الجمعة، 14 فبراير 2014

حقيقة التقريب بين الأديان



- حقيقة التقريب بين الأديان:
تطلق هذه الدعوة على مجمل المحاولات الفكرية والعملية الساعية لإيجاد لون من ألوان التلاقي والاتصال بين دين الإسلام وغيره من الأديان المحرفة، والملل الوثنية([1]).
والواقع أن هذه الدعوة لاتحمل مدلولاً اصطلاحياً محدداً؛ نظراً لنسبية مفهوم التقريب من طرف لآخر، ومن فترة زمنية لأخرى، ولكن يمكن وضع هذا المفهوم في ثلاثة اتجاهات رئيسة تنتظم الكم الهائل من مؤتمرات التقريب ومنتديات الحوار([2])، وهي:
أولاً: اتجاه التقريب: وهو الاتجاه السائد، والمستمد من مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني، ويمثل معظم المحاولات العالمية والإقليمية التي يتواضع عليها المتحاورون.
وأبرز معالمه ما يلي:
1-اعتقاد إيمان الطرف الآخر وتسويغه، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو.
2-الاعتراف بقيم الآخر، واحترام عقائده وشعائره.
3- تجنب البحث في المسائل العقدية الفاصلة.
4- تجنب دعوة الآخر، وحسبان ذلك خيانة لأدب الحوار.
5- الدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي، والاعتذار عن أخطائه، والتخلص من آثاره.
6 - تبادل التهاني والزيارات والمجاملات في المناسبات الدينية المختلفة.
ثانياً: اتجاه التوحيد: وهو اتجاه يستصحب معظم الخصائص السابقة لدى دعاة التقريب، ويزيد عليها ما يلي:
1 - اعتقاد صحة جميع المعتقدات، وصواب جميع صور العبادات.
2- الاشتراك في صلوات وممارسات وطقوس مشتركة.
ويمثل هذا الاتجاه غلاة الصوفية قديماً، كابن عربي، والحلاج، وحديثاً بعض المتمسلمين الأوروبيين مثل (روجيه جارودي)، و فرقة الأبحاث الإسلامية المسيحية، المنبثقة عن دير سيننكا في فرنسا.
وفي عام 1995 م أعلنت هيئة الأمم المتحدة أن هذا العام هو عام التسامح, وأصدرت نشرة خاصة عن ذلك, وكان أبرز ما فيها أن الأديان ليست إلا طرقاً مختلفة توصل إلى نهاية واحدة، وجعل القاسم المشترك بينها البيان العالمي لحقوق الإنسان, والتأكيد على الحرية الدينية, واعتبار حكم الردة في الإسلام منافياً لهذه الحرية([3]).
ثالثاً: اتجاه التلفيق: وهو اتجاه يهدف إلى تشكيل دين جديد ملفق من أديان وملل شتى، واعتناق دين مهجن، ويمثل هذا الاتجاه قديماً (البهائية)، وحديثاً (المونية) التي يعتنقها أكثر من ثلاثة ملايين شخص في العالم، وتعقد مؤتمرات للحوار باسم المجلس العالمي للأديان.
2- الجذور التاريخية لدعوة التقريب بين الأديان:
أما عند اليهود فقد خلا تاريخهم من وجود لهذه الدعوة؛ لما كانوا عليه من الكبر واحتقار الآخرين، ولاعتقادهم أنهم شعب الله المختار. أما دعوتهم إلى هذه الفكرة من خلال الحركة الماسونية فهدفها هدم الأديان سوى اليهودية.
أما التراث النصراني فقد كان ينضح بالحقد والتشويه للإسلام، وبعد سقوط القسطنطينية نشأت محاولات لفهم الإسلام، وظهرت كتابات تصوب التدين بجميع صوره، وتدعو للتقارب مع الإسلام، بلغت ذروتها على يد ماسينيون(1883-1962م)، الذي حاول أن يقيم جسراً بين الإسلام والنصرانية من خلال التصوف الحلولي وبالذات الحلاج.
أما في التاريخ الإسلامي فقد نبتت نوابت شاذة سوغت وحدة الأديان، تمثلت في غلاة الصوفية القائلين بوحدة الوجود، والفرق الباطنية كإخوان الصفا والبهائية، ثم تحمل هذه الدعوة مؤسس المدرسة العصرانية الأفغاني ومحمد عبده بإيعاز من بعض القُسُس، كما ذكر ذلك الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله([4]).
وقد فتح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965م) الباب للنصارى على مصراعيه بإعلانه أن الخلاص يمكن أن يشمل سواهم، ودعوته للتقارب مع المسلمين واليهود، فكان ذلك إيذاناً بانطلاق فعاليات التقارب من مؤتمرات، وندوات، وتبادل زيارات على أوسع نطاق.
 3-بواعث الدعوة إلى التقريب بين الأديان:
أولاً: باعث الصد عن سبيل الله:
لقد راع الكنائس الغربية في العصر الحديث انفتاح شعوبها على الإسلام، واعتناق ألوف منهم إياه؛ فرأت المراجــع الكنسية أن لا جدوى من المجابهة؛ فهي أضعف من أن تقف أمام متانة العقيدة الإسلامية، وإحكام شريعتها، ومن ثم تفتقت عقولهم عن فكرة (التقريب والحوار)؛ ليطفؤوا روح التشوّف لدى رعاياهم، ويقروا في قلوبهم أن الفروق بين الأديان فروق شكلية، وكلها تؤدي إلى الله، فلا حاجة إلى التغيير.
ثانياً: الباعث التنصيري:
لا ريب أن التنصير يحتل موقعاً مميزاً في الديانة النصرانية، وحين تبنى النصارى خيار الحوار؛ لم يكن ذلك تخلياً منهم عن وظيفتهم العتيقة، ففي عام 1960م رفع مجلس الكنائس العالمي من شأن الحوار مع المسلمين, وكان يعتبر هذا الحوار وسيلة مفيدة للتنصير, فإن الحوار الذي هو وسيلة لكشف معتقدات وحاجيات شخص آخر هي نقطة بداية شرعية للتنصير([5]).
ثالثاً: الباعث السياسي:
كانت الدعوة للتقريب بين الأديان بمثابة محاولة للوقوف أمام المد الشيوعي، خاصة في الشرق الأوسط.
كما أن الحكومات الغربية في عقد التسعينيات تبنت قضايا التقريب والحوار لتتمكن من دمج المهاجرين المسلمين في المجتمعات الغربية، واتخاذهم ورقة ضغط على الحكومات الإسلامية لتعزيز نفوذ الأقليات النصرانية في البلدان الإسلامية.
رابعاً: الباعث القومي والوطني:
وهذا كان من قبل النصارى العرب والقوميين العرب بغرض إقصاء فكرة الجامعة الإسلامية، والاستعاضة عنها بالرابطة القومية أو الوطنية، والتقليل من شأن الفروق الدينية.
خامساً: الباعث الاجتماعي:
يشير النصارى العرب إلى الحقبة التاريخية التي عاشوا فيها ذميين بإشارات بغيضة، ويعدون الرجوع إليها نوعاً من الإذلال والامتهان؛ لذا يعمدون في حوارهم مع المسلمين إلى الحديث عن حقوق المواطنة، والمساواة في كل شيء.
سادساً: باعث التصدي للإلحاد والانحلال الخلقي والمادي:
إن المدافعين عن فكرة التقريب يدفعون بهذا الباعث للواجهة لتسويغ هذه الدعوة، وهم بذلك يقدمون دعوة التقريب كبديل عن الدعوة إلى الله، وكأن الإسلام لا يستقل بهذه المهمة.
4- مخالفات الدعوة إلى توحيد الأديان أو التقريب بينها للإسلام:
الدعوة إلى توحيد الأديان أو التقريب بينها، تصطدم مع الإسلام وتتعارض معه تعارضاً بيناً واضحاً. ومن أبرز مخالفاتها للإسلام وأشدها خطراً على المنادين بها والداعين إليها مايلي:
1- الداعون إليها يرتكبون ناقضاً من نواقض الإسلام وهو أن من لم يكفّر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر.
2- مناقضتها ومعارضتها لعقيدة الولاء والبراء ، ولذلك صور منها:
[أ] مداهنة الكفار ومجاملتهم على حساب الدين من وصف اليهود والنصارى الحاليين بأنهم مؤمنون، ووصف التبشير بأنه عمل إنساني.
[ب] اتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء.
[ج] مودتهم ومحبتهم والعمل على إيجاد صيغة للتعايش والتسالم مع الكفار يولدان والمحبة والألفة.
3-التشبه بالكفار وكسر الحاجز النفسي بيننا وبينهم.
4- تعطيل الجهاد وإبطاله([6]).
5-دلالة الواقع على بطلان هذه الدعوة:
1-إصرار النصارى على دينهم وعدم اقترابهم من الحق.
2-إصرار النصارى على الجهر بالسوء في ملتقيات التقارب وغيرها.
3-استمرار عرض الإسلام بصورة مشوهة.
4-استغلال النصارى شعار التقريب لنشر دينهم.
5-موالاة النصارى واليهود بعضهم بعضاً دون المسلمين([7]).
6- الحكم الشرعي لدعوة التقريب بين الأديان:
مما جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء حول هذه الدعوة ما يلي:" إن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان؛ وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا محرمة قطعًا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع".
وقد بينت اللجنة الموقف الشرعي الصحيح حيث قالت:"ومما يجب أن يعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة ، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن ، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام ، وذلك للوصول إلى قناعته بالإسلام ودخولهم فيه ، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ، قال الله تعالى : ((قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) [ آل عمران : 64 ] أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم ، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون ، والله المستعان على ما يصفون ، قال تعالى : ((واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) [المائدة:49]"([8]).


([1]) انظر:دعوة التقريب بين الأديان , أحمد القاضي , دار ابن الجوزي , الدمام , الطبعة الأولى, 1422هـ:333.
([2]) انظر: المصدر السابق:335، والحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه،لأبي زيد بن محمد مكي، موقع منتدى أهل الحديث.
([3]) انظر: مقالة بعنوان: عقيدة العالم الجديد، موقع مجلة العصر على الانترنت.
([4])انظر: الاتجاهات الوطنية: 2/319-320، وانظر: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان , بكر أبو زيد , دار العاصمة للنشر والتوزيع , الرياض , الطبعة الأولى، 1417هـ:5.
([5]) انظر : الحوار مع أهل الكتاب : أسسه ومناهجه في الكتاب والسنة, خالد بن عبدالله القاسم, دار المسلم, الرياض, الطبعة الأولى, 1414هـ: 112- 143, ودعوة التقريب بين الأديان, لأحمد القاضي:347 - 350.

([6]) انظر: الإبطال:9، ودعوة التقريب:1423، والتقارب الديني خطره, أسبابه, دعاته،للأمين الحاج محمد ، موقع مفكرة الإسلام.
([7]) انظر: دعوة التقريب:1459.
([8]) فتاوى وبيانات مهمة , اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية , دار عالم الفوائد , ط (1) 1421هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق