الخميس، 27 فبراير 2014

القانون علم انساني العلوم الانسانية والقانون



من حيث التصنيف ، فأن القانون علم انساني معياري يقوم على فكرة الغاية ، كما هو حال علم الاخلاق وعلم الجمال وعلم المنطق ... فهي علوم انسانية لانها تجعل من تفكير الانسان السليم وتنمية تذوقه للجمال وضبط سلوكه وحمايته غاية لها ، ولكل علم منها معياره الخاص ، وهي علوم غائية لان لكل علم منها غايته التي يسعى الى ادركها فغاية علم المنطق التفكير السليم ومعياره الحق والصواب ، وغاية علم الجمال تربية الشعور على تذوق الجمال وتمثله ومعياره الذوق السليم ، وغاية علم الاخلاق ضبط سلوك الانسان ومعياره العدالة والخير والفضيلة ، وغاية القانون تحقيق العدل وضبط سلوك الافراد وربط ذلك بأمن واستقرار ومصلحة الجماعة ومعياره القاعدة القانونية سواء كانت وضعية او عرفية وايا كان مصدرها ، التشريع او العرف او المباديء العامة للقانون او القانون الطبيعي او قواعد العدالة او احكام القضاء او اراء الفقهاء وحسب طبيعة فرع القانون من حيث المرونة او الجمود. (5)
ومن هنا اطلق عليها تسمية علوم انسانية معيارية تمييزاً لها عن العلوم الطبيعية السببية كالفيزياء والكيمياء ، التي تبحث فيما هو كائن فهي علوم تقريرية وصفية تعمل على كشف قوانين الطبيعة التي تسير وفقاً لقانون السببية ، فكل سبب يحقق نتيجة معينة حتماً ، مثل قانون الجاذبية وقانون ارخميدس وباسكال وقانون الطاقة وقانون الذرة .... ، ولانها تقوم على السببية الحتمية او الآلية فأن قوانين الطبيعة لا يُمكن ان تُخرق ، وعلى هذا النحو لم تكن هناك حاجة لمعيار ما يقوم نتائجها وفقاً لما ينبغي ان تكون عليه فهي كائنة شئنا ام ابينا ، وجزاء مخالفتها يتحقق تلقائياً دون حاجة لتدخل سلطة تفرضه ، فمن يلقي بنفسه في النار لابد ان يحترق ، ومن يلقي بنفسه من مكان شاهق اما ان تتكسر عظامه او تنتهي حياته ، واذا نجا فان ذلك لا يعني ان القانون الطبيعي لم يعمل بل يعني ان سبباً اخر قد توفر ولو عن طريق الصدفة حال دون تحقق النتيجة فقد يكون الاول قد ارتدى ملابس تقي من النار وان الثاني وقع في حوض عجلة تحمل مادة ألاسفنج مرت بالصدفة ، فالسبب الاقوى يزيح السبب الاضعف كلياً او ان يتوازن معه جزئياً بقدر او بآخر .(6)
اما العلوم الانسانية المعيارية ومنها القانون فتبحث فيما يجب ان يكون عليه الانسان < Sollen> ، ويحكمها قانون الاسناد لا قانون السببية ، اي علاقة بين قاعدة اجتماعية وجزاء ينبغي ان يوقع عند مخالفتها ، لان القواعد المعيارية بخلاف القواعد الطبيعية، يمكن ان تخرق وجزاء مخالفتها لايمكن ان يتحقق تلقائياً ، فقد يفلت المخالف للقانون من العقوبة ، مما يقتضي ان تكون هناك قاعدة قانونية عامة ومجردة وعامة موضوعة سلفاً وجزاء تفرضه سلطة عامة عند مخالفتها. (7)
ومن جانب اخر يوضع القانون ويراد منه تحقيق غاية معينة كما هو الامر في كل عمل انساني ، لابد له من غاية يسعى لادراكها ، الا ان الغاية من القانون قد تكون من جانب عامة تغطي جميع القوانين في كل زمان ومكان وفي هذا اختلف فقهاء القانون في تحديد مضمون وطبيعة هذه الغاية العامة ، ومن جانب اخر فان للقانون غاية خاصة او محلية ، ان صح التعبير ، وتعبر هذه الغاية عن افكار وطموحات وامال مجتمع من المجتمعات في زمان ومكان محدد .
كما تلعب الافكار الفسلفية السائدة دورا اكيدأً في تحديد الغاية من القانون ، وهكذا تبنت المجتمعات الرأسمالية المذهب النفعي ومبدأ حرية الاقتصاد ومبدأ دعه يعمل دعه يمر ، وفي تبنيها هذا حددت لغاية القانون وجهتها الشرعية المطلوبة ، فتم تشييد النظام القانوني على اساس احترام هذه المباديء الى درجة اعتبارها من الثوابت شبه المقدسة ، بينما اخذت غاية القانون وجهة اخرى في النظم الاشتراكية .
ان بحث الغاية في الفكر القانوني يتطلب دراسة العلاقة بين القانون والمجتمع ومن ثم بحث فكرة الغاية في القانون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق