نشأة القواعد
الفقهية و ارتقائها
بدأ التشريع الإسلامي في العهد النبوي ، ومع نزول القرآن الكريم
، وبيانه في السنة النبوية ، لمعرفة أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة.
ثم بدأت الحركة الفقهية بالظهور بعد وفاة النبي - صلى الله عليه
وسلم - وقام الصحابة والتابعون ، ومن بعدهم الأئمة والمجتهدون والعلماء والفقهاء باستنباط
الأحكام الفقهية من المصادر الشرعية.
وشمروا عن سواعدهم لاستخراج حكم المسائل والقضايا من الكتاب
الكريم.
والسنة الشريفة ، والاجتهاد بواسطة بقية المصادر ، لاعتقادهم
أن لكل قضية أو أمر من أمور الدنيا حكماً لله تعالى ، وأنهم المكلفون ببيان هذه الأحكام
، ومسؤولون أمام الله تعالى عن ذلك.
فإذا حدث أمر ، أو طرأت حادثة ، أو أثيرت قضية ، أو وقع نزاع
، أو استجد بحث ، رجع الناس والحكام إلى العلماء والفقهاء والمجتهدين لمعرفة حكم الله
تعالى في ذلك ، وأحسَّ العلماء بواجبهم نحو هذه الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم
، فنظروا في كتاب الله ، فإن وجدوا فيه نصاً صريحاً بينوه للناس ، وإن لم يجدوا رجعوا
إلى السنة دراسة وبحثاً وسؤالاً ، فإن وجدوا فيها ضالتهم المنشودة أعلنوها ووقفوا عندها
، وإن لم يجدوا نصاً في كتاب ولا سنة شرعوا في الاجتهاد وبذل الجهد والنظر في الكتاب
والسنة وما يتضمنان من قواعد مجملة ، ومبادئ عامة ، وأحكام أصيلة.
ومن إحالة صريحة أو ضمنية إلى المصادر الشرعية الأخرى ، ويعملون
عقولهم في فهم النصوص وتفسيرها ، وتحقيق مقاصد الشريعة ، وأهدافها العامة ، ليصلوا
من وراء ذلك إلى استنباط الأحكام الفقهية وبيان الحلال والحرام ، ومعرفة حكم الله تعالى[1]
.
و إبان القرن الرابع الهجري أفردت هذه القواعد بالتصنيف و
التأليف و التدوين على وجه مستقل
و قد بدأ الفقهاء يضعون أساليب جديدة للفقه بعدما
نما و اتسع نطاقه و تمت مسائله و هذه الأساليب يذكرونها مرة بعنوان " القواعد
و الضوابط " و تارة بعنوان " الألغاز و المطارحات " و طورا "
بمعرفة الإفراد و الحيل " و غيرها من الفنون الأخرى في الفقه .
ثم بعد ذلك تم أمر استقرار القواعد و استخلاصها من مصادرها
الفقهية في شتى المذاهب و من بعض المدونات التي سجلت فيها بعد صياغتها صياغة رصينة
و صبغها بصبغة علمية شيقة[2]
.
ثم في القرن الخامس الهجري جاء الإمام أبو زيد الدبوسي (
430 هـ) و أضاف إلى ثورة
المجموعة المتناقلة عن الإمام الكرخي إضافات علمية قيمة ،
في هذا الموضوع[3] .
أما في القرن السابع الهجري ، فقد برز فيه هذا العلم إلى حد
كبير ، و إن لم يبلغ مرحلة النضج ، و على رأس المؤلفين في ذلك العصر : العلامة
محمد بن إبراهيم الجاجرمي ( 613 هـ) ، فألف كتابا بعنوان " القواعد في فروع
الشافعية " ، ثم الإمام عز الدين بن عبد السلام ( 660 هـ) ألف كتابه "
قواعد الأحكام في مصالح الأنام " ، الذي طبق صيته الآفاق ، و من فقهاء
المالكية ألف العلامة محمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصي ( 685 هـ) كتابا
بعنوان " المذهب في ضبط قواعد المذهب " .
فهذه المؤلفات تعطينا فكرة عامة عن القواعد الفقهية في
القرن السابع الهجري ، و أنها بدأت تختمر و تتبلور يوما فيوما[4]
.
إن القواعد الفقهية لم تظهر دفعة و احدة ، فإن الفقهاء
بدأوا تقعيدها من عهود ، فكلما و صلت أفكارهم إلى شيء و تبلورت صاغوها في شكل
القاعدة مما يسر لهم جمعها في الأخير ، أما الإحطاة بجميع القواعد التي أوردها
الفقهاء في كتبهم في مختلف المناسبات أو إحصائها في عدد فهذا أمر يصعب مناله ، و
يحتاج إلى العمل الدائب و الصبر و التأني و إلى من ينخل تلك المدونات الكبيرة ،
فينتقي منها القواعد و يجمعها[5]
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق