الثلاثاء، 25 فبراير 2014

اقوال عمار بن ياسر في نفاق معاوية بن ابي سفيان



أولاً:  أقوال عن عمار بن ياسر في نفاق  معاوية:
وإنما قدمته لكثرة النقول عنه ولأنه كان يتبعه أهل بدر وسائر الصحابة يوم صفين كأنه لهم علم،  فقد ثبت عن عمار بن ياسر وهو من رموز السلفية العتيقة ( ومهجور من السلفية المحدثة) أن رموز جيش أهل الشام ( من الطلقاء وأشباههم) لم يسلموا، وإنما استسلموا وأسروا الكفر، حتى وجدوا على الحق أعواناً، وكان الأولى بالسلفي إن كان سلفياً حقاً أن يرتب الرموز السلفية فلا ينتقل إلى رضواني قبل البدري، ولا تابعي قبل الصحابي، حسب المفهوم النظري  السلفي نفسه، وهذا الفرق بين السلفية العتيقة والسلفية المحدثة التي كثرت من بعد عهد الإمام أحمد سامحه الله.. والآن سنستعرض أقوال السلفية القديمة التي هي أقرب الرموز السلفية إلى النص، مع إيماننا بأن الحجة في النص، لكن نحتج على القوم بمنهجهم، ليتبين لشبابهم أن الشيوخ خادعون أو مخدوعون بدعوى سيرهم على عقائد السلف الصالح..
فروي من طرق مجموعها يفيد الصحة عند أكثر المتشددين من أهل الحديث جزم عمار وقسمه بأن معاوية لم يسلم وأنه منافق، بعضها بالتصريح وبعضها بالمعنى،.. وقد رواه عن عمار بن ياسر جمع من التابعين، بلغوا أكثر من خمسة عشر وهم:
 سعد بن حذيفة بن اليمان، وفيه الدليل الخاص والأقوى. وأبو البختري، والقاسم مولى يزيد بن معاوية
وربيعة بن ناجد، وأبو عبد الرحمن السلمي  وعبد الله بن سلمة  وأسماء بن الحكم الفزاري والصقعب بن زهير وزيد بن وهب وحبة بن جوين العرني و عبد الملك بن أبي حرة الحنفي  وعبد الرحمن بن أبزى،  وأرسله من غير شهود العيان: سلمة بن كهيل وحبيب بن أبي ثابت ومنذر الثوري.
( وروايات هؤلاء مفصلة في المبحث الأصلي، وإنما سأختار ما يدل على أن معاوية لم يسلم أصلاً، كسائر زعماء قريش، وهذا يدل عليه القرآن الكريم – كما كررنا، وكلنا يحفظ سورة الكافرون، والله لا يتوقع بل يخبر، فمن شاء فليصدق الله ويكذب ما قيل في إيمان قريش وخاصة المتأثرون بالثأرات والحسد والزعامة، ومن شاء فليصدق التاريخ وليكذب القرآن الكريم.. ولكن لا يخادع نفسه، ليقرأ سورة الكافرون وأول يس وأول البقرة ثم ليختار.. هل يصدق الله أم العقيدة المحدثة، هل يتبع الله أم الرموز التاريخية، فالنصوص القرآنية واضحة جداً لا تحتمل الزحلقة، وهو ابتلاء كبير للمؤمن.
وسنذكر بعض آراء السلفية العتيقة التي تتفق مع القرآن الكريم، لإيماننا أن القرآن الكريم لا يكفي عند هؤلاء حتى يعضده بعض السلف، فهاهم السلف الصالح!
 
1-            سعد بن حذيفة عن عمار بن ياسر:
 فقد روى ابن أبي خيثمة في تاريخه المسمى تاريخ ابن أبي خيثمة - (2 / 991) قال :  حَدَّثَنَا أبي (زهير بن حرب ثقة) ، قال : حَدَّثَنا جَرِير ( هو ابن عبد الحميد ثقة)، عَنِ الأَعْمَش ( ثقة) ، عن مُنْذِرٍ الثَّوْرِيّ ( ثقة) ، عن سَعْد بن حُذَيْفَة ( ثقة) ، قال : قال عَمَّار (بن ياسر) – أي يوم صفين- :
 ( والله ما أَسْلَموا ولَكِنَّهُم اسْتَسْلَمُوا وأسرُّوا الْكُفْر حَتَّى وجدوا عليه أَعْوَانًا فأَظْهَروه )[1] اهـ.
التعليق :
 السند صحيح على شرط الشيخين إلا سعد بن حذيفة بن اليمان وهو تابعي كبير ثقة، بل يحتمل أن له صحبة كما سيأتي، فالسند صحيح ورجاله كلهم ثقات سمع بعضهم من بعض.. وعنعنة الأعمش في الصحيحين ( راجع الملحق)، وهذا القول قاله عمار بن ياسر يوم صفين، ومعناه واضح؛ فعمار بن ياسر ميزان تلك الحروب يقسم بالله أن معاوية وأمثاله من رموز أهل الشام لم يسلموا يوم فتح مكة وإنما استسلموا وخضعوا حتى يجدوا على الحق أعواناً، وله شاهد من حديث ابن عمر في قصة التحكيم ( أولى بهذا الأمر من ضربك وأباك على الإسلام حتى دخلتم فيه كرهاً) واصله في صحيح البخاري كما سيأتي، ويدل على هذا القرآن الكريم ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وأمثالها من الآيات التي ستتناول رؤوس الكفر أكثر من تناوله عوامهم، عدل الله يقول هكذا ، ولكن لنستمر مع الآثار المروية عن عمار بن ياسر، أعني الشواهد ولها حكم الرفع ولذلك أورد بعضها أحمد في المسند ضمن مسند عمار بن ياسر – كما سيأتي- مما يشير إلى أن لها قوة الحديث المرفوع على الراجح من فعل أحمد، لأنه أورد بعض هذه الآثار وسط أحاديث عمار المرفوعة، وكأن أحمد فهم من قسم عمار وتأكيده على ذلك أنه يعلم علم اليقين أن هؤلاء لم يسلموا وأن معه فيهم خبراً من النبي (ص)..
إذن فمن الآثار الأخرى عن عمار بن ياسر مما يندرج تحت الإسناد الصحيح السابق ما يلي:
2-            منذر الثوري عن عمار بن ياسر :
وهو من شواهد الحديث السابق، فقد روى نصر بن مزاحم[2] (صفين ص216) وهو من ثقات الشيعة عن فطر بن خليفة وهو ثقة ( من رجال البخاري والسنن) عن منذر الثوري (وهو ثقة من رجال الجماعة) عن عمار بن ياسر قوله: ( والله ما أسلم القوم ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعواناً).
قلت: ظاهر الإسناد الصحة، فرجاله ثقات، إلا نصر بن مزاحم مختلف فيه والراجح أنه ثقة وإنما ضعفوه مذهبياً،  لكن في الإسناد علة أخرى فالصواب أنه منقطع فمنذر الثوري من الطبقة السادسة ولم يدرك عماراً، والراجح أن بينه وبين عمار سعد بن حذيفة بن اليمان كما في الرواية الأولى، وهذه عادة التابعين قد يسردوا القصة ويذكرون الواسطة وقد يرسلون، كما نقول اليوم ( قال الشيخ فلان..) وقد نخبر بواسطتنا في نقل قوله من كتاب أو قناة أو مذياع..الخ، وعلى هذا فهذا الأثر هو عين الأول إن كان شيخه فيها سعد بن حذيفة.
ورواية منذر الثوري لهذا الأثر عن عمار يدل على شهرة هذا الأثر عن عمار في أوساط أصحاب الإمام علي في الكوفة ... وكانوا أصحاب عمار بن ياسر أيضاً وأبناء أصحابه..
وهذا الرأي السلفي القديم الذي أخفته السلفية المحدثة وأحلت مكانه رأي أبي توبة الحلبي وأمثاله من رموز السلفية المحدثة..
3-            حبيب بن أبي ثابت عن عمار بن ياسر مرسلاً:
وهو من شواهد حديث عمار السابق، وهذا رواه نصر بن مزاحم (في كتاب صفين ص215) عن عبد العزيز بن سياه (وهو ثقة من رجال البخاري ومسلم) عن حبيب بن أبي ثابت (وهو ثقة جليل لكنه كثير الإرسال والتدليس وهو من رجال الجماعة) قال حبيب- :
(لما كان يوم صفين قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم وأموالهم؟!
قال: بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعواناً).
أقول: الإسناد رجاله ثقات على التفصيل السابق في نصر بن مزاحم ولكنه مرسل، فحبيب بن أبي ثابت مع كونه تابعياً لم يسمع من عمار لكنه أعني حبيباً- سمع من كثير ممن شهد صفين مع علي وسمع من عمار؛ كأبي الطفيل عامر بن واثلة وزيد بن أرقم (صحابيان)  وأبي وائل وعاصم بن ضمرة وأبي عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عباس وغيرهم فلعله أخذ من أحد هؤلاء، أو من كثير منهم فهذا محتمل، وهو هنا شاهد فقط فقد صح الأصل، ومثله يقبل في الشواهد حتى عند المتشددين من أهل الحديث، ولو كان في السند وضاعون لما ضره لأن الأصل قد صح كما سبق،  ثم لا يفهم أحد أن الحديث يدل على الإكراه في الدين، كلا إنما يدل على توحيد الناس تحت راية واحدة ( دولة واحدة) وهذا مشروع بخلاف الإكراه على الدين، فلا إكراه في الدين، لكن لأن العقائديين حشروا كل الجزيرة في الإسلام فلذلك لم يفهموا حرية الاعتقاد في القرآن وهذا مبحث آخر .
وفي المعنى العام روى حبيب بن أبي ثابت أخباراً أخرى عن عار بن ياسر في ذم معاوية أثبتناها في الأصل.
4-             القاسم مولى يزيد بن معاوية  عن عمار بن ياسر:
شاهد (2) : روى نصر (ص213) عن عمر بن سعد (بن أبي الصيد الأسدي) عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن القاسم مولى يزيد بن معاوية عن عمار بن ياسر في رواية طويلة- فيها (يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما فلما أراد الله أن ينصر دينه وينصر رسوله أتى النبي (ص) فأسلم وهو الله فيما يُرى راهب غير راغب وقبض رسول الله (ص) وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية فالعنوه لعنه الله وقاتلوه فإنه ممن يطفي نور الله ويظاهر أعداء الله).
أقول: الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا شيخ نصر بن مزاحم، وهو عمر بن سعد فهو (شيعي قديم متروك  الحديث) عندهم حسب قول أبي حاتم الرازي، وقد أكثر عنه نصر بن مزاحم، لكن كثيراً مما رواه عنه نصر قد توبع عليه، وكذلك نصر بن مزاحم فيه تفصيل سبق أكثر من مرة، إلا أن نصراً وشيخه قد توبعا، فروى الحديث الطبري في تاريخه من طريق أبي مخنف، فقال في تاريخه -  تاريخ الطبري- (3 / 82)-  قال أبو مخنف وحدثني عبدالله بن يزيد بن جابر الأزدي عن القاسم مولى يزيد بن معاوية.. فذكر الحديث عن أيام صفين وتعبئة الكتائب والقتال وفيه النص نفسه تقريباً وفيه وهو (وأخذ عمار يقول يا أهل العراق أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما رأى الله عز و جل يعز دينه ويظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وهو فيما نرى راهب غير راغب ثم قبض الله عز و جل رسوله صلى الله عليه و سلم فوالله إن زال بعده معروفا بعداوة المسلم وهوادة المجرم فاثبتوا له وقاتلوه فإنه يطفئ نور الله ويظاهر أعداء الله عز و جل)، وأبو مخنف من أهل الحديث والفقه والعلم رغم طنعهم المذهبي فيه، بل كان من علماء الوقت  في العصر العباسي الأول ( عصر أبي جعفر المنصور) وهو ثقة ثبت عند التحقيق، بل هو أوثق من البخاري وأحمد بن حنبل عند إعمال التعديل العلمي والجرح العلمي، أما عند الحكم المذهبي فسيكون ضعيفاً بل يقد يكون من أكذب الناس، لكننا هنا نتحدث بالعلم لأهل العلم، فإذا سمع منا هذا أهل العلم فنقول لهم ( ادرسوا أبا مخنف دراسة علمية، وادرسوا صحيح البخاري دراسة علمية) وستجدون أبا مخنف أوثق من البخاري وألصق بالحق وأهله، وهو من جملة الذين ظلمهم أهل الحديث ولم يستغنوا عنه، كما أنهم غلوا في البخاري ولم يعولوا على تاريخه كما عولوا على أبي مخنف، وأبو مخنف عالم بفن البخاري ولكن البخاري غير عالم بفن أبي مخنف، فاكتمل هذا من حيث نقص ذاك..
والخلاصة هنا في الإسناد: أنه قد التقى الإسنادان في عبد الرحمن بن يزيد بن جابر[3] (شيخ أبي مخنف وعمر بن سعد شيخ نصر، ووهم من سماه عبد الله)  وهو ثقة من رجال الجماعة، والقاسم مولى يزيد بن معاوية شيخ عبد الرحمن- قال ابن حجر (صدوق يغرب كثيراً) وقد بين ابن معين أن الخطأ يقع من غيره يرفعون أحاديث موقوفة عليه وقد وقفها عليه رجال أوثق ممن رفعها.
ولكن هناك شك في سماعه من عمار فقد ذكر بعضهم أنه لم يسمع إلا من أبي أمامة الباهلي، لكن البخاري يثبت له سماعاً من ابن مسعود وعلي بن أبي طالب وغيرهم، فالله أعلم.
وإذا اثبت سماعه من علي أو ابن مسعود فسماعه لعمار صحيح لأن ابن مسعود مات قبل عمار بنحو خمس سنوات وعلي بعد عمار بنحو ثلاث سنين وقد ذكروا عنه أعني عن القاسم هذا- أنه أدرك أربعين من البدريين فإن صح، فالرواية موصولة، ويكون إدراكه لهؤلاء في صفين وكانوا مع علي، والقاسم هذا ربما أحضره بنو أمية معهم في صفين مكرهاً فهو مولى لآل أبي سفيان ويقال له: مولى معاوية، ويقال: مولى يزيد، وفي موالي الظالمين عدول وإن قلوا، ولم يمت إلا بعد المائة.
إذن فالقاسم هذا صدوق في الجملة وهو من رجال السنن الأربعة.
والخلاصة: أن الإسناد حسن  لا سيما في المتابعات والشواهد،  واللفظ الأقرب للصحة هو اللفظ الأول لعمار ( من رواية سعد بن حذيفة بن اليمان عنه).
5-           عبد الله بن سلمة عن عمار (وسأورده لشهرته) وهو من الشواهد العامة:
ومصادره كثيرة جداً، فقد رواه أبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة[4] والإمام أحمد في المسند، والبلاذري في الأنساب، وأبو يعلى في مسنده،  وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير، والحاكم[5] في المستدرك، كلهم من طريق محمد بن جعفر (غندر)[6] حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة يقول: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً آدم طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله (ص) ثلاث مرات وهذه الرابعة والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلالة اهـ.
أقول: الإسناد صحيح،  وله حكم الرفع، وسيأتي من هذا الطريق ما يؤكد رأي عمار هذا، ولذلك أورده أحمد في المسند، واللفظ لأحمد والطبراني، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد . محقق - (ج 7 / ص 175): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن سلمة وهو ثقة إلا أن الطبراني قال: لقد قاتلت صاحب هذه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة) اهـ/ وفي طريق عبد الله بن سلمة هذا قال البوصيري في كتابه: ( إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 8 / ص 5): رواه أبوداود الطيالسي وأبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند صحيح..
ومما ورد مما يشبه هذا في أنساب الأشراف - (1 / 328):  وحدثني وهب بن بقية وسريج بن يونس وأحمد بن هشام بن بهرام، قالوا: أنبأنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك، عن محمد بن عبد الله المرادي، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء في معاوية وعمرو؛ وعمار يقول له: الصق بالعجوزين فقال له رجل: أيقال الشعر عندكم ويسب أصحاب رسول الله ويسب أصحاب بدر ؟! فقال: إن شئت فاسمع وإن شئت فاذهب فإن معاوية وعمراً قعدا بسبيل الله يصدان عنه، فالله سابهما وكل مسلم، وإنه لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه الإماء بالمدينة اهـ
قلت:  وهذا الرجل الذي نهى عماراً لا بد أن يكون من دسائس معاوية ( وله في العراقيين دسائس)، فكأنه يجعل معاوية وعمرو بن العاص من أهل بدر! أو أن الرواية زاد فيها بعض الرواة.
والخلاصة في مجموع روايات عبد الله بن سلمة عن عمار: أن السلف الحق كعمار وأمثاله يرون معاوية على الضلالة.. وفي الروايات التي لم أذكرها ألفاظ أكثر دلالة مثل ( وما هذه بأبرهن ولا أتقاهن)، يعني أن راية معاوية يوم صفين كرايته يوم بدر وأحد والخندق ..وهذا يعني ماذا؟ يعني أنه منافق وأنه لم يسلم أصلاً، أو أنه ارتد، وحتى وصف معاوية بالضلالة فقط لا ينافي نفاق معاوية ولا انه يموت على غير الإسلام ولا كونه أستسلم ولم يسلم.. بل الضلالة ممازجة لهذا كله..
6-            زيد بن وهب عن عمار، وفيها شاهد خاص:
 قال الطبري - في تاريخ الطبري - (ج 4 / ص 27)-  : حدثنى محمد عن خلف قال حدثنا منصور بن أبى نويرة عن أبى مخنف
 وحدثت عن هشام بن الكلبى عن أبى مخنف[7] قال:
حدثني مالك بن أعين الجهني[8] عن زيد ابن وهب الجهني[9] أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ أين من يبتغى رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟.. فذكر الرواية وفيها:  حتى دنا من عمرو فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا طالما بغيت في الاسلام عوجا وقال لعبيد الله بن عمر بن الخطاب صرعك الله بعت دينك من عدو الاسلام وابن عدوه.. الرواية)[10] اهـ باختصار.
التعليق: السند صحيح، أبو مخنف وشيخه وزيد بن وهب ثقات، سمع بعضهم من بعض، وزيد بن وهب شهد صفين وكان من الملتصقين بعمار، فهو شاهد عيان،  فمعاوية عند عمار وأمثاله من السلف الحق، هو عدو الإسلام وابن عدوه.. وهذا يؤكد رأيه في أن معاوية وأباه لم يسلما أصلاً..
7-           عبد الملك بن أبي حرة الحنفي عن عمار
 في تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 96) قال أبو مخنف: حدثني عبد الملك بن أبي حرة الحنفي، أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس، فقال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهرت لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أن عملاً من الأعمال هو أرض لك منه لفعلته اهـ
 قلت: انظروا هذا اليقين! أين يقين السلف اليوم؟
أما الإسناد فسبق الكلام في أبي مخنف وهو ثقة لكن المتأخرين ضعفوه مذهبياً لقطع الطريق عن معرفة كثير من الأحداث وخاصة مأساة الإمام الحسين، فعبد الملك بن أبي حرة  هو راوي كلمة الإمام علي ضد المحكمة ( كلمة حق يراد بها باطل) وله رواية مشهورة عن أبيه في كتب الخراج والأموال ( في كتابة عمر بن الخطاب لحذيفة في ذلك)،  ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وسكت عنه، وقد روى عنه أبو مخنف نحو عشر روايات في أخبار صفين والخوارج ورواياته مستقيمة ومشهورة إلا أني لا أعرف هل شهد الأحداث أم أنه يرسلها، وهو شيخ مباشر لأبي مخنف، فإن كان قد شهد الأحداث صبياً فقد يكون عُمّر إلى نحو عام 120هـ كأبي الطفيل وغيره، وغنما قلت صبياً لأنه يروي عن أبيه عن عمر، فكأنه لم يدرك إلا أيام علي وما بعدها.
8-           أسماء بن الحكم الفزاري عن عمار بن ياسر:
 روى نصر بن مزاحم في كتابه في وقعة صفين - (ج 1 / ص 320) عن يحيى بن يعلى، عن صباح المزني، عن الحارث بن حصيرة عن زيد بن أبى رجاء، عن أسماء بن الحكم الفزارى قال:
 كنا بصفين مع على بن أبى طالب تحت راية عمار بن ياسر، ارتفاع الضحى - استظللنا ببرد أحمر، إذ أقبل رجل يستقرى الصف حتى انتهى إلينا فقال: أيكم عمار بن ياسر ؟
 فقال عمار بن ياسر: هذا عمار.
قال: أبو اليقظان ؟ قال: نعم.
قال: إن لى حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرا ؟
 قال: اختر لنفسك أي ذلك شئت.
قال: لا، بل علانية.
قال: فانطق.
قال: إني خرجت من أهلي مستبصراً في الحق الذى نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل، فلم أزل على ذلك مستبصراً حتى كان ليلتي هذه صباح يومنا هذا، فتقدم منادينا فشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ونادى بالصلاة، فنادى مناديهم بمثل ذلك، ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة، ودعونا دعوة واحدة، وتلونا كتابا واحدا، ورسولنا واحد، فأدركني الشك في ليلتي هذه، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله حتى أصبحت، فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت: لا.
قال: فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه، فجئتك لذلك.
قال له عمار: هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتى فإنها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وهذه الرابعة ما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل هي شرهن وأفجرهن[11]، أشهدتَ بدرا وأحدا وحنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها ؟ قال: لا.
قال: فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب، هل ترى هذا العسكر ومن فيه ؟ فوالله لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية  ممن يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا
خلقا واحدا فقطعته وذبحته، والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور، أفترى دم عصفور حراما ؟ قال: لا، بل حلال، قال: فإنهم كذلك حلال دماؤهم، أتراني بينت لك ؟ قال: قد بينت لى، قال: فاختر أي ذلك أحببت.
قال: فانصرف الرجل ثم دعاه عمار بن ياسر فقال: أما إنهم سيضربوننا بأسيافهم  حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولون: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، والله ما هم من الحق على ما يقذى عين ذباب، والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنا على حق وهم على باطل، وأيم الله لا يكون سلما سالما أبدا حتى يبوء أحد الفريقين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين، وحتى يشهدوا على الفريق الآخر بأنهم على الحق وأن قتلاهم في الجنة وموتاهم، ولا ينصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم وقتلاهم في الجنة، وأن موتى أعدائهم وقتلاهم في النار، وكان أحياؤهم على الباطل اهـ.
التعليق: هذه الرواية الطويلة لا أستبعد أنها الأصل، وإنما رواها أهل الحديث مقطعة، وحتى بعد تقطيعها لا يقولون : أصحاب معاوية على الضلالة، بل معاوية من سلفهم الصالح، وهكذا ينقص الخير والحق مع الزمن - كما ورد في الأحاديث- حتى لا يبقى أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل.
والخلاصة في أقوال عمار بن ياسر:
 أن هذه الآثار تفيد أن عمار بن ياسر وهو أحد السابقين من المهاجرين وأحد البدريين يرى أن معاوية لم يسلم أصلاً، وإنما تظاهر بالإسلام كأبيه، وأن قتاله لمعاوية صاحب تلك الراية الراية- يوم صفين كقتاله له في عهد النبي (ص) وهذا واضح أنه لا يراه مسلماً!  وإلا فلماذا نجده يقسم بالله أن هذه ليست بأبر ولا أصدق يقصد وقوف معاوية يوم صفين كوقوفه ضد النبي (ص) أيام النبوة، والكبار أمثال عمار لا يقسمون بالله إلا عن توقيف، لا سيما وهو صاحب حذيفة وشريكه في ذلك السر –
 وقوله هنا يشهد لقوله الآخر (والله ما أسلموا ولكن استسلموا...)، فالحديث حكمه حكم الرفع، وللحديث لفظ آخر بلفظ (والله لقد قاتلت بهذه الراية وفي لفظ- لقد قاتلت مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة...)،  وفي أقوال عمار دلالات نؤكد عليها:
1-أن عماراً شهد كل المشاهد مع النبي (ص) في بدر وأحد والخندق وخيبر وبني قريظة وفتح مكة وحنين...الخ وهذه أكثر من ثلاث! ولا يفهم من هذا إلا أنه خصص المعارك التي اشترك فيها معاوية، كأحد والخندق والأحزاب ( وفي شهوده بدراً مع المشركين خلاف).
2-ثم عندما يقول: (ما هذه بأبر ولا أصدق) أي راية معاوية، وفي هذا إخبار عن حقيقتهم وليس عن التعامل الظاهر معهم، فهم يعاملون في الظاهر معاملة المسلمين، لإعلانهم الإسلام ولو نفاقاً، ثم أهل الشام جم غفير، ولا يتهم عمار إلا ظلمتهم  ورؤوسهم ورأس الرؤوس معاوية .
فالصواب: إنه يحرض أصحاب علي ويقول لهم لا يغركم معاوية فقد قاتلته مع الرسول (ص) وما وقوفه ضدنا هذه المرة بأبر من ذلك الموقف ولا أصدق فالذم واقع على معاوية، ولذلك صح عنه من وجوه كثيرة قوله (والله لو ضربنا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أننا على الحق وأنهم على الضلالة) فعمار متيقن ولن يأتي هذا اليقين إلا من علم بحقيقة معاوية والله أعلم،  ويشهد لهذا أيضاً قول عمار في صحيح مسلم (ولكن حذيفة أخبرني أن النبي (ص) قال:  في أصحابي اثنا عشر منافقاً...) ومناسبة الحديث تدل على أن عمار يرى معاوية من هؤلاء وإذا كان يرى ذلك فلن يرى أن معاوية أسلم صادقاً، هذا كله دليل على أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يشكون في إسلام معاوية، وللأثر شواهد عن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (صحابي مهاجر)، وكذلك قول علي ( انفروا إلى بقية الأحزاب) وهو صحيح عن علي،  وغير ذلك من الآثار التي تدل في أقل الأحوال على أن هناك شكاً في صدق إسلام معاوية وكثير ممن معه كأبي الأعور السلمي وبسر بن أبي أرطأة وغيرهم وهذا لا يمنع وجود بعض الصالحين في أهل الشام  من ذوي الصلاح النسبي ( في العبادة دون العلم) كعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي مسلم الخولاني وذي الكلاع وشرحبيل بن السمط وغيرهم ممن غرر بهم معاوية  أو لبست عليهم شهادة الزور، وبعض الباحثين يرى أن هؤلاء داخلون في الذم، وإنما قد يعذر بعض العامة ممن ليس في فهمهم ومعرفتهم.
وقد شك بعض التابعين في إسلام معاوية أو على الأقل رأوا أنه لم يحسن الإسلام إذ ألبسه بكثير من الظلم وتبديل السنن، ولكن عند التأمل تلحظ أن هذا الرجل لم يسلم إلا مستسلماً، وبقي معروفاً بمعاداة المسلم ومحبة المجرم كما قال عمار.
ثم عمار بن ياسر كان من أبعد الناس عن التكفير، فكان إذا سمع من بعض أصحابه تكفير أهل الشام بالعموم كان ينهاهم، ويختار وصفهم بالظلم والفسق فقط، وقد صح ذلك من طرق هذه بعضها ففي مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 722): حدثنا يزيد بن هارون عن الحسن بن الحكم عن زياد بن الحارث قال : كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين ، وركبتي تمس ركبته ، فقال رجل : كفر أهل الشام ، فقال عمار : لا تقولوا ذلك نبينا ونبيهم واحد ، وقبلتنا وقبلتهم واحدة ، ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق ، فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه، / حدثنا وكيع عن حسن بن الحارث عن شيخ له يقال له رباح ، قال : قال عمار : لا تقولوا : كفر أهل الشام ، ولكن قولوا : فسقوا ظلموا / وكيع عن مسعر عن عبد الله عن رباح عن عمار قال : لا تقولوا : كفر أهل الشام ولكن قولوا : فسقوا ظلموا اهـ
ولا تعارض هنا بين اتهام معاوية وأمثاله من الرموز ممن يقصدهم عمار وتفسيق عامة أهل الشام وظلمهم، ومن توهم التعارض قدمنا الأصح عن عمار وهو الحكم على هؤلاء بأنهم استسلموا ولم يسلموا قط.. لكن بالتفصيل يصح الأمر لأن في جيش أهل الشام المغرر به والأحمق ودليل ذلك إن بعضهم لحق بعلي عندما تبين له الحق، وقد تركت طرقاً أخرى كثيرة عن عمار بن ياسر.. سبق ذكر الرواة عنه..


[1] روى الطبراني عن سعد بن حذيفة بن اليمان قال: (قال عمار بن ياسر يوم صفين وذكر أمرهم وأمر الصلح فقال: والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما رأوا عليه أعواناً أظهروه)! قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/118) رواه الطبراني في الكبير وسعد بن حذيفة لم أر من ترجمه! ) قلت: كيف لم يجد له ترجمة؟  وهو مترجم في طبقات ابن سعد وتاريخ البخاري وتاريخ ابن أبي خيثمة وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وفي ثقات ابن حبان وغيرها؟ هذه تقية من الهيثمي! إذ لم يجد في السند طعناً فلجأ إلى التظاهر بالجهل! انظر ترجمة سعد بن حذيفة في الملحق..
[2]  نصر بن مزاحم المنقري ( 212هـ) هو ثقة شيعي، ضعفه بعضهم مذهبياً.
[3] وهناك وهم في اسمه في رواية أبي مخنف،  في قولهم ( عبد الله بن يزيد بن جابر) إنما هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.
[4] مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 725) حدثنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال ..فذكره / ورواه من طريق غندر أيضاً (مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 727):  حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة.. فذكره..
[5] رواه الحاكم  في موضعين من ثلاث طرق عن شعبة، وهم يزيد بن هارون وأبو الوليد ووهب بن جرير..
[6]   إلا الطيالسي فإنه رواه عن شعبة مباشرة وعن الطيالسي رواه البلاذري، أنساب الأشراف - (ج 1 / ص 75): حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا أبو داود الطيالسي، أنبأ شعبة، أنبأني عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الله بن سلمة يقول: رأيت عماراً يوم صفين شيخا آدم، في يده الحربة، وإنها لترعد. فنظر إلى عمرو بن العاص ومعه الراية، فقال: إن هذه راية قد قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وهذه الرابعة. والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضلال اهـ 
[7] أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم  الأزدي ثم الغامدي ( 157هـ = أو 175هـ)، جده مخنف بن سليم صحابي فاضل، وأبو مخنف من أهل الفضل والفقه والحديث والتاريخ، وشهرته بالتاريخ أكثر، وكان من علماء الوقت أيام المنصور وابنه المهدي، وهو ثقة كبير لكن غلاة السلفية ضعفوه مذهبياً لكثرة رواياته في مأساة الحسين، وقد روى القصة عن شهود عيان وغيرهم  فأحسن الاستقصاء، وفي رواياته الصحيح والضعيف من قبل شيوخه كالبخاري وأحمد بن حنبل وغيرهم ممن في روايتهم الصحيح والضعيف وقد أفردته بدراسة قد أوردها في الملحق، ومادته التاريخية تدل على صدقه وتحريه وتثبته، لكن في شيوخه بعض الضعفاء كمجالد بن سعيد.
[8] مالك بن أعين الجهني، من أتباع التابعين، كوفي  توفي بعد 148هـ وله شعر في رثاء الباقر والصادق، جهله أهل الحديث لعدم اهتمامهم بالرواة الشيعة ولا الشعراء، ففي الجرح والتعديل - (ج 8 / ص 206): مالك بن اعين الجهنى روى عن زيد بن وهب روى عنه أبو مخنف لوط بن يحيى سمعت ابى يقول ذلك [ ويقول: هو مجهول – اهـ وكذلك قال الذهبي في الميزان وابن حجر في اللسان! وهو من أبرز شيوخ أبي مخنف ، ومن المكثرين عن زيد بن وهب، .. وله قصة أيام خالد القسري فقد ذكر مع المغيرة بن سعيد وبيان ولكنه صدقهم فنجا ( هكذا مفاد الرواية) وليس من أخوة زرارة بن أعين، قاله الشيعة في تراجم آل أعين، ولكن عدوه من أصحاب الباقر، وشكك بعضهم في تشيعه بالمعنى الخاص، فروى الكشي عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، أن مالك بن أعين ليس من هذا الأمر في شئ اهـ أي أنه من العامة أي أهل السنة..
[9] زيد بن وهب ثقة من رجال الصحيح ( نحو 96هـ) ، بل هو مترجم في الصحابة ممن لهم إدراك (الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 166) زيد بن وهب الجهني:  أدرك الجاهلية يكنى أبا سليمان وكان مسلماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحل إليه في طائفة من قومه فبلغته وفاته في الطريق وهو معدود في كبار التابعين بالكوفة.)
[10] كون أبو سفيان عدو الإسلام هو رأي الصحابة السابقين ( وكما في قصة عمار وسلمان وبلال وأمثالهم مع أبي بكر، وقد أقرهم النبي (ص) وأنكر على أبي بكر استعظامه هذا القول) ومعاوية لم يفارق أباه في جاهلية ولا إسلام بل تخلق بأخلاقه واعتقد عقائده وكان مخلصاً له مفتخراً به ماشياً على خطاه، وهذه الثقافة الأصيلة في كون أبو سفيان عدو الله، وكون ابنه معاوية عدو الله وابن عدوه كان عليها الصحابة المتقدمون، وبهذا الفرز لو تم كان يمكن أن ينجو الإسلام من أثر السلطة والتاريخ، ولذلك نجد من شواهد قول عمار هذا أن ملازميه كانوا يرددون هذا القول، فقد روى زيد بن وهب هذا القول عن عمار وعن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ( صحابي وكان من قواد علي يوم صفين وكان ملازماً لعمار)،  ففي الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 263) يإسناد هو: حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان ( هو الجعفي)، قال: حدثني نصر بن مزاحم، حدثنا عمرو بن سعد، حدثنا مالك بن أعين، عن زيد بن وهب الجهني أن عبد الله بن بديل قام يوم صفين في أصحابه، فخطب، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ألا إن معاوية أدعى ما ليس له، ونازع الأمر أهله، ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحق، وصال عليكم بالأحزاب والأعراب، وزين لهم الضلالة، وزرع في قلوبهم حب الفتنة، ولبس عليهم الأمر، وأنتم والله على الحق، على نور من ربكم وبرهان مبين، فقاتلوا الطغاة الجفاة، " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم " التوبة 15 وتلا الآية. قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله، وقد قاتلتموهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر، قوموا إلى عدو الله وعدوكم، رحمكم الله اهـ وعبد الله بن بديل له صحبة وكان من ألصق الناس بعمار، وهذه ثقافة عمار بن ياسر تنتشر في أصحابه من الصحابة والتابعين بإحسان،  وهي الثقافة السلفية المنسية.
[11] لأن معاوية يحارب الإسلام هنا باسم الإسلام، فيكون ضرره أبلغ على الإسلام وأهله، بينما كفار قريش كانوا مختلفين، وأكثرهم يقاتلون على العصبية وتعدد الآلهة، صحيح أن أبا جهل كان يدعو يوم بدر ( اللهم من كان أقطعنا للرحم فكبه اليوم لوجهه) إلا أن باطله لم يجز في الأمة كما جاز باطل معاوية، لأنه لم يتولّ السلطة فقط! ولو نجا وتولاها ولو أسلم منافقاً لكنا نقول اليوم ( الأمير الكبير سيد بني مخزوم أبو الحكم عمرو بن هشام رضي الله عنه)! ولذلك لن نفلح إلا لم نفهم فهم السلف الحق، ونترك السلف المزيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق