الجمعة، 21 فبراير 2014

العلاقة بين معايير القرض الحسن والنظم النقدية



معايير القرض الحسن في ظل النظم النقدية المعاصرة : -

* حدود العلاقة بين القرض الحسن والنظم النقدية :
من استعراض النظم النقدية يمكن ملاحظة أن خصائص النقود ووظائفها كوسيلة للمدفوعات الآجلة أو مقياس لقيمة كل ما يقتنى أو يكون له قيمة أو يضمن به الشيء ولا يطرحه الناس (يتمتع بالقبول العام لجنسه أو بالالزام القانوني أو الشرعي) حسب التعريف الفقهي([1])، يمكن أن تتعرض للتغير في قيمتها أو قوتها الشرائية (قيمتها الحقيقية) من نظام نقدي لآخر، بل أنها قد تتغير في ظل النظام النقدي الواحد عبر الزمن.
ومعنى ذلك أن إتمام القرض الحسن في شكل نقدي معين وفق المعايير الشرعية يمكن أن يتحول إلى قرض غير حسن (ربوي)، وذلك في حالة عدم مراعاة ما يمكن أن يطرأ على النقود محل عقد القرض من تغير في قيمتها الحقيقية، سواء كان ذلك بسبب تغير النظام النقدي التي تستند إليه أو عدم كفاءة النظام النقدي الواحد في تحقيق الاستقرار أو الثبات في قيمة هذه النقود، خاصة وأنه من الشائع قديماً وحديثاً أيضاً أن تقديم وتحصيل القروض كان ومازال يتم في الشكل النقدي، وبالنقود السائدة معدنية (ذهبية وفضية ) أو ورقية (الجنيه – الريال – وغيرها من العملات المعاصرة) .
وعلى ذلك فإن تفادي الربا (الزيادة أو النقص) على أصل قيمة القرض النقدي يتطلب تحقيق أهم معايير القرض الحسن وهو معيار تداول القرض النقدي وفق تعادل القيمة الحقيقية للنقود محل إنجاز هذا القرض، وهنا فقط (بجانب المعايير الأخرى السابق ذكرها) نكون قد أنجزنا قرضاً حسناً دون ظلم للمقرض أو المقترض، تحقيقاً للعلاج القرآني الحاسم هنا في قوله تعالى : (فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) [البقرة - 279].
وكذلك الأحاديث النبوية الواردة في شأن الربا ومن أهمها " من أسلف ليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلم"  و" الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء" وفي رواية مسلم " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شأتم إذا كان يداً بيد"([2]) .
ولكن كيف يمكن تحقيق المعايير الشرعية للقرض الحسن في ظل النظم النقدية المعاصرة، هذا ما يمكن استعراضه في الآتي: -
أولا : تكييف المعايير الشرعية للقرض الحسن في ظل النظام النقدي المعدني: -
ذكرنا أنه في ظل النظام المعدني سواء تم اتباع قاعدة المعدن الواحد (الذهب) أو قاعدة المعدنين (الذهب والفضة) أو قاعدة الصرف بالذهب، فإن جميع هذه الصيغ تندرج تحت ما يعرف بقاعدة النقد السلعية والتي من أهم خصائصها تساوي القيمة التبادلية للنقود مع القيمة الاستعمالية لها وذلك في ظل تكاليف تحويل منخفضة جداً، ومع ذلك فإنه في ظل النظام النقدي المعدني يمكن أن تواجه عقود القرض الحسن بمعاييره الشرعية السابق عرضها ظاهرة أو إشكالية غش المعادن وهو ما يمكن توضيحه في الآتي :
إشكالية غش المعادن النقدية : -
من المعروف تاريخياً أن أهم المعادن النقدية الشهيرة التي تم سكها كنقود قد تمثلت في الذهب والفضة كالدنانير والدراهم التي عرفتها الحضارات قبل الإسلام وتعامل بها المسلمون في صدر الإسلام كعملات أجنبية ثم كعملات إسلامية فيما بعد في الخلافة الأموية عام 76هـ/695م  وما تلاها من عهود، وذلك على ما أورده المقريزي عن صلاحيتهما التامة  كأثمان للسلع وقيماً للأعمال وذلك على مستوى كافة الأمم التاريخية حتى قيل أن آدم هو أول من ضرب الدينار والدرهم، باعتبار أن المعايش الدنيوية لا تصلح إلا بها([3])، وهما بذلك يتمتعان بالقبول العام لدي أطراف التعامل المالي سواء في ذلك المعاملات العاجلة أو الآجلة .
وفي ظل وجود مشكلة غش العملات المعدنية أو احتمال حدوث ذلك من حين لآخر، فإن القرض الحسن بمعناه ومعاييره الشرعية قد تشوبه وجود فوارق أو اختلاف بين قيمة أصل القرض ما بين زمن العطاء وزمن السداد، وغالباً ما يكون الظلم هنا واقع في حق المقترض، وذلك على اعتبار أن غش النقود دائماً تكون في مرحلة ما بعد السك الأصلي لها أي في مراحل تالية ترتبط بالمدى الزمني وإمكانات التقليد التي يمكن أن تتاح لمزيفي أو مقلدي العملات أو غشها وخاصة بالنسبة للعملات الذهبية عندما يتم خلط هذا المعدن بمعادن أقل قيمة ولو بنسب ضئيلة .
وقد يحدث ذلك من السلطة النقدية ذاتها عند إحداث تعديلات في درجة نقاوة العملات المعدنية، مثل أن تجعل العملة الذهبية من ذهب عيار 21 بدلا من 24 سابقاً، أو تجعل قيمة العملة بوزن أقل مما كانت عليه في السابق، وحيث أن عقد القرض يكون لأجل سواء محدد بالاتفاق أو متروك لحين مقدرة المقترض على السداد فإن حدوث أي تغير مما سبق ذكره، لابد أن يترتب عليه إشكالية مدى تحقيق القرض الحسن بمعناه الشرعي وهو رد المثل أو أصل القيمة.
وعلى ذلك فإن إحداث أي تغيير في العملات المعدنية سواء تم ذلك بشكل قانوني أو غير قانوني (التزوير) فإن هذا التغيير قد ينطوي على ظلم ربما يفوق الربا، وذلك إذا كانت نسبة النقص في أصل ما كانت عليه النقود وبالتالي القرض أكبر من نسب الربا المتعارف عليها، والأمر هنا يتطلب عدداً من الشروط التي يجب أن يلتزم بها النظام النقدي للمحافظة على قيمة العملة ولو على مستوى الأجل القصير (سنة)، حتى يمكن تفادي المظالم المالية بشكل عام ومنها ما يتعلق بالقرض الحسن، ومن أهم هذه الشروط : -
أ –  رد أصل قيمة القرض وذلك ارتباطاً بوزن وعيار معين للذهب السلعي، تفادياً للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على العملة المعدنية (ذهبية أو فضية) لأسباب أو ظروف السوق النقدي (عرض وطلب النقود) بجانب التغيرات الاضطرارية في السياسات النقدية.
ب – أن يكون القرض موجهاً لمحتاجين إليه فعلاً ولأهداف تكافلية في الأساس، سواء كان ذلك في الإطار التجاري أو في الإطار الإنتاجي لأهداف اجتماعية واقتصادية معاً، كما حدث في عهدي عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز حيث تم تقديم قرض حسن للتجارة في عهد الأول وللزراعة في عهد الثاني([4])، أو كان كما هو المشهور في عالم الديون بين الأغنياء والمحتاجين من الفقراء ومن على شاكلتهم.
ج – إنشاء قطاع مالي ذي طابع شرعي لإدارة كل ما يندرج تحت مسمى القروض بالمعنى الشرعي تتمثل موارده فيما يقدمه أفراد المجتمع (بشكل اختياري) أو ولي الأمر (بيت المال أو الموازنة العامة) ومصارفه هي كافة أوجه الأنشطة التكافلية التي يجوز فيها إعطاء القرض الحسن على أن لا يهدف إلى الربح وأن يكون توازن موازنته السنوية شرطاً بما في ذلك مصاريفه الإدارية المختلفة.
د – يجب أن يوازي إنشاء قطاع تحويل القروض الحسنة تعديل الصيغ المصرفية بين المودعين والمستثمرين عن طريق الجهاز المصرفي المعاصر لتصبح عقود مشاركات حسب ما هو متاح من صيغ استثمارية (شرعية) معاصرة، بحيث لا يدخل نشاط القروض بالمعنى الشرعي دائرة التعامل المصرفي في الإطار التجاري والاقتصادي المعاصر .
وعلى ضوء الشروط سالفة الذكر يمكن أن يتحقق نظام القرض الحسن في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية معاً، وأن يتحقق الهدف من هذا النظام وننال بذلك رضاء الله تعالى وننجو من وعيده تجاه آكل الربا في الدنيا والآخرة .
ثانياً : تكييف المعايير الشرعية للقرض الحسن في ظل النظم النقدية الورقية: -
ذكرنا سابقاً أن النظم النقدية الورقية تقوم على القاعدة الائتمانية للنقود، وطبقاً لها فإن النقود أو العملة النقدية عموماً تأخذ صفة القانونية في حد ذاتها ولا ترتبط كما كان في السابق (في ظل النظم المعدنية) بالمعادن من حيث القيمة النقدية أو من حيث إمكانية تحويل هذه النقود القانونية إلى أي من المعادن النقدية أي أنها نهائية وإلزامية([5]).
وعلى ضوء ذلك فإن تحقيق المعايير الشرعية للقرض الحسن في ظل النظم النقدية الورقية يصبح أمراً أصعب منه في ظل النظم المعدنية بشكل عام، ذلك لأن النقود الورقية ليس لها قيمة استعمالية تذكر أي أن الورقة النقدية في ذاتها لا يمكن أن تحقق لحائزيها أي نوع من الثروة الحقيقية، وإنما تتمثل في القيمة التبادلية لهذه النقود الورقية، أي قوتها الشرائية تجاه الثروات المختلفة .
وعلى الرغم من هذه التحديات المعاصرة فإنه من الملاحظ على الساحة الفقهية أن الخلاف بشأن المعاملات المالية الآجلة حتى مع وجود النقود الفضية والذهبية مازال قائماً، فما بالنا بالوضع الفقهي في ظل النقود الورقية التي من أهم سماتها التدهور المستمر في قيمتها الحقيقية على الزمن([6])، الأمر الذي يفرض على الفقهاء المعاصرين وكذلك المتخصصين من علماء الاقتصاد الإسلامي بذل المزيد من الجهد العلمي والإخلاص في ذلك لله تعالى حتى يمكن أن نجد نماذج مما كان عليه فقهاء المدينة والخلفاء الراشدين في مواجهة المستجدات عموماً والمستجدات المالية خصوصاً([7]).
كما نلحظ أيضاً أن النظم النقدية الورقية تواجه العديد من المخاطر المحلية والعالمية من أهمها الفوضى النقدية في المعاملات الدولية منذ إنهاء العمل بقاعدة الصرف بالذهب عام 1970، وخطر الإفراط في الإصدار النقدي محلياً، ومشاكل السياسات النقدية وأدواتها وآلياتها المصرفية، وأهمها مشكلة التضخم([8]).
وعلى مستوى التحديات سالفة الذكر وجميعها يرتبط بشكل أو بآخر بالتحول من قاعدة النقد المعدنية إلى القاعدة الائتمانية كأساس للنظام النقدي في كافة دول العالم، كيف يمكن أن يتحقق في حياتنا نحن كمجتمعات ودول إسلامية أسلوب القرض الحسن، وذلك كمطلب شرعي في العقود المالية التكافلية أو الاقتصادية التجارية ذات الهدف الاجتماعي أساساً.
وذلك بعيداً عن القطاع التجاري والاقتصادي البحت والذي لا يدخل فيه إلا المقتدرون عموماً سواء كانوا أصحاب فوائض مالية أو على الجانب الآخر أصحاب مهن وأفكار وقدرات مهارية وعلمية يمكن أن تتلاقى مع أصحاب الفوائض المالية بشكل أو بآخر في إطار لا ينبغي(شرعاً) أن يخرج عن عالم المشاركات والمضاربات الشرعية، وذلك على مستوى كل ما هو من فنون وعلوم الحياة (النافعة)، وعلى ألا نتعدى بهذين المعنيين  حدود الله تعالى بشأن كل ما هو منهي عنه شرعاً([9]).
وللإجابة على التساؤل سالف الذكر يمكن الاجتهاد في إطار جميع ما سبق استعراضه في هذا المبحث، ونحاول التوصل إلى عدد من الشروط أيضاً التي يمكن من خلالها إنجاز القرض الحسن في ظل النظام النقدي الورقي، والتي يتمثل أهمها في الآتي : -
أ –  استبعاد نشاط تقديم القروض بالمعنى الشرعي عن دائرة القطاع المصرفي التجاري مبدئياً، وتنظيم هذا النشاط في إطار مؤسسي يتسم بالخصوصية التكافلية أساساً. وذلك على ضوء ما سبق عرضه من مقاصد وآداب نظام القرض الحسن.
ب – إن القرض الحسن يمثل مخصصات اختيارية للأغنياء من أفراد المجتمع ومخصصات الحكومة (الموازنة أو بيت المال) لجزء من أموالهم بهدف تجاري مع الله وليس مع الناس، والقواعد التي تحكم سلوكهم قوله تعالى : (مّثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّئَةُ حَبّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة - 261].
ومن الجدير بالذكر هنا أنه لما نزلت هذه الآية قال e " رب زد أمتي فنزلت آية " قال تعالى: (مّن ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [سورة: البقرة - الأية: 245] مما يدل على أن الثواب على القرض الحسن يفوق السبعمائة ضعف([10])، وذلك مقارنة بما هو وارد في آية الإنفاق في سبيل الله .
ج – ربط قيمة ما يقدم من قروض بغطاء حقيقي معين ولا شك أن أفضل هذه الأغطية تاريخياً وعالمياً أيضاً هو الغطاء الذهبي([11])، وذلك عند زمن تقديم هذه القروض، حتى يمكن رد أصل هذه الأموال عند أجل الرد مع استخدام مستند كتابي قانوني أو شرعي، ويحدد فيه هذا الأصل مقوماً بنفس الغطاء عند حلول أجل السداد.
وذلك كله وفق النص القرآني : فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" أي لا يظلم المقترض بأخذ ما يزيد عن رأس ماله (أي الربا) ولا يُظلم بأن يُبخس حقه أو يضيع كل أو جزء من أصل هذا المال بالمماطلة أو بسبب تدهور قيمة العملة القانونية، لأنها مغطاة بغطاء حقيقي يحمل في ذاته قيمته الحقيقية، بصرف النظر عن تغيرات الأسعار النقدية، كما ينتفي مع هذه الكيفية أكل أموال الناس بالباطل أو بخسهم حقوقهم([12]).
د – ألا يتم استخدام الموارد التي تتاح لمؤسسة القرض الحسن إلا في تلبية احتياجات فئات معينة هم في الغالب لا يخرجون عن بعض أصناف مستحقي الزكاة وخاصة الغارمين والفقراء والمساكين ممن يحتاج بشكل مؤقت ولظروف طارئة (كما حدث في عهدي عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز كما أسلفنا) على أن يكون ذلك بشكل مؤقت وليكن لمرة واحدة على الأكثر([13])، وبناء على دراسة شرعية لذوي هذه الاحتياجات، من قبل هذه المؤسسة.
هـ – أن استبعاد أسلوب القروض الحسنة من الإطار المصرفي المعاصر لتتولاه مؤسسة تتسم بالخصوصية التكافلية على نحو المقصود الشرعي من القرض الحسن هو شرط أساسي أو ضروري (ولكنه لا يكون كافياً إلا بالشروط الأخرى السابق ذكرها هنا) لتفادي التغيرات المتعمدة في السياسة النقدية أو المالية ارتباطاً بحالة النشاط الاقتصادي الكلي من رواج أو كساد، وما تتطلبه كل حالة من سياسات انكماشية أو توسعية على الترتيب.
و – عدم الاعتماد (حسب ما يراه بعض الاقتصاديين المعاصرين) ([14])، على معدلات التضخم في تحقيق العدالة ونفي الظلم عن أحد طرفي القرض الشرعي (الحسن)، وذلك لأن معدلات التضخم قد تكون محصلة سياسات نقدية أو مالية توسعية (من أجل رفع مستوى التوظف، فمثلاً في حالة وجود ركود اقتصادي) مقصودة ، كما قد تكون بسبب وجود مشاكل هيكلية في بعض القطاعات أدت إلى اختناقات معينة في دائرة النشاط الاقتصادي عموماً.
كما أن السياسات النقدية غالباً ما تربط بين معدلات التضخم وسعر الفائدة البنكية للتحكم في عرض النقود والطلب عليها، وما يترتب على ذلك في العمل المصرفي من تحديد مسبق للفوائد على القروض وهو ما يدخلنا في دائرة الربا حتماً([15])، إذا ما بقيت القروض بالمعنى الشرعي تتم في إطار ووفق القواعد المعاصرة للجهاز المصرفي التجاري أو المتخصص أو حتى ما يعمل به في البنوك المركزية.
بينما أصل المسألة في حالة القرض الحسن أن يتم معرفة أصل هذا القرض كما أسلفنا بالارتباط الذهبي مثلاً ثم بعد أجل معين يتم حساب أصل هذا القرض عند السداد بنفس الارتباط الذي تم على أساسه عقد هذا القرض، وشتان بين قواعد وأهداف مؤسسة القرض الحسن المقترحة والجهاز المصرفي المعاصر.
ز - ويدعم من الشروط السابقة وخاصة شرط استبعاد القرض الحسن من الإطار المصرفي المعاصر أنه في ظل النظم النقدية الورقية لو فرض وأمكن تحقيق الاستقرار السعري خلال سنة مثلاً، وأصبح معدل التضخم صفر، فإن الجهاز المصرفي لابد أن يجعل فوائد الودائع صفر وكذلك فوائد القروض أيضاً، حتى لا يخرج عن أصل القرض بالمقصود الشرعي.
كما أنه عند حدوث انخفاض في الأسعار(في حالة الركود أو الكساد)، فهنا ينبغي أن يدفع المقترض مبلغ نقدي أقل مما حصل عليه وذلك بمقدار الانخفاض في الأسعار، وهذا ما لا يتصور حدوثه في الإطار التجاري البحت التي تقوم عليه مؤسسات الجهاز المصرفي المعاصر([16]).
وعلى ضوء ما سبق يمكن استخلاص نتيجة تمثل ضرورة معاصرة وذلك على مستوى المجتمعات الإسلامية على الأقل، وهي ضرورة انفراد مؤسسة متخصصة في إدارة عمليات القرض الحسن، لأن أسلوب القرض الحسن هو أسلوب فريد لا يمكن تصوره في النظم النقدية والمالية الوضعية، وذلك لأن هذا الأسلوب يتم في إطار تجارة من نوع فريد وخاص هي التجارة مع مالك الأموال والنعم بصفة عامة، والتي تقوم على ملكية الاستخلاف بمعناها الشرعي، وتقرر فيما تقرره أن للمحتاجين حقوقاً إجبارية في أموال الأغنياء أو المقتدرين (الزكاة وما شابه من صدقات واجبة)، وكذلك التعاون المندوب إليه شرعاً والمجازي عليه بالأجر المضاعف (القرض الحسن والتيسير على المعسرين والإعفاء عن ديونهم إذا لزم الأمر)، وهذا ما لا يمكن تصوره في ظل النظم التجارية البحتة في عالم الناس كما هو الحال في الأوضاع الاقتصادية والتجارية السائدة بأشكالها القديمة أو المعاصرة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق