السبت، 22 فبراير 2014

قانون التحدي والاستجابة لبناء الحضارات



يرى صاحب نظرية التفسير الحضاري (توينبي) أن نشوء الحضارات وبعثها متعدد الأسباب. ويقوم أساساً على عمليات التحدي الجغرافية والبشرية التي تدفع للاستجابة والتحرك الخلاق سعياً للإقلاع الحضاري.
 قانون التحدي والاستجابة:
يرى صاحب نظرية التفسير الحضاري (توينبي) أن نشوء الحضارات وبعثها متعدد الأسباب. ويقوم أساساً على عمليات التحدي الجغرافية والبشرية التي تدفع للاستجابة والتحرك الخلاق سعياً للإقلاع الحضاري.
يقول توينبي: يواجه الإنسان في طريقه لبناء الحضارات مجموعة من التحديات (مواقف وظروف ومشكلات صعبة) فيتعامل معها إما باستجابات ناجحة تؤدي إلى التغلب عليها والوصول إلى تحقيق النهضة المنشودة، وصولاً للحضارة، أو إلى استجابات فاشلة لا تؤدي إلى تحقيق النهضة والحضارة.
ويقسم توينبي هذه التحديات إلى قسمين:
- تحديات طبيعية: مثل المناخ والجغرافيا الطبيعية والموارد الطبيعية والموقع الجغرافي وغيرها.
- تحديات بشرية: مثل عدد ونوع السكان وثقافة المجتمعات وطبيعتها.
والتحديات الطبيعية قد تكون أرض صعبة، و زلازل وبراكين وفيضانات، وما شابه ذلك. فالأرض الصعبة تكون دافعاً لأن يطور الإنسان قدراته، وأن يشق الطرق والقنوات، ويبتكر وسائل المواصلات.وكذلك الأرض البكر الجديدة تدعو الإنسان إلى تطوير قدراته لاستغلالها،وهناك دوافع النكبات، كأن تحدث مآسي كبيرة في المجتمع، سواءً كانت هذه النكبات بيئية أو من صنع الإنسان، ففي الحالتين يواجه مجتمع ما تحديات كبيرة جداً، ولابد أن يطور قدراته للتغلب عليها.
وهذه التحديات تواجه الأمم جميعاً بلا استثناء. والفارق الوحيد هو في الاستجابات التي تختلف من أمة لأخرى. وهذه الاستجابات هي التي تحدد شكل ونوع النتائج المستقبلية. وسنتحدث عن كل من التحديات والاستجابات بشيء من التفصيل.(2)
أولاً: التحديات :
 إن التحديات هي سر نهضات الأمم. ولولا التحديات لما وجدت الحضارات، ولما كانت هجرات الشعوب واكتشافها لمواطن جديدة تصلح للحياة. ولذلك فإن الرغبة في حياة ليس بها تحديات يعتبر بمثابة حبس طاقات الإنسان. وفي هذا يقول روبرت شولر: "إن الصراع هو مكان ولادة الإبداع الأعظم"[1]، ويقول الدكتور كاريل: "الأهداف التي تعمل على إثارة الحافز فينا تقوم بتقديم أجمل الهدايا لنا على شكل إنجازات"[2].
- أنواع التحديات:
وتنقسم التحديات من حيث مستوياتها إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
1 - تحد قاس: أكبر من قدرة المجتمع ولا يستطيع الإنسان تطوير آليات التغلب عليه، مثل شعب الإسكيمو وتحدي الثلوج المستمرة. فإنهم لم يتمكنوا من إبداع أي شيء يخلصهم من هذا، فاستمرت حياتهم البدائية حتى يومنا هذا.
2 - تحد ضعيف: غير مستفز للإنسان ليطور ذاته وبالتالي يظل الإنسان على حاله من غير تقدم. مثل شعب نيوزيلندا، حيث قلة السكان ووفرة الموارد وسهولة الأرض. فلم يتقدم سكان نيوزيلندا الأصليين.
3 - تحد خلاق: يستفز طاقات الإنسان. ولكنه – أي الإنسان – قادر على تطوير آليات للتغلب عليه مثل حالة كل الشعوب التي صنعت حضارات، فطورت آلاتها المعرفية والعملية، حتى ووجهت بتحدي داخلي أو خارجي أو بيئي ولم تستطع الاستمرار أو تباطأت حركتها فسبقها غيرها.
وهذا التحدي الخلاق هو الذي يستفز طاقة الإنسان لأقصى درجاتها  تخطيطاً وتنظيماً وحشداً. وكلما استجابت الأمة بتنمية قدراتها لمواجهة تحد ما؛ كلما زادت طاقاتها. وبالتالي واجهت تحد آخر، فتغلبت عليه لتطوير طاقاتها. وبذلك  يتكون المجتمع النامي والمتقدم والحضاري وليد سلسة التحديات والاستجابات الناجحة.
من الذي يقود مواجهة التحديات؟
ويرى  أرنولد توينبي أن الأفراد المبدعين و القادة الملهمين والفئة ذات الرؤية والتصور - والتي تطرح رؤية للمستقبل وحراك لمواجهة التحديات – هم المعول عليهم في عملية المواجهة. فإذا انقادت لهم الأغلبية - سواءً عن طريق المشاركة في المعاناة والخبرة أو عن طريق التقليد والمحاكاة الآلية -قادوا هذه المجتمعات إلى التغلب على ما يواجهها من عقبات.


(2) المرجع السابق ، ص 39
[1]  داني كوكس وجون هوفر، القيادة في الأزمات.
[2]  المصدر نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق