العوامل الثلاثة
لسقوط الحضارات:
لنفرض أن وجود القادة
المبدعين قد تم، وانطلقت مجتمعات معينة حول فكرة ما، مثل دعوة الإسلام الربانية
التي يقودها نبي، وتحركت بهؤلاء المبدعين - الذين واصلوا التقدم - إلى آفاقها
الرحبة الواسعة. كيف يحدث التآكل والتراجع بعدها؟!
يعزو توينبي سقوط الحضارات
إلى ثلاث عوامل -مستبعدا أن يكون ذلك أمراً حتمياً- هي:
1- ضعف القوة الخلاقة في
الأقلية الموجهة وانقلابها إلى سلطة تعسفية.
2- تخلي الأكثرية عن محاكاة
وموالاة هذه الأقلية.
3- الانشقاق وضياع وحدة كيان
المجتمع.
وتفسير ذلك أنه إذا حدث ضعف
في القلة المبدعة - التي كانت تقود، وفقدت إبداعها؛ فإنها تتحول تلقائياً -وهي في
السلطة - إلى قوة تعسفية. هذه القوة التعسفية تقوم بمنع المبدعين الآخرين من تقديم
إبداعاتهم، حتى لا تنكشف عوراتها، وتحارب الجديد، وسندها في ذلك إنجازات الماضي.
والأغلبية عادة لا تنضم إلى
القلة المبدعة، وهي إما أن تظل في حيرتها بين الطرفين أو تظل على ارتباطها
بالقديم. ونتيجة
هذا الصراع يحدث الانشقاق وضياع وحدة كيان المجتمع، وتبدأ مرحلة
يطلق عليها أرنولد توينبي "زمن الاضطراب" والذي يقود إلى الانهيار.
فانظر وتأمل فيما توصل إليه
توينبي عن الأقلية المبدعة وأثرها، ودرجة محاكاة واتباع الأغلبية لها، ثم التطورات
التي تحدث على الأقلية المبدعة -بعد أن
يُمَكَّن لها في الأرض - و استخدامها
للتعسف أمام المبدعين الآخرين، مما يعد - بعد ذلك - عاملاً أساسياً ينذر ببداية
الاضطراب، ثم يكون العامل الحاسم هو اختيار الأغلبية من تتبعه (القديم أو الجديد
المبدع). وعندما تدخل المجتمعات في زمن الصراعات يصعب حتى على أذكى الأذكياء - كما
يقول سان تسو المنظر الصيني - وقف عمليات الانهيار.(5)
- موقف بعض الأمم من التحديات:
إن تحقيق النهضة والريادة
الحضارية لا تعد مطلباً إسلامياً فقط، وإنما تعد مطلباً إنسانياً. تسعى كل أمة من
الأمم على مدار التاريخ
والأزمان لتحقيقه باستجابات مختلفة لتحديات مختلفة. فينجح
بعضها ويفشل البعض الآخر.
ولقد استطاعت بعض الأمم أن تنهض وتخرج تباعاً من
الطوق الذي يحيط بعنقها، رغم شدة التحديات التي تواجهها. مثل الصين والهند وآخرون
لما يلحقوا بهم بعد. وهم يجسدون نماذج حية شاهدة على إمكانية الخروج من أسر
التحديات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق