الأحد، 23 فبراير 2014

ابن سينا مدرسته ارائه التربوية




الفيلسوف
ابن سيناء
ملامح المدرسة التي ينتمي إليها
الاسلامية
مكن التعرف على فلسفة التربية الإسلامية وهى كما يلي:
1.    مفهوم الفلسفة الإسلامية ومجالها( نظرة تاريخية).
2.    العلاقة بين الفلسفة والدين والتوفيق بينهما.
3.    منطلقات فلسفة التربية الإسلامية عند ابن سينا.
4.    التطبيقات التربوية لفلسفة ابن سينا.

أولاً: مفهوم الفلسفة الإسلامية ومجالها( نظرة تاريخية) :
       دخلت الفلسفة ديار الإسلام وأصبحت دائرة من دوائر الثقافة منذ القرن الثالث الهجري، وأصبحت تطلق على مجموعة الفلاسفة الذين تخصصوا في دراستها، أو في نقلها أو ترجمتها من السريانية إلى العربية، و للتعرف على مفهومها يمكن العرض لرأى فلاسفة الإسلام أنفسهم ومنهم الكندي حيث عرفها بأنها " أعلى الصناعات الإنسانية منزلة، وأشرفها مرتبة التي حدها علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان"، كما عرفها الفارابي بأنها "هي العلم الذي يعطي الموجودات معقولية ببراهين يقينية"، وأن أشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة: الفلسفة الأولى "علم الحق الأول الذي هو علة كل حق" أما ابن سينا فقد عرفها على أنها " استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة الإنسانية"،واضح أن الفلسفة في عرف هؤلاء الفلاسفة علم سلوكي، وليست بحثاً لذات البحث، كما يلاحظ أيضاً قصر موضوعها على معرفة الخالق، وأنه واحد وأنه متفرد وأنه العلة الفاعلة لجميع الأشياء، وهذا بلا شك أضعف من شأنها، لأن علم الربوبية قد تكفل الوحي الإلهي بشرحه وتوضيحه .
        وقد كان للفلسفة الإسلامية منذ ظهورها في العالم الإسلامي دوراً هاماً في تنظيم المعارف الإسلامية، وترسيخ مناهج البحث في العلوم العربية والدينية، بالإضافة إلى معالجة قضايا الإنسان الكبرى في علاقاته مع الله ومع العالم، وأخيراً في تزويد العقل الإسلامي بقدرة هائلة على النقد والتخيل والمناظرة.
      هذا وقد اتسعت مجالات الفلسفة الإسلامية لتشمل: الفلسفة التقليدية ذات الاستلهام اليوناني (الطبيعيات– الرياضيات – الإلهيات)، وعلم الكلام وعلم مقالات الفرق، والتصوف والأخلاق، والتجارب الذاتية، والتأملات، وأصول الفقه خاصة فيما يتعلق بمباحث الدلالة والقياس، وفلسفة التاريخ،والمنطق وشروحه، ومناهج البحث النظرية في مختلف العلوم، وآداب الجدل والمناظرة، ومن الواضح أن هذه المجالات تغطي مساحة واسعة جداً من النشاط الفكري لدى المسلمين، حيث قدم الفكر الإسلامي إجابات مقنعة على كثير من الأسئلة التي طرحت على العقل الإسلامي.[1]

ارائه الــتربـــوية:
رابعاً: التطبيقات التربوية لفلسفة ابن سينا.
لقد قدم ابن سينا بعض الآراء التي تشكل في مجملها نظرية تربوية شبه متكاملة، تمثلت في بعض النصائح التي تفيد إذا ما طبقها القائمون على أمر التعليم، نظراً لما كان يتمتع به هذا الرجل من نظرة ثاقبة وعلم بطبيعة النفس البشرية وفيما يلي توضيح ذلك:
مفهوم التربية:
       لم يذكر ابن سينا تعريفاً صريحاً للتربية، ولكنه أشار في معرض حديثه عن الأخلاق(في رسالة العهد)، إلى أن الإنسان يستطيع أن يحمل لنفسه خلقاً فاضلاً، أو ينقل نفسه من الخلق السيئ إلى الخلق الحسن، عن طريق تعويد نفسه إياه، يقول: "ويمكن للإنسان متى لم يكن له خلق حاصل أن يحصله لنفسه، ومتى صادفها أيضاً على خلق حاصل أن ينتقل بإرادة عن ذلك الخلق، والذي يحصل به الإنسان لنفسه الخلق ويكسبها متى لم يكن له، أو ينقل نفسه عن خلق صادفها عليه هو العادة، وأعني بالعادة تكرير فعل الشيء الواحد مراراً كثيرة زماناً طويلاً في أوقات متقاربة، فإن الخلق الجميل إنما يحصل مع العادة" وهذا التغيير الخلقي- بلا شك- عمل تربوي ، حيث إن تغيير الطبيعة الإنسانية من الأسوأ إلى الأفضل عن طريق التمرين والتدريب هو هدفالتربية أو كل التربية، ويتفق كلام ابن سينا هذا مع تعريف (وليم جيمس ) للتربية بأنها "تنظيم العادات والنزعات التي ترمي إلى السلوك الحسن" .
أهداف التربية:
        لقد دعا الشيخ الرئيس إلى تعليم وتربية لكل فرد وصناعة، يستطيع الكسب منها، وهذا يتلاءم مع تعاليم الشرع الإسلامي، الذي كان يستوحي آراءه ونظرياته الفلسفية منه، في المجالين النظري والعملي " يقول يجب أن يكون للعلم والتعليم غاية قريبة ومتصلة بحياة الإنسان وبحاجاته الدنيوية، إلى جانب الأهداف والغايات القصوى للتربية الدينية والخلقية" وهكذا وضح ابن سيناأهداف التربية في الجانب الخلقي: التربية الخلقية المبكرة والموجهة دينياً، غاية ومنطلق في آن واحد، وفي الجانب الاجتماعي: توجيه الفرد الاتجاه المناسب لإمكانياته، وتأمين العمل المناسب له، كي لا يكون هناك متعطلاً، وليكن منتجاً ومفيداً لنفسه ومجتمعه، كما وضح المنفعة من وراء كسب العيش وهى شعور الفرد بحلاوة الصناعة وجدواها، وما فيها من خير له وللجماعة، كما أن انصراف الفرد للعمل يصرفه عن الكسل والركون والاعتماد على الغير، وهذه النظرة قريبة إلى حد ما بالنظرة البرجماتية النفعية.
التربية الخلقية:
       أجمع علماء التربية في القرن العشرين على أن الغرض الخلقي الذي يجب أن يرمي إليه المربي هو الغرض الأسمى منالتربية، وغرض التربية الخلقية تكوين رجال كريمي الأخلاق أقوياء العزيمة، مهذبين في أقوالهم وأفعالهم، نبلاء في تصرفاتهم وأخلاقهم، وكما يذكر دائما إننا لسنا في حاجة إلى العلم فحسب بقدر حاجتنا إلى الأخلاق الفاضلة، من الاعتماد على النفس، والمثابرة على العمل، ومراعاة العدالة في كل أمر، والتمرن على البر والتقوى، والصدق في القول، والوفاء بالعهد وأداء الواجب، ومساعدة الضعيف،والتعود على هذه الأخلاق أفضل من حشو ذهن الطفل بمعلومات نظرية ربما لا يحتاج إليها في حياته العملية.
        وكما أن الوقاية خير من العلاج في عالم الطب، يرى الشيخ الرئيس أن المحافظة على الأخلاق خير من إصلاحها في عالم الأخلاق، يقول " يجب أن يكون الصبي في مكتبه مع صبية حسنة آدابهم، مرضية عاداتهم؛ لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه أخذ، وبه أنس.." فابن سينا يرى أثر القدوة الحسنة، والبيئة الطيبة، والعادات المرضية وأثر التقليد في تربية الطفل تربية خلقية؛ لأن الطفل يحاكي اقرأنه في أقوالهم وأفعالهم وسلوكهم؛ لأن نزعة المحاكاة نزعة فطرية في الطفل، يقلد غيره من تلقاء نفسه، فبالقدوة الحسنة يمكننا أن نبث في الأبناء والبنات أحسن العادات ونغرس في نفوسهم الفضيلة وننفرهم من الرزيلة، ونعودهم الصيام والصلاة من الصغر وكذا النظافة والنظام.
      لقد أظهر ابن سينا فهماً كبيراً للأسس السيكولوجية للتربية الخلقية، من خلال الاهتمام بالوسائل الدافعة كالقدوة الحسنة والبيئة الصالحة، والوسائل المانعة كالعقاب والاتعاظ بالغير،إذ يستخدم الميل الفطري في الطفل إلى الاجتماع مع غيره من الأطفال أداة فعالة من أدوات التربية الخلقية ولكنه لا يطلق العنان للطفل للاختلاط بأي نوع من الأطفال، بل يشترط أن يكون اجتماعه بأطفال طيبين، إذ يرى فيهم ما يثير حماسته فيندفع إلى اللحاق بهم ليبلغ شأوهم في الفهم والتحصيل والنجاح. 
     كما يرى ابن سينا أن محادثة الطفل (إيجابية الطفل في الفصل) تفيد تربيته تربية أخلاقية، إذ تجعل الطفل يعبر عما يجيش بخاطره، ويفهم ما يقال ويختلف ويتفق مع آراء الآخرين وفي كل ذلك تهذيب لأخلاقهم يقول "والمحادثة تفيد انشراح العقل، وتحل منعقد الفهم؛ لأن كل واحد من أولئك إنما يتحدث بأعذب ما رأى، وأغرب ما سمع، فتكون غرابة الحديث سبباً للتعجب منه وداعياً إلى التحدث، ثم إنهم يترافعون ويتعارضون ويتقارضون الحقوق، وكل ذلك من أسباب المباراة والمباهاة والمحاكاة، وفي ذلك تهذيب لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم".
المعلم عند ابن سينا:
     لقد عني فلاسفة الإسلام بالكتابة عن العالم والمتعلم، أو المعلم والتلميذ، وما لهما من حقوق، وما عليهما من واجبات، وكتبوا كثيراً عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل منهما، فقد كتب النمري والقرطبي في كتابهما (جامع العلم وفضله) عن آداب العالم والمتعلم، وكذلك كتب الغزالي في كتابيه (فاتحة العلوم، وإحياء علوم الدين)، وقد حظي المعلم بالتقديس والتبجيل، وجعله في منزلة تلي منزلة الأنبياء .
ويرى ابن سينا أن المعلم لكي يؤدي رسالته هذه يجب أن تتوفر فيه بعض الصفات منها:
o       "أن يكون بصيراً برياضة الأخلاق حاذقاً بتخريج الصبيان، وبقدر ما يحوز من هاتين الصفتين يكون أقرب إلى النجاح وأكثر تحقيقاً للغايات"، ويتطلب منه ذلك أن يكون على معرفة بالطباع وميول النفس وأطوارها وما فيها من خير أو شر فلا يلتبس عليه ما يفيدها وما يؤذيها.
o        وأن يكون قدوة يحتذي بها وعلى طبيعته دون رياء ولا تصنع، يقول في ذلك " ينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقلاً، ذا دين بصيراً برياضة الأخلاق حاذقاً بتخريج الصبيان، وقوراً ورزيناً غير كز ولا جامد، حلواً لبيباً ذا مروءة ونزاهة" كان يدرك أن هناك صفات يجب أن تتوفر في المعلم لأن فاقد الشيء لا يعطيه، إذ كيف يمكن أن يتعلم الطفل الأمانة ممن لا أمانة له، والصدق ممن ليس بصادق، والمروءة ممن لا نزاهة ولا مروءة عند؟
o   أن يعد الصبية للحياة الاجتماعية وترويضهم على العادات والتقاليد التي سوف يمارسوها، والتهيئة والإعداد لهذه الحياة ونقل أفضل ما في المجتمع وما هو مرغوب فيه إلى الصبيان وإظهار ما هو مذموم وقبيح عند العامة ليبتعد الصبي عنه ويأباه، يقول" يجب أن يكون المؤدب قد خدم سراة الناس، وعرف ما يتباهون به من أخلاق الملوك،ويتعايرون به من أخلاق السفلة، وعرف آداب المجالسة والمؤاكلة والمحادثة.."
مراعاة الفروق الفردية:
     توصلت الدراسات الحديثة إلى إن لكل تخصص قدرات ومهارات معينة حتى يستطيع الفرد أداء مهامه المنوطة به، فهناك تخصص يحتاج إلى طاقة جسدية معينة، ومقدرة فكرية خاصة ومستوى ذكاء محدد، والأفراد غير متساوين في مقدراتهم الجسدية والفكرية ومستوى ذكائهم، بالإضافة إلى تكوينهم السيكولوجي والعاطفي، فهذا سريع التعلم وذاك بطئيه هذا هادئ الطباع وذاك عصبي المزاج ….الأمزجة مختلفة والفوارق متعددة منها ما هو موروث ومنها ما هو مكتسب .
        نجد أن الشيخ الرئيس قد سبق عصره بمئات السنين، حيث رأى أن هناك تفاوتاً في القدرات الذهنية والجسدية بين البشر، ولا يدري كنهها إلا الله تعالى يقول" ولهذه الاختيارات والمشاكلات والمناسبات أسباب غامضة وعلل خفية تدق على أفهام البشر، وتلطف على القياس والنظر، لا يعلمها إلا الله جل ذكره" وبالرغم من جهل ابن سينا بالأسباب الكامنة وراء هذه الميول وما ينتج عنها من التفاوت والفوارق، فهو يطلب أخذها بعين الاعتبار على أنها حقيقة قائمة، ولا يمكن التغاضي عنها خاصة في مجال التربيةوالتعليم وهذا ما أشار إليه الإمام الغزالي بقوله" كما أن الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم، كذلك المربي لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة أهلكهم وأمات قلوبهم، وإنما ينبغي أن ينظر في مرض المريد وفي حاله وسنه وما تحتاجه نفسه من الرياضة."
التربية الجسدية:
       خصص ابن سينا في كتاب "القانون" صفحات كثيرة للتربية الجسدية، إذ يراها ضرورة وليست خاصة بعمر دون عمر، ولا بمرحلة دون مرحلة لذلك يجعلها متلائمة ومتناسبة مع كل طور من أطوار الحياة، ويرجع عمق نظرة ابن سينا إلى علمه بطبيعة الجسم البشري ومتطلباته كطبيب، بالإضافة إلى ما تمنحه الرياضة إلى الجسم من قوة ومناعة، هذا فضلاً عما تغرسه الرياضة في النفس من الشجاعة والمروءة والثقة بالنفس والاعتماد على الذات، حيث رأى أن هناك تفاعلاً متبادلاً بين الجسم والعقل وكلاهما يؤثر في الآخر.
كذلك أعطى ابن سينا إلى الفروسية دوراً تربوياً هاماً مؤثراً على أخلاق المرء وجسده على السواء، وان اقتصرت الفروسية على طبقة معينة من الأشراف، إذ يتربى هؤلاء على حب الرياضة والفروسية للتحلي بخلقها والأخذ بمبادئها .
      لقد أعطى ابن سينا للجسد حقه من العناية والتربية، ليؤهله للمقاومة في الحياة العملية المستقبلية، وكانت الفروسية عنده من الصناعات الشريفة التي تتطلب جهداً جسدياً وهى من حيز الشجاعة وصناعة الفرسان والأساورة، ويمكن تعلمها لكل من يرومها ويكون مهيأ لها من الصبيان .
الثواب والعقاب:
        يعد الثواب والعقاب من الأمور الهامة التي شغلت الفلاسفة والمربين، لما يترتب عليهما من آثار سلبية أو ايجابية على سلوك الطفل، والمتتبع لآراء ابن سينا يجد أنه قد اهتم اهتماماً بالغاً بهذا الموضوع، حيث كان يؤمن بأن ليس هناك نفوساً شريرة أو فاضلة بطبعها، وإنما يكون هذا بالعادة والاكتساب، فلابد من اختيار طرق تربوية تجعل الطفل يميل ويقبل على الحسن من الخلق، ويرتفع ويمتنع عن الرزيل منها، ولا شك أن الثواب هو الأداة الصالحة فيالتربية الخلقية، يقول" أنه من الضروري البدء بتهذيب الطفل، وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام، قبل أن ترسخ فيه العادات المذمومة التي يصعب إزالتها، إذا ما تمكنت في نفس الطفل، أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب، فإنه ينبغي مراعاة الحيطة والحذر، فلا يؤخذ الوليد أولا بالعنف، وإنما بالتلطف ثم تمزج الرغبة بالرهبة، وتارة تستخدم العبوس أو ما يستدعيه التأنيب، وتارة يكون المديح والتشجيع أجدى من التأنيب، وذلك وفق كل حالة خاصة ولكن إذا أصبح من الضروري الالتجاء إلى الضرب، ينبغي ألا يتردد المربي أن تكون الضربات الأولى موجعة، فإن الصبي يعد الضربات كلها هينة، وينظر إلى العقاب نظرة استخفاف، ولكن الالتجاء إلى الضرب لا يكون إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل".
       لقد أدرك الشيخ الرئيس أن الكمال لله وحده وأن الطفل لا يعي ماذا يفعل ومتى وأين؟ وغير قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر؟، ويتلخص أسلوب ابن سينا في الخطوات التالية:
الخطوة الوقائية: تأديب الطفل وترويضه قبل أن تهجم عليه وتفاجئه الأخلاق الخبيثة والشيم الذميمة، ويكون هذا بإبعاده عنها وتجنيبه إياها، ليكفي نفسه شر مساوئها، ويختصر على نفسه وعلى مؤدبه طول الطريق ومخاطره، هذا من باب الوقاية خير من العلاج، يقول محذراً من أن تهجم على الطفل الأخلاق الخبيثة ويصعب منها الخلاص بعد ذلك "فما تمكن منه من ذلك غلب عليه فلم يستطع له مفارقة ولا عنه نزوعاً فينبغي لمؤدب الصبي أن يجنبه مقابح الأخلاق " .
الخطوة الثانية: مراعاة طبيعة المتعلم من ناحية والعمل الذي أقدم عليه من ناحية أخرى يقول: "بالترهيب والترغيب، بالإقبال والإعراض وبالتوبيخ" بكلمات بسيطة ولكن ذات مدلول عميق ثواباً كانت أو عقاباً، أي عندما يقدم الصبي على منكر أو مكروه فهناك عقاب ينتظره ليكون رادعاً له عن تصرفاته الممنوعة، ويكون متدرجاً متناسباً مع ما يصدر عنه وما يقدم عليه من أعمال، من الإعراض إلى الترهيب إلى التوبيخ، عقوبات تنم عن العطف واللطف والمحبة، لأن المقصود هو التقويم وليس الانتقام، والتقويم من شروطه العطف والمحبة لكي يكون هناك تجاوباً من الصبي، وإلا فقد قيمته التربوية وأضر بالصبي ولم تتحقق الغاية منه.
نلاحظ ضرورة التدرج والتناسب للثواب والعقاب مع المخالفة والمخالف معا، لتتحقق الغاية التربوية منهما، إذ أحيانا يكتفي بالترهيب على ذنب معين من شخص معين، وأحياناً أخرى يحتاج إلى التوبيخ أو الضرب على الذنب ذاته لشخص آخر.
الخطوة الثالثة:العقوبة المادية أو الجسدية، إذا لم يجد الترغيب ولا الترهيب مع الصبي لزم لذلك عقاباً أشد يتمثل في الضرب باليد يقول ابن سينا " فإذا احتاج إلى الاستعانة باليد لم يحجم عنه" عقوبة مادية تدل على الرفق بلا قسوة ولا انتقام وتستعمل عندالحاجة دون إفراط ولا تفريط، إذ كان يدرك ما للعقوبة البدنية من أثر سلبي بما تتركه في النفس من جرح وألم ، والمتأمل لرأي ابنسينا يجد أنه قد سبق فلاسفة التربية الحديثة في القرن العشرين بآرائه الثمينة بمئات السنين فقد سبق" روس، وفرويل، وبستالوتزي، وديوي، وأدلر " في المناداة بالعناية بتربية الطفل وتهذيبه منذ السنوات الأولى من طفولته.
طرق التدريس:
       يرى الشيخ الرئيس أن طريقة التلقين خاصة في مرحلة الطفولة من الطرق المجدية في تعلم القرءان ومبادئ القراءة، ومعالم الدين، والشعر يقول: " ينبغي البدء بتعلم القرءان، بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسمياً وعقلياً، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء، ويلقن معالم الدين، ثم يروي الصبي الشعر مبتدئا بالرجز ثم القصيدة، لأن رواية الرجز وحفظه أيسر ووزنه أخف، على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل الأدب، ومدح العلم وذم الجهل، والحث على بر الوالدين واصطناع المعروف، فإذا فرغ الصبي من حفظ القرءان وألم بأصول اللغة نظر عند ذلك في توجيهه إلى ما يلاءم طبيعته واستعداده" .
       ومعنى هذا أن يلقن الطفل القرءان في البداية طلباً للبركة، وحتى يتسع عقله، وطريقة التلقين كانت متبعة في الكتاتيب، إذ يردد الطفل الصور الصغيرة خلف العريف أو الشيخ حتى يتقنها، ثم تحكى له قصص الأنبياء والصالحين، ويروى له من الشعر الرجز(الأبيات القصيرة) التي تحث على الفضائل وطلب العلم، ثم يتدرج في تعلم القصيدة، نلاحظ مبدأ مهم للغاية نادي به ابن سينامنذ مئات السنين وهو التدرج من السهل إلى الصعب ثم إلى الأصعب، حتى لا ينفر الطفل من العلم،وهذا ما ينادى به الآن فلاسفة القرن العشرين.
         ثم يقول الشيخ الرئيس: " إذا فرغ الصبي من تعليم القرءان وحفظ أصول اللغة نظر عند ذلك إلى ما يراد أن تكون صناعته فيوجه إلى طريقه، فإن أراد الكتابة أضاف إلى دراسة اللغة دراسة الرسائل والخطب، ومناقلات الناس، ومحاوراتهم وما أشبه، وطروح الحساب ودخل الديوان، وعنى بخطه وإن أريد أخرى أخذ به فيه"
       يريد ابن سينا من ذلك أولا تثقيف جميع الأطفال بثقافة واحدة (تعليم عام للجميع أولا) يتمثل في تعلم القرءان وأصول اللغة من نحو وصرف وإملاء وخط والتعبير الشفوي والكتابي، كي يستطيع أن يقرأ ويتكلم بطريقة صحيحة، فإذا وصل إلى هذا الحد نظر في أمر المتعلم وميوله ورغباته التي يميل إليها، فإذا كانت ميوله عملية وجه إلى الصناعة التي يريدها، وإذا كانت ميوله أدبية يسرت له الوسائل ليكون أدبياً، يقوم بدراسة الشعر والأدب والنثر والخطب والبلاغة….وإن كانت ميوله علمية كالطب والصيدلة والرياضة أعطى الفرصة لتكملة تعلم ما يريد.
       ويقصد ابن سينا من تلك النصيحة الغالية، أن يفكر المربون والآباء في إلحاق الطالب بما يناسب طبعه ويلاءم قدراته ويميل إليه؛ كي ينبغ في دراسته، ويوضع الشاب المناسب في المكان المناسب.
       ويرى(الإبراشي) أنه لكي نصل إلى كثير من النابهين والنبغاء والعباقرة يجب أن نربي كل شاب تربية تتفق ومزاجه ومواهبه، فتؤسس المعاهد والكليات على مبدأ الحرية الشخصية، وتفتح أبوابها لمن شاء من الراغبين فيها ما دامت دراستهم تؤهلهم لها، حتى يكون الاختيار مبنياً على ميل حقيقي ورغبة طبيعية وتمنح الشباب الفرصة للاستفادة بمواهبهم واستعداداتهم الفطرية في مجال دراستهم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق