السبت، 22 فبراير 2014

الإبستومولوجيا و المنطق




 الإبستيمولوجي والمنطقي في المغرب

يوسف بن عدي

حقول اشتغال الفكر الفلسفي في المغرب وذلك لمعرفة منزلة الدرس الإبستيمولوجي والعلمي فيه؛ ويتجلى لنا ذلك فيما يلي:
أ – دائرة التراث: وهي القارة التي استبدت باهتمام الباحثين والمفكرين، فاندفعوا لإنشاء مشاريع فكرية وفلسفية من خلال رسم حدود المنظومة التراثية وأفقها النظري، نحو تنويرية وعقلانية أكثر فعالية وفاعلية.. ويتجسد ذلك في نموذج ثلاثية محمد عابد الجابري.
ب – دائرة الحداثة الفلسفية: وهي التي انكب روادها على مسارين أساسيين: فالمسار الأول يهتم بترجمة أهم النصوص الفلسفية الأساسية إلى الفكر العربي عامة والفكر المغربي خاصة، في حين يقوم المسار الثاني بنشر العديد من الدراسات الفلسفية والفكرية في قضايا الميتافيزيقا والتقنية، وفي مسألة الهوية، والاختلاف، وحول وحقوق الإنسان نستشف هذا المسار الحداثي من خلال مكتوبات محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي وغيرهما..
ج – دائرة الإبستومولوجيا وتاريخ العلوم: وهي تشكل لبنة من لبنات الفكر الفلسفي المغربي بمساهماتها المتنوعة والمختلفة. فهذه الأخيرة فتحت أفقا جديدا للنظر وإمكانية من إمكانيات التفكير، ويتبين ذلك في عقد مجموعة من الندوات والمناظرات في مشكلات علمية ذات الدلالات الإبستمولوجية والمنطقية. وعلى هذا شهد الدرس الإبستيمولوجي انطلاقة أولية تدشينية مع كتاب: المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي (1976) لمحمد عابد الجابري، ثم يليه كل من كتاب: درس الإبستيمولوجيا (1985) لعبد السلام بنعبد العالي وسالم يفوت وكتاب: ما هي الإبستومولوجيا؟ (1983) لمحمد وقيدي، وكتاب: نحن والعلم (1995) لسالم يفوت، وكتاب: الاستدلال والبناء بحث في خصائص العقلية العلمية (1999) لبناصر البعزاتي. ثم بعد ذلك تم عقد ندوات أرحب وأشمل تحت منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في قضايا العلم الحديث والمعاصر وإشكالاته.
فهناك على سبيل المثال لا الحصر كتاب: كيف تؤرخ للعلم (1996) تنسيق سالم يفوت، وكتاب: آليات الاستدلال في العلم (2000) وكتاب: جوانب من تطور الأفكار العلمية في العصر الوسيط (2000) بتنسيق عبد السلام بن ميس، وكتاب: قضايا في الإبستومولوجيا والمنطق (2000) الذي نحن بشأن عرض معالمه الكبرى وتقديم مرتكزاته العامة.
1 – الثالوث الملتبس: المحتمل والقانون والسببية:
يحتوي هذا الكتاب على اثني عشر مقالا يعالج القضايا العلمية الحديثة والمعاصرة. ولهذا فقد اختار الباحث، في افتتاحيته، النظرية الذاتية للاحتمالات باعتبارها تعالج المظهر الاعتقادي القائم على أساس قبْلي. وإن كان الدفاع عن الأساس العلمي "لهذه النظرية أمر يصعب تبريره" (صفحة 12)، إذ كيف يمكن لهذه النظرية الذاتية أن تستوعب النظرية الموضوعية المؤسسة على معطيات تجريبية؟ كما أشار صاحب الكتاب إلى التباس معنى "القانون العلمي" وتحديد ضوابطه، إذ هناك من يدافع عن شرط الكلية، لتعريف القانون. وهناك من يراهن على شرط الضرورة فيه. في حين يدافع (إينواكن) دفاعا قويا على الشرط الامتناعي.. مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا في تعريف القانون العلمي.. وعلى هذا فإن هذا "الالتباس" سندرك أنه ينسحب على مشكل السببية أيضا بحيث لم تعد مشكلة أرسطية، أو مشكلة كلاسيكية، بل أضحت مشكلة الذات العارفة باعتبارها مؤسسة لمبادئ العالم الفيزيائي (صفحة 49). ومن ثمة فقد انصب اهتمام عبد السلام بن ميس على هذا المشكل في دكتوراه الدولة حيث يحدثنا عن السببية الميكانيكية عند غاليلي وديكارت ونيوتن.. والانتقادات المتواصلة من لدن هيوم والوضعانيين وبوبر فضلا عن حديثه عن الفيزياء الكوانطية كقانون للعلم..
2 – نحو دينامية المنطق وفعالية العقلانية:
لقد ساد الاعتقاد على أن النسق الصوري له قوة كبيرة في صياغة معارفنا عن الواقع، بل أكثر من ذلك، يمكن لنا إنشاء أنساق صورية مختلفة بمقتضى كيفية فهمنا لهذا الواقع الخارجي، وهذا إنما يخفي خلفية ثاوية وراء تصور مجال المنطق كنسق صوري تجريدي. في حين أن التطورات والنظريات العلمية بصفة عامة والعلم التجريبي قد أثبتت على أن المنطق يتداخل فيه الجانب الصوري-النظري بالجانب التجريبي. فهو "علم يتكيف مع مبادئ المعرفة الممكنة، بل مع كل بنية لكل نظرية فيزيائية" (صفحة 66). أما في المقالين اللاحقين فقد عرج الباحث على تحديد طبيعة "التأويل الواقعاني للكوانطية" الذي ينتهي إلى طريق مسدود (Une impasse) وانتشار اللاعقل في العقل العلمي واللاعلمي في دواخل الفيزياء الكوانطية، بحيث يستغل نتائجها لمعارك إيديولوجية لا صلة لها بالحقيقة العلمية. كما أشار عبد السلام بن ميس إلى "خصوصيات المنطق الكوانطي" باعتباره غير منطق توزيعي في لغة رمزية. ويظل السؤال: "كيف يمكن تحديد منطق نقول عنه إنه صحيح وقابل للتطبيق على كل ظواهر العالم الفيزيائي؟"(صفحة 111). كما تطرق عبد السلام بن ميس إلى أن العقلانية لم تعد عقلانية جامدة، بل إنها متحولة ومتطورة وفق تطور التحولات العلمية الحديثة والمعاصرة. فما هو "عقلاني ليس بالضرورة ما يحترم مبدأ عدم التناقض" (صفحة 119). لقد أضحى التناقض من مكونات المعرفة البشرية في عصرنا الحالي.. فضلا عن أن العقل والأسطورة والخرافة أصبحوا في صف واحد ما دام كل منها يقدم فعاليته وفاعليته وإجرائيته، ولعل هذا ما جعل فايرابند يودع العقل (farwell to reason).
3 – تأريخ العلم وتحولات المفاهيم:
حدد الباحث مميزات الإبستومولوجيا الهيومية في وجهها النقدي وأساسها المنطقي في مسألة أن التناقض ليس عيبا وفضيحة إلا في ميدان علاقات الأفكار أي المعرفة البرهانية، فضلا عن أن الأحداث الأمبريقية هي قضية احتمالية وليس برهانية (صفحة 136).
تتعرض كثير من المشكلات العلمية ذات الطبيعة الإبستيمولوجية والمنطقية للانتقادات رغم اعتقادنا أنها تتسم بالصرامة والضرورة الحتمية. فمشكل السببية واحد من تلك المشكلات التي عرفت دلالة مختلفة مع ظهور نظرية الحقل ونظرية السببية المقصورة والنظرية الكوانطية. وعلى هذا فإن التأريخ للعلم لا يمكن أن يتم إلا بتأريخ السببية، أو بالأحرى التأريخ لتأويلاتها. كما يتناول الباحث مسألة المفاهيم الملتبسة في فكرنا: كالتناقض والضرورة والحادثي والصدق المنطقي.. كما قام برصد طبيعة التعامل مع المصطلح التراثي والذي هو تعامل فيه كثير من الفوضى والاضطراب، وذلك راجع إلى تضارب الآراء وتعدد مناهج تعيين المصطلح العلمي والمصطلح الفسلفي. وقد وضح بن ميس تلك البلبلة من خلال إبراز لفظين في فلسفة العلوم وهما: الناموس (Namos) وتاكيونان (Tachyons) اللذان عرفا غيابا تاما في معاجمنا العربية الحديثة.
4 – تجربة الفكر وحدث النسبية:
وبالجملة فقد ختم الكتاب "قضايا في الإبستيمولوجيا والمنطق" بجملة من الحقائق وهي كما يلي:
ـ إن الحقيقة لم تعد مطلقة وصارمة وصورية بل إنها حقيقة نسبية.
ـ إن قوانين العلم لم تعد، كما ترسخ الاعتقاد، بأنها قوانين كلية وضرورية، بل إن قوانين العلم قابلة للتكذيب والتنفيذ، فهذا الأخير إذن، هو منفذ خصوبة العلم وفعاليته.
ـ إن المعرفة البشرية لم تعد تقتصر على مبدأ عدم التناقض، بل يمكن أن تتأسس على التناقض والتضاد، وبالتالي فهي معرفة نسبية واحتمالية.
إن تجربة الفكر بشقيه الفلسفي والعلمي قد أثبتا معا أن الثقة في الكليات والمطلقات لا يفيد في كثير من الأحيان، إذ إن منطق الحدث ولغة المفهوم قد أدى إلى عقلانية مرنة وهوية متعددة وحقيقة تراتبية، ومعرفة نسبية. وعلى هذا، فإن روح الفكر الفلسفي المغربي قد تأثر بهذه المجريات، فأضحى فكرا اختلافيا وتجربة نسبية ومنطقا احتماليا ولغة نسبانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق