الخميس، 20 فبراير 2014

التنافس الدولي على النفط والغاز في منطقة الخليج العربي - الفارسي وبحر قزوين



التنافس الدولي على النفط والغاز
      1.        منطقة الخليج العربي - الفارسي :
خلال الحرب الباردة ، وفي ضوء ان منطقة الخليج العربي - الفارسي هي المنطقة الاغنى والمستودع الاكبر للنفط في العالم ، حلت الولايات المتحدة منذ عام 1971 محل بريطانيا في حماية المصالح الغربية فيها . كانت الاستراتيجية الغربية العامة قد تمثلت حتى ذلك الحين في الحفاظ على امن واستقرار المنطقة ، وضمان استمرار تدفق النفط الى العالم الغربي ، ومنع الاتحاد السوفياتي من الوصول الى ابار النفط الخليجية ، وذلك انطلاقا من واقع ان من يسيطر على تلك الابار ، انما يسيطر على مفتاح القوة في العالم .
ومع تسلم الولايات المتحدة مسؤولية تنفيذ تلك الاستراتيجية من بريطانيا في اوائل السبعينات، تبلور لدى القيادة الامريكية وفي سياق سياسات الحرب الباردة هدف استراتيجي اخر هو اخضاع عملية تدفق النفط للعالم الغربي للقوة الامريكية بحيث تكون الولايات المتحدة هي المتحكمة في وصوله الى اوروبا واليابان بدرجة رئيسة ، وذلك في محاولة لضمان عدم قيام أي من دول اوروبا الغربية باتخاذ سياسات حيادية او وفاقية مع الاتحاد السوفياتي .
اعتمدت الولايات المتحدة منذ اوائل السبعينات سياسة الاعتماد على القوى الاقليمية المحلية للحفاظ على امن واستقرار المنطقة ، وبلورت ما عرف بمبدأ نيكسون الذي يقوم على استراتيجية " الدعامتين " المتمثلة في الاعتماد على ايران والعربية السعودية لضمان تلك الاهداف . غير ان السياسة الامريكية ما لبثت ان تبدلت مع قيام الثورة الايرانية في عام 1979 ، حيث صدر مبدأ كارتر الذي ينص على التدخل الامريكي المباشر وتسلم مسؤولية الحفاظ على امن واستقرار المنطقة وتدفق النفط منها من خلال التواجد العسكري الامريكي المباشر في المنطقة وفقا للحاجة . وفي سياق تلك السياسة الجديدة ، تم تشكيل ما عرف باسم قوات التدخل السريع . وقد دخلت بعض الدول الخليجية العربية منذ ذلك الحين في ارتباطات سياسية وعسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة في مقدمتها سلطنة عمان والبحرين اللتان التزمتا بتقديم التسهيلات العسكرية للقوات الامريكية في اراضيهما ، بينما اقتصر الموقف السعودي على منح الولايات المتحدة حق استخدام قاعدة الظهران الجوية وتقديم تسهيلات لتلك القوات ، وامكانية الموافقة على تقديم التسهيلات اخرى في الظروف الطارئة ، وحذت الامارات الامارات العربية وقطر حذو العربية السعودية في هذا المجال . وفي الوقت الذي لم تعقد فيه اية دولة خليجية معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة في ذلك الحين ، فقد كان هناك اتفاق على الاستنجاد بالقوات الامريكية عند حدوث اخطار امنية مع تجنب دخول القوات الامريكية بالقوة الى اراضي اية دولة من هذه الدول .
ان صدور مبدأ كارتر في ضوء التطورات التي شهدتها الحرب الباردة وتداعياتها الاقليمية في اواخر السبعينات . قد نجم عن تبدل جذري في السياسات الامريكية ازاء منابع النفط في الخليج ، في مقدمتها اخراج الخليج من دائرة الصراع الدولي الى دائرة الامن القومي الامريكي ، والغاء فكرة الاعتماد على القوى الاقليمية للدفاع عن امن الخليج ونبذ فكرة الحاجة الى اصدقاء اقوياء فيه . فمن خلال مبدأ كارتر القائم على التواجد الامريكي المباشر ، الذي تبلور على صعيد التطبيق خلال الحرب العراقية - الايرانية ، اصبح الهدف الامريكي هو الحيلولة دون احتمال بروز اية قوة اقليمية في الخليج . وهو ما تجلى في السياسات الامريكية ازاء الحرب العراقية - الايرانية ، ثم حرب الخليج الثانية ، والتي ما لبثت ان تبلورت على شكل سياسة الاحتواء المزدوج لكل من ايران والعراق . هذا مع العلم ان الولايات المتحدة لا تستورد من نفط الخليج لاستهلاكها الخاص سوى 5 % من حاجاتها ، بينما تستورد اوروبا الغربية نحو 35 % واليابان نحو 65 % من احتياجاتهما من الخليج .
      2.        منطقة بحر قزوين :
مع استقلال دول وسط آسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 ، برزت الى الوجود منطقة غنية بالنفط اصبحت تعتبر بانها المنطقة الثانية بعد الخليج العربي - الفارسي من حيث مخزونها النفطي المؤكد والمحتمل ، وهو مخزون كان مجهولاً ابان عهد الاتحاد السوفياتي ، حيث كانت الصناعة النفطية تتركز في غالبيتها العظمى في اراضي الفيدرالية الروسية ، واقتصرت حصة المناطق الاسيوية من الانتاج النفطي على ما لا يزيد عن 7 % من مجمل انتاج الاتحاد السوفياتي. وتتميز هذه المنطقة ، شأنها في ذلك شأن منطقة الخليج العربي - الفارسي ، بانها منطقة متخلفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، الامر الذي يؤهلها لان تكون اهدافا سهلة في صراعات القوى الدولية .
فعلى الرغم من ان هذه المنطقة لم تدخل حتى الان في معمعة الصراعات الدولية السافرة ، فهي قد دخلت بالفعل في هذه المعمعة بطريقة غير مباشرة ، وذلك من خلال الشركات النفطية الدولية والتنافسات على مد انابيب النفط والغاز من تلك الدول النفطية المحصورة جغرافياً وجيويوليتيكيا.
تتشكل المنافسة الدولية الراهنة على نفط بحر قزوين من اربعة لاعبين رئيسيين هم : الولايات المتحدة ، اوروبا ، روسيا والصين ، يليهما لاعبان يشكلان قوتين على المستوى الاقليمي هما ايران وتركيا ، ثم تأتي الدول النفطية ذاتها والدول المحيطة بها كمعابر في الدرجة الثالثة . ويجري التنافس الحالي بين كل هؤلاء اللاعبين من خلال الشركات وخرائط الانابيب ، وهي خرائط ستؤدي غلبة أي منها ، الى تحديد القوة الغالبة في هذا المجال ، والتي ستؤدي الى تحديد طبيعة النظام الدولي بعد نحو عقدين او ثلاثة عقود من الزمان :
أ- الفيدرالية الروسية :
في اواخر عام 1991 ، فقدت روسيا ، ولاول مرة في تاريخها ، ذلك المجال الحيوي الذي احاطت به نفسها ، والذي امتد من حدود الصين شرقا الى شرق اوروبا غرباً . ومن بحر البلطيق شمالاً الى حدود تركيا وايران جنوباً . فلقد ورث الاتحاد السوفياتي لدى قيامه في عام 1921 كل اراضي الامبراطورية الروسية باستثناء فنلندة ، كما اضاف اليها منطقة نفوذ حاجزة تشكلت من دول شرق اوروبا .
ولاجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية ، عمدت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الى تشكيل ما عرف برابطة دول الكومونويلث التي ضمت 12 دولة هي : روسيا ، اوكرانيا، بيلاروسيا ، ارمينيا ، جورجيا ، اذربيجان ، كازاخستان، اوزبكستان ، تركمانستان ، قرغيزيا ، طاجكستان ، مولدافيا .
على الرغم من ذلك ، فان علاقات روسيا ما لبثت ان تدهورت مع معظم هذه الدول، حيث ان روسيا لم تستطع تأمين المبالغ الطائلة التي يتطلبها انشاء وتطوير الكومونويلث ، واتجهت معظم تلك الدول بحثا عن المساعدات الغربية ، وبخاصة انها قد خرجت من نطاق الاتحاد السوفياتي خالية الوفاض ، لا تملك حتى انابيب لثروتها النفطية المكتشفة حديثاً . بل ان هناك آراء تقول بان روسيا نفسها غير متحمسة لفكرة الكومونويلث ، وذلك تخوفا من ان يأتي اليوم الذي تتحالف فيه هذه الدول ضدها .
وتشير السياسة الروسية المتبعة حتى الان في تلك المنطقة الى تعزيز هذا الرأي ، حيث تدعي بعض هذه الدول بان روسيا انما تسعى الى تجزئة تلك الدول المستقلة حديثاً ، وبانها قد دعمت مؤخراً استقلال اقليم ابخازيا عن جورجيا ، واقليم تراندينستا عن مولدافيا ووقفت الى جانب ارمينيا ضد اذربيجان في صراعهما على اقليم ناغورني كاراباخ . بل ان كازاخستان التي تعتبر الاقرب سياسيا الى روسيا ، قد عمدت الى نقل عاصمتها من جنوب البلاد الى شمالها تخوفاً من تطلعات روسية لسلخ شمال البلاد، حيث يشكل الروس غالبية السكان وحيث تتركز الثروات ، وضمه اليها . والمعروف ان التركيبة الديمغرافية لدول وسط آسيا والقوقاز بشكل خاص ، تشكل تربة خصبة للنزاعات الاثنية، بسبب كثرة الجماعات المتباينة، وعدم تبلور هوية وطنية في أي من تلك الدول .
من حيث النفط ، تملك روسيا مخزوناً كبيراً في حقول سيبيريا . حتى عام 1985 كانت تشكل اكبر منتج للنفط في العالم ، حيث بلغ انتاجها اليومي نحو 12.5 مليون برميل . ان انهيار اسعار النفط في عام 1986 قد وجه ضربة قاصمة للصناعة النفطية الروسية التي لم تعد قادرة على صيانة وترميم منشآتها ، فأنخفض الانتاج عام 1989 الى نحو 7 ملايين برميل في اليوم . وهناك تقديرات بانه ما لم توفر روسيا ما لا يقل عن 100 مليون دولار لترميم تلك الصناعة وتطوير التكنولوجيا المستخدمة فيها ، فان الانتاج الروسي سينخفض في حدود عام 2000 الى ما لا يزيد عن اربعة ملايين برميل يومياً . هذا مع العلم ان الاتحاد السوفياتي كان يشكل في الثمانينات ثاني اكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة، حيث قدر الاستهلاك السوفياتي في ذلك الحين بنحو 6-7 ملايين برميل يومياً .
اما بالنسبة لدول بحر قزوين ، فقد كان الاتحاد السوفياتي قد انشأ شبكة من الانابيب تمر عبر الاراضي الروسية ، وبالاضافة الى ان تلك الخطوط هي خطوط قديمة ولم تعدصالحة للنقل، فان معظم هذه الدول لا تريد الان ان يمر نفطها عبر الاراضي الروسية . فالقوة الجاذبة للشركات الغربية ، بما تمتلكه من اموال وتكنولوجيا ، اقوى من اية ارتباطات تاريخية ومن خطوط لا تملك روسيا بحد ذاتها ما يتطلبه ترميمها وتطويرها ، فضلا عن ان هذه الشركات لا تريد مرور نفط قزوين من الاراضي الروسية لاسباب استراتيجية .
واذا جاز لنا تقويم الوضع الروسي في دول بحر قزوين وما تمتلكه من ثروات ، فانه يمكن القول بان الاتحاد السوفياتي لم يخلف وراءه اية بنية تحتية قوية تربطه بهذه المنطقة . ولذلك ، فان احتمالات قدرة الفيدرالية الروسية على استرداد نفوذها الضائع في تلك الدول هي احتمالات ضئيلة جداً على المدى المنظور على الرغم من ان قوات عسكرية روسية ما زالت متمركزة في معظم هذه الدول . وبخاصة ان معظم تلك الدول قد وقعت خلال السنوات الثلاث الاخيرة اتفاقات شراكة مع حلف الاطلنطي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق