الثلاثاء، 25 فبراير 2014

بحث مسألة اسلام قريش ونفاقها في القران الكريم بالاستدلال من بعض الايات



بحثت  مسألة ( إسلام قريش ونفاقها) في القرآن الكريم سأختار منها عدداً يسيراً من الآيات مع شيء من التدبر لها.
1-                      آيات سورة يس:
 في سورة يس وهي من آخر السور المكية قال تعالى: ( يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11).
تفسير هذه الآيات:
هذه الآيات لا تحتاج إلى تفسير، وإنما تحتاج إلى إيمان بأن الله علام الغيوب، وهي أصرح الآيات في تخصيص قريش ( وقد يراد بقية العرب في ذلك الزمان) بأن أكثرهم لن يؤمن..وقد تكررت هذه المعاني في أوائل سورة البقرة المدنية كما سيأتي، وهذا دليل على أن أكثر من يطلق عليهم الطلقاء والأعراب يومئذ يجب الشك في إيمانهم مع البقاء على مسمى الإسلام في حق كل من انضم إلى دولة النبوة، وإن كان متظاهراً بالإسلام منافقاً في الباطن، فإذا كان قد حج مع النبي (ص) كما يقال نحو 114 ألف نسمة، فلابد أن يكون أكثرهم غير مؤمنين، وإنما مسلمون بالاسم، بين كافر ومنافق ومن في قلبه مرض وصاحب دنيا.. هذا هو الواقع التاريخي الذي لو بنينا عليه فهم تاريخ الصدر الأول، لخرجنا بفهم كامل لما جرى في التاريخ كله، ولخرجنا بهداية القرآن الكريم من تخبط الأحكام التي أتت نتيجة لبعدنا عن هذه الحقيقة القرآنية وكأننا لا نؤمن أن الله يعلم الغيب، ويعرف أحوال الناس.
قاعدة يجب تذكرها دائماً:
 نزلت هذه الآيات وكان أبو سفيان ومعاوية من كبار هؤلاء المقصودين في الآية والبقية تبع لهم، فإذا تمت تبرئة الرأس تبعه تبرئة الأتباع من باب الأولى، وبهذا يبطل معنى الآية كليةً ويصبح لغواً وتوقعاً كاذباً، تعالى الله عن ذلك، بينما الإبقاء على اتهام الرؤوس سيبقي معه بعض الأتباع  فيبقى معنى الآية صادقاً وله مصاديق في الخارج، والعقلية السلفية دائماً تحب اتهام الأتباع وتبرئة الرؤوس لأنها تخشى من الرؤوس وأشياعهم، بينما القرآن الكريم على العكس فهو يتهم الرؤوس أكثر من الأتباع، وهذا مرجعه إلى الخوف، فالله لا يخاف من الرؤوس حتى يبرئهم ويتهم أتباعهم المساكين، بينما السلفيون يخافون الرؤوس فيبرئونهم ويتهمون الأتباع وهذا ملاحظ إلى اليوم، فإذا ارتكبت مجموعات من أتباع ابن تيمية أو غيره جرائم بفتاوى منهم،  قام هؤلاء المدافعون عن الرؤوس وضربوا الأتباع بشتى الفتاوى وبرؤوا ذلك الرأس وأنه ما شاء الله عليه في الحقوق وحب السلم!
وتبرئة هؤلاء لرؤوس كفار قريش هو من هذا الباب، فلا مانع عندهم إن صحت الآية في الأتباع ولو كثروا، ولكنهم لا يرضون أبداً تنزيلها في رأس من الرؤوس المطاعين الذين هم أصل ضلال هؤلاء الأتباع، وهذا التشويش فرع من الجهل بالله تعالى وسننه في خلقه من الابتلاء والفتنة، وجهل بالآيات التي تخبر بأن أكثر الناس لا يؤمنون وأن أكثرهم للحق كارهون وأن أكثرهم أتباع الظنون..الخ، فهم يحتجون بالكثرة أيضاً لأنهم يخافون، ويبغضون القلة لأنهم يتشبهون بالرؤوس المطاعين، وكم من أحمق مطاع في تاريخ الإسلام وقف حجر عثرة عن تدبر كتاب الله حتى أنني أجزم أن بعض القراء سيتفاجأ بمثل هذه الآيات وكأنه يقرأها لأول مرة.
2-                      آيات سورة السجدة :
في سورة السجدة: ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)  [السجدة]
شيء من التدبر:
ما المراد بالفتح هنا؟ هل هو الفتح الدنيوي كفتح الحديبية ( الفتح المبين) أو فتح مكة؟ أم المراد بالفتح يوم القيامة .. – محل بحث/ وإن كان المراد بالفتح الفتح الدنيوي ( فتح الحديبية أو فتح مكة) فدلالتها على نفاق الطلقاء واضح.. وإن كان المراد بفتح يوم القيامة فيبقى أيضاً نصف من الاحتمال بعدم إسلام الطلقاء كأن يكون المعنى (فلا ينفع الذين كفروا ساعة نزول الآيات إيمانهم الظاهري فيما بعد) لأن الإيمان في القرآن له عدة مستويات، أدناها التسليم كالإسلام الظاهري، وهذا يحتاج لبحث.
الكلام على معنى الفتح في الآية:
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)  [السجدة]) جاء في كثير من التفاسير: أنه يوم فتح مكة! وقيل يوم بدر، وقد انشغل أصحاب الميول الأموية بنفي هذا التفسير لأنه يبطل إيمان قريش، وزعموا أن الفتح هنا المراد به يوم القيامة! وقد يرى هذا من ليس عنده تلك الميول من باب التقليد أو الظن.. ولكن بما أن القوم أهل رواية وتفسير بالأثر فهذا بعض التفسير بالمأثور لهذه الآية.. وهذا التفسير الذي نورده هو احتمال من الاحتمالات القوية ولا نجوم به..
ففي تفسير البغوي: تفسير البغوي - (ج 6 / ص 310) (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قيل: أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد، قال قتادة: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للكفار: إن لنا يومًا نتنعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم، فقالوا استهزاًء: متى هذا الفتح؟ أي: القضاء والحكم، وقال الكلبي: يعني فتح مكة .وقال السدي: يوم بدر لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لهم: إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم، فيقولون متى هذا الفتح؟ . { قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ } يوم القيامة، { لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ } ومن حمل الفتح على فتح مكة أو القتل يوم بدر قال: معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا)!
وفي تفسير ( العز) ابن عبد السلام - (ج 5 / ص 8) (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)  { الْفَتْحُ } فتح مكة ، أو القضاء بعذاب الدنيا ، أو بالثواب والعقاب في الآخرة اهـ
وبعضهم ورّى ( من التورية) عن قريش ببني خزيمة وبني كنانة مع إقراره بأنه فتح مكة! وقريش هم من نسل كنانة وخزيمة!
ففي تنوير المقباس - (ج 1 / ص 435) المنسوب لابن عباس: { وَيَقُولُونَ } يعني بني خزيمة وبني كنانة { متى هذا الفتح } فتح مكة { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أن يفتح لكم يسخرون بذلك على المؤمنين { قُلْ } يا محمد لبني خزيمة وكنانة { يَوْمَ الفتح } فتح مكة { لاَ يَنفَعُ الذين كفروا } بني خزيمة (!) { إِيَمَانُهُمْ } من القتل { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } يؤجلون من القتل { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } عن بني خزيمة ولا تشتغل بهم { وانتظر } هلاكهم يوم فتح مكة { إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } هلاكك فأهلكهم الله يوم فتح مكة اهـ قلت: وقريش من بني خزيمة ومن بني كنانة ولكن المؤلف صرف المعنى عن قريش إلى الجد الأعلى!
 غضب ابن كثير: وقد غضب ابن كثير – لآرائه الشامية- من هذا التفسير، لأنه يعني أن الطلقاء لم يسلموا أصلاً، ولا ينفعهم إيمانهم الظاهري، فقال في تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 374) (.. ومَنْ زعم أن المراد من هذا الفتح فتحُ مكة فقد أبعد النَّجْعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح قد قَبِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريبًا من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم)! ويقال له : من قال لك يا ابن كثير رحمك الله بأن النبي (ص) يعامل الناس بما في القلوب؟ فالنبي (ص) يقبل من الناس الظاهر حتى ولو علم الباطن، والله في الآية يخبر عن الباطن والحقيقة إن صح كونها في فتح مكة، وماذا يريد ابن كثير من النبي (ص) أن يفعل؟ أن يقتلهم مثلاً؟ كان النبي (ص) قد قال ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) قبل أن يسلموا، وصاحوا يوم حنين (بطل السحر اليوم) ولم يعاقبهم، وحاولوا اغتياله أكثر من مرة ولم يعاقبهم، فهل إسلامهم مقبول في كل هذه المواقف؟ ثم ماذا سيقول ابن كثير في قوله تعالى ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)؟ وهذه نزلت في قريش في العهد المكي أو تتناولهم بالأولوية حسب سياق الآيات.
رأي أبي جعفر النحاس: وقال أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ - (ج 1 / ص 675) في تفسير سورة الفتح في تفسير معنى الفتح في هذه السورة: (فمن الناس من يتوهم أنه يعني بهذا فتح مكة وذلك غلط والذي عليه الصحابة والتابعون غيره حتى كأنه إجماع كما روى أبو إسحاق عن البراء إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما نعده فتح الحديبية كنا أربع عشرة مائة  / وكذا روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال تعدون الفتح فتح مكة وإنما هو الحديبية /  وكذا قال أنس بن مالك وابن عباس وسهل بن حنيف والمسور بن مخرمة / وقال به من التابعين الحسن ومجاهد والزهري وقتادة  ...الخ - ثم قال –
 (وقد كان بعض العلماء يتأول أنه إنما قيل ليوم الحديبية الفتح لأنه كان سببا لفتح مكة وجعله مجازا كما يقال قد دخلنا المدينة إذا قاربنا دخولها ، وأبين ما في هذا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني الأجلح عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده لم قال لم يكن في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد حجرت بين الناس فلا يتكلم أحد وإنما كان القتال فلما كانت الحديبية والصلح وضعت الحرب وأمن الناس فتلاقوا ولم يكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فيه ولقد دخل في تلك السنين مثل من كان قبل ذلك أو أكثر  وهذا قول حسن بين / وقال جل وعز ( لا يستوى منكم من أنفق من مقبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجه من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) كان هذا في يوم الحديبية أيضا جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأصحابه هذا فرق ما بينكم وبين الناس وفي الحديث لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم ملء الأرض ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه وهذا في الذين أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا) اهـ
قلت: إذا كان الفتح يوم الحديبية فهو أبلغ.. وأعد قراءة الآية تعرف ذلك..
3-                      آيات سورة هود:
في آخر سورة هود تلميح إلى كفر قريش، وانه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، وأنه مثلما أعد نوح السفينة لينجو منهم فيجب على النبي (ص) الهجرة فلن يؤمن من قومهم إلا من قد آمن: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)  [هود]
قلت: والواقع أنه لم يسلم بعد الهجرة من المشهورين إلا وكان في سيرته وسلوكه ما يثير الريبة.. فتتبعوا سيرهم وانظروا، اللهم إلا إن شذ شاذ بصلاح سيرة ولا أجد هذا إلا في بعض المغمورين.
4-                      آيات سورة الإسراء :
 هم أخبروا عن أنفسهم أنهم لن يؤمنوا حتى تتحقق معجزات كبرى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) [الإسراء/89-93]
أقول: وهذه  المعجزات لم تتحقق.... فهل هم على كلمتهم؟ .. والجواب عندي نعم..  لأنه لا يطلب مثل هذه المعجزات إلا معاند متكبر، والكبر مانع من موانع الهداية ومن أسباب الطبع على القلوب خاصة مع المحاربة والمكابرة بعد رؤية البراهين، ولذلك نجد أصحاب الأنبياء طلبوا مثل هذه المعجزات معاندين ثم كذبوا لها .. فمن باب أولى أن من طلبها معانداً ولم تتحق أن يستمروا على الريبة.
5-                      آيات سورة سبأ:
 إخبار عن حالهم في الآخرة : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)  [سبأ/31] فها هو الله يخبرنا عن حالهم في الآخرة..
6-                      آيات سورة يونس :
  قال تعالى : ( كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)  [يونس/33] والفسق له توصيف قرآني ينطبق تماماً على أمثال أبي سفيان ومعاوية.. وقد استمر الفسق بعد تظاهرهم بالإسلام ولولا هذا التظاهر لما استطاعوا أن يقتطعوا نصف الأمة أو أكثر، ولولا هذا التظاهر لما جعلوا الله ورسوله من جملة خدم الظالمين.. فالقضية كبيرة كما ترون، وليست مسألة غضب على شيء فات.. كلا .. هم إلى اليوم بين الجوانح وفي عقول أهل العلم وقلوبهم، وأهل العلم هم غربال الدين وزوار القلوب .. وغربالهم لا يقبل من الدين إلا ما قارب معاوية وإفساده لهذا الدين العظيم، حتى أن هؤلاء الغلاة لا يرون فرقاً بين دين الله ومعاوية! فالمأساة الكبرى هنا، نحن لا نحقد على قاتل علي ولا على أبي جهل ولا أبي لهب ولا فرعون لأنه لا أثر لهم في ديننا اليوم، ولكن أثر إبليس ومعاوية وعلماء السوء كبير جداً، ولا يصح إسلام المسلم إلا بأن يتجنب طريق المجرمين، ولن يعرف تجنب هذا الطريق إلا بمعرفة المجرمين بأشخاصهم وأفعالهم، والله عز وجل قد ذكر أن من أهداف القرآن الكريم ( ولتستبين سبيل المجرمين) ليس رغبة في ذم هؤلاء المجرمين لمجرد المعرفة الهيولية، وإنما لأنهم ما زالوا يفتكون بالإسلام وتعاليمه ويشوهون الألوهية والنبوة ويفسدون ما جاءت به الرسل، من هنا يكون من أوجب الواجبات معرفتهم وكشفهم وكشف طرقهم ودهائهم حتى نزيح عن المسلمين ولو شيئاً من أثقال الضلالة على أدمغة البشر.
 آيات أخرى في سورة يونس:
وقال تعالى في سورة يونس أيضاً: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) (106)  [يونس] وسورة يونس مكية وقد أخبرنا الله في سورة يس أن هذه الكلمة قد حقت على أكثرهم ، فلنقم بإحصاء كفار قريش ولننظر هل تعتقد السلفية المحدثة بهذه الآيات أم تكذبها؟ أو لنخفف العبارة ونقول ( هل هم على علم بها أم صرفتهم عنها روايات التاريخ وأفعال الناس؟)
7-                       آيات سورة غافر:
 قد تشملهم سورة غافر من حيث شمول البأس: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)  [غافر/84، 85] والبأس الذي حصل لكفار قريش هو فتح مكة.. فهل ينفعهم إيمانهم يومئذ؟ الآية تجيب..
وقال تعالى في السورة نفسها ( وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) [غافر/6] وهذا يتناول كفار قريش وطلقاءهم بالأولوية.. فالسورة مكية.. .. وقد نزلت هذه الآيات وكان أبو سفيان ومعاوية من كبار هؤلاء المقصودين في الآية والبقية تبع لهم، وإذا تمت تبرئة الرأس تبعه تبرئة البقية من باب الأولى لأنهم أتباع مقلدون، فيبطل معنى الآية، بينما اتهام الرأس يبقي معه بعض الأتباع فيبقى معنى الآية.

8-                      آيات سورة الرعد
  قال تعالى : ( وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)  [الرعد/5] كان أبو سفيان دهرياً.. ( راجع : دهرية أبي سفيان وزندقته في كتاب/ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للدكتور علي سامي النشار من علماء الأزهر الشريف) فأبو سفيان رأس الدهرية بمكة، وكان معاوية مثله دهرياً يسخر من الحوض واليوم الآخر ويستهزيء بالنبي (ص) ويلعن من علياً ومن يحبه (ويقصد بمن يحبه رسول الله وأهل البيت وصالحي الصحابة، وقد فهمت أم سلمة هذا فقالت: إنكم لتلعنون رسول الله على منابركم.. فهذا فهم السلف الصالح لتصرفات معاوية يا أتباع السلف!).
9-                      آيات سورة الكهف:
وقال تعالى: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) [الكهف/56، 57] وهذا التأبيد واضح، وإذا لم يتناول الرؤوس المعاندين والمحاربين وجامعي الجيوش فمن يتناول؟
10-                آيات سورة الحج:
( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)  [الحج/55] وهذا إخبار .. وإخبار الله صادق لا كذب فيه.. والذي يقرأ سيرة أبي سفيان ومعاوية يعرف أن هذه المرية لم تفارق قلوبهم.. وقد نزلت وهم من كبار هؤلاء المقصودين في الآية والبقية تبع لهم، وإذا تمت تبرئة الرأس تبعه تبرئة البقية من باب الأولى فبطل معنى الآية، بينما اتهام الرأس يبقي معه بعض الأتباع فيبقى معنى الآية .
11-                آيات سورة فصلت:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)  [فصلت/26-29] وقد استمر معاوية في صد المسلمين عن كتاب الله عن طريق إغراقهم بالروايات الإسرائيلية والجبرية والشعر والعصبيات.. الخ.
12-     آيات سورة النحل :
 قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ  [النحل/107-110] وهذه الآيات لم تستثن إلا المهاجرين! ومعلوم أن الطلقاء قسم ثالث ليسوا مهاجرين ولا أنصار..فهم واقعون تحت الوعيد وخاصة رؤساؤهم وكبارهم .. وإذا شذ القليل فالشاذ لا حكم له..
13-    آيات سورة مريم
وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) [مريم/83-86] وهذه في قريش أيضاً.. بالأولوية..
14-    آيات سورة لكافرون
سورة الكافرون كلها،  فاقرأها! والله لا يتوقع بل يخبر الصدق والحق، ولكن الحق مر وثقيل..
وما سبق هو آيات مكية حسب الراجح مما قيل في المكي والمدني.. وسنذكر الآن آيات العهد المدني وسترون أن الإصرار على هذه الحقيقة واحدة، وهي من دلائل النبوة الكبرى وصدق القرآن الكريم ونبي الإسلام..
( ويجب أن نذكر بأن الاستثناء والقلة لا تنقض الأصل، فإذا أسل ولكن القول بإيمان الجميع هو الذي ينقض الآيات ويبطل القرآن والنبوة لو أن في هؤلاء عاقلاً..)
15-    آيات سورة البقرة ( وهي أول المدني)
 في أوائل سورة البقرة وهي من أوائل المدني:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7).. وهذا تأكيد لما سبق في السور المكية، وكل آية في الذين كفروا تتناول كفار قريش بالأولوية ساعة نزول الآيات، وتتناول رؤوسهم قبل الـعامة، لأنهم الأعداء الأساسيون، وهم من قامت عليهم الحجة وهم من تحاور وعاند وكابر وتآمر وأصر حتى ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون،  فطبع على قلوبهم بكثرة العناد، لأن الهداية غالية ولا يعرضها الله دائماً، بل لوقت ثم يرفعها لأن المخاطب يكون قد أخذ نصيبه من الوقت والحجة، والله هو العدل، فمن عرضت عليه الحجج عشرين سنة وهو يأباها ويحاربها ويحارب صاحبها لا يكون مستحقاً لفضل الهداية، فالله لا يتوسل إلى أحد، وإنما يبتلي ويختبر، والاختبار سنة واحدة كان كافياً لأهل الأبطح.
إذن فهذه تناول أبا سفيان بالأولوية، وإذا استثنى الله أحداً فقد يستثني رعاة الظواهر وصبيان البطاح والمستضعفين .. أما الزعماء المحاربون فإن لم يتناولهم الخطاب فمن يتناول؟ وكيف نستطيع رد الخبر القرآني إلا أن نكفر؟ ومن لم يتأمل الآيتين أو لم يقتنع بهما فلا يستعجل في رد الآيات وتكذيبها، لأننا سنأتي له بأسانيد صحيحة تدل على صدق القرآن الكريم (! للأسف أننا وصلنا معهم إلى هذه المرحلة، أن نستدل على صدق القرآن بروايات قوية الأسانيد عندهم)!
إذن فلا يستعجل السلفي المغالي في رد الآيات السابقة وليبق مع إسلامه لأنه قد جاء في الآثار ما يدل على هذا بأسانيد صحيحة على جرحهم وتعديلهم،، وهم رغم محاولتهم إخراج أبي سفيان من هذه الآيات بلا سبب موجب، فقد روى سلفهم ما يدل على صدق هذه الآيات!
 ففي تفسير الطبري مثلاً: - (ج 1 / ص 252) حُدِّثت به عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: آيتان في قادةِ الأحزاب :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )، قال: وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) [سورة إبراهيم: 28، 29]، قال: فهم الذين قُتلوا يوم بدر اهـ
قلت: السياسة هي من حصر هؤلاء بالمقتولين! مع أن أكثر المقتولين يوم بدر ليسوا  في عداوة  أبي سفيان للنبي (ص)، ولا في بلوغه بالحجة ولا في فهمه لها وعناده وكبره وصده عن سبيل الله ..الخ، والآية إن لم تكن في الزعماء المتبوعين فلن تكون في الرعاة التابعين، عدل الله يأبى هذا، ومنهج القرآن يأباه، فالقرآن يتناول الزعماء بالدرجة الأولى، وكان أبو سفيان من هؤلاء الزعماء بلا شك، بل هو زعيم الحروب ضد النبي (ص) وهو الوحيد الذي حزب الأحزاب، فلم يكن يوم بدر أحزاب، وإنما كانت قريش فقط، ومن هنا يتبين لنا المسلك السياسي ( الأموي خاصة) في تخصيص القرآن بما يميت آياته ويحصرها في ما لا فائدة فيه على المستوى الفكري عند المسلمين، إذ لو كانت ثقافة القرآن مستقرة في عقول المسلمين بأن أبا سفيان منهم، فلابد أن يثير هذا الاعتقاد بعض التساؤلات عن أثر أبي سفيان على السياسة العامة للمسلمين، وأثر ابنه معاوية في صرف دلالات القرآن إلى عدو ميت! ليطمئنوا بأن العدو مات! وأن كلام الله ليس على إطلاقه! أو أنه غير صحيح! فالله لم يختم على قلوب رؤوس الكفر من قريش، وأن التاريخ أثبت أن ما يخبر به الله ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً ولا مطابقاً، وعلى هذا فالقرآن توقعات محمد فقط! ( هذا ما يريد معاوية وأمثاله أن يثبتوه، والسلفية ( حليفة معاوية) تتدين برأي معاوية، وتستبعد صحة مثل هذه الآيات ولو احتمالاً.. تصوروا ! حتى مجرد الاحتمال أن أبا سفيان من هؤلاء مستبعد في الفكر السلفي، ليس لأن الله لم يقل ويكرر، ولكن لأن معاوية لم يرد ذلك، وخفاء الدور السياسي على الحمقى، فلا مكر كمكر السلطان، ولا جند كجند الحمقى، فإذا اجتمعا لم يردهما شيء، )!
 وفي تفسير الطبري - (ج 1 / ص 267) حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: هاتان الآيتان إلى( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) هم( الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) [سورة إبراهيم: 28]، وهمُ الذين قُتلوا يوم بدر، فلم يدخل من القادة أحدٌ في الإسلام إلا رجلان: أبو سفيان بن حَرْب، والحَكَم بن أبي العاص اهـ
 وفي الدر المنثور - (ج 1 / ص 29) أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية .. فذكره اهـ
 وفي تفسير الطبري - (ج 1 / ص 267) وحدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن الحسن، قال: أما القادةُ فليس فيهم مُجيبٌ ولا ناجٍ ولا مُهْتَدٍ اهـ  
قلت: إذا كان أبو سفيان من القادة ومن المعنيين بالآية الكريمة، فأعيدوا قراءة الآيتين وانظروا هل من سبيل إلى أن يهتدي؟ أم أن إسلامه سيكون في الظاهر فقط؟   
وعلى كل حال: فهذه الآيات صريحة جداً في الكافرين أيام نزولها، وأنهم لن يهتدوا، لأن مهلة الهداية انتهت في حقهم، وخاصة الزعماء المجادلون والمتآمرون، فهؤلاء قامت عليهم الحجة أكثر من الرعاع والعامة والبله، وهي تتفق مع سورة الكافرون ( فتذكروها) وسورة يس ( فاقرؤا أول عشر آيات منها) وغيرها من الآيات والسور التي تتحدث عن قريش، وعن زعمائها على وجه الخصوص، والله لا يخشى من الزعماء فيكون خطاب الوعيد يتناولهم بالأولوية، وإنما السلفية فيما بعد حيدت الزعماء من الوعيد لأنها تخشى منهم وظنت أن الله يخشى منهم، وجعلته – أي الوعيد- مبهماً في الهواء لا حقيقة له، وإلا أين حقيقة هاتين الآيتين؟ قد يوردونها في الميتين كأبي جهل ؟ نقول: فمن أستثنى أباسفيان ساعة نزول الآيات؟ أأنتم؟ (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا؟) أم على الله وكتابه ودينه تفترون ؟
16-    آيات سورة آل عمران:
من سورة آل عمران، تبشيرهم بالنار: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)  [آل عمران] ويدخل كفار قريش في المخاطبين من باب الأولوية وخاصة رؤساؤهم وكبارهم.
وتدبروا جيداً، فهنا وعيدان من الله تحقق أحدهما في الدنيا، والسلفية لا يرون الثاني إلا توقعاً خاطئاً! فمن المخاطبون ساعة نزول الآية؟ أليس قريشاً؟ أليس هذا يتناول زعماء الحرب على الأقل ممن أعرقوا في المحاربة والتحزيب والتصدر والمبالغة في معاداة النبي (ص)؟ هذه الآية وأمثالها عند السلفية راحت هباء منثوراً بإظهار أبي سفيان ومعاوية الإسلام خوفاً من السيف! مع ثبوت بقائهما على الكفر في أكثر من مناسبة، وخاصة أبا سفيان وكان آخر مواقفه في أول خلافة عثمان سنة 25هـ ولم يلبث بعدها إلا سبع سنوات شيخاً عاجزاً ليس له ذكر، لو شرب الماء لا يجد برده
ثم تجبروا بقية الآيات، فالسلفيون ( الواقعون في المكر الأموي) يظنون أن تأخر  موت أبي سفيان كان خيراً له، وأن تقدم موت أبي طالب كان شراً له! – لأنهم يروون أنه مات كافراً- بينما الله عز وجل لا يقول هذا وخاصة في مثل أبي سفيان انظروا إلى قوله تعالى : (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) [آل عمران])
فهذه الآيات تقول بخلاف ظن السلفية تماماً.. فهم يحسبون أن إملاء الله لهؤلاء خير لهم!
وفي سورة آل عمران أيضاً قوله تعالى:  ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) [آل عمران/116، 117]
فهذه الآيات نزلت في حق كبار قريش قبل عامتهم، وكل خطاب في ذم قوم ووعيدهم فإنه يتناول الرؤوس قبل الأتباع، وهذه الآيات نزلت في مناسبة غزوة أحد.. ولم يكن إلا قريش وحلفاؤها..
 وتدبروا قوله تعالى في السورة نفسها:
(  لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) [آل عمران].
فهذه من آيات آل عمران وسيوف قريش طرية من دماء حمزة ومصعب وأمثالهما، والله أصدق القائلين لا يكذب أبداً، وإذا قال شيئاً لا يخلفه، والسلفية يرون أن الله لا يخلف وعيده إذا كان في حق أبي لهب عم النبي (ص) لكنهم يرونه مخلفاً وعيده في من هو شر من أبي لهب وأكثر عداوة وأطول محاربة، بل أبو لهب لم يقتل مسلماً قط، ولم يحزب أحزاباً ولم يحاصر المسلمين في الخندق ولا في الشعب، وإنما كان ذم الله له لإطاعته أبي سفيان وأخته أم جميل، فكيف يصدق وعيد الله في الفرع ولا يصدق في الأصل؟!

والنصيحة في كيفية تدبر آيات سورة آل عمران:
تدبروا هذه الآيات كلها، واستشعروا أنكم كنتم من الصحابة، وأنكم كنتم تسمعونها ساعة نزولها يوم أحد! فأين سيكون منها قائد الأحزاب وابنه؟ لا يغرنكم الكثرة الجاهلة وعودوا إلى كتاب الله لتعرفوا منها السر كله! فهو تبيان لكل شيء، لكن هؤلاء لا يرونه تبياناً لأي شيء! والعيب فيهم لا في القرآن الكريم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق