الثلاثاء، 25 فبراير 2014

وجه الإعجاز البلاغي




وجه الإعجاز البلاغي في القراءات الواردة في قوله
تعالى : }" سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا{  [الفتح/11]
أولا: وردت كلمة "ضراَ" التي تقابل "النفع" في القرآن الكريم في ثمانية مواضع سواء تقدم الضر أم النفع([1]) .
ثانياً : اتفق القراء جميعاً على فتح الضاد في "ضرا" في سبعة مواضع وهي المواضع الثمانية ماعدا  موضع سورة الفتح([2])  .
ثالثا: ورد في موضع سورة" الفتح" في قوله تعالى :} قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا { [الفتح/11] قرءاتان متواترتان:  قرأ حمزة، والكسائي، وخلف  بضم الضاد "ضُرًّا"، وقرأ الباقون بفتح الضاد" ضَرًّا"([3]). وهو الموضع الوحيد الذي وقع فيه الخلاف بين القراء جميعا.
 توجيه القراءتين في"كلمة"ضَرًّا" فى موضع سورة" الفتح"
ذكر أهل التوجيه : أن الفتح والضم لغتان، كالضَّعف والضُّعف([4])، ، وذكر البعض أن من قرأ بالضم: جعله من سوء الحال، كما قال تعالى " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( [الأنبياء/83] بضم الضاد باتفاق الجميع أي :نادى ربه أني مسني سوء حال ،وليس إلحاق أذى؛ وعليه فالمعني علي قراءة الضم :إن أراد بكم سوء حال أو حسن حال ، وحجة من قرأ بالفتح أنه حمله على الضر الذي هو خلاف النفع، ودل على أن ذلك هو المراد ما أتى بعده من نقيضه وهو" نفعا"،ً فالنفع نقيض "الضَّر" بالفتح ([5]).
قلت: أرى والله أعلم: أن ورود القراءتين في موضع سورة" الفَتْح" ليس لمجرد اللغات، وإنما للقراءتين أثر في المعنى، والسياق يتطلب القراءتين لما يأتي :-
(أ)- أنه الموضع الوحيد الذي قابل الضر فيه النفع، وأُسْنِد إلى إرادة الله تعالى ، فالله U--هو الذي يملك إرادة سوء الحال بالمخلوقين جميعا،وهو معنى قراءة الضم ، وهو وحده أيضا يملك إلحاق الضرر الذي يقابل النفع بمن شاء وقت ماشاء، وهو معنى قراءة الفتح،ولذا فهو الموضع الوحيد الذي ترى السياق فيه يتطلب المعنيين ،ولذا ورد فيه القراءتان،وتجد لكل قراءة معنى مقصودا في هذا الموضع،
 أما المواضع السبعة الباقية، فتجد" الضر والنفع" أسند لمخلوقٍ أو للأصنام التي تُعبد من دون الله--U ،وعليه فمعنى إلحاق سوء الحال بهم ليس بمقصود ههنا، وإنما المقصود نفي إلحاق الضرر بهم من تلك الأصنام ، أو من المخلوق للمخلوق أي:أنهم لايملكون هذا لأنفسهم فمن بال أولى أنهم لايملكون لكم، كما قال I: } قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ  {[الأعراف/188] فنفي النفع أو الضر ههنا مسند لرسول الله-r- وهو لله- -U-مخلوق ، وقال--U: } قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  { [المائدة/76]  ،فإن نفي الضر والنفع ههنا مسند إلي مايُعبد من دون الله-I-.
(ب)- أن كلمة "ضر معرفة أو نكرة" وقعت في (17) موضعاً([6]) في كتاب الله- -Uكلها بضم الضاد باتفاق، لأن المعنى المقصود-والله أعلم- هو سوء الحال،وليس بمقصود إلحاق الأذى.
كما قال--I :} وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  {[الأنعام/17]
(ج)- أن معنى "الضر" في اللغة قيل: بضم الضاد وفتحها لغتان ، وقيل: بالفتح ضد النفع،والضر بالضم : الهُزال، وسوء الحال. أي : أن كل ما كان من سوء الحال وفقر أو شدة في البدن فهو ضُرٌّ بالضم وما كان ضد النفع هو ضَرٌّ بالفتح([7]) ، وعليه فإن توجيه القراءتين بما له أثرٌ في المعنى بدليل ما ذكرنا أَوْلى من قولنا : أنهما مجرد لغتان،حيث تبين لنا أن المعنيين مرادان.والله أعلم.
 (د)-لو أن القراءتين ههنا للغات لقرئ بالقراءتين –إذن- في أكثر من موضع. والله أعلم
وجه الإعجاز البلاغي في القراءتين أن الحق--I أنزل على رسوله-r- القراءتين في الموضع الذي أريد فيه معنى القراءتين، بما يدل على الإعجاز البلاغي، حيث إن كل قراءة بمثابة أخرى، وكل قراءة في موضعها، بينما المواضع السبعة الباقية التي لا يحتاج المعنى فيها إلا لقراءة الفتح فقط كانت القراءة المناسبة لتوضيح المعنى المراد، وفي هذا دليل على الإعجاز البلاغي في القراءات،حيث لا ترد القراءة إلا في الموضع الذي يتطلبه المعني،وهذا الإعجاز لا يقدر عليه البشر ، فسبحان من أنـزل هذا الكتاب هدى ورحمة لقـوم يوقنون . والله أعلم . 




([1])-المعجم المفهرس لألفاظ القرءان الكريم 419.
([2])لم أقف على قراءة متواترة أو شاذة بخلاف فتح الضاد في المواضع السبعة والقراءتان" الفتح والضم" في موضع سورة الفتح فقط .
([3])النشر في القراءات العشر لابن الجزري2 / 375  .
([4])ينظر في ذلك الكشف عن القراءات السبع مي بن أبي طالب وزاد المسير 7 / 429 البحر المحيط 8/ 93 فتح القدير والشوكاني 5/ 48 إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر 1/ 509 ، الدر المصون 1/ 5210 .
([5])الكشف عن القراءات السبع وعللها وحججها مكي بن أبي طالب 2 / 375 ، زاد المسير 7/429  .
([6])ينظرفى ذلك: المعجم المفهرس لألفاظ القرءان الكريم 419.
([7])ينظر فى ذلك: لسان العرب 4 / 482 ، مختار الصحاح 1 /159 ، تاج العروس 12/ 384 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق