الثلاثاء، 25 فبراير 2014

سيرة معاوية بن ابي سفيان حقيقة اسلام معاوية



نبذة كاشفة عن معاوية وسيرته:
 التفصيل في سيرة معاوية يطول ويخرج الكتاب عن الهدف المحدد من هذا الجزء المخصص في (المناقب والمثالب) .. لكن كان لا بد من الاستعراض السريع دون كثير توثيق لأطوار حياته والبيئة المحيطة به لتلمس التكوينات والمؤثرات  الأساسية في شخصيته التي قد نستطيع أن نفسر بها بعض القضايا التي استعصت على التفسير عند كثير من المؤلفين والباحثين في التاريخ ... إذ أن البعض يصعب عليه أن يجمع بين أمرين يبدوان متناقضين في شخصية مثل شخصية معاوية.
 ولد معاوية قبل البعثة بخمس سنين وقيل بسبع وقيل بثلاث عشرة وقيل غير ذلك[1] ...  وكذلك اختلفوا في عمره، فقيل مات وهو ابن 82 سنة وقيل 78 وقيل 86 وقيل غير ذلك..
فإذا أخذنا المتوسط من هذا كله وقلنا أن عمره كان( نحو 80 سنة ) فيكون عمره يوم البعثة ( 7 سنوات + 23 للنبوة + 30 سنة للخلافة الراشدة + 20 سنة لسنوات ملكه = كان المجموع (80 سنة) ...
أما إن كان عمره يوم البعثة (5 سنوات) فيكون عمره يوم توفي (78سنة)، وإن كان عمره (86 سنة) فيكون عمره عام البعثة (13 عاماً)، والمتوسط بين أكثر ما قيل له من عمر سنة البعثة (13 عاماً) وأصغر ما قيل (5 سنوات) يكون عمره سنة البعثة نحو (9 سنوات أو عشر)...
والخلاصة هنا: 
يجب أن نعرف أنه نشأ في بيئة معادية للنبي (ص) وللرسالة .. سواء من ناحية أبيه أبي سفيان (قائد الأحزاب) أو أمه هند بنت عتبة (آكلة كبد حمزة) أو عمته أم جميل (حالة الحطب) أو من يكبره من أخوته كحنظلة وعمرو ( كانا أكبر من معاوية وماتا على الشرك) أو أخواله كالوليد بن عتبة (الذي قتله علي بدر) أو جده من جهة أمه (عتبة بن ربيعة الذي قتله حمزة ببدر)  أو أخو جده (شيبة بن ربيعة الذي قتله علي وحمزة ببدر أيضاً)....  المقصود أنك حيث اتجهت تجد المحيطين بهذا الغلام اليافع هم من أشد قريش عداوة للرسالة وصاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام، هذا لا بد أن يكون له أثره على نفسية هذا الغلام، فهذا الجو المشحون بالعداء للنبي (ص) والوحي والرسالة ثم بالعداء لقبيلة هذا النبي (ص) كان هذا الجو هو الذي نشأ فيه معاوية ولا بد أن يترك أثره البليغ فيه، ولا يتخلص من هذه الآثار إلا من امتلك قوة إيمانية كبرى لا نجدها في سيرة معاوية.
وقد ذكر أهل السير والتواريخ أن المشركين كانوا يسلطون الصبيان على النبي (ص) لأذيته، والصبيان يسهل الاعتذار عن أعمالهم أو عدم الالتفات إليها أصلاً لمجرد أنهم (صبيان أو أطفال)، بل من الطبيعي أن يندفع – تلقائياً-  (الأطفال والغلمان) الذين يتربون في مثل هذه الأجواء المشحونة بالعداء ضد النبي (ص)، من الطبيعي بعد ذلك أن يندفعوا في إلحاق الأذى المعنوي أو المادي ضد الشخص الذي يسمعون من ذويهم بأنه (ساحر، كذاب، شاعر، كاهن، مجنون...الخ) فكيف إذا كان الكبار من كفار قريش يحرضون أبناءهم على هذا الأذى؟!.
  من الطبيعي جداً أن يكون معاوية من هؤلاء الصبية الذين كانوا – بتحريض من ذويهم- يقومون بمهمة (الأذى)  كحمل القاذروات لإلقائها في طريق النبي (ص) أو عند بيته وربما لإلقائها على جسده الشريف وهو يصلي أو يدعو ربه، أو شتمه وسبه ... لأن بيت معاوية هو من أشد البيوت عداء للنبي (ص) ...
 فهو إن حضر مجلس الرجال وجد فيه أباه أبا سفيان وجده عتبة وخاله الوليد بن عتبة
 وإن ذهب لمجلس النساء كان فيهن هند بنت عتبة وأم جميل حمالة الحطب
 وإن حضر مجلساً مشتركاً اجتمع هذا الشر والعداء كله..
    إذن فمعاوية سواء من سن الخامسة أو السابعة أو نحوهما من عمره كان قد نشأ على معاداة النبي (ص) ورسالته .
ثم نعلم أن النبي (ص) قد لبث في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو قريشاً إلى الإيمان بالله ومكارم الأخلاق واجتناب كبائر الذنوب من ظلم وكذب وغير ذلك (هذا وأمثاله موجود في السور المكية)[2].
وعلى هذا يكون قد مر على معاوية أحداث الفترة المكية من الدعوة الجهرية إلى تعذيب أصحاب النبي (ص) من المستضعفين إلى هجرة الحبشة إلى حصار الشعب إلى غير ذلك... وكانت قريش يومها من حيث العداوة ثلاث مستويات، فطرف مبالغ في الخصومة متطرف فيها وبيت آل أبي سفيان منهم، وآخر معتدل في الخصومة،  وطرف ثالث كان – رغم بقائه على الشرك- إلا أنه كان ينافح عن النبي (ص) وأصحابه ..
 إذن فقد كان معاوية من الطرف المتشدد ضد النبوة تبعاً لأبيه وأمه وأعمامه
 ولم يكن في الطرف المعتدل من قريش كمطعم بن عدي وأبي البختري..
ولا في الطرف المنافح كبني هاشم والمطلب...
وكون معاوية وأهل بيته كانوا طرفاً في الخصومة الشديدة طيلة العهد المكي والمدني لابد أن يترك هذا أثره على معاوية لا سيما وأنه لم يحسن إسلامه، فقد كان من المؤلفة قلوبهم ومن الطلقاء ومن المعتزلين يوم حنين ومن المتأخرين في إجابة النبي (ص) إذا طلبه في أمر، ثم كان بعد النبي (ص) – وخاصة من عهد عثمان إلى وفاته - ممن تولى تنقص النبي (ص) وحرب أهل بيته وقتالهم ولعنهم على المنابر وتتبع أنصارهم وأنصار النبي (ص) بما أمكنه من قتل أو تشنيع أو سب أو أمر بالبراءة من الإمام علي أو قطع الفيء أو نحو ذلك من المظالم التي ستأتي مفصلة في الجزء الثاني.. فمعاوية لم يحسن إسلامه كما هو حال بعض المتأخرين في الإسلام.. هذا إضافة إلى ما ارتكبه من أمور أخرى ستأتي تفصيلاً ...
هناك (40) كبيرة على الأقل من أصل (70)  كبيرة ارتكبها معاوية ومروية في كتب أهل السنة بأسانيد صحيحة .. التي لو ارتكبها غيره لكان الأمر في ذمه محل إجماع، لكن السلطة لها أثرها على الناس،  فالأمر الذي أدى إلى تحسين صورته هو كونه (حكم الدولة) الإسلامية واستطاع بما أوتي من سلطة ودهاء ومال وأعوان أن يستخدم كل هذا في الدعاية لنفسه بأنه من خيار الصحابة ومن خيار الملوك وأنه المهدي وأنه من أقارب النبي (ص) ... كما يفعل كثير من الحكام الظلمة عبر العصور ..
 هذه كانت إضاءة لمعاوية ومحيطه وسيرته والتفصيل فيها يحتاج لبحوث، وهذا أول البحوث، أي ما يخص حقيقة إسلام معاوية، وكل بحث ديني أو حديثي أو تاريخي لا يبدأ بالاستضاءة بالقرآن الكريم فهو قاصر، وقد لا يهدي صاحبه إلى الحقيقة، لذلك سنبدأ باستعراض عدة آيات من القرآن الكريم تتحدث عن أبي سفيان ومعاوية وأمثالهم، لننظر هل تنبأ القرآن بمستقبلهم أم لا، وهل كان في هذا التنبؤ فائدة أم لا؟.


[1] انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر وتهذيب لكمال للمزي وغيرهما، والكتابان يرتبان الأسماء حسب الحروف ولهما طبعات مختلفة، فإذا أحلت على كتاب يرتب حسب الحروف لا أحيل للجزء والصفحة لسهولة الوقوف على الترجمة.
[2]  أي ليس الأمر كما يشيع بعض الناس من الحنابلة والوهابية وغيرهم من أن دعوة النبي (ص) في مكة كانت مقتصرة فقط على النطق بالشهادتين ونبذ الشرك... فهذه السور المكية – وهي أغلب القرآن الكريم- فيها الكثير من الأوامر والنواهي المتعلقة بالأخلاق والواجبات والمحرمات ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق