الخميس، 20 فبراير 2014

التنافس الدولي على الغاز الطبيعي والبترول الصين الاتحاد الاوربي الولايات المتحدة



الصين :
تشهد الصين ثورة تنموية هائلة . فبين عامي 1990 و 1994 بلغ النمو الاقتصادي فيها نحو 12.9% وذلك مقارنة مع الهند التي بلغ نموها الاقتصادي نحو 3.8% فقط . كما ارتفع دخل الفرد فيها حتى عام 1997 الى نحو 600 دولاراً في العام مقارنة مع دخل الفرد الهندي الذي لم يتجاوز 320 دولاراً . وعلى الرغم من الضوابط الصارمة التي فرضتها السلطات الصينية على النمو السكاني في دولة بلغ تعداد سكانها في عام 1995 نحو مليار و200 الف نسمة، فان عدد السكان يزداد سنوياً بنحو 14 مليون نسمة . ومنذ ان دشن دينع سياو بينغ الاصلاحات فيها في اواخر السبعينات ، فان الصين تتقدم وتتطلع باتجاه فرض نفسها كقوة دولية في اطار نظام دولي تعددي القوى في المستقبل .
غير انه على الرغم من ذلك ، فان الصين ما زالت تعاني من مشكلات كثيرة ، احدها عدم توفر النفط في اراضيها الا بكميات قليلة نسبياً . فهي ما زالت تعتمد على الفحم الحجري في كثير من مجالاتها . والمنطقة التي يتوفر فيها النفط في الاراضي الصينية هي منطقة مضطربة تشكل نحو 1\6 مساحة الصين وسكانها مسلمون يتمتعون بالحكم الذاتي واخذوا مؤخرا يطالبون بالاستقلال. انها منطقة كسينياغ او تركستان الشرقية . لقد كانت هذه المنطقة مستقلة في الاربعينات ، وتم احتلالها وضمها للصين بعد الثورة في عام 1948 . ان مستقبل هذه المنطقة غير مضمون بالنسبة للصين ، ولذلك فانها سوف تسعى الى ايجاد مصادر مضمونة في ضوء نهضتها التنموية الهائلة .
تشترك الصين بحدود طويلة جداً مع احدى اهم الدول القزوينية بالنسبة للنفط هي كزاخستان، وقد وقعت في ايلول 1997 مذكرة تفاهم مع الحكومة الكازاخستانية لبناء خط نفطي . ان هناك تخوفاً روسياً وامريكياً من تمدد النفوذ الصيني في دول بحر قزوين ومعروف ان العداء الصيني - الروسي التاريخي اشد حدة من العداء الصيني - الامريكي . غير ان الصين لا تملك حالياً الاموال ولا التكنولوجيا اللازمة لاستغلال الثروة النفطية في بحر قزوين ، ومصير الاتفاق مع كازاخستان ما زال معلقاً .
ج- اوروبا :
لا توجد للاوروبيين سياسة خاصة بهم خارج نطاق السياسة الامريكية واستراتيجياتها في بحر قزوين . فالشركات الدولية الغربية في معظمها شركات امريكية - بريطانية ، والمانيا متخصصة في مجال اوروبا الشرقية ، بينما تبذل بعض الشركات الفرنسية محاولات للحصول على موطيء قدم .
د- الولايات المتحدة :
ان الميزة الجيوبوليتيكة التي تتميز بها الولايات المتحدة عن بقية معظم مناطق العالم ، هو بعدها الجغرافي عن الكتلة الارضية التي تضم اكثر من 90%من سكان العالم واكثر من 90% من دول العالم . ان ذلك البعد الجغرافي قد فرض على تلك الدولة القارية بمساحتها وثرواتها، العمل على مد القوة على نحو تتمكن فيه من الوصول الى اية بقعة في العالم دون ان يتمكن احد من الوصول اليها . ولذلك كان لا بد ، وفقاً للمنظور الامريكي ، من القضاء على الاتحاد السوفياتي الذي سخر كل امكانياته لهدف التسلح على نحو يتمكن فيه من الوصول الى الولايات المتحدة . وقد اتاح انهيار الاتحاد السوفياتي للولايات المتحدة فرصة التعرف على الامكانيات التسليحية التقليدية وغير التقليدية للاتحاد السوفياتي حيث عملت منذ عام 1991 على تحييد تلك الاسلحة ، كما عملت على تجريد روسيا من امكانية استعادة مجالها الحيوي التقليدي خارج الاراضي الروسية . لذلك فان منطقة وسط اسيا تكتسب اهمية مزدوجة بالنسبة للولايات المتحدة ، اولها ضمان عدم عودة الدول المستقلة الى مجال النفوذ الروسي وثانيها عدم ارتهان ثروات هذه المنطقة للهيمنة الروسية .
ولا تقتصر اهمية المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة على الخطر الروسي ، بل تمتد لتشمل استراتيجية الحيلولة دون مد النفوذ الصيني من الشرق والنفوذ الايراني من الجنوب الى المنطقة .
اما من حيث النفط ، فيذكر ان الولايات المتحدة قد خفضت معدلات انتاج النفط من اراضيها منذ عام 1986 بنحو 25 %.وتعزو المصادرالمختلفة هذا التخفيض الى شحةالمصادر النفطية لديها وقرب نفاذها ، والى ارتفاع كلفة الاستخراج في اراضيها ، ويلاحظ بان التخفيض في معدلات الانتاج قد ترافق مع الانخفاض الدراماتيكي في اسعار النفط في عام 1986 .
وفي ضوء التقديرات العامة لعمر النفط في مختلف بلدان العالم ، يبدو مشروعاً افتراض ان الولايات المتحدة انما تحتفظ بمخزون نفطي استراتيجي بعيد المدى ، ويتجاوز مدة المئة عام المقدرة لعمر نفط الخليج .
لذلك يمكن تلخيص الاهداف الامريكية ازاء منطقة بحر قزوين بالنقاط التالية :
1.    الحيلولة دون هيمنة روسية على النفط توفر لروسيا اموالاً طائلة تمكنها من تطوير صناعتها النفطية الخاصة .
2.    الحيلولة دون تحول روسيا الى مزود رئيسي مباشر للنفط الى اوروبا .
3.    ضمان تدفق نفط بحر قزوين الى العالم من خلال يد امريكية .
4.    تخفيض اسعار النفط الى حد لا يضر بمصالح الشركات الدولية .
5.    ايجاد التوازن بين منطقة بحر قزوين ومنطقة الخليج العربي - الفارسي بحيث لا تعود منطقة الخليج تتمتع بالمزايا الاستراتيجية الراهنة .
وقد جرى الحديث كثيرا في الاوساط الامريكية في الاونة الاخيرة عن اهداف تهميش منطقة الخليج لمدة عقدين او ثلاثة ، بحيث يصبح استخراج النفط في الخليج مكلفا الى حد لا تستطيع الدول المعنية تكلف اعبائه .
وبشكل عام ، فان المواقف الامريكية من منطقة بحر قزوين ما زالت قيد التكوين ، فمنذ ان اعلن الرئيس كلينتون في عام 1994 ان منطقة بحر قزوين ذات اهمية استراتيجية لواشنطن "، تراقب واشنطن التطورات عبر تحركات الشركات الدولية والاطراف الاقليمية ، ولم تصدر حتى الان اية مباديء على غرار مبدأ نيكسون او مبدأ كارتر بشان المنطقة .
هـ ايران :
تتميز ايران جيوبوليتيكياً في ان حدودها الشمالية تصل الى بحر قزوين ، وتشكل افضل معبر للنفط الى الخليج العربي الفارسي جنوباً . ففي عهد الاتحاد السوفياتي ، كانت طهران وموسكو تتقاسمان السيطرة على بحر قزوين وذلك من خلال معاهدتين وقعتا في عامي 1931 و 1941 تنصان على ان البحر مشترك بين الدولتين . ومع تفكك الاتحاد السوفياتي و ظهور ثلاث دول اسيوية تشاطيء بحر قزوين وتطالب بمياهها الاقليمية فيه ، وهي اذربيجان وكازاخستان وتركمانستان ، فان مصير هاتين المعاهدتين ما زال مجهولاً غير انهما تضمنان على اقل تقدير حصة لكل من ايران وروسيا من ثروات بحر قزوين .
وفي ضوء عدم استغلال نفط بحر قزوين خلال عهد الاتحاد السوفياتي ، فقد اقتصرت المنافع الايرانية من البحر المذكور على الصيد وثروة الكافيار التي درت على ايران ارباحاً كبيرة. غير ان الاوضاع قد تغيرت الان حيث انه بالاضافة الى الثروة النفطية التي خرجت الى العيان ، فان تصاعد الاهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة التي كانت تشكل فناء هامشياً للاتحاد السوفياتي ، قد حرك التطلعات الايرانية للقيام بدور رئيس فيها ، وبخاصة ان لدى ايران مرافق نفطية متقدمة نسبياً . فالتطلعات الاستراتيجية الايرانية الحالية تتركز في ان تصبح هي الناقل الرئيسي لنفط بحر قزوين ، عبر اراضيها ، الى الخليج العربي - الفارسي . ان تحقق هذا الهدف من شأنه ان يمنح ايران اهمية استراتيجية هائلة وسيطرة شبه كاملة على الخليج العربي الفارسي . ليس هذا فقط ، فان تحسن العلاقات الايرانية - الامريكيةمن شأنه التأثير على الموقف الامريكي من الحصة الايرانية في نفط بحر قزوين .
وفي ضوء المقاطعة الامريكية لايران والتي تحول دون تمكن الاخيرة من القيام بدور هام كناقل للنفط القزويني الى الخليج العربي - الفارسي او الى تركيا ، فان ايران قد اصبحت الان امام احتمالين ، الانزواء او التفاهم مع الولايات المتحدة . ويبدو ان الامور تتسارع منذ وصول محمد خاتمي الى منصب رئاسة الجمورية في اتجاه الاحتمال الثاني ، وبخاصة ان دعوات كثيرة قد برزت في الولايات المتحدة مؤخرا تطالب الادارة باعادة النظر في سياستها الايرانية ، كما قفزت السياسة الايرانية خطوات مذهلة منذ مجيء خاتمي نحو التصالح مع الولايات المتحدة . بل ان اسرائيل قد دخلت مؤخرا على الخط حيث اخذت تدعم التصالح الايراني - الامريكي ، الى جانب ان بعض دول شرق آسيا تفضل نقل نفط بحر قزوين عبر الممر الايراني .
و - دول بحر قزوين :
هناك ثلاث دول جديدة ذات اهمية نفطية من بين الدول الاسيوية الجديدة ، هي اذربيجان وكزاخستان وتركمانستان ، وجميعها تشاطيء بحر قزوين وتليهما في الاهمية اوزبكستان .
فهذه الدول الثلاث غنية بالنفط والغاز على الرغم من ان مخزونها المؤكد والمحتمل ما زال يخضع للطريقة التي سيتم فيها حل الوضع القانوني لبحر قزوين بالاضافة الى عمليات المسح والاستكشاف التي ما زالت في بداياتها .
يقدر المخزون النفطي المؤكد لاذربيجان بنحور 17 مليار برميل ، والمحتمل شبه المؤكد بين 20-30 مليار بالاضافة الى احتمالات قوية بوجود كميات اخرى لم يتم تقديرها بعد . لقد تبلورت في اذربيجان صناعة نفطية منذ زمن غير قليل ، وكانت تصدر النفط عبر جورجيا الى حين ايقافه في عام 1932 ، وكان قد سمح لها في اطار الاتحاد السوفياتي بالاسهام بجزء ضئيل من الانتاج النفطي السوفياتي لم يتجاوز 4% من ذلك الانتاج ، ولذلك فهي تعود الان بقوة الى الساحة النفطية العالمية وتغامر بقوة في مجال الاستثمار حيث عقدت حتى الان عقوداً بنحو 10 مليارات دولار مع عدد من الشركات الغربية . كما انها تتمتع بميزة عدم وجود عقبات طوبوغرافية كبيرة تعيق حركة اقامة الانابيب والنقل ، وذلك على العكس من الدول الجديدة الاخرى . ولعل المشكلة الوحيدة بالنسبة لها هي مشكلة سياسية تتمثل في نزاعها مع جورجيا على اقليم ناغورني كاراباخ . ان حصول جورجيا غير النفطية على مكاسب كدولة ترانزيت لنفط اذربيجان ، وربما نفط كازاخستان وغاز تركمانستان قد تؤدي الى حل المشاكل السياسية . فعلى الرغم من ان اذربيجان هي الدولة الشيعية الوحيدة بين الدول القزوينية ، فانها تنتمي من الناحية الاثنية للعرق التركي ، ولكنها لا تقيم وزناً لانتمائها المذهبي او الاثني في علاقاتها مع ايران وتركيا ، كما انها تقف موقفاً سلبياً من روسيا ، ويبدو انها تنظر الى مصالحها الذاتية بالدرجة الاولى . لقد زار الرئيس الاذري علييف الولايات المتحدة في آب 1997 وكان موضع ترحيب كبير ، ووقع سلسلة من العقود الاستثمارية معها .
اما كازاخستان ، فهي الدولة الجديدة النفطية الثانية بعد اذربيجان ، اذ يبلغ المخزون المؤكد فيها نحو 10 مليارات برميل اضافة الى نحو 2 ترليون قدم3من الغاز ، بينما يقدر المحتمل من النفط بنحو 30 مليار . وقد تؤدي الاستكشافات الى تغلبها على اذربيجان من حيث الكمية النفطية . كازاخستان بلاد شاسعة ، وذلك على العكس من اذربيجان، وعدد سكانها نحو 18 مليون نسمة مقارنة بأذربيجان التي لا يزيد عدد سكانها عن ثمانية ملايين نسمة . ولكن مشكلتها تكمن في ان مرافقها النفطية تكاد تكون مهترئة ، ان لم تكن معدومة . وتكمن ثروتها النفطية في غرب البلاد، أي على شواطيء بحر قزوين ، الامر الذي يشجع على مرور نفطها نحو الغرب .
لقد بدأت كزاخستان مرحلة استقلالها بالتقارب مع روسيا ، وكذلك مع الصين اللتين تربطها معهما حدود طويلة . وعلى الرغم من توقيعها اتفاقاً مع الصين على مد انبوب نفطي، فان الزيارة الاخيرة للرئيس كلينتون الى كزاخستان في اوائل عام 1997 قد تمخضت عن عقد مجموعة من الاتفاقات مع اربع شركات امريكية عملاقة حيث وقع الرئيس كلينتون تلك الاتفاقات نيابة عن الشركات . ولا تقتصر ثروة كزاخستان على النفط والغاز ، بل ان لديها مصادر طبيعية كثيرة في مقدمتها الذهب ، حيث اصبحت تعتبر ثاني اكبر منتج للذهب الخام بعد جنوب افريقيا وسادس دولة من حيث احتياطي الذهب في اراضيها .
اما تركمانستان ، فتتميز في انها تمتلك مخزوناً من الغاز يفوق مخزونها من النفط . وهي الدولة الوحيدة التي تتاخم ايران . وما زالت ثرواتها المؤكدة قيد الاستكشاف ، حيث لم تسلط الاضواء عليها كثيراً حتى الان .
وبشكل عام ، فان هذه الدول النفطية الجديدة يقدر لها ان تنتج ستة ملايين برميل في اليوم اذا ما تم استغلال اقصى طاقتها الانتاجية ، أي سبعة اضعاف معدل انتاجها الاولي الحالي ، وقد تكون هذه التقديرات متواضعة اذا ما تمت كل الاستكشافات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق