وفي
محاولة للالتفاف على الربا لجأ المرابون إلى استخدام حيل ربوية لتظليل المجتمع
وتحليل ما حرمه الله ، وسنذكر هنا أشهر هذه الحيل والتي تعتبر ضربا من ضروب الخداع
والتحايل على الشريعة وتلك الحيل هي :
أولا ً : بيع العينة :
وهو أن يشتري شخص سلعة من شخص آخر بـ(100) إلى
أجل ، ثم يبيعها لنفس الذي اشتراها منه بـ(80) نقداً ، أي بثمن أقل دون قبض المبيع فعلاً ، وهذه
الصورة هي عبارة عن وسيلة تتضمن الربا المحرم ولكن بحيلة تأخذ صورة البيع حيث يعود
حاصل البيعتين إلى أن يبدل نقوده بنقود أكثر وهذا ما موجود في الربا . وسميت عينة
لحصول النقد (العين ) لطالب العينة ، أو لأنه يعود إلى البائع عين ماله ، أي
السلعة التي باعها . ولا يعني هذا إن البيع بثمن مؤجل أعلى من المعجل لا يجوز ،
إنما يعني عدم جواز اتخاذ البيع المؤجل حيلة للوصول إلى القرض الربوي ، أي عدم
جواز الاعتماد على ما هو حلال للوصول إلى ما هو حرام .
ثانياً
: بيع التورق :
وهو أن
يشتري شخص السلعة إلى أجل ، ليبيعها ويأخذ ثمنها لينتفع به ويتوسع فيه ، كأن يحتاج
إلى نقود فيذهب إلى التاجر
ويشتري منه ما يساوي (100) بـ(150) إلى أجل ، ليسد به
حاجته وهو يختلف عن بيع العينة ، لأن البائع الذي كان مشترياً باع السلعة إلى شخص
آخر غير البائع الأول .
وفي التورق خلاف بين الفقهاء ، فقد أجاز جمهور
الفقهاء التورق ، وقولهم فيه هو صيغة بيع وشراء طبيعية وليس فيه حالة تواطؤ ،
وخالف في ذلك ابن تيمية ، وذهب إلى كراهة التورق([1])،
وحكي انه اختار حرمته([2]).
وهي رواية عن أحمد أيضاً .
وقد
ارتضى ابن القيم مذهب شيخه ( ابن تيمية ) حظر التورق ، ونبه إلى أنه مع
ذلك أخف من العينة ، فقال : (( وهذا المضطر
إن أعاد السلعة إلى بائعها ، فهي العينة ، وإن باعها لغيره فهي التورق ، وإن رجعت
إلى ثالث يدخل بينهما ، فهو محللُ الربا ، والأقسام الثلاثة يعتمدها المرابون
وأخفها التورق . وقد كرهه عمر بن عبد
العزيز وقال : هو أُخية ُالربا . وكان شيخنا يمنع من مسألة التورق ، وروجع فيها
مراراً وأنا حاضرٌ ، فلم يُرَخص فيها ))([3]).
والعلة في المنع والتحريم لديهم هو أنه يتحول
إلى عملية بيع بصورة ربا من خلال حصول تواطؤ بين أطراف عملية البيع .
ثالثاً : بيع وسلف :
يلجأ المسلف أحياناً إلى اشتراط البيع بسعر معين
مع إقراضه ، فيقول : المسلف (المقرض) أسلفك هذا المبلغ على أن تبيعني بسعر كذا في
حالة إن كان المقترض هو البائع له ، أما إذا كان هو البائع فيشترط زيادة ربحه من
خلال بيعه سلعة بسعر أعلى مقابل إقراضه مبلغ للمقترض ، وهو من البيوع الفاسدة فقد
نهى رسول الله rعن
بيع وسلف([4])
، أي قرض وبيع ، والنهي عنه كالنهي عن بيع
العينة ، إنما هو لسد الذريعة لأنه يقرضه على أن يحابيه في الثمن ، فيكون المراد
به التوصل إلى الربا .
بيع الوفاء :
هو
البيع بشرط التراد ، أي متى رد البائع الثمن رد إليه المشتري سلعته ، وسمي بيع
الوفاء لأن فيه تعهداً من المشتري بالوفاء بالشرط وهو وهو رد البيع عند رد الثمن ،
ويسمى أيضاً بيع الأمانة ، لأن السلعة فيه تصبح كالأمانة عند المشتري يردها للبائع
متى رد عليه ماله.
واختلف أهل العلم في حكم هذا البيع ، قسم منهم
اعتبره رهناً صحيحاً تجري عليه أحكامه ، وقسم ثاني اعتبره بيعاً فاسداً وذلك لشرط
التراد ، والقسم الآخر
اعتبره مزيج بين البيع الصحيح والبيع الفاسد والرهن ، وأنه
بيع مشروع للحاجة إليه .
والصحيح
هنا عدم جوازه لأن المقصود الحقيقي من وراء ذلك هو الربا ، وصورته هو أن يقول
البائع للمشتري : بعتك هذا العقار بـ(1000) على أنه متى رددت إليك الثمن أو أرجعت
لك الدين ، أعدت إلي المبيع ، وتكون هنا منفعة العقار أو نحوه هي الفائدة التي
ينتفع بها المقرض والذي هو بصفة مشتري في عملية البيع هذه ، وهو بذلك أصبح قرض
ربوي موثق بشرط التراد أو الرهن ، وعبرة العقود تكون بالحقائق والمعاني وليس
بالأسماء والمباني .
[2])) الإنصاف ،
المرداوي ، ج11/195 ، المبدع على المقنع ، برهان الدين ابن مفلح ، مطبعة المكتب
الإسلامي ، دمشق ، 1400هـ ، ج4 ، ص49 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق