الثلاثاء، 25 فبراير 2014

اطفال الشوارع في لبنان



النصوص الوطنيّة والدوليّة الراعية لأطفال الشوارع في لبنان:
        تُجمع الإتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية، التي ترعى حقوق الأطفال، وكذلك الخطط المعبّرة عنها، على أن السياسة الوقائية لحماية الأطفال من التسوّل والتشرد والإنحراف (أي جعلهم "مربى" الشارع)، ينبغي أن تطال الطفل في محيطه المباشر وغير المباشر معاً، وهي وحدها الكفيلة بالحدّ من اتساع هذه الظاهرة وتفاقم آثارها.

        ومع ذلك، وفي ظل غياب الإحصاءات الدقيقة، تؤكد ملاحظات العاملين الميدانيين على ازدياد حالات التشرّد بين الأطفال، وعلى الطابع المدني البحت لهذه الظاهرة، في مقابل غيابها الملحوظ في المناطق الريفية.

        وأدهى ما في الأمر، أن تغدو مظاهر التسوّل عند تقاطعات الطرق أو في الأماكن العامة مشاهدات اعتيادية يومية، فتصبح هي الأخرى من معالم البيئة المحلية، ففي غضون ذلك قد لا تنفع المعالجات المتأخرة، خاصة بعد أن يكون التشرد قد تحوّل لدى فئات من الأطفال إلى نمط معيشي يساعد على الانحراف، ويضخّ أفواجاً من الجانحين.


        وفي ضوء القانون اللبناني، اقتضت حكمة التشريع عند مشترع القانون القديم للأحداث المخالفين للقانون (المادة 26 من المرسوم الاشتراعي رقم 119 تاريخ 16/9/1983)، كما وفي القانون الحالي (المواد 24 حتى 28 منه) (والصادر برقم 422 تاريخ 6/6/2002) أن يستبق إنحراف الحدث بمعالجته لهذا الإنحراف أو الوقاية منه قبل حصوله أو تفاقمه وهو لم يتم الثامنة عشرة من العمر(1).

        وعليه، جاء في المادة 25 من القانون الجديد حالات يعتبر معها الحدث، مهدداً بخطر الإنحراف؛ وهي التالية:
1 – إذا وُجد في بيئة تعرّضه للإستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته.
2 – إذا تعرّض لإعتداء جنسي أو عنف جنسي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.
3 – إذا وُجد متسولاً أو مشرداً.

        يُعتبر الحدث متسولاً في إطار هذا القانون إذا اعتاد استجداء الإحسان بأي وسيلة كانت، ويعتبر متشرداً "Homeless" إذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحلات العامة أو لم يكن له مسكن، ووُجد في الحالة الموصوفة آنفاً.
        وسعياً وراء حل للحدث المعرّض للخطر؛ أعطت المادة 26 من القانون الجديد للقاضي، في أي من الأحوال المذكورة أعلاه، أن يتخذ لصالح الحدث تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الإقتضاء، أما تدخّل القاضي فيكون بناء على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه، أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الإجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً على إخبار، وعلى القاضي التدخّل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة. وعلى النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق إجتماعي وأن يستمع إلى الحدث وذلك قبل اتخاذ أي تدبير بحقه ما لم يكن هناك عجلة في الأمر، فيكون ممكناً اتخاذ التدبير الملائم قبل استكمال الإجراءات السالف ذكرها، كما يمكن الإستعانة بالضابطة العدلية لتقصي المعلومات حول الموضوع.
        وبرأينا، أنه لم يكن من الضروري توريط الضابطة العدلية لتقصّي المعلومات، ما دام المندوب الإجتماعي هو المولّج القيام بالمهمة العائلية والإجتماعية العائدة للحدث باحتكاكه به وبعائلته، الأمر غير المرغوب بإتمامه من الضابطة العدلية والتي تقتصر مهمتها للتدخل في شؤون الأحداث على النواحي الأمنية دون غيرها.
        أما لجهة سرّ المهنة، فإن المشترع حسناً فعل في النص على أن لا يُعتبر إفشاءاً لسر المهنة ولا يقع تحت طائلة المادة 579 من قانون العقوبات اللبناني، أي إخبار يقدم إلى المرجع الصالح ممن هو مطّلع بحكم وضعه أو وظيفته أو فنه على ظروف الحدث المعرّض للخطر في الأحوال التي يكون فيها الحدث مهدداً، وهذا الأمر أكثر ما يعني الأطباء حين إحضار الأحداث من المشردين أو المتسولين في الشوارع إليهم وهم مصابون بحالات التعنيف الجسدي أو الجنسي.
        الملاحظ، إن النص الجديد لم يترك للمحكمة إمكانية إعادة النظر بقرارها في ضوء سلوك الحدث في المأوى الخاص بالمتسول أو المتشرد الذي وُجد فيه، إذ كان من الأفضل إتاحة الفرصة لها بعد فترة معقولة لتسليم الحدث، إذا وُجد له قريب حتى الدرجة الرابعة من أصحاب السيرة الحسنة أو إذا طلب أحد الأشخاص من أصحاب الثروة والسمعة الطيبة تسليمه إليه بضمان مناسب للعناية به وتربيته بناءً على تقرير اجتماعي من الجهة المكلفة بذلك، أو المسؤول عن المأوى، وفي ضوء ذلك تتخذ المحكمة الإجراء المناسب لمصلحة الحدث المتسول أو المتشرّد ولمستقبله الأفضل.

        ولعل في هذا التدبير مخرج مناسب لتعذّر قيام المؤسسات المعنيّة اليوم، خاصة في الظروف الإقتصادية الصعبة بالمهمة المطلوبة، باعتبار أن إنشاء مثل تلك المؤسسات يستدعي رصد مبالغ كبيرة لتأتي بالنتائج المرجوّة منها(1).

        أما المادة 29 من القانون اللبناني، والتي ينهي المشترع بها الباب الثالث حول أحكام الحدث المعرّض للخطر، فقد جاء في نص المادة المذكورة ما يلي:
        "في جميع الحالات السابق ذكرها، وأياً كان التدبير المفروض على الحدث، يبقى والدا هذا الأخير، ومن كان غيرهما ملزماً بالنفقة تجاهه، مسؤولين عن تأديتها، ويكون للقاضي الذي فرض التدبير بعد أن يستمع إلى الشخص المعين، أن يقرر ما يجب عليه تأديته من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة، وقراره لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وهو ينفذه وفقاً للأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الإكراهي".

        ونرى أنه لا يبدو لهذا النص الجدّية المتوقعة في ضوء الواقعين الإجتماعي والإقتصادي للذين تقع عليهم موجبات دفع النفقة للأحداث في حال اتخاذ تدبير بحقهم من قبل القاضي المختص، ولا نرى أن فرض الأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الإكراهي من شأنه حلّ المشكلة المطروحة، فالفقر في الغالب الأعم هو الذي يرعى أسرة الحدث المنحرف، فمن أين لهم الإنفاق؟ ومن أي منطلق نفرض أن ما يقرره قاضي الأحداث من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة، وجعل هذا القرار لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة؟!!

        وفي إطار موضوع الأطفال المعرّضين للخطر لا بد لنا من الرجوع إلى اتفاقية حقوق الطفل التي تهدف إلى تأمين الحماية الفعّالة للطفل، عبر منع أي شكل من أشكال العنف ولو كان يتمثّل بعقاب (المادة 37 من الاتفاقية) حيث تتعهد الحكومات بأن تتخذ إجراءات ضد "كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الإستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وتشير المادة على الخصوص إلى بيئة الأسرة وأوضاع الطفل وهو برعاية الوالدين أو أحدهما أو الوصي القانوني، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته" (المادة 19 من الاتفاقية).


        أما الحالات التي يجوز فيها تدخل الهيئات والأجهزة الحكومية، فقد حدّدتها مبادىء الرياض:
أ   – إذا تعرّض الطفل أو الحدث للإيذاء من الوالدين أو أولياء الأمر.
ب – إذا تعرّض الطفل أو الحدث للإعتداء الجنسي او للإيذاء الجسدي أو العاطفي من الوالدين أو أولياء الأمر.
ج – إذا أهمل الوالدان أو أولياء الأمر الطفل أو الحدث، أو تخلّوا عنه أو استغلوه.
د – إذا تعرّض الطفل أو الحدث لخطر جسدي أو أخلاقي، بسبب سلوك الوالدين أو أولياء الأمر.
هـ - إذا ظهر أي خطر جسدي ونفسي جسيم على سلوك الطفل أو الحدث، ولم يكن في وسع الوالدين أو أولياء الأمر أو الحدث نفسه، ولا خدمات المجتمع المحلي غير المنزلي، مواجهة هذا الخطر بوسائل أخرى غير الإيداع في المؤسسات الرعائية الرسمية.

        وفي حال توقيف الطفل؛ ضمِن القانون رقم 422/2002 السابق الإشارة إليه الضمانات القانونية لجهة حضور المندوب الإجتماعي وإلزامية إبلاغ أهله عن مكان وجوده والإجتماع إليه والإستماع إلى أقواله، إضافة إلى حضور المحامي، والسرّية المطلقة في التعاطي مع ملفات الأحداث المعرّضون للخطر؛ وهي إجراءات تنسجم مع مبادىء الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادىء الرياض) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للمنظمة الدولية بالقرار 45/112 الصادر في 14/12/1990 وهي متوافقة مع القانون اللبناني.

        هذا الجانب التشريعي في نطاق أطر المعالجة المحلية، يتخذ أهميته باعتباره نافذة على المواثيق والإتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية التي تشكل الحماية القانونية للأطفال، ولا يزال الأمر يتطلب المزيد من الجهود من أجل إدخال روح هذه الإتفاقيات والمواثيق إلى النصوص التشريعية اللبنانية، والعمل على ترجمة ذلك في برامج التنمية الإجتماعية الموجهة إلى الأطفال عن النواحي التطبيقية وبالوسائل المعتمدة في المجتمعات الراقية عن طريق المراجع الرسمية والهيئات الأهلية:




(1)  وهي نصوص تتلاءم وتتوافق مع ما جاء في مبادىء الرياض التي وافق لبنان على مضمونها؛ وسيأتي ذكرها لاحقاً.
(1)  تكرّس هذا الإتجاه منذ زمن بعيد في المؤتمرات الدولية، ومن بينها توصيات حلقة دراسات الشرق الأوسط لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين المنعقدة في القاهرة عام 1953 والتي رأت عدم التفريق بين الأحداث الجانحين والأحداث المشرّدين والأحداث الذين تستدعي ظروفهم تطبيق الوسائل الوقائية والإصلاحية عليهم، كذلك تكرّس هذا الإتجاه في توصيات المؤتمر الأول للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين المنعقد في جنيف عام 1955، والذي رأى ضرورة تطبيق أساليب الوقاية على الأحداث الذين يرتكبون أفعالاً تُعتبر جرائم طبقاً لأحكام القوانين السائدة، كذلك تطبيقها على الأحداث الذين يتعـرّضون بسبب ظروفهم الإجتماعية إلى ارتكاب هذه الأفعال، والأحداث الذين يكونون بحاجة إلى رعاية وحماية قبل وقوعهم في حبائل الإنحراف؛
ـ يراجع كتاب؛ د. محمد عارف: الوقاية من جناح الأحداث، منشورات الأمم المتحدة، عام 1993، نيويورك.
ـ مؤلَّفنا – حقوق الحدث المخالف للقانون والمعرّض لخطر الإنحراف، وفي ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل؛ منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت (عام 2005).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق