهما اعتراض امريكي تكتيكي يسعى الى
الضغط باتجاه اجراء تحولات جذرية في السياسة الايرانية ، والثاني اعتراض امريكي
استراتيجي ينبع من التردد الكبير في حصر كل ثروة المستطيل النفطي في الخليج العربي
- الفارسي، حيث ان هذا الخيار يفترض عودة ايران الى الحضن الامريكي والى استعادة
دورها كشرطي الخليج ، او ان يلزم الولايات المتحدة بالتواجد العسكري الدائم في
الخليج ، وبمعنى اخر ، احتلاله . وامام هذه الاحتمالات الكثيرة ، يبدو ان الاتجاه
الحالي المدعوم امريكيا يميل الى تدعيم فكرة الخطوط الغربية ، وبخاصة في شقها
الجورجي حيث تروج الولايات المتحدة لفكرة نقل غاز تركمانستان بانابيب من تحت مياه
بحر الخزر عبر اذربيجان الى تركيا .
غير ان التركيز على هذا
الاتجاه يتطلب حل معضلات فنية وسياسية هائلة ، في مقدمتها حل مشكلة البوسفور فنياً
، وحل المعضلة الكردية في تركيا واجراء مصالحه ارمينية - تركية سياسياً . وهذا
يعني منح تركيا اهمية سياسية واستراتيجية اكبر مما تمتع به الان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق