الأحد، 23 فبراير 2014

تأثير الكآبة و أنواعها الايجابية والسلبية عند أبي القاسم الشابي



تأثير الكآبة و أنواعها عند أبي القاسم الشابي :
هذا الجزء من المبحث من الأهمية بمكان إذاما نظرنا إلى تأثير الكآبة في الإنسان , فهي تقض مضجعه و تنسف أحلامه , و توقف من يصاب بها عن الحياة و ممارستها إلى حين , و هذا نراه في جزءٍ كبير من ديوان الشابي معبراً عن التجربة المرة التي مرَّ بها الشاعر :
1-    الكآبة المنغلقة – السلبية - :
و هي تلك التي اتصف بها في كثير من قصائده , حيث اصطدم بواقعه و تأثر لمرضه , فكان يرجو الموت و يبحث عنه , و يغرق في أحلامه , بعيداً عن الثورة , و هي الجانب الذي أغفله في مرحلته هذه .
يقول أبو القاسم :
بئست الأفراح , أفراح الحياه             إنها أحلام
تخلب اللب بألحان عذاب
و أغاريد , كأملاك السما
ثم لا تلبث أن تذوي كما                  تذبل الأزهار
هنا نلحظ الألم الشديد من الحياة , و ليس أي حياة و إنما أجمل ما فيها و هو الفرح , لكنه لا يطمئن إليه , و لا ينظر بعين راضية نحوه , بل إنه يرى الحياة بكل مفاتنها أحلاماً و سراباً , سريعة الانقلاب و التبدل .
و نرى في قصيدة ( النبي المجهول ) الالتجاء إلى الطبيعة و الغاب , الحلَّ المفضلّ الذي يجد فيه سلوته بعد الصراعات التي عايشها :
أيها الشعب ليتني كنت حطاباً === فأهوي على الجذوع بفأسي
 تحولات نفسية ابتدأت بالصراخ بالثورة ضد الظلم  في خطاب حادٍ و ساخرٍ لشعبه :
ليت لي قوة العواصف يا شعبي === فألقي إليك ثورة نفسي
أنت روح غبية تكره النور === و تقضي الدهور في ليل ملسِ
أنت لا تدرك الحقائق إن طافت === حواليك دون مس و جبسِ
ثم نراه بعدما أخفق في استثارة قومه ينزوي إلى الغابة و راح يتهدد بالعزلة و الابتعاد :
إنني ذاهب إلى الغاب يا شعبي ===  لأقضي الحياة وحدي بيأسِ
إنني ذاهب إلى الغاب , علِّي ===  في صميم الغابات أدفن بؤسي
لكنه يحيا الحياة التي أرادها :
........ ثم سار إلى الغاب === ليحيا حياة شعر و قدسِ
و بعيدا .. هناك .. في معبد الغاب === الذي لا يظله أي بؤسِ
.......
يالها من معيشة في صميم الغاب === تضحي بين الطيور و تمسي
يالها من معيشة , هي في الكون === حياة غريبة ذات قدسِ[1]
و ربما ازدادت نبرة الأسى عنده و عاش في صراع نفسي أليم , حتى إننا نراه يتحدى الجميع , و يحكم مشحونا بالثقة الغامرة ؛ أن الدنيا بكل ما فيها لا تستحق أن يهتم بها الإنسان , و أنه لو تولى شيئا من شؤونها لما أبه بها , و لألقى بها في غياهب الموت :
لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي === أذريتها للريح، مثل الرمالْ
وقلتُ: «يا ريحُ، بها فاذهبي === وبدِّديها في سَحيقِ الجبالْ
"بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ === لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ..
لو كان هذا الكونُ في قبضتي === ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ
النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى === ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ[2]
يقول الأستاذ إيليا الحاوي : " هنا تجتاح الشاعر شهوة الانقراض و العدم , و تلتمع له الصورة النائية المبدعة في فجاج الموت و الكنايات .. "[3] , إن مبدأ ( العدم ) الذي ألمح إليه الأستاذ يشي بأن أبا القاسم الشابي قد مرت عليه مرحلة من الضغط النفسي و القلق الشديد , الذي جعله لا يقيم للدنيا قيمة , فعالج ذلك بالطريقة الرومانسية المكتئبة , التي تركن إلى خوض غمار العدمية كمنطلق فكري يرى أن العدم هو القدر الأكيد الذي ينتج عن تلك الصراعات الرهيبة في هذه الحياة .


2-    الكآبة الإيجابية :
تكونت في مرحلة تالية , إذ انطلق في استغلال تلك الكآبة التي جعلته يمعن النظر في الحياة و يطيل التأمل في أحوالها , لم يستطع أن يتوقف عند حد , و لم تعد الغابة ملجأً يطمئن إليه دائماً , ففي قصيدته : ( الصيحة )
يا قومُ عيني شامت === للجهل في الجو نارا
يا قوم مالي أراكم === قطنتم الجهل دارا
أضعتمُ مجد قوم === شادوا الحياة فخارا
حاكوا لكم ثوب عزٍ === خلعتموه احتقارا
ثم ارتديتم ... === لبوس خزي و عارا
يا ليت قومي أصاخوا === لما أقول جهارا
يا شعر أسمعت لكن === قومي أراهم سكارى
فلا تبال إذا ما === أعطوا ندارك ازورارا
و اصبر على ما تلاقي === و اصدع وُقيت العثارا[4]
 نتبين عقيدته الشعرية التي يلتزم بها في خطابه للشعر بعد خطبته لقومه التي حذر فيها من الجهل , و نصح جاهدا أولئك الناس بالمحافظة على المجد الذي أُورثوموه , و مع ابتعادهم عنه و ازورارهم , إلا أن شعره سيبقى مخلصاً لهم , و مستمراً في نصحهم .. !
و نرى للشاعر قصيدته التي بها يستصرخ أمته , و يحث على المواجهة و المقاومة رغم كل المصائب و الرزايا .. :
تسائلني" ما لي سكت و لم أهب === بقومي و ديجور المصائب مظلم ُ"
" وسيل الرزايا جارف,متدفع === غضوب و وجه الدهر أربد أقتمُ؟"
سكت و قد كانت قناتي غضة === تصيخ إلى همس النسيم و تحلمُ
و قلت و قد أصغت إلى الريح مرة === فجاش بها إعصاره المتهزمُ
و قلت و قد جاش القريض بخاطري === كما جاش صخّاب الأواذيّ أسحمُ
"أرى المجد معصوب الجبين مجدّلا === على حَسَكِ الآلام يغمره الدمُ "
سيثأر للعز المحطم تاجه ===  رجال إذا جاش الردى فهمُ همُ 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق