الأحد، 23 فبراير 2014

تجليات الكابة والحزن في شعر ابو قاسم الشابي



التونسي أبو القاسم الشابي , من الشعراء العرب المبرَّزين في الشعر العربي الحديث ؛ إذ أسعفته قريحته الفذة بقصائد بوأته مكانةً كبيرةً, و خطت اسمه في كراسة الأدب العربي .
و قد اخترت دراسة ظاهرة الكآبة عند أبي القاسم الشابي لأنني أرى في كآبته بعداً فلسفياً و صوتاً باحثاً عن الحقيقة , و لأن الشعر عنده كان وسيلةً للتنفيس ,  و منطلقاً لأشجانه , و تعبيراً عن أحلامه التي أورثته الحزن و الكآبة , و سوف أعرض للكآبة لا بكونها عارضاً وجدانياً , أو علةً تعتور أي منكود ؛ لكنْ بوصفها منطلقاً للأمل , و سبباً في النهوض , و سبيلاً إلى الإبداع الشعري الخلاب ..!
 كما يهمني كثيراً التطرق لأسباب هذا العارض و المؤثرات التي تزيده أو تقلصه , و في بدء هذا المبحث أبسط في تعريف الكآبة , و من ثم تجلياتها في قصائد الشابي , و بعدها عرض لأسبابها , سواء الداخلية المنطلقة من مرض الشابي المزمن , أو ظروفه الاجتماعية الخاصة التي أثرت في استقراره النفسي , و تطرق للأسباب الخارجية المتمثلة في أمته الضعيفة و علاقته بالمجتمع الذي يرى فيه تناقضاً و خللاً يجب أن يعالج و كيف يقابله هذا المجتمع بالرفض و الهجوم  .
كما أعنى هنا بأشكال من الكآبة عايشها الشابي , و انطلق منها , الأولى سميتها بالكآبة السلبية و المنغلقة , و هي التي تفيض بمشاعر الإحباط و الانهزام , و الهروب من الواقع , و الكآبة الأخرى سميتها بالإيجابية ؛ لأنها لم تمنعه من عيش حياته , و الانطلاق في عالمه داعياَ إلى الأفكار التي يؤمن بها .
 كما أنه من المهم الإشارة إلى أن الكآبة عنصرٌ رئيسٌ في المذهب الرومانسي , نرى أبا القاسم يعيشها و يتقلب في فراشها , ليندمج اندماجاً تاماً مع الرومانسية , و ليكون رمزاً من رموزها في الأدب العربي ,  و بعدها أعرض لنماذج من قصائده تدور في فلك الكآبة و الحزن بما يمثل جانباً تطبيقياً , آثرتُ فيه طريقةَ التحليل و استقصاء المعاني القريبة و البعيدة .  !


 

تجليات الكابة والحزن  في شعر ابو قاسم الشابي :
لا يكاد القارئ لديوان الشابي أن يغفل عن ذلك النغم الحزين الذي يئن في غالب قصائده , فالكآبة هي الروح المسيطرة على ذلك الإنتاج الشعري .
ففي قصيدته (يا شعر) , نلمس فهمه للشعر على أنه (حيلة الكئيب ):
يا شعر أنت فم الشعور و صرخة الروح الكئيب
يا شعر أنت صدى نحيب القلب و الصب الغريب
يا شعر أنت مدامع علقت بأهداب الحياة
يا شعر أنت دم , تفجر من كلوم الكائنات[1]
و بهذه القصيدة نلخِّصُ كثيراً من رؤى الشابي للحياة و الشعر , فإذاما كان الشعر وسيلة البكاء و التنفيس , اتضح لنا أن كلَّ ما سيخرج من هذا التصور لن يعدوَ أن يكون من ضروب الحزن و الكآبة !
و لديه قصيدة ابتدأها بـ( الأنا ) , عنوانها ( الكآبة المجهولة ) :
أنا كئيب
أنا غريب
كآبتي خالفت نظائرها
غريبة في عوالم الحزن
كآبتي فكرة مغردة
مجهولة من مسامع الزمن[2]
و في هذه القصيدة نلحظ البعد الفلسفي الذي ينبع من موقفه من الحياة , فكآبته ليست كسائر الكآبات , بل هي غريبة باعترافه , و غريبة من بين جميع الأحزان ,!
و نلحظ أن للكآبة مردافات أخرى في شعر الشابي , مثل ( الغربة ) , ( الألم ) ,          ( التوجع ) , و ( السجن ), و ( التيه ) , ففي قصيدته ( إلى قلبي التائه ):
مالآفاقك يا قلبي سودا حالكات؟
و لأورادك بين الشوك صفرا ذاويات[3]


[1][1][1] الديوان : ص : 33 .
[2] الديوان : ص : 44 .
[3] الديوان : ص : 59 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق