الخميس، 20 فبراير 2014

حروب وصراعات على البترول



لقد اكد رد الفعل الامريكي على الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990 ، ان الولايات المتحدة لن تسمح في الوقت الراهن او على المدى القريب المنظور بأية محاولة من قبل اية جهة محلية او دولية للهيمنة على المخزون النفطي في الخليج العربي - الفارسي . فلقد تحول الخليج منذ عام 1980 الى ما وصفته الاوساط الامريكية منذ ذلك الحين ، بأنه " مصلحة قومية " للولايات المتحدة . وشكل مبدأ كارتر التنفيذ العملي لتلك السياسة التي حولت الخليج الى بحيرة عسكرية امريكية تزج بقواتها فيها متى تشاء وفقاً لاتفاقات متعددة عقدتها مع الدول الخليجية العربية .
كذلك فان انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 ، الذي لعبت عملية تخفيض اسعار النفط تخفيضا دراماتيكياً منذ عام 1986 ، دوراً في عملية تدهوره المالي والاقتصادي ، قد أدى الى انسلاخ شرق اوروبا والجنوب الاسيوي عن روسيا وتمدد حلف الاطلنطي في شرق اوروبا والدول الاسيوية المستقلة حديثاً اما عبر العضوية الكاملة لبعض الدول ، او عبر اتفاقات الشراكة التي عقدتها الدول الاسيوية مع الحلف ، حيث اكد ذلك على وجود استراتيجية امريكية بدرجة رئيسة واوروبية بشكل عام تهدف الى عدم السماح لروسيا باستعادة نفوذها في أي من تلك الدول .
فبالاضافة الى دول شرق اوروبا التي تشكل حاجزا امام احتمال أي توسع روسي مستقبلي، فان دول وسط اسيا ، او دول القوقاز وبحر قزوين ، تتميز الى جانب اهميتها كحاجز ، بثروة نفطية من شأنها توفير عنصر القوة الاقتصادية لمن يهيمن عليها . وهي قوة لم يقم الاتحاد السوفياتي السابق باستغلالها او لم يكن قادرا على ذلك .
كذلك ، فان هذه الدول الاسيوية الجديدة هي دول زراعية رعوية متخلفة اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً حيث يتم تصنيفها ضمن ما يعرف بالعالم الثالث " في هذا المجال، وذلك مقارنة مع دول شرق اوروبا التي يتم تصنيفها ضمن دول " العالم الثاني " ولذلك فقد اصبحت تنتمي جيوبوليتيكيا الى مستطيل يمتد من جنوب روسيا وينتهي في جنوب الخليج العربي - الفارسي . وهو مستطيل من دول غنية بالنفط والغاز ، لا تملك الاموال ولا التكنولوجيا ولا القدرة السياسية والاقتصادية للسيطرة على ثرواتها ومقدراتها .
لذلك ، فان تنافس القوى الدولية المتمثلة اولا في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا ، ثم روسيا والصين ، على هذا المستطيل سوف تتصاعد على المدى القريب المنظور. ان استمرار نظام القوة الواحدة السائد حالياً ، يعني ان تكون الولايات المتحدة هي المهيمن الوحيد على هذا المستطيل . بينما يؤدي تحول النظام الدولي الى نظام تعددي القوة ، الى تقسيم هذا المستطيل الى مناطق نفوذ لكل من تلك القوى . ان السعي الحثيث للولايات المتحدة للحفاظ على نظام القوة الواحدة الذي تتصدره والحيلولة دون تحول هذا النظام الى نظام تعددي القوة ، انما يعني ان الولايات المتحدة ستظل تعمل على استكمال فرض هيمنتها على هذا المستطيل النفطي الذي تهيمن حالياُ على جزئه الجنوبي ، كما يفترض بها ان تحل عدداً كبيراً من المشاكل والقضايا العالقة سواء في منطقة الخليج او منطقة بحر قزوين ، وفي المناطق المحيطة بهما .
ففي الخليج ، هناك تحديات الوضع العراقي ، والحالة الايرانية ، ومعضلة تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي . وفي بحر قزوين ، هنالك تحديات الطبيعة الجغرافية لتلك المنطقة ، والتي تتطلب نقل النفط عبر انابيب وليس عبر ناقلات . وهذه تتطلب اشاعة الاستقرار السياسي وحل المعضلات بين كل من اذربيجان وجورجيا ، وارمينيا وتركيا ، وابعاد الصين عن كزاخستان ، وترتيب علاقة ايران بتركمانستان ، وحل معضلة افغانستان ، وابعاد روسيا عن الجميع ، اضافة الى تقليم اظافر فرنسا التي تحاول لعب دور مستقل .
ان اصرار الولايات المتحدة على مد انابيب النفط عبر الطريق الغربي ، أي عبر البوسفور او اليابسة التركية ، يفترض حل كل مشاكل القوقاز وتركيا . وسيؤدي مثل ذلك الى تصاعد اهمية البحر المتوسط على نحو لم يسبق له مثيل في العصر الحديث ، حيث سيصبح المتوسط بحيرة نفطية تتطلب استقراراً سياسياً تاماً . ويعني هذا اولوية تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي نظرا الى ان معظم هذا الصراع انما يدور على شواطيء المتوسط ، فلسطينيا - اسرائيليا سوريا ولبنانيا ، وبدرجة تالية : مصرياً وليبياً .
كما سيعني هذا مد حلف الاطلنطي الى البحر المتوسط ، والذي تبدو ملامحه الان في المداولات الجارية لضم قبرص بشقيها اليوناني والتركي الى عضوية الحلف . وقد يؤدي هذا الخيار الى ترفيع مكانة تركيا وتعزيز موقعها اقليمياً . كما ان ايجاد حل للمشكلة الكردية في اراضيها قد يؤدي الى ضمها الى عضوية حلف الاطلنطي .
من جهة ثانية ، فان المعضلات الطوبوغرافية بالنسبة للدول النفطية القزوينية الشرقية ، تفترض ان افضل واسهل الطرق لنقل النفط هي مد الانابيب عبر ايران . ان التطلع الايراني لهذا الخيار قد ادى مؤخرا الى حدوث تغيرات هامة في السياسة الايرانية ، حيث ان عودة ايران للقيام بدورها التقليدي كشرطي للخليج لصالح الولايات المتحدة مقابل منحها مكانة الدولة الناقلة للنفط والغاز القزويني ، وحل مسألة الوضع القانوني لبحر قزوين لصالحها ، لم يعد امراً مستبعداً . وسيعني هذا تبلور هيمنة سياسية ايرانية ساحقة على الخليج ، الامر الذي سوف يسيء كثيراً الى الدول الخليجية العربية بما في ذلك العراق ويغير ميزان القوة الاقليمية تغييراً حاسماً لصالح ايران، بكل ما يعنيه ذلك من ان الانصياع الايراني لمتطلبات الاستراتيجية الامريكية المتوافقة مع التطلعات الايرانية . يعني دخول اسرائيل كعنصر ثالث في هذه المعادلة الايرانية - الامريكية . بل ان هذا الخيار هو الذي تدعمه اسرائيل بقوة .
وهناك احتمال ثالث ، يتمثل في توزيع خطوط النفط القزوينية الى طريقين ، حيث يتم عبور نفط اذربيجان عبر جورجيا وتركيا الى البحر المتوسط ، وعبور نفط وغاز كزاخستان وتركمانستان الى الخليج العربي - الفارسي عبر ايران .
ان من شأن هذا الخيار افادة الولايات المتحدة وذلك من خلال عدم حصر جميع الممرات النفطية في ممر واحد هو الخليج العربي - الفارسي . غير ان هذا الخيار يفترض امتثال ايران للهيمنة الامريكية ، ولا يقلل من احتمالات الهيمنة الايرانية - الاسرائيلية على الخليج.
اما الاحتمال الرابع فهو عدم تمكن الولايات المتحدة من تقرير مصير خارطة الانابيب القزوينية بسبب تمكن روسيا مثلا من استعادة ولاء الدول القزوينية لها ، وهو احتمال ضعيف ، او عرقلة محاولات فرض الاستقرار في منطقة القوقاز وبحر قزوين وهو امر محتمل . ان من شأن ذلك ان يدفع الولايات المتحدة الى تشديد قبضتها على الخليج العربي - الفارسي ، والتصدي لاية محاولات روسية للتسلل الى منطقة الشرق الاوسط عبر ايران او العراق ، بالاضافة الى تعزيز مكانة اسرائيل وربط عملية التسوية للصراع العربي - الاسرائيلي بمدى ابتعاد الدول العربية تحديدا عن روسيا . ويشكل هذا الاحتمال صورة مخففة من صور الحرب الباردة السابقة.
وهناك احتمال خامس يندرج في اطار احتمال عدم تمكن الولايات المتحدة من تقرير مصير خارطة الانابيب القزوينية ، ويتمثل في تمكن الصين من مد نفوذها الى داخل دول اسيا الوسطى ونفط بحر قزوين ، وتعريض المنطقة للتنافس الروسي - الصيني من جهة ، والتنافس الامريكي - الروسي والامريكي - الصيني . غير انه احتمال ضعيف وذلك في ضوء طبيعة السياسات الصينية الحاضرة التي تعتمد التمهل والتؤدة ، ولا تزج بنفسها في مغامرات كبيرة . ان هذا الاحتمال ايضا سينعكس سلبا على منطقة الشرق الاوسط وعلى مسار التسوية العربية - الاسرائيلية الشاملة .
يتضح مما سبق ان التسوية العربية - الاسرائيلية بشكل عام ، والقضية الفلسطينية في مقدمتها ، انما ترتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات الاستراتيجية التي ستؤثر في منطقة الشرق الاوسط والتي يشكل نفط بحر قزوين متغيرا جديدا هاما في المعادلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق