1. أثر الفائدة السلبي على التنمية :
تأسيس النظام المصرفي على الفائدة ، واعتبارها
المحور الأساسي الذي ترتكز عليه العمليات المصرفية في أشكالها وجوانبها المتعددة ،
يجعل منها نقيض للفلسفة الحقيقية من مسألة التمويل بالقروض ، وكذلك لفلسفة التنمية
التي يهدف إليها النظام المالي والاقتصادي في المجتمع ، وهذا الأمر واضح من خلال
تتبع الأغراض التي لأجلها يقدم القرض ، فهو عادة يقدم إلى شكلين من المطالب :
·
الأغراض
الاستهلاكية .
·
الأغراض
الإنتاجية .
ومن ثم فإن تحريم الفائدة في الشكل الاستهلاكي ،
هو باب من أبواب المعاملة الإنسانية ، وفكرة التحريم فيه مرجعها إلى مبدأ العدالة
بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وتلك النظرة تعتبر حجر الزاوية في الفلسفة الإسلامية
ورؤيتها للحياة الاجتماعية والاقتصادية ، وهذا ما يجب أن يتوفر في كل نظام اقتصادي
يسعى إلى التنمية التي توفر النفع للفرد والمصلحة للمجتمع ، ولا تضحى لتحقيق غاية
طرف على حساب الطرف الآخر .
إن ما يتجاهله نظام الفائدة هو عدم الاكتراث
لتحقيق المصلحة الثنائية والكلية ، والاعتماد على افتراض معيار ثابت ألا وهو معيار
الفائدة ، وعدم الأخذ بنظر الاعتبار جانب الخسارة الذي يتحقق أثناء تمويل أي مشروع
من قبل القروض التي تتحصل على الفائدة كنتيجة حتمية للإقراض . وبالتالي يعود
بالضرر الكبير على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي ، فأي مشروع لا يمكن التنبؤ
بنتائج تشغيله ، كما أنه لا يمكن تحديد الربح أو الخسارة وحجم أي منهما([1]).
وإذا كان هناك مستفيد من نظام الفائدة ، فهو ليس
إلا المقرض فرداً كان أو مؤسسة أو مصرف ، وهو طرف لا نقول بتجاهل حقه في الربح ،
لكن بشرط أن لا يكون ذلك الربح على حساب تجاهل حقوق المقترضين ، الذين لهم حق
مماثل ، لأن الإخلال بحق الطرف الأخير الذي يمثل الكثرة العددية والقوة الضاربة
التي تبني بجهودها عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، سيؤدي إلى إخلال أكبر
بحق المجتمع والجماعة ، والتي هي في مسيس الحاجة إلى التقدم والتطور والتنمية
الفاعلة .
و في الحاصل ، فإن قيام نظام اقتصادي على أساس
الفائدة الربوية يجعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين العاملين في ميدان التجارة
والصناعة علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة ، لأن المرابي يجتهد في الحصول على أكبر
فائدة . ومن ثم يمسك المال حتى يزيد اضطرار التجارة والصناعة إليه فيرتفع سعر
الفائدة ، ويستمر برفع السعر حتى يجد
العاملون في التجارة والصناعة أنه لا
فائدة لهم من استخدام هذا المال ، لأنه لا يدر عليهم ربحا يوفون به الفائدة ويبقى
لهم منه شيء .
عندئذ ينكمش حجم المال المستعمل في هذه المجالات
الاقتصادية والتي يشتغل فيها ملايين البشر ، وتُضيق المصانع دائرة إنتاجها ، و
يتعطل العمال فتقل القدرة على الشراء وتزيد البطالة . وتضعف البنية التحتية في
القطاعات الأساسية للمجتمع ، ويزيد من
كثرة تجمع المال لدى طبقة قليلة بسبب زيادة الفائدة إلى حالة ضارة ، وهكذا تفشل
العملية التنموية وتقع الأزمات الاقتصادية الدورية العالمية .
ولا ننسى هنا أن كل زيادة ( فائدة) تفرض من خلال
عملية الإقراض ، ستدفع
بأصحاب المصانع والمتاجر إلى رفع أثمان السلع الاستهلاكية ،
فيقع عبئها الجم وتأثيرها السلبي على المستهلكين ، لينقص بذلك من قدرة هذه الفئة على الادخار ، ومن
دعمها لمسيرة العملية التنموية .
ومن المفيد في هذا المقام هو استعراض سلبيات
نظام الفائدة من وجهات نظر اقتصادية غربية ، حتى لا يبقى أي شك تجاه من يروجون
لتلك السلعة الفاسدة من أبناء جلدتنا وغيرهم ، لأن تلك الأصوات الاقتصادية خرجت من
البلدان التي نبعت منها فكرة الفائدة ، فكانت تلك الآراء هي الحجة الأقوى والبرهان
الأعمق على الأثر السيئ للفائدة .
وبنفس الوقت الدليل الاقتصادي العملي الغير
متحمل على نظام الفائدة كالفكر الاقتصادي الاسلامي على حد تعبيرهم ، وسنذكر بعض
تلك الآراء التي تطرق لها كبار الاقتصاديين الغربيين وهي :–
1. إن الفائدة هي أحد أسباب التضخم ، فقد أكد ذلك (SIMONS) حيث قال : (أن السبب
الأساسي للكساد العالمي في الثلاثينيات هو تغيرات الثقة التجارية الناشئة عن نظام ائتماني
غير مستقر)([2]).
2. في دراسات ميدانية قام بها (ENZLER&CONRAD&JOHNSO) توصلوا فيها إلى أن رأس المال في الاقتصاديات المعاصرة قد أسيء تخصيصه
إلى حد خطير بين قطاعات الاقتصاد وأنواع الاستثمارات بسبب سعر الفائدة([3])،
والمقصود هنا أن الفائدة أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد ، ولا تعير
الناحية الاجتماعية أية أهمية ، فتحرم المجتمع من مشروعات ضرورية وتعيق حركة التنمية
فيها ، فالمشروعات الكبيرة تحصل على قروض أكثر وبسعر فائدة أقل ، بينما يحدث العكس
بالنسبة للمشروعات المتوسطة والصغيرة التي قد تكون ذات فائدة أكبر وإنتاجية أكثر .
3. تشير الدلائل الإحصائية إلى عدم وجود ترابط ايجابي
كبير بين الفائدة والادخار ، وهذا ما أكده (SAMELSON) عند قوله :( (
إن بعض الناس يقل ادخارهم بدل أن يزيد حينما تزيد أسعار الفائدة ، وإن كثيراً من الناس
يدخرون المبلغ نفسه تقريباً بغض النظر عن مستوى سعر الفائدة ، وإن بعض الناس يميلون
إلى خفض استهلاكهم إذا وعدوا بأسعار أعلى )
، ثم يتابع قائلاً : ( كل الدلائل
توحي بأن مستوى الفائدة يميل في قراري الاستهلاك والادخار إلى إبطال تأثير كل منهما
على الآخر ))([4])
.
4. في دراسة أجراها (LEIBLING) للتجربة الأمريكية
(1970–1978) وجد أن الفوائد قد بلغت ثلث العائد الإجمالي على رأس المال ، مما أدى إلى
تآكل أرباح الشركات وانخفاض إنتاج الاقتصاد الأمريكي ، وبالتالي أدى إلى انخفاض التكوين
الرأسمالي([5]).
ولذا فإن الفائدة تؤدي إلى زيادة التكاليف وانخفاض مشاريع التنمية ، وكلما ارتفع سعر
الفائدة أصبح عائق الاستثمار أكبر .
5. في بداية الثمانينات وضع ( FRIEDMAN)([6])
تساءل عن أسباب السلوك الطائش الذي لم يسبق له مثيل للاقتصاد الأمريكي ، وقد توصل إلى
أن هذا السلوك الطائش بسبب أسعار الفائدة مما يصعب اتخاذ القرارات الاستثمارية الطويلة
الأجل أو التخطيط الجيد للأعمال .
6. قال(URVEY) :
(أن السعر النقدي للفائدة ليس هو المتحكم في الاقتصاد ، وأن سعر
الفائدة لا يصلح لذلك ، وهو غير مناسب لقرارات الاستثمار ، وبناء على هذا يجب أن يحل
محله سعر الأصول الحقيقية الموجودة أو المستوى العام لأسعار الأسهم)([7]).
وهذا الكلام يؤكد على ضرورة فك ارتباط الاقتصاد عن سعر الفائدة ، مما يجعل حرية أكبر
في اتخاذ القرارات الاستثمارية وتوجيهها بالشكل المطلوب وبما يخدم عملية التنمية .
7.
وبخصوص
درجة ضرر الفائدة المركبة على الاقتصاد وما تسببه على المجتمع من آثار سيئة كالاستغلال
والظلم والحيف ، قال(j. H. HOSTON) : (الفائدة
المركبة إثم مركب ، يطلق الحرية في عالم اقتصادي محدود ، لنمو أسّي يسبب ظلماً كبيراً
، ويجعل الديون غير قابلة للسداد ، وهذا ليس مجرد ديانة مجردة ، بل هو حصيلة آلاف السنين
من التجربة الكئيبة لتركز الثروة في القليل من الأيدي ، ومن استرقاق الدين ، مما تحدثت
عنه جميع كتب الحكمة القديمة : الكتاب المقدس ، والقرآن ، وفلاسفة اليونان . وفي عالم
لا ينمو فيه الناتج الفردي ، ولا الناتج الحقيقي الكلي ، والنقود فيه لا يمكن أن تنمو
باستمرار ، فإن فرض أي معدل فائدة موجب سرعان ما يؤدي إلى الإفراط في تركيز الثروة
في أيدي قلة من المرابين ، كما يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي)([8]).
وبناء على ما تقدم ، فإن
الاعتماد الكلي على الفائدة في عملية الإنتاج والتنمية وإهمال الأخذ بالربح والذي
يمثل محرك النمو الحقيقي للاقتصاد ، سيؤدي إلى حرمان فئات كثيرة من العمل في تأدية
دورها الايجابي تجاه الإنتاج القومي ودعمه بقدراتها المتنوعة ، وبالتالي سيتولد
خلل كبير في عملية التوازن بين طبقات المجتمع ، وتنشأ فجوة واسعة من السلبية
الاقتصادية والاجتماعية التي بدورها ستكون معوق رئيسي أمام مسيرة التنمية .
[1])) إلغاء الفائدة من
الاقتصاد ، تقرير مجلس الفكر الإسلامي في باكستان ، المركز العالمي لأبحاث
الاقتصاد الإسلامية ،
جامعة الملك عبد العزيز ، جدة ، 1984 ، ط2 ، ص23 .
[3]))"Public
Policy and Capial Formation", Enzler&Conrad&Johnso, Federal
Reserve Bullein(Oc.,1981), P.759
[5])) "Corpora Profitability and Capial
Formation: Are Raise of Return Sufficient?", Leibling , H., U., S.,
Pergamon Policy Studies, NY 1980, p. 70–8
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق