الجمعة، 21 فبراير 2014

تأثير السلف بالفائدة في البنوك الربوية على تنمية المجتمع



1.     أثر الفائدة السلبي على التنمية :
تأسيس النظام المصرفي على الفائدة ، واعتبارها المحور الأساسي الذي ترتكز عليه العمليات المصرفية في أشكالها وجوانبها المتعددة ، يجعل منها نقيض للفلسفة الحقيقية من مسألة التمويل بالقروض ، وكذلك لفلسفة التنمية التي يهدف إليها النظام المالي والاقتصادي في المجتمع ، وهذا الأمر واضح من خلال تتبع الأغراض التي لأجلها يقدم القرض ، فهو عادة يقدم إلى شكلين من المطالب :
·        الأغراض الاستهلاكية .
·        الأغراض الإنتاجية .
ومن ثم فإن تحريم الفائدة في الشكل الاستهلاكي ، هو باب من أبواب المعاملة الإنسانية ، وفكرة التحريم فيه مرجعها إلى مبدأ العدالة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وتلك النظرة تعتبر حجر الزاوية في الفلسفة الإسلامية ورؤيتها للحياة الاجتماعية والاقتصادية ، وهذا ما يجب أن يتوفر في كل نظام اقتصادي يسعى إلى التنمية التي توفر النفع للفرد والمصلحة للمجتمع ، ولا تضحى لتحقيق غاية طرف على حساب الطرف الآخر .
إن ما يتجاهله نظام الفائدة هو عدم الاكتراث لتحقيق المصلحة الثنائية والكلية ، والاعتماد على افتراض معيار ثابت ألا وهو معيار الفائدة ، وعدم الأخذ بنظر الاعتبار جانب الخسارة الذي يتحقق أثناء تمويل أي مشروع من قبل القروض التي تتحصل على الفائدة كنتيجة حتمية للإقراض . وبالتالي يعود بالضرر الكبير على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي ، فأي مشروع لا يمكن التنبؤ بنتائج تشغيله ، كما أنه لا يمكن تحديد الربح أو الخسارة وحجم أي منهما([1]).
وإذا كان هناك مستفيد من نظام الفائدة ، فهو ليس إلا المقرض فرداً كان أو مؤسسة أو مصرف ، وهو طرف لا نقول بتجاهل حقه في الربح ، لكن بشرط أن لا يكون ذلك الربح على حساب تجاهل حقوق المقترضين ، الذين لهم حق مماثل ، لأن الإخلال بحق الطرف الأخير الذي يمثل الكثرة العددية والقوة الضاربة التي تبني بجهودها عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، سيؤدي إلى إخلال أكبر بحق المجتمع والجماعة ، والتي هي في مسيس الحاجة إلى التقدم والتطور والتنمية الفاعلة .
و في الحاصل ، فإن قيام نظام اقتصادي على أساس الفائدة الربوية يجعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين العاملين في ميدان التجارة والصناعة علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة ، لأن المرابي يجتهد في الحصول على أكبر فائدة . ومن ثم يمسك المال حتى يزيد اضطرار التجارة والصناعة إليه فيرتفع سعر الفائدة  ، ويستمر برفع السعر حتى يجد العاملون في التجارة والصناعة  أنه لا فائدة لهم من استخدام هذا المال ، لأنه لا يدر عليهم ربحا يوفون به الفائدة ويبقى لهم منه شيء .
عندئذ ينكمش حجم المال المستعمل في هذه المجالات الاقتصادية والتي يشتغل فيها ملايين البشر ، وتُضيق المصانع دائرة إنتاجها ، و يتعطل العمال فتقل القدرة على الشراء وتزيد البطالة . وتضعف البنية التحتية في القطاعات الأساسية  للمجتمع ، ويزيد من كثرة تجمع المال لدى طبقة قليلة بسبب زيادة الفائدة إلى حالة ضارة ، وهكذا تفشل العملية التنموية وتقع الأزمات الاقتصادية الدورية العالمية .
ولا ننسى هنا أن كل زيادة ( فائدة) تفرض من خلال عملية الإقراض ، ستدفع بأصحاب المصانع والمتاجر إلى رفع أثمان السلع الاستهلاكية ، فيقع عبئها الجم وتأثيرها السلبي على المستهلكين ، لينقص  بذلك من قدرة هذه الفئة على الادخار ، ومن دعمها لمسيرة العملية التنموية .
ومن المفيد في هذا المقام هو استعراض سلبيات نظام الفائدة من وجهات نظر اقتصادية غربية ، حتى لا يبقى أي شك تجاه من يروجون لتلك السلعة الفاسدة من أبناء جلدتنا وغيرهم ، لأن تلك الأصوات الاقتصادية خرجت من البلدان التي نبعت منها فكرة الفائدة ، فكانت تلك الآراء هي الحجة الأقوى والبرهان الأعمق على الأثر السيئ للفائدة .
وبنفس الوقت الدليل الاقتصادي العملي الغير متحمل على نظام الفائدة كالفكر الاقتصادي الاسلامي على حد تعبيرهم ، وسنذكر بعض تلك الآراء التي تطرق لها كبار الاقتصاديين الغربيين وهي :­­–
1.     إن الفائدة هي أحد أسباب التضخم ، فقد أكد ذلك (SIMONS) حيث قال : (أن السبب الأساسي للكساد العالمي في الثلاثينيات هو تغيرات الثقة التجارية الناشئة عن نظام ائتماني غير مستقر)([2]).
2.     في دراسات ميدانية قام بها (ENZLER&CONRAD&JOHNSO) توصلوا فيها إلى أن رأس المال في الاقتصاديات المعاصرة قد أسيء تخصيصه إلى حد خطير بين قطاعات الاقتصاد وأنواع الاستثمارات بسبب سعر الفائدة([3])، والمقصود هنا أن الفائدة أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد ، ولا تعير الناحية الاجتماعية أية أهمية ، فتحرم المجتمع من مشروعات ضرورية وتعيق حركة التنمية فيها ، فالمشروعات الكبيرة تحصل على قروض أكثر وبسعر فائدة أقل ، بينما يحدث العكس بالنسبة للمشروعات المتوسطة والصغيرة التي قد تكون ذات فائدة أكبر وإنتاجية أكثر .
3.     تشير الدلائل الإحصائية إلى عدم وجود ترابط ايجابي كبير بين الفائدة والادخار ، وهذا ما أكده (SAMELSON) عند قوله :( ( إن بعض الناس يقل ادخارهم بدل أن يزيد حينما تزيد أسعار الفائدة ، وإن كثيراً من الناس يدخرون المبلغ نفسه تقريباً بغض النظر عن مستوى سعر الفائدة ، وإن بعض الناس يميلون إلى خفض استهلاكهم إذا وعدوا بأسعار أعلى ) ، ثم يتابع قائلاً : ( كل الدلائل توحي بأن مستوى الفائدة يميل في قراري الاستهلاك والادخار إلى إبطال تأثير كل منهما على الآخر ))([4]) .
4.     في دراسة أجراها (LEIBLING) للتجربة الأمريكية (1970–1978) وجد أن الفوائد قد بلغت ثلث العائد الإجمالي على رأس المال ، مما أدى إلى تآكل أرباح الشركات وانخفاض إنتاج الاقتصاد الأمريكي ، وبالتالي أدى إلى انخفاض التكوين الرأسمالي([5]). ولذا فإن الفائدة تؤدي إلى زيادة التكاليف وانخفاض مشاريع التنمية ، وكلما ارتفع سعر الفائدة أصبح عائق الاستثمار أكبر .
5.     في بداية الثمانينات وضع ( FRIEDMAN)([6]) تساءل عن أسباب السلوك الطائش الذي لم يسبق له مثيل للاقتصاد الأمريكي ، وقد توصل إلى أن هذا السلوك الطائش بسبب أسعار الفائدة مما يصعب اتخاذ القرارات الاستثمارية الطويلة الأجل أو التخطيط الجيد للأعمال .
6.     قال(URVEY) : (أن السعر النقدي للفائدة ليس هو المتحكم في الاقتصاد ، وأن سعر الفائدة لا يصلح لذلك ، وهو غير مناسب لقرارات الاستثمار ، وبناء على هذا يجب أن يحل محله سعر الأصول الحقيقية الموجودة أو المستوى العام لأسعار الأسهم)([7]). وهذا الكلام يؤكد على ضرورة فك ارتباط الاقتصاد عن سعر الفائدة ، مما يجعل حرية أكبر في اتخاذ القرارات الاستثمارية وتوجيهها بالشكل المطلوب وبما يخدم عملية التنمية .
7.      وبخصوص درجة ضرر الفائدة المركبة على الاقتصاد وما تسببه على المجتمع من آثار سيئة كالاستغلال والظلم والحيف ، قال(j. H. HOSTON) : (الفائدة المركبة إثم مركب ، يطلق الحرية في عالم اقتصادي محدود ، لنمو أسّي يسبب ظلماً كبيراً ، ويجعل الديون غير قابلة للسداد ، وهذا ليس مجرد ديانة مجردة ، بل هو حصيلة آلاف السنين من التجربة الكئيبة لتركز الثروة في القليل من الأيدي ، ومن استرقاق الدين ، مما تحدثت عنه جميع كتب الحكمة القديمة : الكتاب المقدس ، والقرآن ، وفلاسفة اليونان . وفي عالم لا ينمو فيه الناتج الفردي ، ولا الناتج الحقيقي الكلي ، والنقود فيه لا يمكن أن تنمو باستمرار ، فإن فرض أي معدل فائدة موجب سرعان ما يؤدي إلى الإفراط في تركيز الثروة في أيدي قلة من المرابين ، كما يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي)([8]).
وبناء على ما تقدم ، فإن الاعتماد الكلي على الفائدة في عملية الإنتاج والتنمية وإهمال الأخذ بالربح والذي يمثل محرك النمو الحقيقي للاقتصاد ، سيؤدي إلى حرمان فئات كثيرة من العمل في تأدية دورها الايجابي تجاه الإنتاج القومي ودعمه بقدراتها المتنوعة ، وبالتالي سيتولد خلل كبير في عملية التوازن بين طبقات المجتمع ، وتنشأ فجوة واسعة من السلبية الاقتصادية والاجتماعية التي بدورها ستكون معوق رئيسي أمام مسيرة التنمية .


[1])) إلغاء الفائدة من الاقتصاد ، تقرير مجلس الفكر الإسلامي في باكستان ، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامية ، جامعة الملك عبد العزيز ، جدة ، 1984 ، ط2 ، ص23 .
[2]))"Economic Policy for a free Sociey ", Simon ,H., University of Chicago, 1948, p.320  
[3]))"Public Policy and Capial Formation", Enzler&Conrad&Johnso, Federal Reserve Bullein(Oc.,1981), P.759  
[4])) "Economics", Samuelson, P.A, 7hed,. McGraw Hill, New York, 1967, p.574
[5]))  "Corpora Profitability and Capial Formation: Are Raise of Return Sufficient?", Leibling , H., U., S., Pergamon Policy Studies, NY 1980, p. 70–8 
[6])) " he yo-yo U.S. Economy", Friedman, M., Newsweek, 15Feb, 1982, p.4.
[7]))"Does he Rate of Interest Rule he Rooms?", Urvey , R., Hahn, G., eds., pp.,172&329.  
[8])) Islamic Finance, Mills and Presley, p.117.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق