الجمعة، 21 فبراير 2014

القرض الحسن كاداة لتنمية المجتمع


دور  القرض الحسن كوسيلة في تنمية المجتمع
القرض الحسن كأداة للتمويل وأثره في عملية التنمية.
يعزو العديد من من خبراء التنمية ظاهرة التخلف في البلدان النامية إلى كونها نتاج التقدم والهيمنة والتبعية التي مارستها الدول المتقدمة على الدول المتخلفة، وكان هذا التقدم لازم لعملية التراكم الرأسمالي في بعض الدول ، ومن طرف ثاني لتكريس التخلف في دول أخرى من أجل زيادة التقدم ، فقد قامت عدة دراسات حول السبب الكامن وراء التراكم الرأسمالي للعالم الذي اقلع باتجاه التقدم .
فوصلت هذه الدراسات إلى القول أن السبب هو الهيمنة والتبعية التي فرضت على الدول المتخلفة باعتبارها مصدرا للمواد الأولية وسوقا رائجة لبضائع الدول المتقدمة ، ومكاناً لاستثمار رؤوس أموالها([1]) ، وأن هذه التبعية والهيمنة الوافدة وتدخل الشركات المتعددة الجنسيات ، وارتباط اقتصاديات الدول المتخلفة بالمركز الرأسمالي ووجود رأس المال الأجنبي والقنوات التجارية ، أدت إلى انقسام الاقتصاد العالمي نحو قسمين :
o       اقتصاد مُستغِل .
o        واقتصاد مُستغَل .
وإذا نظرنا على صعيد بناء الاقتصاديات المتخلفة ، فقد أدت الأسباب السابقة إلى تشوه هذه الاقتصاديات ، والى تعدد الأنماط فيها ، والى تفكك قطاعاتها الاقتصادية وانتشار الازدواجية فيها ([2])، وتظهر هذه الازدواجية في كل جانب من جوانب الاقتصاد الوطني ، فنجد قطاعاً زراعياً وقطاعاً صناعياً لا علاقة بينهما ، ونجد سوقاً مالية محدودة وأخرى أجنبية لا يوجد أي رابط بينهما ، ونجد قطاعات اقتصادية عديدة لكن مبعثرة ومرتبطة بالمركز إلى جانب قطاعات اقتصادية متخلفة.
إن التفكك في القطاعات الاقتصادية وعدم وجود ترابط وتواثق بينها لا يمكن تفسيره إلا بسبب التبعية الاقتصادية ، ووجود الاقتصاد الأجنبي المُستغِل والاقتصاد الوطني المُستغَل . وبالتالي نرى وجود اقتصاد متقدم يملك صناعة متطورة وإمكانية على استيعاب التكنولوجية الحديثة ، مع اقتصاد متخلف مرتبط بالزراعة التقليدية غير قادر على امتصاص التقدم التقني واستيعابه ، واقتصاد يتقيد بالإنتاجية المحدودة وبالاقتصاد المعيشي.
 وهذه التبعية والتفكك والازدواجية التي تعاني منها اقتصاديات المجتمع المتخلف ، ترجمت على شكل عدم قدرة هذه الاقتصاديات على تغطية حاجات الإنسان الأساسية ، وليس فقط انخفاض مستوى معيشة الإنسان ، فقد أصبح الإنسان في الدول المتخلفة يعاني من مأساة تمس وجوده الفيزيولوجي والإنساني ممثل في([3]) :
1. عدم تغطية حاجته من الغذاء اللازم للحياة .
2. المرض وتدهور الصحة وانخفاض معدل المعيشة .
3. الأمية وعدم تلبية حاجات الإنسان الثقافية والإنسانية .
 ومن خلال فهمنا لأسباب ونتائج التخلف نستطيع أن نجد الطرق الناجعة التي تمكننا من كسر هذا التخلف وماهية العملية التنموية المطلوبة ، فنجد أن التنمية هي (عملية شمولية ومتكاملة ، أي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي وإنما تشمل الجوانب الاجتماعية والفكرية والسياسية ولا يكفي كي نحقق التنمية تحقيق زيادة في الناتج القومي ولا حتى تحقيق زيادة في الإنتاج أو تبديل البنى الاقتصادية ، وإنما يجب رفع المستوى الاجتماعي والفكري والثقافي وكذلك مستوى الوعي والممارسة السياسية) .
إن التنمية يجب تركيزها على الإنسان ، لأنه أداتها ، ولأنه المستفيد منها ، وحتى تصبح التنمية بهذا الشكل فهي ليست مجرد تنمية للأشياء ، ولكنها تنمية للإنسان أولاً وقبل كل شيء . ويثير هذا المفهوم عدة اعتبارات منها أن الإنسان يجب أن يتحول من كونه عبارة عن كيان بايولجي يحتاج فقط إلى إشباع لحاجاته الأساسية ، إلى إنسان يوجد ضمن مجموعة من الأفراد الأحرار المشكلين للمجتمع ، ويتحمل عبء المشاركة في تحديد أهداف التنمية وتنفيذها .
إن التنمية عملية ذاتية وداخلية أي عملية تعتمد على النفس عصامية ولا تعتمد على العالم الخارجي في تمويل عملياتها كما يرى تيار من المفكرين الذين يعتقدون أن التنمية لا تأتي إلا من الخارج المتقدم على الداخل ، وهذا لا يعني عدم العمل على الاستفادة من العالم الخارجي أو التقدم الذي حدث في باقي أنحاء العالم ، لكن شريطة أن لا تتحول هذه الاستفادة إلى تبعية للعالم الخارجي ، فمصادر التنمية موجودة داخل أي بلد متخلف أو نامي ممثلة في الطاقة البشرية الهائلة ، وفي المواد الأولية والمتاحة.
ونفهم من العرض السابق لأسباب التخلف ونتائجه ، أن التنمية الكفيلة بكسر هذا التخلف يجب أن تكون ذات وجهين وجه اجتمعي ووجه اقتصادي لا يمكن فصل احد الوجهين عن الآخر فهما متكاملان ومتزامنان ويعتبر التمويل هاجسهم الأهم .
وقد حددت الشريعة الاسلامية وبشكل واضح اطر التنمية بمنظور إسلامي وبينت طرق التمويل المشروعة والقادرة على كسر التخلف والتبعية . وقد وضحنا في المبحث الأول من هذا الفصل الدور الذي تضطلع به المصارف الاسلامية في تمويلها لعملية التنمية، والقرض الحسن هو احد أوجه التمويل ، وللقرض الحسن وجهان الوجه الأول استهلاكي والوجه الثاني استثماري ، فالقروض الاستهلاكية هي القروض الممنوحة للأفراد ، من أجل سد حاجتهم الشخصية والعائلية الجارية ، في الغذاء والكساء والدواء والسكن ومستلزماته ، والمتعة ( اللهو ، النزهة ، والسفر..الخ) .
ونجد أن القرض الحسن الاستهلاكي موجه للتنمية الاجتماعية ، ويعالج نتائج التخلف وهو تمويل داخلي لا يرهق المقترض . أما القرض الحسن الإنتاجي فهو القرض الممنوح للتجار والزراع والصناعيين والحرفيين وأصحاب المهن ، من أجل سد حاجتهم الإنتاجية والمهنية ، ـ كشراء أثاث أو ألآت أو سيارات للاستعمال الإنتاجي ، أو كشراء مواد أولية ، أو دفع أجور عمال ـ وهؤلاء المنتجون قد يكونون من كبار المنتجين أو متوسطهم أو صغارهم .
لقد وضع الفكر الاقتصادي الرأسمالي لكل عنصر من عناصر الإنتاج عائدا يقابله، فالأجر يقابل العمل ، والإيجار يقابل الأرض ، والفائدة الربوية تقابل رأس المال ، والربح يقابل التنظيم أو الإدارة ، وفي الفكر الاقتصادي الشيوعي كان العمل وعائده الأجر هو الممثل لعناصر الإنتاج حيث اعتبروا عمل الإدارة عمل ورأس المال قيمة مضافة أصلها عمل والأرض لا يصلحها إلا العمل.
أما الفكر الاقتصادي الاسلامي فقد اعتبر عناصر الإنتاج هما العمل ورأس المال ، فالمال يشمل جميع أشكاله حسبما عرفة الغزالي بقوله :" عبارة عن أعيان الأرض وما عليها مما ينتفع به ، وأعلاها الأغذية ثم الأمكنة التي يأوي الإنسان إليها وهي الدور ، ثم الأمكنة التي يسعى فيها للتعيش كالحيوانات والأسواق والمزارع ثم الكسوة ثم أثاث البيت وآلاته ثم آلات الآلات وقد يكون في الآلات ما هو حيوان كالكلب آلة الصيد والبقر آلة الحراثة والفرس آلة الركوب في الحرب .
أو كما نعبر عنها بطرف الأصول في الميزانية حيث يتمثل رأس المال بعناصر الأصول من أرض وعقار وآلات وبضاعة وأوراق مالية ونقدية وغيرها ، أما العمل فلا فرق بين العمل الناجم عن عمل العمال أو العمل الناجم عن تنظيم الإدارة فكلاهما عمل ، وعوائدهما الربح والأجر وهذا ما قامت علية شركة المضاربة أصلا . لذلك يقبل الاسلام بالربح كعائد للملكية فقط (رأس المال وما يمثله) ، ولا يقبل بالفائدة الربوية بأي شكل من الأشكال للقاعدة الفقهية (الغنم بالغرم) لاشتراكهما بالمخاطر .
أما القرض الحسن فتكون عناصر الإنتاج هي نفسها في الفكر الاسلامي العمل ورأس المال إلا أن الأرباح أو الخسائر ستعود على المقترض صاحب رأس المال المقترض من المقرض .
وبذلك نجد أن المقرض يتنازل عن حقه في العائد من الاستثمار إلى المقترض مبتغيا من ذلك مثوبة من الله في آخرته ومقدماً فرصة استثمارية لأخيه المسلم الذي يملك القدرة أو الخبرة الإدارية على الاستثمار ولا يملك القدرة المالية التي تسمح له تحقيق استثماره.
وقد يسال سائل ، ما الداعي للقرض وهناك مبدأ المشاركة الذي يضمن للاثنين أرباحهما؟ ويمكن الإجابة على هذا التساؤل بالقول : أن بعض المشاريع لا تغطي أرباحها عملية المشاركة ، وباللغة الاقتصادية الدارجة أن الكثير من الاستثمارات لا تتم بسبب أن عوائد هذا الاستثمارات لا تغطي مبلغ الفائدة ، فقد يكون المشروع يغطي عوائد المنظم والعمل والأرض ولا يستطيع أن يغطي أرباح رأس المال ، وخصوصا في المشاريع الصغيرة ففي هذه الحالة لا يجد المستثمر من طريق سوى القرض الحسن كما وان بعض المشاريع تبغي خفض تكاليفها بغية خفض أسعارها ومن ثم زيادة مقدرتها على المنافسة في الأسواق خصوصا الخارجية.
إن القرض الحسن يحقق دوره في عملية التنمية من خلال قدرته على توفير التمويل إلى المستثمر الذي لا يتكلف عناء الفائدة التي تفرضها علية البنوك الربوية محولا هذه الفائدة إلى أرباح إضافية تمكن المستثمر من زيادة ادخاره ومن ثم زيادة استثماره وهذه الآلية هي جوهر عملية التنمية.
 ومن جانب آخر، يتمكن المستثمر بالقرض الحسن وكما اشرنا سابقا من خفض تكاليف إنتاجه ومن ثم تخفيض سعر إنتاجه والذي يستطيع بدوره من المنافسة في الأسواق الداخلية والخارجية ومن ثم زيادة الطلب على سلعه المنخفضة السعر وزيادة الطلب تؤدي إلى إحلال سلعته بدل السلع المماثلة المستوردة وزيادة صادراته([4])، وفي كلا الحالتين نوفر عملة أجنبية إضافية تُعتبر العملية التنموية في أمس الحاجة لها . 
وهكذا يتم الاستعانة بالشريعة الاسلامية لتحفيز المسلمين الذين يكتنزون الأموال دون استثمار ، على ضخ هذه الأموال بشكل مباشر وشخصي من قبلهم أو بشكل غير مباشر عن طريق مصارفهم التي يثقون بها كونها تطبق تعاليم الشرع وتتقي الله في تعاملاتها ، ويمارس المقرضون المسلمون الجانب الاقتصادي من عقيدتهم الذي يوفر راحة الضمير وهدوء البال في علاقاتهم مع نفسهم وعلاقاتهم مع الآخرين ، والقضاء على الازدواجية في الشخصية المسلمة بين القول والعمل وغرس وتعميق المعايير الروحية لدى الفرد وتحقيق التوافق الداخلي للفرد وتحقيق التوافق بينه وبين المجتمع ، الأمر الذي يعني أن يسير المجتمع إلى الصورة التي يقل فيها الصراع إلى اقل حد ممكن .
وهنا يجب أن نوضح ، أن القرض عمل حسن لا يبتغى منه أي منفعة سوى أرضاء الله والتقرب منه ، كما سبق أن أوضحنا ، وأن المقرض حينما يتوسع في قرضه يكون ثوابه أكبر وكلٌ على قدره .
فمثلاً ما نجده في تجربة البروفيسور محمد يونس([5]) الحائز على جائزة نوبل للسلام ، كانت تجربة كبيرة صبت في خدمة تنمية بلد كامل مثل بنغلاديش ، إذ رأى هذا البروفيسور أن النظام المصرفي الربوي القائم في بنغلاديش لا يتيح للفقراء توفير قرش واحد ، ولا يستطيعون تحسين أحوالهم مهما بلغ جدهم واجتهادهم في العمل ، واكتشف إنهم لا يحتاجون سوى رأس مال يتيح لهم الاستفادة من عوائد أموالهم ، ومن ثم اقرض 42 امرأة من الفقراء مبلغا بسيطا من ماله الخاص بدون فائدة ، ودن تحديد لموعد الرد ، إلا أنه لم يستطع في وقتها إقناع المصارف الربوية بان تقرض الفقراء والمحتاجين قروض حسنة بدون فائدة ، واخذ الموضوع على عاتقة إذ بدء بإقراض الفقراء قروضا صغيرة بدون ضمانات وبدون فائدة ،
 وقد نجح مشروعه نجاحاً باهراً وغير حياة 500 أسره من الفقراء ، وفي عام 1979 اقتنع البنك المركزي البنغلاديشي بنجاح الفكرة وتبنى مشروع (جرامين) أي مشروع القرية ، وفي عام 1981 زاد من حجم المشروع ليشمل 5 مقاطعات ، وقد تبين فاعلية نظام القروض المتناهية الصغر والتي لا تتطلب ضمانات ، ووصل عملاء بنك جرامين عام 1983 إلى 59 ألف عميل يخدمها 86 فرعاً .
إن بنك جرامين هو مصرف ربوي وغير إسلامي إذ اقتصرت فكرة القرض الحسن على الفقراء المعدومين في حين كانت القروض الربوية معمول بها مع عملاء البنك الآخرين ، إلا أن الفائدة المفروضة على القروض كانت الأدنى على مستوى البلد ، ويمكن أن يُستفاد من هذه التجربة في عمل المصارف الاسلامية ، وتعتبر تجربة بنك جرامين خطوة مهمة في مجال القرض الحسن لما حققته هذه التجربة من نجاح باهر في خدمت التنمية في بنغلاديش. 
وكما أن للقروض الاستثمارية الصغيرة أهمية فان للقروض الاستثمارية الكبيرة أهمية بالغة أيضاً ، فينبغي أن لا نحصر القرض في منطقة ضيقة ، فالأمة الاسلامية تمتلك قدرة روحية هائلة من الممكن أن تحقق التنمية التي عجزة عن تحقيقها النظريات الغربية ، فنحن نعلم أهمية المشاريع الكبيرة في عملية التنمية التي تحقيق وفورات الحجم وزيادة الأرباح والقضاء على البطالة من خلال توفر آلاف فرص العمل التي تعتبر البلدان النامية في أمس الحاجة لها .
 وما ينطبق على الجزء ينطبق على الكل ، فالدول أيضا عانت ما عانته من القروض الربوية ، وهي في أمس الحاجة إلى قروض حسنة استهلاكية وإنتاجية تمكنها من كسر الحلقة المفرغة للفقر ، وهذا ما يتطلبه استحداث نظام اقتصادي إسلامي عالمي يجنبها الهيمنة التي تفرضها المؤسسات النقدية العالمية المتشكلة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير التي سحقت اقتصاديات الدول النامية بفوائد القروض الربوية وما أدت إليه من تبعية طوال هذا القرن .      


[1])) محمد سعيد طالب ،2005 ، الثقافة والتنمية المستقلة في عصر العولمة(التخلف العربي ثقافي أم تكنولوجي)، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، ص92-93 ،  http:/ /www.awu-dam.org
([2]) ويقصد بالازدواجية انقسام القطاعات الاقتصادية إلى قطاع متخلف مرتبط في العمق المتخلف (ريف متخلف، تقنية بسيطة) وقطاع متقدم يعتمد تكنولوجية مستوردة متجهه نحو الخارج وفي خدمة المركز .
[3])) التنمية الاقتصادية ، عبد الرحيم بوادقجي ، المطبعة الجديدة ، دمشق ، طبعة1977 ، ص27،26.
[4])) التحليل الاقتصادي والجزئي (نظريته وتطبيقاته) ، اعداد وترجمة علي مصطفى ، دار الرضا ، دمشق ، الطبعة الأولى ،2003،ص50.
[5])) تجربة بنك الفقراء ، مجدي علي سعيد ، الدار العربية للعلوم_ ناشرون­ ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 2007 ، ص10–15 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق