السبت، 22 فبراير 2014

علاقة صندوق النقد الدولي بالبلدان النامية



علاقة صندوق النقد الدولي بالبلدان النامية:
1-الوصفة العلاجية.. برامج إجبارية:
"التصحيح الاقتصادي"، "برامج صندوق النقد الدولي"، "شروط الصندوق".. عبارات لا تخلو منها سياسة أي دولة نامية، وسواء اتبعت الدول هذه السياسات أم لا، فلا بد وأن الصندوق قد حددها ومارس ضغوطا ما لتنفيذها.. فما معنى "التصحيح الاقتصادي"؟ وما هي مكوناته الأساسية والإطار العام الذي يحكمه وفقا لرؤية صندوق النقد الدولي؟ ولماذا يجبر الصندوق الدول النامية على قبول برنامجه للتصحيح الاقتصادي؟
يعتبر التصحيح جُملة من السياسات الاقتصادية والمالية التي تستهدف معالجة الاختلالات في توازن الاقتصاد الكلي داخليا وخارجيا، والوصول إلى معدلات نمو عالية، مع تحقيق الاستقرار الاقتصادي. وبذلك يشمل التصحيح الاقتصادي الاستقرار والإصلاح الهيكلي على السواء.
يمكن أن تتم عملية التصحيح الاقتصادي بمساعدة صندوق النقد الدولي أو بدونه. ولكن في الغالب الدول النامية التي تتمتع بعضوية الصندوق تجبر على إنجاز التصحيح عبر تطبيق سياسات الصندوق لحاجتها الملحة للحصول على التمويل الذي يوفره صندوق النقد، سواء من مصادره الخاصة، أو من مصادر أخرى مثل البنك الدولي والمؤسسات التابعة له والمنظمات الأخرى.
تلجأ الدول إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي عندما تواجه مشكلة في ميزان المدفوعات، وتكون هذه المساعدة في شكل قروض وتوصيات مالية ضمن برنامج تحدد فترته الزمنية، ويطلق على ما يشتمله البرنامج من سياسات مالية واقتصادية "برنامج التصحيح الاقتصادي". وتصاغ مطالب الصندوق في البرنامج المشار إليه على أن تضمن معايير لتقييم الأداء يتوقف عليها حصول الدولة على الاعتمادات المالية المرصودة لتنفيذ البرنامج. ويوفد الصندوق بعثة فنية كل ستة أشهر للقيام بعملية التقييم، ومعرفة مدى التزام الدولة ببنود البرنامج المتفق عليه، والشروط الواردة فيه بموجب وثيقة تعرف بـ"خطاب النوايا".
ويطلق على مجموعة السياسات الاقتصادية والإجراءات المالية والنقدية المصاحبة لعملية التصحيح عدة تسميات بحسب الهدف المراد تحقيقه أو النتيجة المتوقع الحصول عليها جراء تطبيق برنامج التصحيح، وكذلك مقدار وحجم عناصر السياسة المالية والإجراءات المصاحبة للخطوات التنفيذية؛ فتسمى بـ"البرمجة المالية" عندما يكون الإصلاح المالي هو العنصر الرئيسي في علاج اختلال ميزان المدفوعات وإعادة التوازن الداخلي والخارجي، كما تسمى بـ "برامج الاستقرار" حيث يكون الهدف هو تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في الأجل القصير من خلال استخدام السياسة المالية لتلعب دورا جوهريا في الإصلاح الاقتصادي، وتسمى أيضا بـ "برنامج التكيف" على أساس أن العناية بتصحيح ميزان المدفوعات تتم من خلال تصحيح اختلال مكونات ميزان المدفوعات، وكذلك الاهتمام بالتطور الكلي وتعديل الطلب الكلي بالنسبة للعرض الكلي، وذلك للتخصيص الأمثل لموارد عناصر الإنتاج. كما تسمى حزمة السياسات المالية والاقتصادية والإجراءات المستخدمة ضمن عملية التصحيح بـ" سياسات التحرير الاقتصادي"
والخلاصة أنه مهما تعددت المسميات وتنوعت إجراءات تصميم السياسات فإن عملية التصحيح المسنودة من الصندوق تتضمن نوعين من السياسات الاقتصادية تلك التي تهتم بجانب الطلب بهدف تقليل التضخم والعجز الخارجي، بينما تستهدف سياسات الإصلاح الهيكلي معالجة جانب العرض وكفاءة استخدام الموارد، والتركز على قطاعات معينة مثل التجارة والمالية والصناعة.
يرجع التصحيح الاقتصادي الذي يطرحه صندوق النقد الدولي إلى تقاليد غير مدونة، تطور العمل بها منذ مطلع السبعينيات، وأدخلت عليها تعديلات مهمة من خلال تجربة الصندوق مع العديد من الدول النامية في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، كما كان للأحداث التي مرت بالاقتصاد العالمي في عقد السبعينيات دور بارز في هذا التطور مثل التحول من نظام تعويم أسعار الصرف بالنسبة للعملات الرئيسية، وارتفاع معدلات الفائدة في أسواق الائتمان الدولية، إضافة إلى استيعاب التطور الذي حدث في دراسة قضايا الاقتصاد الكلى والعالمي.
ويمكن إرجاع الأساس النظري للتصحيح الاقتصادي الذي يتبناه صندوق النقد الدولي إلى ثلاثة فروض أساسية هي:
§إن سبب الاختلال الخارجي في الاقتصاد هو وجود فائض في الطلب الكلي على العرض الكلي؛ حيث تكون كمية النقود في الاقتصاد أكبر من كمية السلع والخدمات الحقيقية.
§معالجة الاختلال في ميزان المدفوعات يتطلب التخفيض في الطلب، وإعادة تخصيص الموارد الإنتاجية حتى يزيد العرض الكلي، ويؤدي ذلك إلى توازن عرض النقد الأجنبي والطلب عليه عن طريق إجراء تصحيح في سعر الصرف.
§للوصول إلى تحقيق التوازن الخارجي عند مستوى التشغيل الكامل يتم تغيير نظام الأسعار وإعادة تخصيص الموارد، وبالتالي زيادة معدلات النمو في الأجل الطويل.
إن الفروض النظرية ترجع الاختلال في الميزان الخارجي إلى ما يُسمى اصطلاحا بـ "المنهج النقدي" لميزان المدفوعات، الذي يعتبر أن ميزان المدفوعات هو ظاهرة نقدية، وهذا التحليل تعود أصوله للمدرسة الكلاسيكية الجديدة في الاقتصاد الرأسمالي، والتي تضم الاقتصاديين النقديين، وهي تنادي بعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وترك قوانين السوق الحرة تعمل دون عوائق. كما تفسر المشكلات الاقتصادية المعاصرة مثل التضخم والبطالة والركود الاقتصادي، وزيادة عجز الموازنة بأنها مجرد أخطاء السياسة النقدية التي عمقها تدخل الدولة؛ ولذلك يجب التركيز على الهدف الأساسي، والذي في نظرهم – لأية سياسة اقتصادية ناجحة – هو مكافحة التضخم عن طريق ضبط معدلات نمو كمية النقود بما يتناسب مع نمو الناتج القومي الحقيقي؛ لأن الإفراط في عرض النقود هو المسؤول عن هذه المشكلات.
وقد تَدَعّم هذا الاتجاه النقدي لتفسير المشكلات الاقتصادية بظهور اقتصاديات العرض التي تعني أن زياد الإنتاج تؤدي تلقائيا إلى زيادة الطلب فيتوازن الاقتصاد الكلي دون أن تتدخل الدولة أو تفرض ضرائب عالية. ويتم ذلك عن طريق منح الحوافز، وضمان الإعانات لزيادة الاستثمارات الخاصة. وظهرت أطروحات هذه الفلسفة الاقتصادية منذ فترة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وهو ما انتهجته بريطانيا في عهد مارغريت تاتشر، وحاولت أمريكا منذ ذلك الوقت، مستغلة قوتها العسكرية ونفوذها السياسي المتعاظم، فرض هذه السياسات على الدول الأخرى بهدف جعل الهياكل الاقتصادية لها تقوم على أساس اقتصاد السوق الحرة للإسهام في النمط القائم على التخصص وتقسيم العمل؛ ولذا نرى أن أبرز هذه السياسات تتلخص في:
1. تفعيل قوى السوق وإزالة العوائق أمام عملها.
2. استخدام السياسة النقدية كأداة فعالة للإصلاح الاقتصادي مثل معدلات تغيير النقود.
3. تشجيع التحول نحو القطاع الخاص وتصفية القطاع العام المملوك للدول.
4. استخدام أدوات السياسة المالية لتخفيض عجز الموازنة.
وقد ساند صندوق النقد الدولي هذه السياسات وروج لها من خلال برامج التصحيح الاقتصادي، وعنايته بحركة رؤوس الأموال في السوق الدولية، وسعيه الدؤوب لإزالة كافة العوائق أمامها. وهذا ما يجعل سيطرة الدول الصناعية سيطرة غير محدودة في سياق الدعوة لتحرير التجارة العالمية، وإلغاء العوائق التجارية والاقتصادية من أجل أن يغدو العالم كله سوقا متسعة للإنتاج الأمريكي والاستثمارات الرأسمالية الأمريكية، ويستفيد من ذلك أيضا حلفاؤها الغربيون.
تقوم برامج التصحيح الاقتصادي في إطارها العام على عدد من الموجهات والسياسات العامة أبرزها:
1- تقوية مركز ميزان المدفوعات هي الهدف الأساسي للبرنامج خلال فترة زمنية محددة، إضافة إلى إتاحة الفرصة لسداد الموارد المالية والقروض التي منحها الصندوق للدولة المستفيدة وفقا لجدول استحقاق محدد.
2- تصحيح ميزان المدفوعات يشمل بنوده المختلفة من الحساب الجاري والعمليات الرأسمالية والتحركات النقدية، وتصميم إستراتيجية التصحيح يتم بناء على أسباب الاختلال في ميزان المدفوعات، سواء كانت تعود إلى نقص مؤقت في السيولة الدولية أو بسبب تراكم الدين الخارجي أو إلى الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الكلي.
3- تحليل الاقتصاد الكلي يتم من خلال تحديد العلاقة بين الدخل المحلي والحساب الجاري أي بين الناتج المحلي الإجمالي وبين مجمل الاستهلاك الخاص والاستثمار المحلي والإنفاق الحكومي.
4- تحديد السياسات المالية والنقدية الكفيلة بالقضاء على اختلال ميزان المدفوعات، ويقصد بالسياسات المالية استخدام السلطات العامة لجمع إيرادات الحكومة من ضرائب وقروض ونفقات من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية المختلفة، وبواسطتها يكافح التضخم والكساد والبطالة.
أما السياسات النقدية فهي مجموعة الإجراءات التي تتخذها السلطات النقدية في الدولة كالبنك المركزي بهدف الرقابة على الاقتراض والتأثير عليه بتحديد مقداره، وتكلفته وشروطه من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والحد من التقلبات الاقتصادية، والإبقاء على المستويات الكلية من الإنفاق، والتي تحقق أكبر قدر من العمالة بأقل قدر من ارتفاع الأسعار.
هناك بعض القيود التي ترد على تنفيذ برنامج التصحيح نظرًا لطبيعة الدولة وقدرتها على تطبيق السياسات والإجراءات الموضوعة؛ لذا نجد هناك تفاوت في الأخذ بمفردات البرنامج من دولة لأخرى من ناحية حجم، ومقدار الإجراءات وطريقة التعاطي مع مقررات البرنامج، بمعنى أن جرعة العلاج قد تختلف للاعتبارات السابقة مع اتفاق الجميع على مكونات "الوصفة العلاجية"، والتي يسميها البعض بـ"روشتة صندوق النقد الدولي".
وتعود أسباب المديونية التي تضعنا تحت رحمة صندوق النقد الدولي إلى:
أن هناك عوامل خاصة عديدة ساهمت بصورة مباشرة في استمرار نمو وتفاقم المديونية الافريقية .من هذه الأسباب يمكن الوقوف على العوامل التالية:
1- تمويل عوامل التنمية عن طريق الاستدانة من الخارج وخصوا استيراد التكنولوجيات المتقدمة وبراءات الاختراع ومستلزمات تشغيل المنشآت الاقتصادية الحديثة.



2-  الخلل في السياسات الاستثمارية المتبعة وسوء إدارة الاستثمارات الممولة عن طريق القروض الخارجية،فبدلا من التركيز على تنمية قوى الإنتاج المحلية والتصنيع وتصدير السلع الجاهزة، كما فعلت الدول المتقدمة، لجأت الدول الافريقيةإلى استيراد السلع الرأسمالية الجاهزة بأسعار عالية وتصدير المواد الخام بأسعار منخفضة.هذا النوع من التخصص الإنتاجي أبقى الدول الافريقية في مهب الأزمات الاقتصادية الدولية.
3- فساد الأجهزة الحكومية و نمو ظاهرة الاستهلاك الترفي شجع كثيرا على نهب الاقتصاديات الوطنية بما في ذلك نهب القروض الخارجية وتهريبها إلى الخارج.
4- انخفاض أسعار المواد الخام في الأسواق الدولية مقابل تزايد معدلات الفائدة على القروض الخارجية. 5- استنزاف الثروات الافريقية في الحروب والصراعات الافريقيةالافريقية أو مع الخارج وكذلك في الصراعات الداخلية، وتلبية متطلبات الاستهلاك الأمني وخصوصا شراء الأسلحة التي لم تؤد خلال أكثر من نصف قرن إلا إلى مزيد من التدهور الأمني وعدم الاستقرار الخارجي والداخلي.

ومن أسباب تراكم الديون : اختلال موازين التبادل التجاري مع العالم الغرب ، ،مشاكل التصحر والفقرومع شيوع الفقر والمرض وانتشار الأمية و تتصاعد الحروب والنزاعات المسلحة.وتزداد محنة إفريقيا مثلا والأوضاع؛ سواء بها مع احتضان تربتها لأكثر نسبة من الألغام المتواجدة في العالم من مختلف الحروب المختلفة؛ حيث تقدر هذه الألغام 30 مليون لغم تتواجد في 18 دولة إفريقية من بين 110 مليون لغم في 64 دولة على مستوى العالم.
لكن إلغاء الديون، دون تصور للمهام التنموية المرتبطة بالمرحلة التي تلي عملية الإلغاء، لن تؤدي إلى تغيير حقيقيفي المستوى المعيشي، بل ستكون أشبه بمعالجة موسمية سرعان ما يتلاشى أثرها. ومع ظهوراللبرالية على الصعيد الكوني، ظهر ما يسمى بالمشروطية السياسية عند منح المساعدات للدول النامية. فالمساعدات المقدمة في الغالب ليست نزيهة، ولا ترتبط بعمليات تنموية حقيقية، وإنما هي تعبير عن الرضا على هذا النظام ا لسياسي .
إن السياسات الكلاسيــكية أصبحت عنواناً تضعه المؤسسة الدولية على كل طلب يقدم من أي دولة نامية أيا كانت أوضاعها الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية ويعتقد خبراء الصندوق أن اتباع الدول لنصائحهم السابقة سوف يحقق زيادة في الصادرات وبالتالي زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، كذلك خفضاً في الواردات، وبالتالي مدفوعات الدولة من هذا النقد والنتيجة أن ما سبق سيحقق نقصاً في عجز ميزان المدفوعات وربما تعادلاً في هذا الميزان، بل أن البعض يتفاءل بإمكانية حدوث فائض ، فالنسبة لميزان المدفوعات فأن الهدف من تخفيض العملة لزيادة الصادرات، وخفض الواردات الضرورية للحياة كلاهما غير مرن ولن يستجيب على الإطلاق، فالإنتاج الزراعي بطبيعته إنتاج غير مرن على الأجل القصير، وفي معظم الدول النامية وهو إنتاج غير كاف، لمواجهة الاستهلاك المحلي، وبالتالي لن يلعب دوراً كبيراً أو صغيراً في زيادة الصادرات، واعادة التوازن لميزان المدفوعات.
والإنتاج الصناعي ـ أن وجد ـ في الدول النامية فانه رغم ضآلته نسبة إلى الإنتاج القومي، فهو من حيث النوعية والتكلفة لا يستطيع المنافسة الدولية والنزول للسوق العالمي بل أنه ما كان ينمو في كثير من الحالات دون حماية جمركية عالية.. كذلك فان زيادة الصادرات منه.. لو أمكن معالجة ما سبق تحتاج في كثير من الأحيان إلى واردات من المواد الخام، والمعدات، وقطع الغيار والمعرفة التكنولوجية، وكلها أصبحت بعد خفض العملة الوطنية اكثر تكلفة بل واكثر ندرة في الحصول على موارد النقد الأجنبي.
هذا وإذا انتقلنا إلى قطاع التصدير التقليدي للبلاد، الذي يتمثل غالباً في منتج زراعي، أو منتج حيواني، أو منتج تحديثي وحيد، فان تخفيض العملة الوطنية إزاء العملات الأجنبية لا يشجع على زيادة الصادرات فبجانب أن العرض غير مرن كما ذكرنا فان الزيادة في حجم الصادرات ـ إن حدثت... لن تؤدي إلى زيادة موارد النقد الأجنبي للبلاد كما كانت عليه قبل التخفيض ،فمثلاً عندما اضطرت الصومال إلى خفض عملتها من 25/6 شلن للدولات من اللحوم لم تتضاعف مرتين ونصف لتحافظ على مواردها السابقة من العملة الأجنبية. بل أن هذه الموارد نقصت عما قبل واضطرت البلاد إلى قبول تخفيضات أخرى بلغت ثلاث مرات في خلال سنتين فقط وبالطبع أدى التخفيض كما هو متوقع في الصومال ـ وغيرها ـ إلى تزايد الأسعار ومضاعفتها اكثر من تخفيض العملة (وبين ليلة وضحاها ارتفعت أسعار تذاكر الطيران والإقامة بالفنادق إلى نحو 3 أمثال ...) فتخفيض العملة الوطنية عموماً لا يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد الضروريات، كما أن تجميد الأجور وخفض الإعانات للمستهلكين مما أضاف أعباء إضــافية على أصحاب الدخل المحدود لنقص دخولهم الحقيقية ولا يخفى ما لذلك من مساوئ اقتصادية تعيق من رفاهيتهم الاجتماعية وتؤثر على وضعهم بالنسبة للطبقات الأخرى، ومساوئ سياسية نتيجة للاضطرابات والإضرابات والقلاقل التي يمكن تتعرض لها بل وتعرضت لها دول كثيرة أخذت باقتراحات صندوق النقد الدولي،
وبالنسبة إلى رفع سعر الفائدة على المدخرات المحلية بهدف زيادتها والحد من التضخم النقدي، فأن المدخرات الشخصية (أي الفردية) بسيطة في الدول النامية فضلاً عن أن الانكماش يقع عبئه على المشروعات الوطنية التي لن تواجه فقط بارتفاع تكلفة التمويل لندرته، بل وأيضاً بارتفاع في تكلفة المستورد من راس المال (تمويل) ومعدات ومواد خام، مما قد يؤدي إلى الحد من نشاطها وإلغاء أي خطط للتوسع في إنتاجها مؤدي ذلك أن الادخار الفردي وادخار قطاع الأعمال كلاهما يتأثر سلبياً وليس بالزيادة كما يعتقد خبراء الصندوق.
إن من ينتهز هذه الفرصة هو رأس المال الأجنبي للشركات المتعددة الجنسيات، لو كانت البلاد لديها قطاع تعدين للتصدير ـ حيث يصبح مشروع استغلال الموارد التعدينية اكثر ربحا لانخفاض العملة الوطنية وبالتالي التكلفة المحلية للمشروع، بما ذلك الاتاوات الحكومية، كما تنتهز هذه الشركات وغيرها الفرصة للتوسع من صادراتها لداخل البلاد حيث أن ما تدفعه البلاد نقداً أو عيناً لوارداتها اصبح أكثر من ذي قبل..
وتجدر الإشارة هنا أن زيادة الإنتاج المحلي بسبب هذا الاستثمار لن يكون بديلاً للواردات، إذا كان قطاع التعدين هو القالب كما انه لن يكون بديلاً للواردات بنسبة 100% ولو حدث انه تم في نشاطات أخرى، والخلاصة انه من الأجل المتوسط و الطويل أن لم يحدث تحويل لرأس المال الأجنبي إلى ملكية وطنية فان مشكلة ميزان المدفوعات تتفاقم اكثر
في حين يرى البعض الآخر و بالانتقال إلى العلاقة بين الصندوق الدولي و الدول النامية سوف نجد أن العولمة و زيادة نشاط أسواق المال أدت إلى تحويل العديد من الدول النامية التي دخلت دائرة ( الدول الصناعية الجديدة ) آو الاقتصاديات الصاعدة , من مرحلة تنفيذ البرامج بالتعاون مع الصندوق إلى مرحلة الإشراف فقط . و قد دلل على ذلك التقرير السنوي بالإشارة إلى لجوء العديد من الدول إلى أسواق المال العالمية للاقتراض و التعجيل بسداد القروض المستحقة عليها للصندوق قبل ميعاد الاستحقاق , بالإضافة إلى تضائل مطالبها بالحصول على قروض جديدة .

وقد ترجم ذلك في انخفاض حجم القروض المستحقة للصندوق في نهاية السنة المالية 2007 إلى 7.3 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة مقابل 19.2 مليار وحدة في ذات المقارنة إلى ابريل 2006 .

و تجري المشاورات سنويا، ولكن للعضو المنتدب أن يبدأ في القيام بمناقشات إضافيةإذا ما وقع أحد الأعضاء فجأة في صعوبات اقتصادية خطيرة، أو إذا ما اعتقد أن ذلكالعضو بصدد إتباع ممارسات تضر بمصالح الأعضاء الأخرى. ويسافر فريق مكون منأربعة أو خمسة أفراد من أعضاء هيئة العاملين بالصندوق إلى عاصمة البلد العضو كلعام، ويستمر حوالي أسبوعين في تجميع المعلومات وإجراء المناقشات مع المسئولينبالحكومة بشأن السياسات الاقتصادية لهذا البلد. وتكرس المرحلة الأولى منالمشاورات لتجميع البيانات الإحصائية عن الصادرات والواردات، والأجور،والأسعار، والتشغيل، وأسعار الفائدة، وكمية النقود التي يتم تداولها،والاستثمارات، وإيرادات الضرائب، والمصروفات الواردة في الموازنة، وبقيةالمظاهر الأخرى للحياة الاقتصادية التي يكون لها ارتباط بالقيمة التبادليةللنقود. أما المرحلة الثانية فتتكون من المناقشات مع كبار المسئولين فيالحكومة، وذلك للتوصل إلى مدى فعالية سياساتهم الاقتصادية خلال العام السابق،وما يتوقع تنفيذه من تغييرات خلال العام القادم، بالإضافة إلى العلم بالتقدمالذي أحرزه البلد العضو تجاه إلغاء أي قيود كان قد فرضها على استبدال عملته. وبانتهاء هذه الاجتماعات، يعود الفريق إلى المقر الرئيسي في واشنطن لإعدادتقرير تفصيلي يناقشه المجلس التنفيذي. ويشارك المدير التنفيذي الذي يمثل ذلكالبلد بالطبع في هذه المناقشة مع زملائه، بحيث يوضح الأمور بشأن اقتصاد هذاالبلد ويستمع إلى تقييم المديرين التنفيذيين الآخرين عن أدائه الاقتصادي. وفيمابعد يتم تسليم ملخصا بهذه المناقشة – والتي عادة ما تحتوي على الاقتراحات بشأنكيفية معالجة مجالات الضعف الاقتصادي – إلى حكومة الدولة العضو.
وبالإضافة إلى هذه المناقشات الدورية، يعقد الصندوق أيضا مشاورات خاصة مع تلكالبلدان ذات التأثير الهام على الاقتصاد العالمي. وتستعرض هذه المشاورات الخاصةالوضع الاقتصادي العالمي، وتقييم التطورات الاقتصادية المنتظرة. وينشر الصندوقنتائج ذلك الاستعراض مرتين سنويا في تقرير " آفاق الاقتصاد العالمي ". ويحتويهذا التقرير على معلومات مفيدة عن الاقتصاد العالمي، ويساعد البلدان الأعضاءمن خلال إلقاء الضوء على الخيارات المختلفة للسياسات المتبعة – في التنسيق بينسياساتهم الاقتصادية الداخلية والتطورات المنتظرة في غيرها من البلدان الأخرىالأعضاء.
محمد لكصاسي» محافظ بنك الجزائر في كلمته يوم السبت 20 أكتوبر2007 أمام اللجنة النقدية والمالية الدولية لصندوق النقد الدولي أشار بوضوح إلى كون هيكل الحكم الحالي لصندوق النقد الدولي غير قابل للبقاء وانتقد بشدة بعض الإجراءات التي تجري بشأنها مناقشات ضمن أجهزة صندوق النقد الدولي وكذلك البنك العالمي، و أعرب عن رفضه القاطع على سبيل المثال للاقتراح الذي يجعل المساعدة التقنية لصندوق النقد الدولي مدفوعة الأجر أو الطريقة التي تحدد بها الحصص أو التي تطبق بها تخفيضات ميزانية مهام الصندوق، مؤكدا أنه "حتى تكون للإصلاحات نتيجة ايجابية يجب أن تدرج صيغة بسيطة وشفافة قوية تؤدي هي الأخرى إلى النتائج المتوخاة دون أن يكون من الضروري اللجوء إلى انتقاء أو إلى آليات تعديل إضافية، داعيا كذلك إلى أن تبذل جهود لتصحيح التمثيل الضعيف لبعض المناطق سيما إفريقيا والشرق الأوسط على مستوى المستخدمين والإدارة العامة لصندوق النقد الدولي.



الخاتمة
بعد مرور ثمانية عشر عاماً على تطبيق الليبرالية الاقتصادية بقيادة الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هل كانت الحصيلة إيجابية...؟
يمكن تلمس الإجابة من ممثلي المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة - وهم ليسوا يساريين - ففي كتابه : خيبات العولمة ، انتقد جوزيف ستيغلتز كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، ومستشار الرئيس (كلينتون) الوصفات الليبرالية، وأكد إخفاقها في تحقيق الرهانات التي عقدت عليها وللدعاية التي واكبت تطبيقها.
و في عام 1995 قاد الفرنسي (ميشيل كامديسو) رئيس صندوق النقد الدولي آنذاك عملية (درع البيزو) وهي أكبر حملة إقراض عالمية لحماية الاستثمارات العالمية في المكسيك بعد انهيار عملتها الوطنية جراء تطبيقها لوصايا واضعي توافق واشنطن، لقد تطلب الأمر مشاركة حكومية أمريكية وأوربية، إضافة للمصارف العالمية الكبرى ومؤسسات التمويل المختلفة لتأمين (50) مليار دولار لتغطية هذه العملية، وغني عن البيان ما دفعه الشعب المكسيكي لاسيما الفئات الفقيرة منه من مآس ثمناً لهذه الوصايا و لاننس الأزمة الآسياوية و... !!!
و الخلاصة الرئيسية لهذه النتائج الكارثية :
§أن سياسات المؤسسات المالية الدولية هي المسؤول الرئيسي عن تدهور أوضاع الطبقات العاملة والشعبية في دول الجنوب والشرق.
§أن هذه السياسات لا تشكل حلا للأزمة، بل تدفع على العكس نحو تفاقمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق