الخميس، 27 فبراير 2014

تعذر الحصول على التعويض من غير المميز



ولكن ماذا لو تعذر الحصول على التعويض من غير المميز ؟
ان القانون المدني الأردني قد عد مسؤولية عديم التمييز مسؤولية أصلية كاملة، ومن ثم فهو مسؤول عن ضمان الأضرار التي يحدثها للآخرين مسؤولية كاملة. وقد يتعذر الحصول على التعويض من غير المميز، لذلك فإن هناك بعض البدائل التي نص عليها المشرع، فقد قررت المادة (288) مدني مسؤولية متولي الرقابة عن الأعمال غير المشروعة الصادرة من الخاضعين لرقابتهم، وإن كان المشرع قد جعل هذه المسؤولية جوازية وأناط أمر تقديرها بالقاضي،  كما أن القانون المدني الأردني، وهو في سبيله لتأمين الحماية للمتضرر، قد نص على تحميل الدية للعاقلة أو الجاني، حيث تقول المادة (273) بأن "ما يجب من مال في الجناية على النفس وما دونها، ولو كان الجاني غير مميز، هو على العاقلة أو الجاني، للمجني عليه أو ورثته الشرعيين وفقا للقانون". ولا شك أن تعويض الدولة للمضرورين يعد سبيلا قويا لتأمين مصلحة المضرور إذا ما أخذ به المشرع، على غرار ما فعلته بعض التشريعات الحديثة، خاصة عند عدم وجود عاقلة للجاني أو مع وجودها ولكنها لا تستطيع الوفاء.
وعند النظر الى أركان الضمان[1] وهي أجزاؤه التي لا وجود للضمان بدونها، ولا يتحقّق الضّمان إلاّ إذا تحقّقت هذه الأمور، وتلك الأركان هي: الخطأ أو التعدي والضرر والإفضاء -علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
- الخطأ أو التعدي
التّعدّي فى اللّغة: التّجاوز. وفى الاصطلاح هو: مجاوزة ما ينبغي أن يقتصر عليه شرعاً أو عرفاً أو عادةً. وضابط التّعدّي هو مخالفة ما حدّه الشّرع أو العرف[2].
ويشمل التّعدّي: المجاوزة والتّقصير، والإهمال، وقلّة الاحتراز، كما يشتمل العمد والخطأ ، وتتعدد الأفعال الموجبة للضمان تنوعاً يستعصي حصره، إلا أن هذه الأفعال جميعها  تشترك فى كونها أفعالاً غير مشروعة أو أخطاء أو تعديات، وتتنوع التقسيمات الواردة فى هذا الصدد بتنوع الأهداف والأسس التي تقوم عليها، وتنقسم هذه الأفعال -بالنظر لنية الفاعل وقصده- إلى أخطاء عمدية وإلى أخطاء تقصيرية ترجع إلى الإهمال .
ويجري تقسيم الأخطاء غير العمدية فى الفقه الإسلامي إلى نوعين: أولهما الخطأ، والثاني ما جري مجراه. ويفرقهما أن الفعل فى الخطأ مقصود لفاعله وإن لم يقصد النتيجة التي تتولد عن هذا الفعل، على حين أن كلا من الفعل ونتيجته غير مقصودين للفاعل فيما جرى مجرى الخطأ. ويعرفه الشراح الخطأ العمدي بأنه الفعل الذي يتجه إليه قصد فاعله مع تقديره لما يترتب عليه من نتائج, شريطة ألا يحفز إلى هذا الفعل حافز من ضرورة أو منفعة أو توجيه السلطات المختصة[3].
ويجب النظر إلى طبيعة الأفعال الموجبة للضمان لاستخلاص سماتها المميزة لها, ومعانيها الدالة عليها، ويتبين من النظر إلى هذه الأفعال أنها أفعال غير مشروعة تخالف مأذون الشرع، إما بترك واجب أو ارتكاب فعل محرم أو بالتقصير فى النظر المأمور به شرعاً فى فعل المباحات.
- التعمد والقصد:
 لا يشترط تعمد الفعل والضرر أو تعمد الفعل وحده دون الضرر لإيجاب الضمان، إذ الحكم بالضمان من قبيل خطاب الوضع الذي يترتب عليه سببه، وهو ارتكاب فعل لم يأذن به الشارع، لكونه على خلاف الواجب، أو لحرمته لما صحبه من إهمال وتقصير فى النظر المأمور به شرعاً.
وبهذا فإن سبب الحكم بالضمان هو وقوع حادثة مادية -من فعل أو ترك- اعتبرها الشارع من قبيل الخطأ أو العدوان الموجب للضمان، دون نظر إلى قصد الفاعل أو نيته أو الباعث الدافع له على ارتكاب هذا الفعل. وبهذا فإن معيار التعدي لا يتعلق بالقصد أو النية أو الباعث، وإنما يتعلق بالفعل ذاته, وما فيه من مخالفة لما ألزم به الشارع، وهو بهذا الاعتبار معيار موضوعي لا ذاتي.
ويختلف الخطأ الموجب للضمان عن الخطأ الموجب للمسئولية الجنائية، وعن الخطأ الخلقي الذي يترتب عليه الإثم، فالنائم لم يخطئ من الناحية الخلقية ولا يأثم بانقلابه أو وقوعه برغم أن الضمان واجب عليه[4].
ويتعلق بعدم اشتراط القصد والنية لوجوب الضمان الإجماع على وجوب الضمان بتعدي الصبي والمجنون والناسي والنائم والغافل، بناءاً على كون الحكم بالضمان من قبيل ربط الأحكام بالأسباب
ومن هنا فإنه لا خلاف بين الفقهاء على ضمان الصغير والمجنون وما يتسبب فيه فعلهما من إضرار بالغير, وإنه يتحمل هذا الواجب فى ذمته، لأهليته للضمان، ويؤديه عنه وليه، باعتباره نائباً عنه فى أداء الواجبات التي يشترط العقل والتمييز لأدائها. والخلاف فيما إذا كان الصغير أو المجنون معسراً، فمذهب الجمهور الإنظار بالأداء إلى حين ميسرة، كما هو الحال فى الوفاء بالحقوق الأخرى.

شروط الإتلاف الواجب للضمان:
-التعدي: يشترط فى الإتلاف الموجب للضمان أن يكون نتيجة لفعل غير مأذون فيه شرعاً بالنظر إلى ذات هذا الفعل أو باعتبار مآله، ولا يختص التعدي بارتكاب الفعل المحرم وإنما يشمل ترك الواجب كذلك. أما أداء الواجب واستعمال الحقوق فالأصل ألا يكون بالتعدي وألا يجب الضمان به إلا إذا أدى إلى الإضرار بالغير، لاقترانه بوصف من الأوصاف المنهي عنها شرعاً، كالإهمال ومجاوزة المألوف.
وبهذا فإن التعدي شرط فى الإتلاف الموجب للضمان، سواء كان هذا التعدي راجعاً إلى قصد الإضرار أو إلى التقصير والإهمال.
- تحقيق الإضرار: بالغير فى نفسه أو ماله، سواء كان التلف كلياً أو جزئياً، أما إذا لم يوجد ضرر فلا ضمان، لأنه شرع لجبره ورفعه فإذا لم يوجد ضرر فلا ضمان.
- أهلية الإتلاف : تثبت عند جمهور الفقهاء بما تثبت به أهلية الأداء المنوطة بوصف الإنسانية، دون اشتراط العقل والتمييز، فتثبت أهلية الإتلاف للصبي والمجنون والسكران والمغمى عليه والمعتوه، ولكن ذهب بعض المالكية إلى اشتراط العقل والتمييز فى أهلية الإتلاف، ولذلك اعتبروا إتلاف غير المميز معدوم الأثر كفعل العجماوات، واختار بعض المالكية إلقاء المسئولية على غير المميز فى إتلاف الأنفس دون الأموال. والراجح عندهم موافقة الجمهور فى أهلية غير المميز للضمان بالإتلاف مطلقا[5].
- القدرة على الإتلاف: بمعنى أن ينسب التلف إلى من له القدرة على إحداثه بالمباشرة أو بالتسبب. وهذه القدرة أو القوة المشترطة لإيجاب الضمان إما أن تكون قوة مادية حسية أو شرعية اعتبارية. ولهذا لا يضمن الصبي الراكب على الدابة ما وطئته إذا كان لا يستطيع إمساك نفسه على الدابة. والصبي والمجنون لا يتحملان من الدية الواجبة على العاقلة شيئاً، لأنهما ليسا من أهل النصرة.


[1]  المسؤولية الجزائية لصغير السن في القانون التونسي،الاستاذة هنده الدريدي،الهيئة الوطنية للمحاميين تونس،السنه القضائية 2010-2011
[2]  الوسيط،اصول الفقه الاسلامي،الدكتور وهبه الزحيلي،دار الفكر المعاصر، ص(190)
[3]  المسؤولية الجزائية لصغير السن في القانون التونسي،الاستاذة هنده الدريدي،الهيئة الوطنية للمحاميين تونس،السنه القضائية 2010-2011
[4]  انظر المرجع السابق.
[5]  مسؤولية عديم التمييز عن فعله الضار، أمجد محمد منصور، دراسة-  نسخة مقارنه الكترونية .(http://www.wasmia.com)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق