أهمية القواعد الفقهية و حاجة الفقيه إليها
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي خلق الانسان ، و علمه
البيان ، و ميزه
بالعقل عن الحيوان ، نحمد و نستغفره و نتوب إليه ، و صلى الله و سلم على نبيه المبعوث رحمة للعالمين و بالنور المبين ، و
بالمومنين رؤوف رحيم ، و بتحقيق مصالحهم و درء مفاسدهم ، فتركهم على المحجة
البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فصلوات الله عليه و سلامه ، و على
آله الأطهار و على أصحابه الأخيار ، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
لقد جاءت الشريعة الاسلامية بكل أحكامها و أوامرها و
نواهيها لتحقيق أصل عظيم هو مراعاة مصالح الناس في العاجل و الآجل و تكثيرها ، و
تعطيل المفاسد في العاجل و الآجل و تقليلها ، و هي قاعدة من قواعد الفقه "
درء المفاسد أولى من جلب المصالح " ، فإن الفقهاء أولوا القواعد الفقهية
أهمية كبيرة ، و عنوا بتحريرها و تقريرها و بيان ما يندرج تحتها من الصور و
الوقائع ، و هذه من أبرز القواعد فهي ذات مكانة عظيمة ، و فوائد جليلة ، و قد
تلقاها العلماء بالشرح
و التفريع ، و قد ذكرت في غالب كتب القواعد الفقهية ، و إن
كانوا لم يتوسعوا فيا كثيرا .
و تبرز أهمية هذه القاعدة في كونها موضع اتفاق عند العلماء
، كما يظهر ذلك من تصرفاتهم و تعريفاتهم عليها و تعليلاتهم بها .
كما كانت هذه القاعدة محل حفاوة بين المشتغلين بعلم الفقه و
فقه النوازل ، لذلك ترددت كثيرا عند الباحثين ، و بنوا عليها كثيرا من التطبيقات
المعاصرة ، و لدراسة القواعد الفقهية عامة أهمية و فواعئد عظيمة منها :
1. إن دراسة الفروع والجزئيات الفقهية يكاد يكون مستحيلا ، بينما
يدرس الطالب والعالم قاعدة
كلية تنطبق على فروع كثيرة لا حصر لها ، ويتذكر القاعدة
ليفرع عليها المسائل والفروع المتشابهة والمتناظرة ، ولذلك سمي هذا العلم أيضا : علم
الأشباه والنظائر.
يقول العلامة السيوطي : " اعلم أن فن الأشباه و
النظائر فن عظيم ، به يطلع على حقائق الفقه و مداركه ، و مآخذه و أسراره ، و يتمهر
في فهمه و استحضاره ، و يقتدر على الإلحاق و التخريج ، و معرفة المسائل التي ليست
بمسطرة ، و الحوادث و الوقائع التي لا تنقضي على مر الزمان ، و لهذا قال بعض
أصحابنا : الفقه معرفة النظائر[1]
" ، فهي تسهل ضبط الأحكام الفقهية ، و حصرها و حفظ المسائل الفرعية و جمعها .
2. إن دراسة الفروع و الجزئيات ، إن حفظت كلها أو أغلبها ، فإنها
سريعة النسيان ، و يحتاج الرجوع إليها في كل مرة إلى جهد و مشقة و حرج .
أما القاعدة الفقهية فهي سهلة الحفظ ، بعيدة النسيان ، لأنها
صيغت بعبارة جامعة سهلة تبين محتواها ، ومتى ذكر أمام الفقيه فرع أو مسألة فإنه يتذكر
القاعدة ، مثل قاعدة " لا ضرر ولا ضرار" ، أو "الضرر يزال " ،
أو " يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام " ، أو "الولاية الخاصة أقوى
من الولاية العامة".
3. إن الأحكام الجزئية قد يتعارض ظاهرها ، ويبدو التناقض بين عللها
، فيقع الطالب والباحث في الارتباك والخلط ، وتشتبه عليه الأمور حتى يبذل الجهد والتتبع
لمعرفة الحقيقة.
أما القاعدة الفقهية فإنها تضبط المسائل الفقهية ، وتنسق بين
الأحكام المتشابهة ، وترد الفروع إلى أصولها ، وتسهل على الطالب إدراكها وأخذها وفهمها.
4. إن القواعد الكلية تسهل على رجال التشريع غير المختصين بالشريعة
فرصة الاطلاع على الفقه بروحه ومضمونه وأسسه وأهدافه ، وتقدم العون لهم لاستمداد الأحكام
منه ، ومراعاة الحقوق والواجبات فيه[2]
.
5. و من فوائد هذه القواعد ما ذكره الشيخ ابن عاشور ، و هو
أنها ـ و بخاصة الكبرى منها ـ تساعد على إدراك مقاصد الشريعة ، لأن القواعد
الأصولية تركز على جانب الاستنباط ، و تلاحظ جوانب التعارض و الترجيح ، و ما شابه
ذلك من القواعد الفقهية فهي مشتقة من الفروع و الجزئيات المتعددة ، بمعرفة الرابط
بينهما ، و معرفة المقاصد الشرعية التي دعت إليها[3]
.
6. أنها موضوعة بعبارة موجزة ، فهي تمتاز بمزيد من الإيجاز في
صياغتها فقد تصاغ بكلمتين مثل : " العادة محكمة " أو ببضع كلمات من
كلمات العموم مثل " المشقة تجلب التيسير "[4]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق