السبت، 22 فبراير 2014

دور صندوق النقد الدولي في تقوية النظام المالي



دور صندوق النقد الدولي في تقوية النظام المالي والنقدي الدولي:
أدت العولمة إلى ظهور تحديات جديدة أمام صندوق النقد الدولي. ولعل أهم التحديات وأكثرها صعوبة هما كيفية تقوية النظام المالي العالميبحيث يصبح أقل عرضة للأزمات المالية وأكثر قدرة على التصدي لها إذا وقعت – وكيفية دعم جهود مكافحة الفقر في البلدان منخفضة الدخل.
ولقد حققت العولمة فوائد كبرى لبلدان كثيرة وأناس كثيرين في جميع أنحاء العالم، والحق أن الاندماج في الاقتصاد العالمي يمثل عنصراً جوهرياً في أية استراتيجية لتمكين البلدان المختلفة من التوصل إلى مستويات معيشية أعلى، ولكن العولمة، من خلال ما تحققه من زيادة في حجم تدفقات رؤوس الأموال الدولية وسرعة حركتها، قد أدت أيضاً إلى زيادة مخاطر الأزمات المالية. وفي الوقت ذاته، نشأت مخاطرة أخرى، وهي أن البلدان منخفضة الدخل، التي لم تستفد استفادة كبيرة بعد من العولمة، ستزداد تخلفاً عن الركب في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات المعيشة في البلدان الأخرى.
و يعمل صندوق النقد الدولي على بناء نظام مالي عالمي أقوى فكانت الأزمات المالية في الأسواق الصاعدة في منتصف وأواخر التسعينات تذكرة بالمخاطر المرتبطة بالعولمة – حتى بالنسبة للاقتصادات التي حققت استفادة هائلة من ورائها والتي تدار إدارة جيدة من جوانب متعددة. فالاقتصادات التي تضررت من الأزمة الآسيوية في الفترة 1997-1998 على وجه الخصوص كانت قد حققت طوال عدة عقود مكاسب ضخمة من التجارة الدولية التي تزداد تكاملا يوما بعد يوم. ولقد كشفت الأزمات عن وجود جوانب ضعف في سياسات البلدان التي أصابتها الأزمة، بل وعن ثغرات في النظام المالي الدولي نفسه، مما أبرز الحقيقتين التاليتين:
§إن المستثمرين قد يتراجعون على نحو سريع وجماعي إذا ما لمسوا وجود نقائص في السياسات الاقتصادية المحلية. ومتى فقد المستثمرون – المحليون أو الأجانب – ثقتهم في الاقتصاد، يمكن أن تنضب تدفقات رؤوس الأموال الداخلة وأن يؤدي خروج تدفقات صافية كبيرة على التعجيل بوقوع أزمة مالية.
§إن الأزمة المالية التي تقع في بلد أو منطقة ما يمكن أن تمتد بسرعة لتنتشر في اقتصادات أخرى.
ومن أجل الحد من مخاطر وقوع الأزمات المالية في المستقبل ودعم إمكانية الحل السريع لما يقع منها، يعمل صندوق النقد الدولي على تقوية النظام النقدي المالي الدولي بالتعاون مع حكومات البلدان الأعضاء والمنظمات الدولية الأخرى والهيئات التنظيمية والقطاع الخاص.
وتشمل الإصلاحات الجارية المجالات الآتية:
1- تقوية القطاعات المالية:
من الأسباب الرئيسية وراء حساسية البلدان للأزمات الاقتصادية وجود ضعف في نظمها المالية تتجسد مظاهره في إعسار مؤسساتها أو افتقارها إلى السيولة، أو كونها عرضة للإعسار أو نقص السيولة نتيجة في حال حدوث تطورات مناوئة. ولتقوية النظام المالي، قد تحتاج البنوك والمؤسسات المالية الأخرى إلى تحسين ضوابطها الداخلية، بما في ذلك تقييم المخاطر وإدارتها. كذلك قد تحتاج السلطات إلى رفع كفاءة رقابتها للقطاع المالي و تنظيمها له بحيث تقترب من مستوى المعايير الدولية.
في عام 1999 بد! الصندوق والبنك الدولي عمليات تقييم مشتركة للقطاعات المالية في البلدان الأعضاء، للمساعدة في تحديد جوانب الضعف الفعلية والمحتملة. ومنذ ذلك الحين، قامت فرق من الصندوق والبنك الدولي، بمساعدة خبراء من البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية في عموم الحالات، بتقييم قوة النظم المالية في عدد من البلدان الأعضاء. ويجري تقديم هذه التقييمات إلى البلدان المعنية لتكون مرشداً لها فيما ينبغي اتخاذه من إجراءات.
ويعمل خبراء الصندوق أيضاً من الحكومات الوطنية والمؤسسات الدولية الأخرى لتحقيق ما يلي:
·تقوية الأطر القانونية والتنظيمية والرقابية للبنوك.
·مراجعة الحد الأدنى لرأس المال الإلزامي لدى البنوك والمؤسسات المالية.
·وضع مجموعة أساسية من المعايير المحاسبية الدولية.
·الانتهاء من وضع مجموعة من المبادئ الأساسية لحسن التنظيم والإدارة في قطاع الشركات.
·تجنب نظم أسعار الصرف الحساسة لأي هجوم.
·ضمان تدفق البيانات المالية إلى الأسواق بحرية أكبر وفي الوقت المناسب.
وبالمثل، يتعاون صندوق النقد الدولي مع لجنة بازل للرقابة المصرفية من أجل تحسين المعايير التنظيمية.
2- معايير ومواثيق الممارسات السلمية المقبولة دولياً:
ستطيع البلدان طمأنة المجتمع الدولي لسلامة سياستها وممارستها باتباع معايير ومواثيق الممارسات السلمية المقبولة دولياً. أما البلدان التي لا تتبع هذه المعايير والمواثيق الدولية، فيمكنها الاسترشاد بها في تقوية نظمها المعتمدة. وقد عمل صندوق النقد الدولي على وضع وتنقيح المعايير الطوعية في مجالات تخصصه، وذلك بالتعاون مع منظمات دولية أخرى في بعض الحالات، مثل بنك التسويات الدولية والبنك الدولي. ومن بين هذه المعايير ما يتصل بالممارسات الإحصائية في البلدان الأعضاء، ومواثيق الممارسات السلمية في مجال سياسات المالية العامة والسياسات النقدية والمالية، والمبادئ التوجيهية التي تستهدف تقوية القطاع المالي – مثل معايير الرقابة والتنظيم في الجهاز المصرفي.
وتكمل عمل الصندوق في هذا الميدان جهود بنك التسويات الدولية والبنك الدولي وغيرها من الهيئات المعنية بوضع المعايير الدولية في مجالات مثل المحاسبة ومراجعة الحسابات، والإفلاس، والتنظيم والإدارة في قطاع الشركات، وتنظيم أسواق الأوراق المالية، ونظم الدفع والتسوية.
ولمساعدة البلدان في تقدير مدى امتثالها لهذه المعايير، بدأ خبراء الصندوق في عام 1999، بالتعاون مع حكومات البلدان المعنية، في إعداد تقارير قطرية تجريبية حول موضوع مراعاة البلدان للمعايير والمواثيق، مع التركيز أساساً على المجالات التشغيلية التي تهم الصندوق بشكل مباشر. وقد قامت بلدان عديدة بنشر هذه التقارير على أساس طوعي.
3-  تشجيع الانفتاح ونشر البيانات:
يعتبر نشر معلومات حديثة يعتد بها – وكذلك معلومات عن السياسات الاقتصادية والمالية والممارسات المتبعة وكيفية صنع القرار في مختلف البلدان – مطلباً لازماً لمساعدة المستثمرين في إصدار أحكام صحيحة، ولتمكين الأسواق من العمل بكفاءة ويسر. وفي أعقاب الأزمة المكسيكية في الفترة 1994-1995، استحدث صندوق النقد الدولي في عام 1996 معياراً خاصاً لنشر البيانات (SDDS) لإرشاد البلدان القادرة على دخول أسواق رأس المال الدولية والأخرى التي قد تسعى لدخولها في نشر البيانات الاقتصادية والمالية للجمهور. وتوافق البلدان المشتركة في هذا النظام على نشر بيانات مالية واقتصادية وطنية مفصلة، بما في ذلك بيانات الاحتياطيات الدولية والدين الخارجي، حسب جدول زمني معلن. وقد أنشئ أيضاً في عام 1997 نظام لنشر البيانات (GDDS) لإرشاد البلدان التي لم تسمح ظروفها بعد بالاشتراك في المعيار الخاص لنشر البيانات والتي تحتاج إلى تحسين نظمها الإحصائية.
4- الشفافية والمساءلة في صندوق النقد الدولي:
يعتبر تحسين المعلومات التي تقدم إلى الأسواق والجمهور العريض بمثابة عنصر أساسي من عناصر إصلاح النظام المالي الدولي، كما أنه يمثل حجر الزاوية في عملية الإصلاح التي بدأت مؤخراً ولا تزال مستمرة في الصندوق ذاته.
أما الشفافية، سواء من جانب البلدان الأعضاء في الصندوق أو الصندوق نفسه، فهي تساعد على تحسين الأداء الاقتصادي بطرق متعددة. فزيادة انفتاح البلدان الأعضاء تشجع الجمهور على تحليل سياسات هذه البلدان نطاق أوسع وبالاستناد إلى معلومات أدق، وتزيد من مساءلة صانعي السياسات ومن مصداقية السياسات المنتهجة، كما توفر للأسواق المالية معلومات تمكنها من العمل بنظام وكفاءة. أما زيادة الانفتاح والوضوح من جانب الصندوق فيما يتعلق بسياساته والمشورة التي يقدمها لأعضائه، فمن شأنها الإسهام في عقد مناقشات مستنيرة بشأن السياسات، وتحقيق فهم أفضل لدور الصندوق وعملياته. ومن خلال إتاحة الفرصة للجمهور العريض كي يتناول تفاصيل المشورة بالفحص والنقاش، يمكن أن يعمل الصندوق أيضاً على الارتقاء بمستوى التحليل لديه.
ومنذ منتصف التسعينات، حدثت زيادة هائلة في حجم المعلومات التي ينشرها الصندوق – عن أنشطته وسياساته وأنشطة وسياسات البلدان الأعضاء – لا سيما في موقعه على شبكة الإنترنت. فنشرات المعلومات المعممة، على سبيل المثال، التي تم نشرها في ختام مشاورات المادة الرابعة من حوالي 80% من البلدان الأعضاء في 1999-2000 تلخص مناقشات المجلس التنفيذي وتقدم الخلفية التي تستند إليها المشاورات. كذلك تقوم الحكومات المعنية بإصدار خطابات نوايا في حوالي 80% من البرنامج. وفي أبريل 1999، بدأ المجلس التنفيذي مشروعاً تجريبياً للنشر الطوعي لتقارير خبراء الصندوق في إطار مشاورات المادة الرابعة، ووافق حوالي ستون بلداً على هذا النشر على مدى الثماني عشر شهراً التالية. وفي نوفمبر 2000 حل محل هذا المشروع التجريبي سياسة للنشر تنص على النشر الطوعي (أي رهناً بموافقة البلد المعني) لكل من تقارير مشاورات المادة الرابعة والتقارير الخاصة باستخدام البلدان الأعضاء لموارد الصندوق.
ولقد تعززت في السنوات الأخيرة قواعد مساءلة صندوق النقد الدولي أمام حكوماته الأعضاء والجمهور العريض عن طريق التقييمات الخارجية التي يقوم بها خبراء من خارج الصندوق لسياساته وأنشطته. وتضم التقييمات الخارجية المنشورة تقييمات التسهيل التمويلي المعزز للتصحيح الهيكلي (الذي حل محله في عام 1999 تسهيل النمو والحد من الفقر) ورقابة الصندوق لاقتصادات البلدان الأعضاء وأنشطة الصندوق في مجال البحوث الاقتصادية. وقد تم في عام 2001 إنشاء مكتب التقييم المستقل .
وإذ يزيد المجلس التنفيذي من شفافية الصندوق، فهو يعي تماماً ضرورة الحفاظ على دور الصندوق كمستشار مؤتمن لبلدانه الأعضاء، وهو دور سيظل على الدوام جزءاً أساسياً من مهمة الصندوق.
5-  إشراك القطاع الخاص في منع وقوع الأزمات وحلها:
يسهم القطاع الخاص بالنصيب الأكبر في التدفقات المالية الدولية. وهنا تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع الخاص في المساعدة على منع وقوع الأزمات المالية وحلها إذا وقعت. ويمكن منع حدوث الأزمات والحد من مدى تقلب التدفقات الخاصة عن طريق تحسين عمليات تقييم المخاطر والدخول في حوار أعمق وأكثر تواتراً بين البلدان والمستثمرين من القطاع الخاص. فمثل هذا الحوار يمكن أن يزيد من مشاركة القطاع الخاص في حل الأزمات عند حدوثها، وذلك بأساليب تتضمن إعادة هيكلة الدين الخاص.
ويمكن لكل من الدائنين والمدينين الاستفادة من مثل هذا الحوار. كذلك فإن إشراك القطاع الخاص في منع وقوع الأزمات وحلها من شأنه أن يساعد أيضاً في الحد من "الخطر الأخلاقي" (moral hazard) – أي إمكانية أن ينجذب القطاع الخاص إلى الدخول في عمليات إقراض غير مضمونة من منطلق الثقة في أن الخسائر المحتملة ستكون محدودة نتيجة لعمليات الإنقاذ الرسمية، بما في ذلك الإنقاذ من جانب صندوق النقد الدولي.
ويعمل صندوق النقد الدولي ذاته على تعزيز حواره مع الأطراف المشاركة في السوق، من خلال تشكيل المجموعة الاستشارية المعنية بأسواق رأس المال، مثلاً، والتي اجتمعت للمرة الأولى في سبتمبر 2000. وتمثل هذه المجموعة محفلا للاتصال المنتظم بين المشاركين في أسواق رأس المال الدولية وإدارة الصندوق وكبار موظفيه حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التطورات الاقتصادية العالمية وتطورات السوق وتدابير تقوية النظام المالي العالمي. غير أن المجموعة لا تناقش المسائل السرية المتعلقة ببلدان بعينها.
وعند وقوع الأزمات، ينتظر من البرامج المدعمة بموارد الصندوق أن تكون قادرة على استعادة الاستقرار، في معظم الحالات، استناداً إلى ما توفره من تمويل رسمي وتعديل في السياسات، وما يرتبط بذلك من زيادة في ثقة المستثمرين من القطاع الخاص. ومع ذلك، فقد يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات أخرى في حالات معينة، مثل إعادة الهيكلة المنسقة للديون من جانب الدائنين التابعين للقطاع الخاص. وقد اتفق أعضاء صندوق النقد الدولي على بعض المبادئ للاسترشاد بها في عملية إشراك القطاع الخاص في حل الأزمات. غير أن هذه المبادئ تتطلب مزيداً من التطوير وينبغي توخي المرونة عند تطبيقها على الحالات المختلفة لفرادى البلدان.


6- التعاون مع المؤسسات الأخرى:
يتعاون صندوق النقد الدولي تعاوناً نشطاً مع البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية ومنظمة التجارة العالمية ووكالات الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، وهي مؤسسات لكل منها مجال تخصص معين ومساهمة خاصة في الاقتصاد العالمي، ويتسم تعاون الصندوق مع البنك الدولي في مجال الحد من الفقر بطابع وثيق خاص، لأن البنك، وليس الصندوق، هو صاحب الخبرة في مجال مساعدة البلدان على تحسين سياساتها الاجتماعية .
ومن المجالات الأخرى التي يتعاون فيها الصندوق والبنك الدولي تعاوناً وثيقاً عمليات تقييم القطاعات المالية في البلدان الأعضاء بهدف الكشف عن جوانب الضعف في نظمها، ووضع المعايير والمواثيق، وتحسين نوعية بيانات الدين الخارجي ومدى توفرها ونطاق شمولها.
كذلك فإن صندوق النقد الدولي عضو في منتدى الاستقرار المالي الذي يضم السلطات الوطنية المسؤولة عن الاستقرار المالي في المراكز المالية الدولية المهمة، وهيئات التنظيم والرقابة الدولية، ولجان خبراء البنوك المركزية، والمؤسسات المالية الدولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق