الخميس، 20 فبراير 2014

الخريطة الجغرافية للنفط والغاز



الخريطة الجغرافية للنفط والغاز
يذكر ان النفط سيظل موجودا في باطن الارض طالما بقي كوكب الارض ، وانه لن ينضب الا بفنائها ، وذلك على الرغم من عدم قدرة العالم حتى الان على الالمام بكل عوامل واسباب تكون النفط في باطن الارض . وهذا يعني ان اية منطقة فوق الارض يمكن ان يكون في باطنها نفط . غير ان تضاريس الارض الخارجية والباطنية تجعل استخراج النفط سهلاً في مناطق وصعباً او مستحيلاً في مناطق اخرى . وكلما تقدمت العلوم والتكنولوجيا ، كلما اصبح استكشاف النفط واستخراجه اكثر احتمالا. ويشهد العصر الراهن عودة سيطرة الشركات الغربية ، وبخاصة الامريكية والبريطانية ، على الساحة النفطية العالمية ، وذلك بسبب امتلاكها للتكنولوجيا المتقدمة والاموال الطائلة التي يتطلبها استخراج النفط من الاعماق البعيدة ، حيث تراجعت معظم الشركات الوطنية التي تشكلت خلال السبعينات في دول الجنوب بعد قرارات تأميم النفط ، لكي تعود الشركات الغربية ذات الامكانيات العلمية والتكنولوجية والمالية الهائلة الى الساحة الدولية بزخم هائل . فبعد استنفاذ مخزون النفط القريب من القشرة الارضية ، تصبح عملية استخراج النفط من الاعماق اكثر صعوبة وتعقيداً واكثر تكلفة . ولذلك فان المعلومات المتوفرة عن النفط في الوقت الحاضر ، تنقسم الى ثلاث مستويات : مخزون مؤكد في آبار محفورة ، مخزون شبه مؤكد في مواقع لم يتم حفرها ومخزون محتمل بعيد الامد . وهذا المخزون بكل مستوياته يتوزع تحت مختلف مناطق العالم بدرجة او باخرى .
وقد جرى التقليد الحديث على تقسيم المناطق النفطية وفقا للتقسيمات الجيوسياسية في العالم ، فبرزت اسماء الدول التي تم اكتشاف النفط في اراضيها ، وذلك على الرغم من حقيقة ان الدراسة الجغرافية المحضة هي الاساس في هذا المجال . وبفعل ذلك التوجه الجيوسياسي ، احتلت الارض " الوطنية" اهمية فائقة، وبرزت في مناطق عديدة في العالم صراعات على مناطق حدودية يعتقد بانها غنية بالنفط ، منها المشكلة الحدودية بين العربية السعودية واليمن على سبيل المثال ، وكذلك منطقة حقل الرميلة بين العراق والكويت . بل ان حدود بعض الدول قد رسمت في فترة زمنية معينة وفقاً للمناطق النفطية التي تم التعرف عليها ، و تشكل الكويت مثالا على ذلك، كما ورد سابقاً ، حيث بقيت محمية بريطانية منذ ذلك الحين والى أن يتم منحها الاستقلال في عام 1961 .
ولدى النظر الى مختلف المناطق الجغرافية في العالم ، فسوف يتضح بان الاستدلال على النفط فيها انما يتم حاليا من خلال ما يجري في تلك الدولة او الاخرى في اية منطقة جغرافية من تنقيب او استكشاف للنفط . فمنطقة شرق آسيا تعتبر فقيرة بالنفط بينما تعتبر منطقة وسط وغرب آسيا غنية به . ويتضح بان اوروبا بشكل عام فقيرة بالنفط بينما يوجد النفط في امريكا الشمالية واميريكا الجنوبية . اما في افريقيا فالنفط موجود في شمالها ووسطها ويكاد يكون جنوبها فقيرا بالنفط . وهناك تقديرات غير موثوقة لنسب المخزون المؤكد في مختلف مناطق العالم ، وذلك على النحو الاتي : شرق آسيا والمحيط الهادي : 4% ، الخليج العربي - الفارسي : 65% ، اوروبا : 9% ، افريقيا 6% ، امريكا الشمالية : 4% ، امريكا الجنوبية 12% . ويبدو واضحاً ان هذه النسب التي اوردتها بعض الشركات النفطية ، لا تدرج مخزون الاتحاد السوفياتي السابق ، نظراً لعدم توفر المعلومات المؤكدة عن مخزونه، غير ان انهيار الاتحاد السوفياتي ، وانفتاح المعلومات عن مخزونه بدرجة ما ومخزون الدول المستقلة المطلة على بحر قزوين ، قد غير النسب تغيراً ملحوظاً . فالتقديرات الحالية لحجم المخزون المؤكد لنفط دول بحر قزوين تفترض وجود نسبة 75% في دول بحر قزوين والخليج العربي الفارسي ، الامر الذي يجعل امكانية تقدير المخزون المؤكد لمختلف مناطق العالم ، بما فيها روسيا ، بنحو 25% فقط .
ولدى اعادة النظر الى تلك المناطق من منظور الدول القائمة فيها ، يتضح ان الصين في منطقة شرق آسيا فقيرة نسبيا بالنفط ، حيث انها لم تتمكن حتى الوقت الراهن من انتاج اكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم ، وتستورد حالياً نحو نصف مليون برميل بينما ما زالت الصين تستخدم الفحم الحجري في كثير من المجالات لتوليد الطاقة . وتكاد تكون اندونيسيا هي الدولة الوحيدة الغنية نسبياً بالنفط والغاز في الوقت الراهن ، وذلك الى جانب سلطنة بروناي، وبعض الكميات المتواضعة في بورما وماليزيا واستراليا . اما الهند ، فهي لم تتمكن حتى الان من انتاج سوى مليون ونصف المليون برميل يوميا وتستورد نحو ثلثي احتياجياتها . ان المعلومات المتوفرة حتى الان انما تشير الى احتمال نفاذ مخزون اندونيسيا المؤكد من النفط بعد نحو 9 سنوات ، ونفاذ مخزون الصين بعد نحو 20 عاما، ما لم يتم صرف العديد من مليارات الدولارات للتنقيب ومحاولة الاستخراج ، الامر الذي يجعل الاستيراد ارخض تكلفة. ان الدول الواعدة بالتحول الى قوى عالمية بدرجة أو اخرى في شرق آسيا هما الصين والهند . وستحتاج هاتان الدولتان الى استيراد كميات هائلة من النفط في المستقبل القريب .
وتشكل منطقة غرب آسيا المنطقة الاغنى في العالم بالنسبة للنفط المكتشف . وبمعيار الدول ، فلقد كانت هذه المنطقة تضم في السابق كلا من الاتحاد السوفياتي شمالا والخليج العربي - الفارسي جنوباً . اما الان ، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي منذ عام 1991 ، فقد اصبحت هذه المنطقة تضم روسيا شمالاً على الرغم من ان حقولها تقع في شمال شرق آسيا ، والقوقاز ودول بحر قزوين في الوسط ، والخليج العربي - الفارسي جنوباً .
ففي روسيا ، يعتقد بان حقول سيبيريا تضم كميات هائلة من النفط ، غيرا نها تندرج ضمن تخمينات الاحتياطي المحتمل وغير المؤكد ، وذلك لسببين ، اولهما ان الاتحاد السوفياتي السابق ، لم يكن ينشر المعلومات المتوفرة لديه ان توفرت ، حول هذا الاحتياطي . والثاني هو ان عمليات التنقيب والاستخراج من تلك الحقول تتطلب اموالا هائلة لم تكن متوفرة لدى الاتحاد السوفياتي السابق ولا لدى روسيا الان . لقد كان الاتحاد السوفياتي ينتج حتى اواسط الثمانينات نحو 12.5 مليون برميل يومياً، معظمه من الاراضي الروسية ، وهو حجم يفوق ما تنتجه العربية السعودية، بينما كان نفط منطقة بحر قزوين والقوقاز غير مستغل الا على نحو هامشي. اما في دول شرق اوروبا التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي ، فكانت رومانيا هي الدولة الوحيدة التي لديها ثروة نفطية غير كبيرة .
ويقدر المخزون النفطي المؤكد في روسيا حالياً بنحو 40 مليار برميل ، كما يقدر مخزونها من الغاز بنحو 1500 ترليون قدم3 وهو يكاد يكون اكبر مخزون محقق في دولة واحدة، بينما تتراوح التقديرات بشأن دول القوقاز وبحر قزوين بين حد ادنى مؤكد يبلغ نحو 70 مليار برميل وحد اعلى محتمل نحو 200 مليار . وهناك في احدى تلك الدول وهي تركمانستان مخزون كبير من الغاز .
اما الخليج العربي - الفارسي ، فهو المنطقة الاغنى بالنفط والغاز في العالم ودون منازع، حيث يتراوح المخزون المؤكد وشبه المؤكد بين 70 مليار و 800 مليار برميل ، بالاضافة الى مخزون الغاز الذي يقدر بنحو 4000 ترليون قدم3 . وتضم هذه المنطقة دولاً غنية جداً بالنفط هي ايران والعراق والعربية السعودية والكويت والامارات العربية ، ودولاً ذات كميات متواضعة مثل عمان وقطر التي يوشك نفطها على النفاذ والتي يوجد لديها مخزون كبير من الغاز لم يتم استغلاله بعد، بينما يكاد لا يوجد النفط في دولة البحرين. ويقدر عمر النفط والغاز في هذه المنطقة بنحو 100 عام تقريباً ، اذا ما حوفظ على مستويات الانتاج الحالية . وقد تم استخراج النفط ، وانما بكميات متواضعة ، في عدد من الدول العربية الواقعة الى الغرب من الخليج ، كاليمن وسورية وفلسطين حيث تقول المصادر الاسرائيلية ان هناك نحو 400 بئر تم حفرها وتسد قدراً ضئيلاً من احتياجات اسرائيل الداخلية .
وتشكل اوروبا اكثر المناطق فقراً في العالم بالنسبة للنفط والغاز . ففي غرب اوروبا تكاد تكون النرويج ، ثم بريطانيا منذ اكتشاف نفط بحر الشمال قبل نحو 25 عاماً ، هما الدولتان الوحيدتان اللتان لديهما ما يكفي حالياً لاكتفائهما الذاتي ، بينما تصدر النرويج جزءا من نفطها . غير ان مخزونهما المؤكد ضئيل والاحتياطي شبه المؤكد لبحر الشمال لا يتجاوز 50 مليار برميل . وهناك مخزونات مؤكدة من الغاز في بريطانيا والنرويج وهولندة ، غير انها تظل هامشية اذا ما قورنت بمناطق اخرى .
اما افريقيا ، فيتوفر النفط في الشمال العربي من القارة ، وفي الوسط في نيجيريا ، وكذلك انغولا . ففي الشمال العربي ، يقدر المخزون النفطي في ليبيا بنحو 23 مليار برميل ، ولا يزيد مخزونها المؤكد من الغاز على نحو 130 ترليون قدم3 . وكذلك الجزائر التي يقدر مخزونها من النفط والغاز اقل من مخزون ليبيا . وهناك كميات قليلة في تونس ومصر والسودان ، وهي مخزونات مهددة بالنفاذ في فترة اقصاها عقدين باستثناء ليبيا التي قد يطول عمر نفطها الى نحو 50 عاما . اما نيجيريا فان مخزونها النفطي يكاد ينفذ ، ولديها مخزون من الغاز يقدر بنحو 350 ترليون قدم3 .
وتعتبر كتلتا امريكا الشمالية وامريكا الجنوبية غنيتان نسبياً بالنفط والغاز . ففي امريكا الشمالية ، هناك نفط وفير نسبياً في الولايات المتحدة وكندا والاسكا والمكسيك . غير ان المخزون النفطي المعلن بأنه مؤكد للولايات المتحدة لا يتجاوز 23 مليار برميل ، كما ان مخزونها المؤكد من الغاز لا يتجاوز 162 ترليون قدم3 . واذا ما كانت هذه التقديرات صحيحة ، فهذا يعني ان نفط الولايات المتحدة سينفذ خلال عشر سنوات . وهناك اعتقاد بان الولايات المتحدة لا تكشف الارقام الحقيقية لمخزوناتها المؤكدة والمحتملة وبانها تحتفظ بما لديها من مخزون كأحتياطي استراتيجي بعيد المدى ، حيث يشار الى ان انتاجها للنفط قد انخفض خلال العقد الاخير نحو 25% ، وانها اخذت تتجه اكثر فاكثر نحو استخدام الغاز ، في الوقت الذي تشير فيه الارقام المعلنة عن مخزون الغاز الى انه مخزون متواضع .
كذلك هناك نفط في كندا ، حيث لا يزيد المخزون المؤكد على 5 مليارات برميل ،
و 70 ترليون قدم3 من الغاز . ويقدر بان هذا المخزون سينفذ خلال تسعة اعوام . اما
الاسكا ، فلا تتجاوز التقديرات لمخزونها النفطي المؤكد 15 مليار برميل والاحتياطي المحتمل نحو 40 مليار .
وتحتوي المكسيك التي تنتمي لكتلة امريكا الوسطى على اكبر مخزون نفطي في القارة الامريكية ، حيث يقدر المخزون المؤكد بنحو 20-40 مليار برميل ، والمحتمل 37 مليار، بينما يعتقد ان لديها مخزوناً كامنا طويل الامد يقدر بنحو 120 -150 مليار برميل ، واذا ما صحت هذه التقديرات فان هذا يضعها في المرتبة الثالثة بعد الخليج وقزوين على المدى البعيد. وهناك اعتقاد بان المكسيك لا تنشر ارقام مخزونها الحقيقي حيث يعتقد البعض بان الاقام المذكورة اعلاه مبالغ فيها ، بينما يرى البعض عكس ذلك .
وتشكل كتلة امريكا اللاتينية احدى المناطق الغنية نسبياً بالنفط حيث يقدر ما لديها بنحو 12% من الاحتياطي المؤكد في العالم . وتعتبر فنزويلا اغنى بلدان امريكا اللاتينية في هذا المجال، حيث ارتفع حجم مخزونها المؤكد بين عامي 1970 و 1994 من 14 مليار الى 65 مليار برميل . كما ان لديها كمية محققة عالية نسبياً من الغاز قدرت عام 1996 بنحو 406 ترليون قدم3. وهي عضو في الاوبك منذ تأسيسها في عام 1960 . وهناك كميات قليلة من النفط وكميات اكبر من الغاز في البرازيل ولكنها تستورد نحو ثلث احتياجاتها ، وكذلك في كولومبيا والاكوادور. كما يشار الى استخراج الغاز في بوليفيا والبيرو .
وبشكل عام ، فان المخزون النفطي العالمي المؤكد كان يقدر في عام 1970 بنحو 546 ملياربرميل بينما قدر الاحتياطي غير المؤكد بنحو 900 مليار . وفي عام 1994 قدر المخزون المؤكد بنحو 817 مليار بينما وصلت تقديرات عام 1996 للمخزون المؤكد الى نحو 965 مليار برميل ، بل ان هناك بعض الاوساط التي تقدر الاحتياطيبعيد الامد للنفط في العالم بأكثر من ثلاثة ترليونات برميل. والجدير بالذكر ان تقديرات عام 1970 لم تكن تشمل مخزونات الاتحاد السوفياتي، في حين شملت التقديرات اللاحقة كلا من روسيا ودول القوقاز وقزوين .
ويدل الاستعراض السابق ان هناك العديد من الدول في مختلف انحاء العالم قد اتجهت وبخاصة منذ ارتفاع اسعار النفط بعد حرب تشرين 1973 للبحث عن النفط في اراضيها ، غير ان النفط سينفذ في العديد من دول العالم خلال عقد او عقدين قادمين، ما لم تتم عمليات تنقيب واستخراج جديدة بالغة التكاليف ، وهي عمليات لا يمكن القيام بها على المدى المنظور الا من قبل الشركات الغربية التي تملك التكنولوجيا والمال .
كذلك يتضح ان الحاجة للنفط والغاز تتزايد باستمرار ، وبخاصة في الدول التي تعتمد برامج تنمية حديثة شاملة . وفي ضوء ان كتلة غرب آسيا الممتدة من جنوب روسيا الى جنوب الخليج العربي - الفارسي ، عبر دول القوقاز وبحر قزوين ، هي المستودع الاكبر للعالم بالنسبة للنفط والغاز ، فمن المتوقع ان يكون التنافس الدولي على هذه المنطقة ضارياً ، وذلك في ضوء ان دول هذه المنطقة هي دول متخلفة غير قادرة على التحكم بمصير ثرواتها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق