الثلاثاء، 25 فبراير 2014

تعريف المركب الوصفي الإعجاز البلاغي



تعريف المركب الوصفي :" الإعجاز البلاغي "
 قال الإمام الخطابي([1]) بعد أن ذكر وجوهاً للإعجاز وأبان عن موقفه منها بين الإبطال والتضعيف بيَّن أن وجه الإعجاز الذي يرتضيه هو الإعجاز البلاغي قال: ...... ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجتمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء معه:
أ- إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام ،
ب - وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة ا هـ. ([2])
 قلت:إذن– الإعجاز البلاغي هو وضع كل حرف وكل كلمة في موضعها لإفادة المعنى المراد الذي أراده الله تعالى، ولا يمكن أن يؤدي هذا المعنى بغير ذلك، لأن القرآن الكريم كلام الله تبارك وتعالى، ومن ذا الذي يستطيع أن يتعمق في النفس البشرية فيعلم خفاياها وما يصلحها حتى يضع اللفظ في موضعه الذي يؤدي المعنى المراد غير الله سبحانه وتعالى؟. وهذا الأمر واضح جلي في كتاب الله U. وسأذكر مثالاً واحداً لكل نوع من الألفاظ مبرزاً الإعجاز البلاغي في وضع الحرف والكلمة في موضعها.
 الأول:الإعجاز البلاغي في وضع الحرف في موضعه.
1-   في قوله U:} وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ { [هود/58]
2-      وقوله I:  }وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ {  [هود/94]
3-      وقوله I: } فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ { [هود/66]
4-       وقوله U:} فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُود ٍ{  [هود/82]
فهذه أربع آيات وردت في قصص الأنبياء في سورة "هود"u ، وتجد الحق جل وعلا ابتدأ آيتين منهما بالواو في قصتي :( هود ، شعيب - عليهما السلام ) ، وابتدأ الآيتين الأخريين بالفاء في قصتي( صالح ، ولوط عليهما السلام) ، فما سر هذا التغاير ؟ وهل يمكن وضع الواو في موضع الفاء أو العكس ؟
أقول وبالله التوفيق:
لو تأملت لأدركت سر الإعجاز البلاغي في ذلك ، فالفاء تفيد الترتيب والتعقيب والسرعة،ولما كان الوعيد بالعذاب في قصتي( صالح ، لوط) عليهما السلام محدداً بميقات معلوم ووقَعَ العذابُ عقيب الوعيد في الميعاد المحدد كان العطف بالفاء في هاتين القصتين؛ لإفادة التعقيب ووقوع العذاب في الموعد المحدد دون تأخير،ففي قصة صالح قال الله}Uفَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ{  [هود/65]  ، وفي قصة لوط قال الله U:}إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ{ [هود/81].
 أما في قصة شعيب وهود " فقد كان الوعيد غير محدد،بل كان وعدا مفتوحا،وكان بين الوعد ووقوع العذاب زمن ، فكان العطف بالواو التي تفيد مطلق الجمع.
قال U في قصة هود : }  فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ { [هود/57]
وقال تعالى في قصة شعيب :} وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ { [هود/93] ؛    فتجد الوعد ههنا غير محدد بميقان محدد فكان العطف بعدها بالواو،وليس بالفاء، وهذا سر من أسرار التعبير القرءاني المعجز الذي يضع الحرف في موضعه دليلا على أنه كلام الله-U-. والله أعلم.
وجه الإعجاز البلاغي في ذلك
مما تقدم تبين لنا أن الحق جل وعلا وضع كل حرف في موضعه لتأدية المعني المراد بحيث لو وضعنا الواو موضع الفاء أو العكس لكان هناك خلل في المعنى المراد،أو عدم تناسب مع السياق، وبالتالي لن يؤدي المعني المقصود، وفي هذا دليل علي أنه كلام الله "I" المعجز حيث تجد كل حرف في موضعه ليؤدي المعنى المقصود المناسب للسياق وهذا لا يقدر عليه إلا الله (عز وجل). والله أعلم. ([3])  


([1])هو:حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الإمام أبو سليمان الخطابي البستي كان فقيها أدبيا محدثا ولد في رجب سنة تسع عشرة وثلاثمائة وتوفي ببلده بُست سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وقيل سنة ست وثمانين والأول أصح.انظر:طبقات الشافعية الكبرى ج3:ص28،معجم الأدباء ج3:ص251، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان
ج2:ص 214.
([2])انظر: بيان إعجاز القرآن ( ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ) للخطابي ت (388 هـ) ص 29 .
([3])ينظر في ذلك : البرهان في متشابه القرآن  للكرماني 236 ، 237 ، درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الاسكافي 234 ، 235 .بتصرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق