الثلاثاء، 25 فبراير 2014

وجه الإعجاز البلاغي في القراءات الواردة في كلمة سخرياً



                               اوجه الإعجاز البلاغي في القراءات الواردة في كلمة (سخرياً )
في الآيتين الآتيتين :
                                               ·في قوله U:} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ { [المؤمنون/110]
                                                                                     ·في قوله U :} أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ{  [ص/63]
أولاً – القراءات الواردة في كلمة (سخرياً) في الآيتين السابقتين : قرأ المدنيان و حمزة و الكسائي وخلف بضم السين في"سُخريا"في الموضعين و قرأ الباقون بكسرها فيهما ([1]).
ثانياً – اتفق أهل القراءات المتواترة على ضم السين في"سُخريا"في موضع سورة الزخرف ([2]) في قولهU:} وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {[الزخرف/32]، و في قراءة شاذة لابن محيصن ([3]).، و أبي بشر بكسر السين في "سِخريا"ً في موضع سورة الزخرف ([4]).
ثالثاً – توجيه القراءتين :
يرى البعض: أنهما لغتان في الكلمة بمعنى واحد ([5]) ،ويري البعض الآخر: التفريق بين الكسر و الضم في السين،فقراءة الكسر من" السخرية "وهو الاستهزاء،واستدلوا على هذا المعنى باتفاق القراءات المتواترة على ضم السين في موضع سورة" الزخرف". حيث إن معنى الاستهزاء لا يتناسب مع السياق وإنما الذي يتناسب هناك هو التسخير و أن قراءة الضم بمعنى التسخير، وهو الخدمة بمعنى : السُّخرة والاستخدام ([6]).
رابعاً – توجيه القراءة الشاذة بكسر السين في"سِخريا"في موضع سورة الزخرف :
قد بينت أن قراءة الضم تكون بمعنى: التسخير، وهذا المعنى مراد ههنا في سورة الزخرف ، حيث إن المعنى-والله أعلم-: ورفعنا بعضهم بالغنى فوق بعض درجات ليتخذ بعضُهم الغنىُّ بعضاً الفقيرَ سخرياً، مسخرا ًفي العمل له بالأجرة أي : جعل الله - -Iبعضاً لبعض سبباً في المعاش في الدنيا ،وقيل: ليملك بعضــهم
بعضاً ([7])، ولا يتناسب معنى: السخرية و الاستهزاء ههنا، حيث إنه منافٍٍ لما هو مقصود في السياق([8]) ، وعليه فإن أهل التوجيه في تلك القراءة الشاذة جنحوا إلى القول بأن القراءتين ههنا" لغات" في الكلمة بمعنى واحد، حيث إن معنى الاستهزاء لا يتناسب مع السياق.
قلت : إن القول بأن هناك فرقا ًبين قراءة الكسر التي هي بمعنى الاستهزاء، و قراءة الضم التي هي بمعنى التسخير،هو الأولي والذي يطمئن إليه القلب،بدليل مابيّنتُ من معانٍ دقيقة في ذلك، حيث إن المعنيين مقصودان في موضعي:( المؤمنون ، ص ) ، حيث إن التسخير واقع ، والاستهزاء أيضاً واقع، ولذا كانت القراءتان المتواترتان في هذين الموضعين ، وهذا دليل علي الإعجاز البلاغي في القراءات؛ وأما القراءة الشاذة لابن محيصن بكسر السين في الزخرف، فيجوز حملها على معنى السخرية و الاستهزاء أيضاً، وتكون اللام في"ليتخذ" للعاقبة ،وليست للتعليل الذي نصت عليه القراءة الأولى([9]) ،وعليه يكون المعـنى
-والله أعلم-أن بعض الناس فَهم ما مَنَّ الله-U-به عليه من نعم دون غيره إنما يكون سببا في الاستهزاء بخَلْق الله-U ، ولم يدرك أن هذا ابتلاء من اللهI ولتسيير نظام الله-I-في ملكه،فَلِفَهْمِهِم الخاطئ كانت العاقبة بناء علي فهمهم أن سخِرَ بعضُهم من بعض،وفي هذا المعنى عتاب من  الله-U-لكل من يَسْخر من عباد الله-I-بنعم الله-U-عليه . فإن الله-U- قد خلق الناس متفاوتين في الدرجات، لتَكْمُل الحياة، فكل واحد منا يُكَمِّلُ الآخر لا فضل في ذلك للمخدوم على الخادم، ولكن الناس اتخذوا هذا التفاوت ذريعة للسخرية و الاستهزاء و التعالي و التفاخر.؛ والله أعلم .
وجه الإعجاز البلاغي في ذلك:
إن القراءتين المتواترتين اللتين وردتا في موضعي: ( المؤمنون ، ص )، تجد المعنيين مقصودين، ولكل قراءة معنى لايمكن أن تؤديه الأخرى، و أما موضع" الزخرف"، حيث لا يتناسب معنى الاستهزاء مع السياق فقد اتفقت القراءات المتواترة على قراءة الضم، ولا يقدح في ذلك ماورد من قراءة شاذة بالكسر في هذا الموضع ، حيث إن القراءة الشاذة بناء علي مابينت ، قد أضافت معنى دقيقا لايتعارض ولا يتناقض مع اتفاق القراءات المتواترة ، فالناس هم الذين اتخذوا التفاوت الذي جعله الله بين عباده لتَقُومَ الحياةُ ،حيث كل واحد في حاجة للآخر  ذريعة للاستهزاء و السخرية ، ولذا فإن اللام في" ليتخذ" تكون للعاقبة([10]) ،وهي كثيرة في كتاب الله-U-وقد أعطَتْنا هذا المعنى الدقيق الذي يتناسب مع السياق ،ولا يتعارض مع اتفاق القراءات المتواترة، . وهذا سرّ ٌدقيقٌ من أسرار الإعجاز البلاغي في القراءات.؛والله أعلم.





([1])انظر: الحجة في القراءات السبع 1/258 النشر في القراءات العشر 2/329 إتحاف فضلاء البشر 1/406
([2]) الحجة في القراءات السبع 1/258 النشر في القراءات العشر 2/329 إتحاف فضلاء البشر 1/406
([3])-هو:محمود بن عبد الرحمن بن محيصن المكى مقرئ أهل مكة مع ابن كثير  ثقة ت 123هـ انظر طبقات القراء 2/167.
([4]) ينظر شواذ القراءات للكرماني شواذ ابن خالويه 135 البحر البسيط 8/13.
([5])ينظر إتحاف فضلاء البشر1/406 الحجة في القراءات ا/491 الطبري 8/60 زاد المسيرة 493 المحرر الوجيز 4/157
([6])ينظر في ذلك الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/131 إتحاف فضلاء البشر 1/406 الحجة في القراءات 1/192 البحر المحيط 6/389 زاد المسير5/493 المحرر الوجيز 4/157 فتح القدير 4/554 الكشاف 4/252
([7])ينظر الطبري 25/76 البغوي 4/138 تفسير الجلالين 1/650
([8])ينظر فتح القدير للشوكاني 4/554 أبو السعود 3/46،  المحررالوجيز5/53
([9])ينظر في ذلك التوجيه البلاغي للقراءات د/أحمد سعد محمد 70 مكتبة الآداب بالقاهرة.
([10])ينظر في ذلك:التوجيه البلاغي للقراءات القرءانية د.أحمد سعد(70)بتصرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق