الخميس، 20 فبراير 2014

الحرب والمعارك على البترول النفط والغاز الطبيعي



1.    الوضع القانوني لبحر قزوين :
لعل المشكلة الرئيسة التي تواجهها هذه الدول الثلاث الناشئة ، هي مسألة الوضع القانوني لبحر قزوين الذي تتواجد في مياهه ثروة نفطية كبيرة فهناك خمس دول تطل على بحر قزوين هي روسيا وايران واذربيجان وكزاخستان وتركمانستان .
وفي ضوء الاتفاقات الايرانية - السوفياتية القديمة ، كان البحر مشتركاً بين الطرفين . ومع بروز الدول الثلاث الى الوجود ، بدأ الصراع بين الدول الخمس المشاطئة لبحر قزوين على كيفية تقاسم البحر وثرواته . فروسيا وايران تطالبان بان تكون لكل دولة من الدول الخمس مياه اقليمية حتى عشرين ميلاً من شاطئها ، وان تظل منطقة وسط البحر التي تبعد اربعين ميلاً عن الشواطيء ملكاً لجميع هذه الدول وتديره بشكل مشترك . اما اذربيجان وكزاخستان اللتان لديهما حقولاً نفطية كبيرة في المياه ، فتطالبان بتقسيم البحر الى خمسة اقسام بين الدول الخمس . فالاقتراح الاول يتيح لروسيا وايران الحصول على كميات نفطية اكبر من الكميات المحاذية لشواطئهما ، والاقتراح الثاني يتيح لاذربيجان وكزاخستان الحصول عى قدر اكبر من النفط المتوافر في المنطقتين المحاذية لشواطئهما . وقد ايدت تركمانستان الاقتراح الروسي - الايراني اولاً ثم تراجعت ، وذلك في ضوء ان ثروة تركمانستان النفطية في المياه قليلة وهي تملك كميات كبيرة من الغاز المتوافر تحت رمالها .
يبدو واضحا انه ما لم يحسم الوضع القانوني لبحر قزوين فان مصير الثروات النفطية في هذه المنطقة سيظل معلقاً ، كما يبدو ان المواقف السياسية للقوى الدولية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، ستؤثر على النتائج التي سيتمخض عنها الوضع القانوني . فتقسيم البحر الى خمس ماطق سيكون في مصلحة الدول الناشئة ، وتقسيمه على النحو الذي تقترحه روسيا وايران سيكون في مصلحتهما .
2.    معركة على خطوط الانابيب
منذ استقلال الدول النفطية في وسط آسيا وانفتاح المعلومات عن الثروة النفطية فيها على العالم ، بدأت معركة حامية الوطيس بين الشركات الغربية والقوى الدولية والاقليمية على ذلك الكنز المكتشف .
ويبدو واضحا ان هناك مستويين من التنافسات :احدهما مواقف الشركات العالمية غير المعنية كثيرا في المدلولات السياسية لمد الخطوط في اتجاه او آخر ، والاخر هو المواقف السياسية والاستراتيجية للقوى الدولية ، التي تؤثر بدورها على مواقف الشركات . هذا اضافة الى مواقف الدول الاقليمية التي تتخوف من ارتهان نفطها لهذه القوة او تلك بدرجة او بأخرى .
ان كميات النفط والغاز التي بوشر بتصديرها من اذربيجان وكزاخستان وتركمانستان ما زالت كميات قليلة . فبالنسبة لاذربيجان ، تم في عام 1997 الاتفاق مع روسيا على ترميم جزء من خط قديم ينقل النفط من باكو الى ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود عبر اراضي الشيشان . ولكنه خط مؤقت ، ولا تحبذ اذربيجان ولا روسيا استمراره وتقويته لعدة اسباب ، في مقدمتها ان عدم الاستقرار السياسي في الشيشان قد يشكل تهديداً للخط بالنسبة لاذربيجان ، بينما لا تحبذ روسيا مرور الخط عبر الشيشان بسبب مطالب الاخيرة بالاستقلال ، وتقترح خطاً اخر يلتف على الاراضي الشيشانية الى ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود . كما يجري ترميم خط من باكو الى ميناء سويسا الجورجي على البحر الاسود . اما كزاخستان ، فقد باشرت بنقل كميات من النفط بالقطارات والشاحنات ، وذلك باتجاهين : اتجاه نحو الصين، واتجاه اخر نحو دول البلطيق بعد نقل النفط في المراكب عبر بحر قزوين . وهذه حلول مؤقتة ريثما يتم الاتفاق على خطوط الانابيب الارضية الدائمة . كذلك تم مد خط صغير لنقل الغاز من تركمانستان الى شمال ايران وذلك للاستهلاك الداخلي .
اما بالنسبة للخطوط الدائمة ، ففي الوقت الذي تطرح فيه بعض الشركات اقامة خطوط في مختلف الاتجاهات ، فان التنافس ما زال حاميا حول اربعة اتجاهات :
1- خطوط شمالية : تربط نفط دول بحر قزوين بشبكة الخطوط الروسية القديمة وتتجه اما براً الى اوروبا او نحو ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود ، وهي الخطوط التي تريدها روسيا .
2- خطوط غربية : تنقل نفط اذربيجان ، ونفط كزاخستان بعد مد انابيب تحت البحر الى باكو ثم الى البحر الاسود عبر ميناء سويسا الجورجي . وهي خطوط تؤيدها اذربيجان وجورجيا . ولكن المشكلة في هذه الخطوط تتمثل في الموقف التركي الرافض لمرور النفط عبر البوسفور والداعي الى مد خطوط من ميناء باكو الاذربيجاني الى ميناء سيحان (الاسكندرون ) التركي على الشاطيء الشرقي للبحر المتوسط ، عبر الاراضي التركية اليابسة في الشمال الشرقي .
وينبع الاعتراض التركي على مرور النفط عبر اليوسفور من ادعائها بان البوسفور لم يعد يتحمل ما يتعرض له من تلوث بيئي بسبب مرور النفط فيه . غير ان سبباً اخر يكمن وراء المعارضة التركية ، ويتمثل في حقيقة ان البوسفور يعتبر ممراً مائياً دولياً وفقاً لمعاهدة مونترو الموقعة في عام 1936 ، ولا يتيح ذلك لتركيا التحكم فيه او جباية رسوم مرور او اية مكوس اخرى ، وذلك على العكس من مرور الانابيب عبر اليابسة التركية . مقابل ذلك ، ثمة اعتراضات كبيرة على مثل هذه الخطوط من قبل ارمينيا ، التي تعتبر المناطق الشمالية الشرقية من تركيا اراضٍ ارمنية مغتصبة ، وترى ان مرور الانابيب منها يعني اعترافاً دولياً بالاغتصاب التركي. الى جانب ذلك ، فمن شأن هذه الانابيب ان تمر من اراض اخرى يعتبرها الاكراد اراضيهم ، وثمة خشية من ان يهدد الاكراد هذه الخطوط .
3- خطوط شرقية : كزاخستان تتطلع الى تصدير نفطها بأي اتجاه طالما ان ذلك سيدر عليها اموالا طائلة. وتكافح الصين بقوة من اجل مد خطوط باتجاه الشرق ، حيث وقعت مؤخراً اتفاقياً اولياً مع كزاخستان على بناء خط تقدرتكاليفه بنحو 3.5 مليار دولار ، وتعرض كذلك شراءها عدداً من الحقول النفطية الكازاخية .
وهناك حديث عن خط للغاز من تركمانستان عبر افغانستان الى باكستان والهند . غير ان عدم الاستقرار في افغانستان يعطل البحث فيه .
4- الخطوط الجنوبية : يكثر الحديث حالياً عن افضلية الخطوط النفطية الجنوبية ، أي نحو ايران وعبر اراضيها الى الخليج العربي - الفارسي . وهناك عملية دعاية واسعة لهذا الخيار، الذي يقول انصاره بانه اقصر الخطوط وارخصها تكلفة ، وبخاصة بالنسبة لغاز تركمانستان المحاذية لايران . غير ان الاعتراضات على هذا الاتجاه ، وفي مقدمتها اعترضات امريكية ، تنقسم الى شقين ، اولهما اعتراض امريكي تكتيكي يسعى الى الضغط باتجاه اجراء تحولات جذرية في السياسة الايرانية ، والثاني اعتراض امريكي استراتيجي ينبع من التردد الكبير في حصر كل ثروة المستطيل النفطي في الخليج العربي - الفارسي، حيث ان هذا الخيار يفترض عودة ايران الى الحضن الامريكي والى استعادة دورها كشرطي الخليج ، او ان يلزم الولايات المتحدة بالتواجد العسكري الدائم في الخليج ، وبمعنى اخر ، احتلاله . وامام هذه الاحتمالات الكثيرة ، يبدو ان الاتجاه الحالي المدعوم امريكيا يميل الى تدعيم فكرة الخطوط الغربية ، وبخاصة في شقها الجورجي حيث تروج الولايات المتحدة لفكرة نقل غاز تركمانستان بانابيب من تحت مياه بحر الخزر عبر اذربيجان الى تركيا .
غير ان التركيز على هذا الاتجاه يتطلب حل معضلات فنية وسياسية هائلة ، في مقدمتها حل مشكلة البوسفور فنياً ، وحل المعضلة الكردية في تركيا واجراء مصالحه ارمينية - تركية سياسياً . وهذا يعني منح تركيا اهمية سياسية واستراتيجية اكبر مما تمتع به الان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق