الجمعة، 21 فبراير 2014

المنافع المعنوية في القرض



: المنافع المعنوية الغير مشروطة في القرض :
أ ـ شكر المقترض للمقرض ودعاؤه له علناً أو سراً
هذه المنفعة التي تحصل للمقرض جائزة ، بل يندب إليها في حق المقترض ؛ لأنه من باب مقابلة المعروف بالمعروف ، ومن باب مقابلة الإحسان بالإحسان ، فيشكره المقترض ويدعو له ، ودلالة ذلك القول هو ما يلي :–
·        عن عبد الله بن ربيعة t قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : [مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ]([1]).
·        ما رواه الإمام النسائي عن عبد الله بن ربيعة المخزومي ؛ أن النبيr اسْتلَفَ مِنْه ، حِينَ غَزَا حُنَيْنًا ، ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا . فَلَمَّا قَدِمَ قَضَاهَا إِيَّاهُ . ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ r : [بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ . إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْوَفَاءُ وَالْحَمْدُ] ([2]).
ب ـ انتفاع المقرض بضمان ماله عند المقترض وحفظه حتى يسدده
     هذه منفعة أصلية في القرض لا إضافية ، وهي من مقتضى عقد القرض وطبيعته لا تنفك عنه ، فهي جائزة باتفاق العلماء ؛ لأنه لا يمكن القول بمنعها وجواز القرض ، وإلى هذا المعنى أشار ابن حزم حين قال: ( أنه ليس في العالم سلف إلا وهو يجر منفعة وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله ، فيكون مضمونا تلف أو لم يتلف ) ([3]).
   ج ـ  انتفاع المقرض بشفاعة المقترض وجاهه
      فإذا أقرض الشخص لا لابتغاء الأجر والثواب والإرفاق بالمقترض ، وإنما لتكون له يد عليه بحيث ينتفع من جاهه ومنصبه ، أو من جاه ومنصب أقاربه ، بشفاعة أو تيسر أمر من حاجات الدنيا ، فإن الحكم هنا رشوة لأن القرض كان بهذا القصد ، وليس لأجل الحصول على الأجر والثواب ، والرشوة محرمة في الشرع فعلى هذا فالقرض بصيغته هذه يكون حرام .    
     وبالمقابل فإن هناك أمر آخر يجب أن نطرحه وهو أن يكون للمقرض حق لا يستطيع أخذه إلا بالقرض ، أو ظلم لا يمكن دفعه إلا به جاز للمقرض وحرم على المقترض ؛ لأن دفع الظلم أو إحقاق الحق يتم بأسلوب المعروف وباب فعل الخير ، أما إذا كان من خلال رشوة فهو محرم عليه .

1.     عدم المماطلة :
عدم المماطلة في سداد القرض ، قد حرمها الإسلام . وذلك بأن يؤخر المقترض أداء ما وجب عليه أداؤه بغير عذر ، وهذا من الظلم الذي لا يرضى به الدين ولا الشرع ، وهو من باب التسويف على المقرض صاحب القرض ، الذي قد يكون بأمس الحاجة إلى إعادة قرضه إليه بمجرد إمكانية ذلك من المُقترض .
في الكتاب : قال الله جل وعز في محكم آياته :﴿وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَتُظْلَمُونَ﴾[الآية : 279] . قال الشوكاني في تفسيره :﴿ وَلاَتُظْلَمُونَ﴾ أنتم(المُقرضين) من قبلهم (المُقترضين) بالمطل([4]) . وهذا إن دل على شيء ، فهو أن المُطل من الظلم ، والذي يدعم هذا الكلام هو ما ذكره الإمام إلكيا الهراس ، حين قال في تفسيره : (ويدل على أن الغريم متى أمتنع من أداء الدين مع الإمكان كان ظالماً ، وقوله تعالى﴿ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَتُظْلَمُونَ﴾ يدل على أن من عليه رأس المال ، بامتناعه من أداء رأس المال لصاحبه يكون ظالم ، كما أن طلب الزيادة منه على رأس المال يكون ظلم)([5]) .
في السنة : قد ورد عن الرسول r أكثر من حديث بهذا الخصوص ، حيث يحث فيه على منع وعدم جواز المماطلة وأنها من الظلم الضار بصاحب القرض .
·        عن أبي هريرة t أن رسول اللهr قال : [مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ]([6]) . قال السيوطي في شرح سنن النسائي : ((مَطْلُ الْغَنِي) أراد بالغني القادر على الأداء ، ولو كان فقيراً ، ومطله منعه أداء وتأخير القاضي ، منع قضاء ما استحق أداؤه)([7]). وقال الشيخ خطابي : (قوله [مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ] ، دلالته أنه إذا لم يكن غنياً يجد ما يقضيه لم يكن ظالماً )([8]).
وأضاف القرطبي في تفسير مطل الغني قائلاً : (فالموسر المتمكن إذا طولب بالأداء ومطل ظلم، وذلك يبيح من عرضه أن يقال فيه: فلان يمطل الناس ويحبس حقوقهم ، ويبيح للإمام تأديبه وتعزيره ، حتى يرتدع عن ذلك)([9]).
·        عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه ؛ قال : قال رسول اللهr : [لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ]([10]). فسر الشوكاني ( اللي : المطل ، الواجد : الغني ، من الوجد (بالضم) بمعنى القدرة )([11]). وقال القزويني: ومعنى(يحل عرضه) أي للدائن ، بأن يقول : ظلمني ومطلني ، (عقوبته) بالحبس والتعزير([12]).
2.     الاهتمام بوفاء القرض:
 إن الذي يُطلب من المسلم المُقترض ، أن يتعجل في إيفاء قرضه الذي بذمته تجاه المقرض ، قبل أن يفاجئه الموت أو الأجل ، وذلك لما ورد أن الميت مرهون بدَيْنه والدين يشمل كل مال ومن ضمنه( القرض) ، إلى أن يوفى عنه .
·        عن أبي هريرة t ؛ قال : قال رسول الله r [نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ]([13]).
·        عن أبي موسى الأشعري t ، عن رسول الله r أنه قال : [إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ ، أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا ، أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً]([14]).
·        عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيr قال : [مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ]([15])، وفسر الصنعاني في سبل السلام الحديث بقوله : ( التعبير بأخذ أموال الناس يشمل أخذها بالاستدانة أو أخذها لحفظها ، والمراد من إرادته في التأدية قضاؤها في الدنيا وتأدية الله عنه تشمل تيسيره تعالى لقضائها في الدنيا بأن يسوق إلى المستدين ما يقضي به دينه ، وأداؤها عنه في الآخرة بارضائه غريمه بما شاء الله تعالى )([16]).   
 القرض أفضل أم الصدقة  ؟
      في هذا المقام وبعد ما كتب على القرض في هذا الفصل ، يجب أن نطرح تساؤلاً مهماً للتوضيح ، وهو أيهما أفضل القرض أم الصدقة ؟ فكل لها مكانته وأجره الكبير وكذلك أثره في المجتمع وفائدته الجمة على التخفيف على كاهل الناس وكل له مقاييسه وأغراضه ، ولكل منهم هدفه السامي والنبيل في توفير متطلبات العيش ، والصدقة عقد تبرع  أما القرض فأوله عقد تبرع وآخره معاوضة . ولتبيين تلك الأفضلية وجب طرح ذلك السؤال والإجابة عليه هي بمثابة مفتاح للتفريق بينهم وإعطاء الأهمية النسبية لكليهما .
وتحقيق القول في هذه المسألة أن أفضلهما ما يقع في يد محتاج([17]):
o       فالصدقة للمحتاج أفضل من القرض لغير المحتاج ، والقرض للمحتاج أفضل من الصدقة لغير المحتاج .
o       أما إذا تساويا بأن وقع كل منهما في يد محتاج ، أو في يد غير محتاج ، فالصدقة أفضل ، لأن الصدقة لا بدل لها فقد خرج صاحبها عنها لله تعالى ، بخلاف القرض الذي ينتظر صاحبه رده .
وبهذا يتحقق الجمع بين الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض ، وقد وردت تلك الأحاديث في مبحث سابق من الفصل وهو مبحث مشروعية القرض .
وقد(سُئل) العلامة ابن حجر الهيتمي ، هل الأفضل القرض أم الصدقة ؟
 فأجاب بقوله :(القرض أفضل كما جزم به ابن الرفعة والنسائي وغيرهما ، لخبر درهم الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، ووجهه أن طالب القرض إنما يطلبه عن حاجة غالباً ، بخلاف طالب الصدقة ، واعترِض بخبر من أقرض درهما مرتين فله مثل أجر صدقته مرة)([18])، وترجيح الشيخ هنا القرض أفضل ، لأنه أعتبر القرض للمحتاج والصدقة لغير المحتاج
وخلاصة الكلام سواء كان القرض أفضل أم لا فهو في نهاية المطاف أداة تفسح المجال لأن يصل الإنسان إلى حاجاته وأغراضه وتيسير أموره الدنيوية ، وهو في الوقت ذاته وسيلة فعالة لتحريك نشاط السوق ، من خلال صناعة القوة الشرائية للمستفيدين منه . والله أعلم .






([1])سنن أبي داود ، كتاب الزكاة ، باب عطية من سأل بالله ، حديث رقم (1672) ج2/310.
[2])) سنن ابن ماجة ، كتاب الصدقات ، باب حسن القضاء ،  حديث رقم (2424) ، ج2/809.
([3]) المحلى ، بن حزم ، ج8/87.
([4]) فتح القدير، الشوكاني ، ج1/297.
([5]) أحكام القرآن ، إلكيا الهراس ، دار الكتب الحديثة ، القاهرة ، تحقيق : موسى محمد علي ، عزت علي عيد عطية ،  ج1 ، ص363.
([6])سنن النسائي ، كتاب البيوع ، باب الحوالة ، حديث رقم (4691)، ج7/317 ، صحيح مسلم بشرح النووي ، كتاب المساقاة ، باب تحريم مطل الغني ، ج10/472 ، تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي ، كتاب البيوع ، باب ما جاء في مطل الغني أنه ظلم ، ج4/610 ، انظر فقه السنة ، السيد سابق ، المجلد الثالث ، ص151. 
([7]) سنن النسائي وعليه شرح السيوطي ، ج7/316.
([8]) سنن أبي داؤد وعليه شرح الخطابي ، ج3/640.
[9])) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ج6/2،3.
([10]) سنن النسائي ، كتاب البيوع ، باب مطل الغني ، حديث رقم (4689)ورقم (4690) ، ج7/317،316 .
([11]) نيل الأوطار ، الشوكاني ، كتاب التفليس ، باب ملازمة الملئ وإطلاق المعسر ، ج5/ص361.
([12]) سنن بن ماجة ، القزويني ، ج2/811. ،  وقال بذلك السيوطي في سنن النسائي ، ج7/317.
([13]) سنن ابن ماجة ، كتاب الصدقات ، باب التشديد في الدين ، حديث رقم (2413) ، ج2/806.
[14])) سنن أبي داؤد ، كتاب البيوع والاجارات ، باب في التشديد في الدين ، حديث رقم(3342) ، ج3/638،637.
([15]) صحيح بخاري ، باب من أخذ أموال الناس  يُريد أداءها أو إتلافها ، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس ، حديث رقم (2387) ، ص383.
[16])) سبل السلام في شرح بلوغ المرام ، محمد بن إسماعيل الصنعاني ،  دار الفرقان ، عمان ، ج3 ، ص65.
([17]) ما لا يسع التاجر جهله ، عبد الله المصلح ، صلاح الصاوي ، ص213.
([18]) الفتاوى الكبرى الفقهية وبهامشه فتاوى الرملي ، ابن حجر الهيتمي ، دار الباز ، مكة المكرمة ، ج2 ، ص279.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق