. الصعوبات التي تواجه التمويل بالقرض الحسن :
إن استخدام القرض الحسن كوسيلة
للتمويل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أمر تنفرد به الشريعة الاسلامية ،
وأسلوب تتبعه المؤسسات المصرفية الاسلامية طبقاً لما تراه متناسق مع الدستور
المنظم لعملياتها ألا وهو الشريعة الاسلامية ، وتلك الوسيلة حسب هذا الدستور تكون
متناغمة مع ما يتطلبه النظام الاقتصادي ، من خلال إسهام ذوي القدرة الأغنياء
والميسورين في دعم كفة الفقراء والمحتاجين عن طريق توفير السيولة اللازمة
للمشروعات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة ، مثال ذلك تمويل الإسكان الشعبي ، صناعات
التي تتعلق بذوي الحرف والمهن البسيطة كالنجار والحداد .
والغاية هنا تتشكل من قيمة العمل المكتسب الجاد
الذي يثمر عن توليد اكتفاء ذاتي للمقترضين ، بالإضافة إلى العدالة التي ستنشأ
نتيجة التوزيع الحقيقي للموارد ، وتقليص نسبة الفوارق الطبقية بسبب مزج التعامل
بين المقرضين والمقترضين ، وكنتيجة حتمية هو تكوين مجتمع إسلامي متكامل ومتكافل .
وبالرغم من كل تلك المنافع التي ستتحقق من خلال
التمويل
بطريقة القرض الحسن ، إلا أنه يصطدم بعدة عقبات منها :
1. إن فلسفة النظام المصرفي تقوم على توظيف واستثمار
الأموال وتحقيق تنمية المجتمع ، ويعني ذلك أن المصارف ليست مؤسسات خيرية ، أو بيوت
أنشئت للتبرع والإحسان .
2. انعدام الحافز المادي الذي يتأمله المقرض في العادة
، ويسعى من أجل تحقيقه وخاصة في ظل العصر الذي أصبح فيه الوازع الديني ضعيف أو خافت
، حيث أضحى الربح والانتفاع هو الجانب الأهم من خيارات المُقرض والحافز الذي ينشده
من خلال تقديمه القرض ، وهو أمر واقع في زماننا هذا ، ولا مجال لإنكاره أو التغافل
عنه ، ويجب التعامل معه من منطلق عملي واقعي .
3. عدم توافر القناعة لدى المسلم بقدرة القرض الحسن
في تمويل المشروعات الإنتاجية وتحقيق أهداف التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية
، وغياب الثقة تجاه فاعلية القرض الحسن كأداة للتمويل في ميدان القطاعات الإنتاجية
.
4. القرض الحسن يتنافى مع نظام الفائدة الراسخ رسوخاً
عميقاً في الحياة الاقتصادية الحالية ، فإذا تم انتهاج أسلوب التمويل بالقرض الحسن
كبديل للقرض بفائدة ، فلا بد فإنه سيثير مشكلات في غاية التعقيد ، لأن الفائدة تعتبر
الأساس الذي قامت عليه المصارف التجارية التي كونت النظام المالي الحالي ، ولا ننسى
أن جميع اقتصاديات الدول الإسلامية تعمل في ظل هذا النظام ، وهي تابعة فكريا في مجال
عالم المال والمصارف للفكر الغربي الناشئ على أساس الفائدة .
5. التقلبات في القدرة الشرائية للنقود ، نتيجة التغير
في قيمة سعر النقد سواء بالانخفاض أو الارتفاع ، وبالتالي ستكون ذات آثار ضارة على
الفرد والمجتمع وتغير دخول الأفراد أيضاً ، فعند انخفاض قيمة النقود سيعود الضرر على
المقرض وتختلف لديه القوة الشرائية عما كانت عليه عند الإقراض ، وعند ارتفاع قيمة النقد
فإن ذلك سيكون في غير مصلحة المقترض وسيؤدي إلى أثر مادي سيء عليه ، ويصبح العبء أكثر
من خلال
تكلفه دفع قيمة أكبر من قيمة القرض عند القبض ، وبالتالي فإن نتيجة تقلب المقدرة
الشرائية ستكون عائق كبير تجاه عملية الإقراض أو التمويل .
6. تأخر المقترض عن الوفاء بالقرض وخاصة في القروض المصرفية
، وما ينتج عنه من ضرر يلحق بالمُقرض فرداً كان أم مؤسسة ،وهذا يتطلب أخذ ضمانات كافية
على المقترض لأجل تمكين المقرض من استرجاع حقوقه كاملة ، وهذا يعتبر حل مناسب لجعل
المُقرضين يقبلون على عملية التمويل بالقرض الحسن ، ولكن هي بنفس الوقت ستشكل عقبة تجاه المُقترض الذي
سيرى في تلك الضمانات تقييد عملية الإقبال على طلب القرض الحسن ، لأن كثير من الأشخاص
الذين يحتاجون إلى القرض الحسن هم من طبقة الفقراء ، فلو كان لديهم تلك الضمانات لما
لجأوا إلى المصرف لتوفير حاجاتهم ، وتشكل هذه النقطة مشكلة معقدة تقف حائل أمام تقديم
القروض الحسنة بسهولة ويسر .
7. قلة التجارب في استخدام القرض الحسن في عملية التمويل
، وعلة هذا الأمر هي محدودية نطاق تعامل المصارف الإسلامية بهذه الأداة في عملية الاستثمار
والإنتاج ، مما أدى إلى جعلها بلا تأثير يذكر في صياغة نظام مالي خال من الفائدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق