الأحد، 23 فبراير 2014

الصراع الحروب حول الماء على الموارد المائية



الماء: مصدر الصراع في المستقبل


منذ حوالي 4000 مليار سنة و العالم يعرف، حسب الخبراء، استقرارا في مخزناته من المياه. لم تكن يد البشر لتصل إلى المساس بتلك المخزنات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. لكن منذ فترة قصيرة سابقة (قصيرة بالنظر إلى عمر البشرية) تغيرت الأمور، و صار الماء، منبع الحياة و محركها الأساس، محل تهديد حقيقي، و صار معه الإنسان محل تهديد هو الآخر.
تشير الإحصائيات إلى أن نقصان المياه بدأ منذ حوالي 200 سنة و قد زادت سرعان النقصان بشدة و بطريقة ملحوظة تبعث على القلق منذ 50 سنة. تزيد خطورة الأمر إذا علمنا أنه بالموازاة مع نقصان هذه المادة الحيوية فان استهلاكها سريع جدا و بكميات معتبرة على وجه المعمورة مقابل آليات استرجاع بطيئة جدا لكميات قليلة و بكلفة كبيرة. و هذا ما يجعل الغلبة في الأخير للنقصان بدل الاستقرار.
آثار هذه الوضعية لم تكن لتمر في صمت خلال السنوات القليلة الماضية، و البشر من أكبر المتضررين، كون الأمر يتعلق بمصدر حياتهم. تشير الإحصائيات إلى أن مليار و نصف مليار من البشر مصابون بأمراض مرتبطة بالمياه و نسبة الوفيات في هذا العدد من المصابين كبيرة هي الأخرى. مساحات شاسعة من الأراضي احترقت عطشا و آلت إلى بوار.
مناطق كثيرة من العالم تنذر الأوضاع فيها بخطر حقيقي في السنوات المقبلة و على رأسها بلدان إفريقيا، خاصة الشمالية منها، التي ستشهد ندرة كبيرة للمياه. بالمقابل، كثير من البلدان اتخذت احتياطاتها منذ عقود من الزمن وخططت للمرحلة المقبلة بصفة جيدة، و مع ذلك هي متخوفة من تطورات الأمور التي لا يمكن التحكم فيها. بلداننا للأسف نائمة ملء جفونها في هذا المجال، و هي لا تفكر لا في كيفية استغلال ما لديها من مياه بأحسن طريقة (بعقلانية) تضمن بقاءها أطول مدة ممكنة، و لا في كيفية إعادة استغلالها مرة أخرى عن طريق التطهير أو في تحلية المياه المالحة. كل ما نفعله هو استقدام أفكار الآخرين و لا ندري إلى أين ستوصلنا.
و إذا كان البترول قد شكل مصدر صراع و نزاع خلال العقود الماضية لأنه “مصدر الطاقة”، و كان وراء حروب عديدة و فقدان للآلاف من الأرواح، فكيف سيكون حال الكرة الأرضية و البشر من فوقها و هم يتصارعون على “مصدر الحياة”، و ليس مصدر الطاقة ؟. من دون شك، ستكون منابع المياه المحور المستقبلي للصراعات السياسية و العسكرية، و سيشهد العالم تحولات كبيرة في هذا المجال. و سوف تظهر الى الوجود مبادئ جديدة في العلاقات ما بين الدول لا يمكن التنبؤ بها حاليا، لكن يمكن الجزم أنها ستعطي للحدود معنى آخر مرتبطا ارتباطا وثيقا بالماء و بمصادره.
الصراع على الموارد المائية
ترجمة وتحرير: إياد ونوس
28/08/2007
يعتقد عموما ان النفط كان السبب التقليدي للصراع في الشرق الأوسط في الماضي والحاضر. ومنذ تدفق بئر النفط الأول في البحرين عام 1932، تنازعت البلدان على الحدود على أمل أن ملكية قطعة من الصحراء أو تل من الرمال قد يمنحهم إمكانية الوصول إلى ثروات جديدة. لكن ليس بعد الآن. اليوم، معظم الحدود قد تحددت، ورسمت آبار النفط وتم تقدير مخزون النفط بدقة، على خلاف الموارد المائية، والتي لا تزال غالبا غير معروفة.
تاريخ أزمة المياه في الشرق الأوسط
لعب الطلب على المياه منذ القديم دورا رئيسيا في تكوين حضارات الشرق الأوسط. ويعتبر الماء في جميع الكتب المقدسة هبة إلهية للبشرية. ويعتبر مصدرا رئيسيا للحياة وتحسن حياة الإنسان وتطوره الاقتصادي، وبالتالي له أهمية خاصة لحفظ لسلام والأمن.
إن الزيادة الكبيرة في عدد سكان العالم، مصحوبة بتضاعف نمو الطلب على المياه حول العالم، يطرح مشكلة كبيرة وتوترا بين الدول، وبشكل خاص بين بلدان الشرق الأوسط، الذي يعاني من شح المياه. وفي الشرق الأوسط القديم، استوطن البشر حول الفرات ودجلة، وفي مصر القديمة، حول النيل. وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، كان للمواقع التي تتوفر فيها المياه، وبشكل خاص نهر الأردن، تأثيرا كبيرا في رسم حدود النفوذ الفرنسي والبريطاني، والتي أصبحت فيما بعد الحدود بين لبنان وسورية والأردن. وكان لكل من أحواض هذه الأنهار حصتها في الصراعات.
بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979، قال الرئيس المصري أنور السادات بأن بلاده لن تذهب للحرب بعد الآن بهدف لأجل حماية مواردها المائية. أما الملك حسين فقال أن المياه السبب الوحيد الذي قد يدفعه لخوض الحرب مع الدولة العبرية. بينما حذر الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي بوضوح من أن الحرب القادمة في المنطقة ستكون لأجل المياه.
من تركيا إلى أوغندا، ومن المغرب إلى عمان، تسعى البلدان التي لديها بعض أعلى معدلات الولادة في العالم لإيجاد مياه كافية لمواصلة نموها السكاني ولتلبية متطلبات الزراعة، والتي تعتبر السبب الرئيسي في استنفاذ الموارد المائية في المنطقة.
وتعتمد جميع هذه البلدان على منظومات أنهار ثلاثة كبيرة تقوم على معدل تجدد يراوح بين 18 يوم وثلاثة أشهر، أو على أحواض مائية جوفية متنوعة قد تتطلب قرونا لإعادة ملئها بالماء.
تشترك في مياه النيل، أطول نهر في العالم، تسعة بلدان التي من المحتمل أن يتضاعف عدد سكانها خلال عقدين من الزمن؛ ومع ذلك فإن مستوى المياه التي يقدمها النيل اليوم ليست أكثر مما هي عليه حين وجد موسى في نبتة العليق.
إن قائمة البلدان "القليلة المياه" في الإقليم تزايدت على نحو ثابت من ثلاثة عام 1955 إلى ثمانية عام 1990، مع سبعة أخرى يتوقع أن تضاف خلال 20 سنة، من بينها ثلاثة بلدان على النيل.
إن القانون الدولي غير كاف لتحديد وتنظيم استخدام ومشاركة الموارد المائية. تم التوصل إلى عدة اتفاقات حول كيف يجب أن تتم المشاركة بالمياه. وقد لجأت دول الشرق الأوسط إلى القوة لأسباب أقل أهمية من المياه.
ومنذ مؤتمر مدريد عام 1991، تعثرت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والمفاوضات السورية الإسرائيلية، المجمدة حاليا، حول مسألة المياه المشتركة. مع وجود الجيش الإسرائيلي في موقع السيطرة مانعا الفلسطينيين من ضخ المياه، وبوجود المستوطنين الذين يستخدمون معدات ضخ متقدمة، يشتكي الفلسطينيون من "السرقة اليومية" لما يقارب 80 % من مياههم الجوفية. ومن خلال البحث يمكن القول أن المياه كانت الخطة الخفية للصراعات الماضية وأحد أكبر العوائق في التوصل إلى حل نهائي ودائم في المنطقة.
حروب المياه في الشرق الأوسط
أصبحت مسألة حماية واستخدام البيئة في السنوات الأخيرة وبشكل سريع من الموضوعات الأساسية في العلاقات الدولية، حيث يعتبر بعض السياسيين أن الديمقراطية والازدهار والأمن والتعاون الدولي والبيئة جميعها قضايا متداخلة. هناك أيضا اتفاق على أنه لا يمكن لأي بلد يتصرف بمفرده أن يؤثر على المشاكل البيئية العالمية والإقليمية وأن فشل الإجراءات الجماعية سيمنع أية إنجازات.
وفي الشرق الأوسط، كان الوصول إلى الماء من العوامل الأساسية في سياسات الإقليم. وفي سياق السياسات المقترحة من قبل بلدان الشرق الأوسط في العقود الخمسة الماضية، أثرت الاعتبارات البيئية بشكل عميق على السياسات الداخلية والخارجية ضمن الإقليم. وبينما سيطر النفط، والذي يعتبر المورد الطبيعي الأغزر في الإقليم، على الجغرافية السياسية للإقليم وأثر على العلاقات الدولية على امتداد العالم، كان للماء، والذي هو المورد الأكثر ندرة في الإقليم، أثر على العلاقات بين بلدان الشرق الأوسط أكثر مما كان للنفط. وبالفعل، دفع عدم وجود كميات كافية من الماء العذب قادة الشرق الأوسط إلى تحالفات ومواجهات غريبة وفي بعض الأحيان غير مرغوبة. ويعود ذلك بشكل كبير إلى أن غلبة الأنهار وأحواض المياه الجوفية التي تمر بأكثر من دولة في الشرق الأوسط تضع حدا لقدرة أي دولة على حل مشكلات المياه ضمن الدولة.
ولكونه شأنا بيئيا رئيسيا، كان لنقص الماء دور أساسي في صياغة السياسات الخارجية لبلدان الشرق الأوسط وفي العلاقات المتبادلة بينها. وهذا ما بات يطلق عليه اسم "دبلوماسية المياه".
إن الصراع على الأرض والصراع على المياه كانا القرنين الذين شكلا أساس الصراع العربي الإسرائيلي. وقد بدأ الصراع في هذا الحوض كنتيجة لظهور الصهيونية ورغبتها بتأسيس دولة لها في فلسطين. ولا تزال المنطقة مركزا لصراع مكثف منذ قيام إسرائيل عام 1948. ومنذ بدئها بتوطين اليهود في فلسطين، اهتمت الحركة الصهيونية بشكل كبير بالمياه. وعكس هدف الحركة في "جعل الصحراء تزهر" (بن غوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول) منظورا أيديولوجيا بأن المياه تشكل "عصب الحياة" للنظام، "ومطلب أساسي للمجتمع الجديد" و" لتجذر الأمة في أرضها". وبينما يمتلك الماء وزنا أيديولوجيا لإسرائيل، حسب كثير من الباحثين، كذلك ارتبط بمسألة الاستيطان الرئيسية والتي تعتبر أساسية لأهداف أمنية: مفيدة كخطوة أولى لتعزيز التمسك الأرض وتوفير المقاومة الحدودية، والوقت أيضا في حالة التعرض لهجوم. وقد ارتبط الأمر بشدة بالمصلحة الوطنية عن طريق الزراعة، والأمن، والأيديولوجية التي أعلنها رئيس الوزراء السابق وشيه شاريت: "إن الماء بالنسبة لنا هو الحياة بحد ذاتها". وقد دفعت هذه الملاحظات بعض المحللين مثل ناف وماتسون إلى استنتاج أن "إعادة صياغة المنظور الإسرائيلي لمشكلة المياه سيكون صعبا جدا".
وتظهر نظرة سريعة على تاريخ سياسة إسرائيل المائية كيف تحولت مرتكزاتها التكتيكية بينما لم تتغير استراتيجيتها الأساسية. وقد مرت سياسة إسرائيل المائية بأربع مراحل. تتميز المرحلة الأولى بالمساومة على المياه، أما المرحلة الثانية فيمكن وصفها بسياسة تنمية الموارد المحلية والمشتركة. وتتميز المرحلة الثالثة باحتلال إسرائيل للموارد المائية في الإقليم. أما المرحلة الرابعة فهي العودة إلى تكتيك المساومة. وخلال تلك المراحل الأربع، حافظت إسرائيل على سياسة رئيسية واحدة: زيادة مواردها المائية والتغلب على القيود البيئية، ولجعل الوطن اليهودي يلبي حاجات المستوطنين الذين يتزايد عددهم باستمرار وتحسن ظروف المجتمع اليهود في إسرائيل بالدرجة الأولى. أما هذه المراحل فهي التالي:
1) فترة المساومة على المياه (1918 – 1948)
منذ السنوات الأولى للصهيونية كحركة سياسية، كان للماء أهمية مركزية في مرحلة البحث عن أرض وفي تحديد المناطق المرغوبة دون اعتبار للوعود "المقدسة" والادعاءات. وبعد الحرب العالمية الأولى مباشرة عام 1918، وبعد وعد بلفور حول الوطن القومي لليهود في فلسطين، طالب قادة الصهيونية بأن تعدل دول الحلفاء بعض الحدود المذكورة في اتفاق سايكس بيكو لجعلها تشمل منابع وروافد نهر الأردن، ونهر الليطاني ونهر اليرموك، وتضمين كامل الأراضي الفلسطينية، والمناطق الجنوبية من لبنان وسورية، ووادي الأردن.
وقد ذكر شاييم وايزمن، الزعيم الصهيوني الذي أصبح لاحقا أول رئيس لإسرائيل، هذه المسألة في رسالته إلى وزير الخارجية البريطاني، اللورد كويزون، بعد اتفاق سان ريمو. وقال إن "مسودة الاتفاق الذي تقدمت به فرنسا لا يفصل فلسطين عن نهر الليطاني فقط، بل يحرم فلسطين من موارد نهر الأردن، والساحل الشرقي لبحيرة طبريا وكامل وادي اليرموك شمال خط سايكس بيكو. وأنا متأكد أنك على اطلاع على المستقبل السيئ الذي يتوقع أن يواجهه الوطن القومي اليهودي عند تطبيق هذا الاتفاق. إنك مدرك لأهمية نهر الليطاني، ونهر الأردن وروافده، ونهر اليرموك لفلسطين". وعندما فشل الزعماء الصهاينة في ضم الليطاني ومنابع نهر الأردن، حاولوا تأسيس مستوطنات في سورية ولبنان، لكن المعارضة الفرنسية أحبطت تلك المحاولات أيضا.
لكن الموقف الفرنسي، مع ذلك، لم يمنع قيام تحريات وتقديرات مائية شاملة للإقليم. ومن بين عدة دراسات جرت في هذه المجال، ومنها تقرير إيونيدس عام 1939، وتقرير هاييس في العام ذاته، وتقرير لاودرميلك عام 1944، ودراسة كلايب عام 1949، ودراسة مكدونالد عام 1950، "رحبت الصهيونية بخطة لاودرميلك واعتبرتها دستورها المائي". وقد اقترح لاودرميلك استخدام مياه الأردن واليرموك وبانياس والحاصباني ودان والزرقاء، وهو نهر شرقي الأردن، ضمن خطة شاملة لري وادي الأردن، ومعظم منطقة شمالي طبريا، وشمال فلسطين. كذلك اقترح تحويل مباه الليطاني في جنوب لبنان لتشكيل بحيرة صناعية في شمال فلسطين التي ستضخ مياهها باتجاه الجنوب لري صحراء النقب. وقد تضمن اقتراحه نسخة مبكرة من مشروع قناة بين البحر المتوسط والميت.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت تلبية حاجات المهاجرين اليهود الجدد المحتشدين في فلسطين مشكلة ملحة، وقد أدت الحرب العربية الإسرائيلية لعام 1947-48، والتي انتهت بقيام إسرائيل، إلى تعقيد الجهود لإيجاد للمياه الإقليمية. مع العمل على ترسيخ وجودها في فلسطين، جاءت القوة الإسرائيلية للسيطرة على موارد المياه. تخلى الزعماء الصهاينة عن تنمية الموارد المائية للإقليم لصالح التخطيط على المستوى المحلي. وهكذا أصبحت الدولة الإسرائيلية الجديدة مصممة على استقصاء، وتنمية، واستخدام أي مورد مائي متوفر.
2) فترة تنمية الموارد المائية الوطنية والمشتركة (1948-67)
بعد تأسيس دولتهم والموافقة على قانون العودة عام 1950، والذي يسمح ليهود العالم بالإقامة الدائمة في إسرائيل، شهدت البلاد موجات من المهاجرين اليهود. وقد تطلبت الهجرة المتوقعة موارد مائية ضخمة لتلبية الحاجات المتزايدة، لكن كميات المياه الموجودة في إسرائيل لم تكن كافية لتلبية حاجات القادمين الجدد. كان مجمع مياه الأردن واليرموك وقتها مشتركا بين أربع دول ذات سيادة، وأية تغيرات في ذلك ستكون "لعبة محصلتها صفر". لم تكن المياه العربية فائضة عن حاجة تلك الدول، ومع ذلك كانت الموارد التي اعتمدت عليها مشاريع التنمية في الدول العربية وفي إسرائيل نفسها. ومنذ تلك الفترة ولاحقا، اكتسب الماء بعدا إضافيا. فبالإضافة لارتباطه بالتغير الديموغرافي، والقومية، والأمن، والتنمية الاقتصادية، والإيديولوجية، أصبح الماء قضية في السياسة الخارجية.
وضع الاتفاق العسكري عام 1949 بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى حدودا جديدة ومناطق منزوعة السلاح بين هذه الدول المتجاورة. وبسبب التفسير المختلف للوضع القانوني لهذه المناطق، شهد الشرق الأوسط نزاعات مستمرة وتحركات انتقامية بين الدول. وقد لعب نهر الأردن دورا هاما واستراتيجيا في تلك النزاعات.
خلال الخمسينيات، أجبرت سياسات الولايات المتحدة في الحرب البادرة الولايات المتحدة نفسها للعب دور ناشط في صياغة سياسات الشرق الأوسط. وقد وجدت الولايات المتحدة نفسها ذات تأثير كبير على مشكلة المياه بين دول الشرق الأوسط المتاخمة للنهر والمتعادية. كانت الشعوب العربية تعاني من مشاكل كبيرة من الفقر، وانعدام التنمية، وخاصة المشاعر المعادية للولايات المتحدة لدعمها المستمر وغير المشروط لإسرائيل. ولأن البعض اعتقد بأن الفقر الشديد سيؤدي إلى ازدياد المشاعر الموالية للشيوعية، رأى المسؤولون الأمريكيون بأن هناك حاجة لضمان خطة تنمية للإقليم، تشمل إدارة منشآت المياه في حوض نهر الأردن.
في النهاية، أدى مشروع لإزالة بعض التوترات إلى كتابة ما يسمى الخطة الرئيسية أو الموحدة، والتي قدمت للحكومة الأمريكية ومنظمة الأونروا في الأمم المتحدة في آب 1953. واقترحت الخطة الرئيسية إنشاء قنوات تحويل لري الأراضي الواقعة في حوض الأردن الأعلى. وكذلك دعمت الاستفادة من بحيرة طبرية كخزان للمياه المتدفقة من نهري الأردن واليرموك. ورفضت الخطة الرئيسية بعض المقترحات القديمة، مثل استخدام سد مقرين للري، ولم تشر الخطة إلى نهر الليطاني في لبنان على الإطلاق.
عين الرئيس أيزنهاور إريك جونستون، رئيس المجلس الاستشاري للتنمية الدولية التابع لوكالة التعاون التكنولوجي الأمريكية، على أنه "الممثل الشخصي للرئيس"، بمستوى سفير. كانت مهمة السيد جونستون التوصل إلى اتفاق بين الدول المتاخمة (الأردن وإسرائيل ولبنان وسورية) حول تطوير حوض نهر الأردن. وقد قدم الخطة الرئيسية كإطار عمل للتعاون الإقليمي حول الموارد المائية، تأخذ بعين الاعتبار إطار عمل يقوم بشكل أساسي على الاحتياجات والاستهلاك في الدول المتجاورة والموارد المتوفرة في كل منها، وليس على أساس الحدود الجغرافية التي تفصل بينها.
بقيت الخطة الرئيسية غير مصدقة لأسباب سياسية. كانت البيئة السياسية في الإقليم مشحونة بالكراهية، مؤدية إلى سور فهم شديد وعداوات مستمرة. وفي الحقيقة، رفضت الجامعة العربية الاعتراف بالخطة لأنها ستساهم في تطوير إسرائيل وتشكل اعترافا واضحا بها. وبعد فشل مهمة جونستون في الشرق الأوسط، تابعت الدول المتاخمة مشاريعها المائية الأحادية الجانب.
في هذه الأثناء، كانت الدولتان الرئيسيتان المتاخمتان، الأردن وإسرائيل، تقومان بوضع سياساتهما التكتيكية بحسب الخطة الرئيسية. وعلى الرغم من أن المفاوضات على الخطة الرئيسية لم تنتج أبدا أداة دولية رسمية، إلا أنها أثرت على السياسات في كل من الدولتين خلال السنوات اللاحقة. عدا عن ذلك، فإن التفاهم غير الرسمي بين الأردن وإسرائيل قاد في النهاية إلى لقاءات تقنية منفصلة لتحديد العمليات اليومية خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وقد التقى مسؤولو المياه في إسرائيل والأردن مرتين إلى ثلاث مرات في السنة في "نزهة طاولة محادثات" لمناقشة معدل التدفق والتوزيع في ملتقى نهري الأردن واليرموك.
بدأ كل من الأدرن وإسرائيل بالحصول بشكل منفرد على ما يمكن لهم من المياه. وقام الأردن بتمديد قناة للري (مشروع شرقي الغور) من نهر اليرموك باتجاه الجنوب على امتدام الغور الشرقي لوادي الأردن. وقد تم تنفيذ مشروع شرقي الغور بالتعاون مع سورية وتم تمويله من قبل حكومتي الأردن والولايات المتحدة. وتابعت إسرائيل بخطة عشر سنوات لضم جميع الموارد المائية في البلاد في شبكة شاملة على امتداد البلاد أطلق عليها "ناقلة المياه الوطنية".
خلقت المشاريع المائية المنفردة توترا كبيرا بين الدول المتجاورة وأدت إلى تبادل التهديدات بينها. واستجابة لمطالب الأردن في الجامعة العربية، كان أمام الدول العربية أحد أمرين: (1) تحويل مياه الحاصباني وبانياس باتجاه الشمال داخل سورية ولبنان لمنع وصولهما إلى إسرائيل؛ أو (2) اتخاذ إجراءات عسكرية لمنع مياه الأردن الأعلى عن إسرائيل، وبالتالي إثارة مواجهة. كانت سورية الوحيدة التي فضلت الحل العسكري. بينما ألح الرئيس المصري، عبد الناصر، على شركائه العرب بعدم محاربة إسرائيل لأنه حصل على تأكيدات من الرئيس الأمريكي كيندي بأن الولايات المتحدة ستتدخل للدفاع عن إسرائيل. وردت إسرائيل بأنها ستستكمل مشروعها وستمنع الدول العربية من تحويل مياه نهر الأردن. وبين عامي 1964 و1967 تطورت هذه المواجهات السياسية لتتخذ شكل مواجهات عسكرية بين السوريين والإسرائيليين. وعدا عن قصف قناة شرقي الغور لاحقا عام 1969، شهدت هذه الفترة أكثر الصراعات ارتباطات بالمياه. كان الحدث الأهم تدمير أعمال قناة تحويل بانياس واليرموك في سورية من قبل السلاح الجوي الإسرائيلي في تموز 1966. قامت إسرائيل بتدمير كافة الخطط العربية لتحويل المياه والتي كان يمكن لها تحول من كميات المياه التي تتزود بها إسرائيل بما يصل إلى 35 بالمئة.
ويؤكد فشل العديد من مشاريع مشاركة المياه الإقليمية في هذه الفترة بأن المياه أصبحت الآن عاملا في صناعة السياسة الخارجية في البلدان العربية وإسرائيل. مثلا، عندما قدم المهندس الأمريكي بانغر عام 1952 مبادرة الأونروا لاستخدام مياه اليرموك للتخفيف من نقص المياه في الأردن وسورية، ربطت إسرائيل أي حل لمشاركتها في المياه بمسألة الاعتراف المباشر أو غير المباشر بالدولة اليهودية من قبل البلدان العربية. كذلك فشل المبعوث الخاص للرئيس أيزنهاور إيريك جونستون المذكور سابقا في التوصل إلى ترتيب حول الاشتراك في المياه الإقليمية لأن إسرائيل رفضتها فقط لأن العرب قبلوا بها. والعكس بالعكس، عندما تغير سورية ولبنان من المشروع بسبب تغيرات سياسية داخلية، أعلنت إسرائيل "موافقتها المشروطة". وهدفت تكتيكات إسرائيل إلى إحباط أي مشروع لا يخدم مصالحها الإستراتيجية. وقد ردت على عدم مصادقة العرب على المشروع بالبدء بمشروع جديد، وهو ناقلة المياه الوطنية، لتحويل المياه التي تنبع في بلدان عربية إلى الأراضي التي سيطرت عليها داخل فلسطين.
بالنسبة للعرب، أصبحت حاملة المياه الوطنية الإسرائيلية رمزا للتوسعية والعنف وردوا عليها بمخططاتهم الخاصة لتحويل المياه. في المقابل، اعتبرت إسرائيل الرد العربي خطرا على أمنها القومي وقررت استخدام القوة، بما فيها الجيش، لاعتراض تلك الخطط. وعلى نفس المنوال، اتخذ العرب موقفا مشابها. فقد استهدف العمل العسكري الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية "فتح" ضرب ناقلة المياه الوطنية الإسرائيلية. وعندما استخدمت إسرائيل قوتها العسكرية لضرب مواقع الإنشاء السورية، جرت عدة مناوشات أدت لاحقا إلى حرب حزيران 1967. ووضح آرييل شارون، الذي أصبح لاحقا وزيرا للدفاع، بأن "الناس يعتقدون بأن حرب 5 حزيران 1967 بدأت في اليوم الذي بدأت فيه حرب الأيام الستة، وهذا هو التاريخ الرسمي. لكن في الحقيقة، بدأت تلك الحرب قبل سنتين ونصف من ذلك التاريخ، في اليوم الذي قررت فيه إسرائيل العمل ضد مشروع تحويل مياه نهر الأردن". كانت تعليقات شارون بالفعل نسخة محدثة من تأكيد بن غوريون السابقة بأن الحرب بين العرب واليهود ستكون على المياه وأن تبعات الحرب هذه ستحدد مستقبل فلسطين.
وبغض النظر عن الأهداف الأخرى التي أشعلت الحرب بين العرب واليهود، تمكنت إسرائيل في حرب حزيران 1967 من تحقيق قسم كبير من استراتيجيتها التي هدفت إلى التحكم بالمياه ليس فقط في فلسطين، بل في الأردن وجنوب لبنان وجنوب سورية. وفي الفترة التي تلت حرب الأيام الستة، تغيرت الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط بشكل دراماتيكي. وعدا عن المكاسب الكبيرة الذي حققتها إسرائيل من حيث الأرض والحدود، كسبت إسرائيل أيضا موارد مائية هامة من خلال سيطرتها على اثنين من ثلاثة روافد لنهر الأردن، والوصول إلى كامل مياه النهر، ومناطق تزويد مخزون الجبال من المياه التي تزود إسرائيل حاليابثلث كميات المياه العذب فيها. وباحتلال مرتفعات الجولان، سيطرت إسرائيل أيضا على رافد بانياس.
3) فترة تنمية الموارد المائية في الأراضي المحتلة (1968 – 90)
بالنسبة لإسرائيل، كانت المشكلة المركزية بعد حرب 1967 في المحافظة على مواردها المائية الداخلية المتناقصة والقيام باستخدام جيد للموارد المائية التي احتلتها من جيرانها. أصبحت آبار المياه في مزارع العرب في الضفة الغربية مسألة أساسية. ومنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، منعت السلطات العسكرية عرب الضفة الغربية من حفر آبار جديدة دون تصريح مسبق الأمر الذي كان من المستحيل تقريبا الحصول عليه. وعلى نحو مشابه، قامت سلطات الإحتلال بطمر أو إغلاق العديد من الآبار الموجودة وحددت كميات محدودة جدا من المياه للعرب. في تقرير إلى مركز الدراسات الاسترتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، ذكر جويس ستار ودانيال ستول أن "المخزون الأساسي من مياه الضفة الغربية يستخدم بنسبة 4.5 بالمائة للضفة الغربية وبنسبة 95.4 بالمائة لإسرائيل". كذلك بدأت إسرائيل بتحويل تدفق مياه نهر الأردن بنسبة 50 بالمئة أو 75 بالمئة، اعتمادا على الأرقام العربية أو الإسرائيلية. واليوم، تحول ناقلة المياه الوطنية في إسرائيل معظم المياه التي كانت في السابق تمر بوادي الأردن. باتت الآن نهر الأردن المقام يدويا وباتت بحيرة طبريا الخزان الذي توضع فيه مياه هذا النهر.
مع أن إسرائيل حركت كل طاقاتها لاستعمال جميع الموارد المائية الممكنة، فقد أصبحت زراعتها اكثر اعتمادا على الري وبالتالي تزايد الطلب على المياه باستمرار. وقد ازداد الري في منطقة إنتاج المحاصيل الزراعية من 15 بالمئة عام 1950 إلى حوالي 64.2 بالمئة في أواخر الثمانينيات. وخلال هذه الفترة، انخفض معدل استخدام المياه بمقدار الثلث مع ادخال تقنيات اكثر فعالية في استخدام المياه، مثل أنظمة التنقيط. ومع ذلك، ازداد الطلب على المياه مع وصول أعداد أكبر من المهاجرين، ومع استصلاح أراضي أكثر ونمو عدد سكان البلاد. وكانت الحالة في الدول الأخرى المتاخمة شبيهة بالحالة في إسرائيل. التزايد المستمر للسكان، توسع الزراعة، والاستخدام الكثيف لأحواض المياه في هذه البلدان جعل بعض الكتاب يصفون نهر الأردن بأنه "ناقلة الملح إلى البحر الميت".
مع أوائل الثمانينات بات من الواضح أن استصلاح صحراء النقب غير ممكن دون موارد مائية إضافية. ومع النقص في المياه، فإن التكلفة العالية لتحلية مياه البحر وغيرها من الطرق غير التقليدية في التزود بالمياه، وتلوث المياه السطحية والجوفية، بحثت إسرائيل عن مصادر طبيعية أخرى للمياه من الليطاني. غزت إسرائيل لبنان عام 1982 بذريعة الأمن. ولكن كما يذكر الكاتب هودي "كان الدافع البعيد لغزو لبنان عام 1982 ضمان الوصول إلى مياه نهر الليطاني. كان الهدف المصرح به، وهو حماية الحدود الشمالية من هجمات الفلسطينيين، غير مقنع لمعظم المراقبين العسكريين. على العكس، كانت الحملة موجهة للسيطرة نهائيا على نهر الليطاني". وقد رأى العديد في احتفاظ إسرائيل بجنوب لبنان استكمالا للمساعي الإسرائيلية المستمرة للحصول على مياه الليطاني. وقد تعززت هذه الرؤية من خلال ما كتبه موشي شاريت في مذكراته: "سيدخل الجيش الإسرائيلي لبنان، وسيحتل المناطق الضرورية، وسينشىء نظاما مسيحيا يتحالف مع إسرائيل. والأراضي الممتدة من الليطاني باتجاه الجنوب ستكون ملحقة بإسرائيل وكل شيء سيكون على ما يرام".
ولكن، بسبب المقاومة غير المتوقعة التي واجهتها في لبنان، سحبت إسرائيل قواتها. لكن الحاجة لنهر الليطاني دفعت بإسرائيل لتأسيس منطقة أمنية تضمن وصولها إلى المياه. إن كميات المياه التي حولتها إسرائيل من الليطاني هي محل إشكال. ومع ذلك، فإن المخططين الإسرائيليين خلصوا إلى أن استخدام مياه الليطاني حتى إلى حد إضافة حولي 500 مليون متر مكعب للمياه الإسرائيلية يمكن اعتباره حلا مؤقتا، باعتبار البنية الحالية للسياسة المائية والاقتصاد، مع اعتبار الزيادة في استهلاك المياه في إسرائيل بمعدل 1 % في السنة. وقد اعترف المخططون الإسرائيليون بان الكميات المتوفرة في الوقت الحاضر يمكنها بصعوبة تلبية حاجات البلاد الحالية، عدا عن تلبية المستوى المتوقع من الاستهلاك بعد العام 2000، إلا إن ركزت البلاد على توسيع منشآت تحلية مياه البحر أو إيجاد طرق لمعالجة المياه المستخدمة. لكن برنامجا ضخما لتحلية مياه البحر سيتطلب رأس مال هائل للاستثمار. إن تكلفة توفير 700 مليون متر مربع في السنة مثلا تتراوح بين 1.2 مليار دولار أمريكي و1.8 مليار دولار أمريكي في السنة، وهو مبلغ لا يمكن لإسرائيل تحمله والولايات المتحدة غير جاهزة للدفع.
لتلبية متطلبات المياه الطويلة الأمد في إسرائيل، تبين وكأن الحل الأفضل يأتي في استغلال نسبة من مياه الأنهار الرئيسية في الشرق الأوسط، كالنيل، والفرات، أو سيحون وجيحون في تركيا. كان الوصول إلى مياه النيل جزءا من رزمة محادثات كامب ديفيد. وحسب جون بوللوك، اقترح المفاوضون الإسرائيليون خلال المباحثات أن يجب أن يكون هناك تعاون في مشاريع المياه. وبشكل خاص، أرادوا حوالي 1 بالمئة من تدفع مياه النيل لتحول في أنابيب إلى صحراء النقب. لكن الرئيس السادات أجبر على التخلي عن هذه الفكرة لاحقا بسبب المعارضة الشديدة لها في الداخل. وبسبب الصرع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي له أيضا تأثيرات على منسوب المياه، والذي يتوصل إلى اتفاق بشأنه، رفض العرب بالطريقة ذاتها الاقتراح التركي عام 1987 لمشروع "أنابيب السلام" لنقل الفائض لديها من المياه إلى إسرائيل وغيرها من بلدان المنطقة التي تعاني نقصا في المياه.
الجدول 1: الموارد المائية في إسرائيل والاستهلاك لعامي 1990/1 (المصدر: زعرور، 1993).
المورد مليون متر مكعب
إٍسرائيل 745
مرتفعات الجولان 280
الضفة الغربية 415
لبنان، سورية، الأردن 215
المجموع 1,655
استهلاك إسرائيل السنوي 1,655
وفي عام 1991، حوالي 55 % من مجموع مياه إسرائيل كان من موارد غير إسرائيلية (الجدول 1). وفي الوقت ذاته، خططت سورية لتحويل 40 % من مياه نهر اليرموك إلى نظام الري الخاص بها، الخطة التي هددت كميات المياه التي تتزود بها الأردن. كان للخطة السورية أن تقلل بشكل كبير من تدفق المياه في النهر. وقد أدت هذه التهديدات بنقص المياه واحتمال نشوب صراع جديد حول المياه إلى تغير أساسي وسابقة في دبلوماسية المياه في المنطقة. وقد ساعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج 1990-1 لحدوث هذا التغير.
4) فترة العودة إلى تكتيك المساومة (1991 – الوقت الحاضر)
لكن بحلول عام 1991، أدت الأحداث مجتمعة إلى الانتقال من فكرة التنافس والمواجهة حول المياه إلى التعاون. كان الحدث الأول هو القحط الطويل في الثمانينيات حيث خلقت السنوات التي كان المطر فيها تحت المعدل بين صناع السياسة شعورا بالحاجة الملحة للتعامل مع الأزمة. انخفض منسوب المياه، وجفت الينابيع السطحية، وانخفض مستوى بحيرة طبرية، والتي تزود إسرائيل بثلث حاجتها من الماء تقريبا، إلى أدنى مستوى لها خلال 60 عاما. وقد نشرت وزيرة الدولة ميريام بن بورتا تقريرا خاصا في كانون الأول 1991 تؤكد فيه أنه "بالمعايير العملية، لا تمتلك إسرائيل أي مخزون من المياه في أحواضها". وألقت بن بورتا باللوم على وزير الزراعة بتخصيص الكثير من المياه للمزارعين وتجاهل مخاطر النقص. وقد ذكرت أن "اليوم، هناك خطر حقيقي بأنه سيكون من المستحيل تزويد كميات ونوعية كافية من المياه حتى على المدى القصير". وقد أدت هذه الحالة إلى تقنين كبير في نشاطات إدارة المياه في كل من الدول المتاخمة، بما يشمل الترشيد، والتقليل من الزراعات، وإعادة تسعير المياه ومخصصاتها، والبحث عن مصادر بديلة. أما الأحداث الأخرى فكانت على مستوى العالم بطبيعتها، لكنها تبلورت بوضوح في الشرق الأوسط. فقد أدى انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، إلى جانب حرب الخليج 1990-91، إلى إعادة صياغة التحالفات السياسية في الشرق الأوسط، والتي مكنت من إقامة أو محادثات مباشرة للسلام علنا بين العرب والإسرائيليين في مدريد في 30 تشرين الأول عام 1991. وخلال محادثات مدريد، أصرت إسرائيل على مفاوضات متعددة تتعلق بخمسة موضوعات اعتبرت "إقليمية"، وتشمل الموارد المائية، والبيئة، والتنمية الاقتصادية، والتسليح، واللاجئين.
أدى انهيار الاتحاد السوفييتي ونشوب حرب الخليج 1990-1 إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الأساسي في الشرق الأوسط. ودفع هذا التغير المدعوم من الولايات المتحدة بمعظم الدول العربية إلى إعادة تقييم سلوكها تجاه إسرائيل. من جهتها، استغلت إسرائيل هذه الفرصة لعرض سلسلة من مفاوضات السلام الثنائية مع جيرانها القريبين، ومحادثات متعددة مع بلدان عربية أخرى لبناء "الشرق الأوسط الجديد". كانت المياه وغيرها من المسائل البيئية من بين النقاط الأكثر أهمية في مثل تلك المحادثات الثنائية والمتعددة. مثلا، تضمنت اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، الموقعة في 26 تشرين الأول 1994، خمسة ملاحق، اثنين من تلك الملاحق تتعلق بالمياه والمسائل البيئية. أما المحادثات بين إسرائيل وسورية فكانت بطيئة، وذلك بسبب أهمية الموارد المائية في مرتفعات الجولان لكلا الطرفين. حوالي 25 % من مصادر مياه إسرائيل تأتي من بحيرة طبريا وتمرر عبر نواقل مائية إلى وسط وجنوب إسرائيل. ويعتبر قادة إسرائيل الإبقاء على هذه المنطقة الغنية بالمياه مسألة أمنية. ودفعت هذه المسألة برئيس الوزراء رابين إلى القول "إن اتفاقية سلام مع سورية تتضمن الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان يجب أن تخضع للاستفتاء الوطني قبل توقيعها".
وفي المحادثات الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين كانت مسألة المياه موضوعا شائكا. ولأن الموارد المائية في الأرضي المحتلة قد تم استخدامها بشكل يتجاوز الحدود لوقت طويل، إلى حد يبلغ 200 مليون متر مكعب في السنة، فإن معظم الكتاب يعتقدون "أن المياه سوف تحدد مستقبل الأراضي المحتلة وعلى أساس ذلك ستحدد السلام والأمن". وفي الاتفاق النهائي، سيكون على إسرائيل أن تتخلى عن الضفة الغربية والتي تقدم حوالي 25 % من المياه العذبة لها وتتخلى عن السيطرة على النسبة الجنوبية من الجزء الجنوبي لنهر الأردن. لكن من غير المحتمل أن توافق إسرائيل على هذا الأمر. إن مفهوم "الحدود الطرية"، الذي أطلقة وزير الخارجية الإسرائيلي، يشير إلى أن القادة الإسرائيليون ليسوا جاهزين لإعادة الموارد المائية في الضفة الغربية. بدلا عن ذلك، فإنهم يرون "الحدود الطرية" على أنها "الطريقة الوحيدة لحل مشكلة توزيع المياه بشكل مناسب، والطريقة الأكثر فعالية لتنمية الزراعة والصناعة التي يمكنها أن تنافس بنجاح في الأسواق العالمية". ليس هناك شك بأن مثل هذه التنمية تعتمد على إمكانية الوصول إلى الموارد المائية. وقد لعب التعاون الاقتصادي الموسع بين الإسرائيليين والفلسطينيين دورا هاما في إعلان المبادئ المشترك، الموقع في 13 أيلول 1993. ولا حاجة للقول، يتضمن التعاون المشاركة والمشاركة تعني بأن بعض الأطراف سيكونون في حال أسواء مما هم عليه الآن. وهذا الأمر الذي لا إسرائيل ولا الفلسطينيين على استعداد للقبول به. والسؤال الآن هو فيما إذا كان يجب التعامل مع الموارد المائية على أنها "لعبة المحصلة الصفر" أو كوسيلة لجعل الأطراف في حال أفضل. إن المحادثات المتعددة الأطراف قد تحمل إجابة لهذا السؤال.
منذ محادثات مدريد، التي كانت برعاية مشتركة من قبل الولايات المتحدة وروسيا، ومنذ إطلاق المحادثات المتعددة الأطراف في موسكو في كانون الأول عام 1992، كان هناك العديد من حلقات البحث، والمؤتمرات، والدراسات التي تتعلق بسياسات المنطقة. وبعيدا عن الخطابات السياسة من كل الأطراف، قال كثير من الكتاب والمحللون بأن، نظرا للظروف الطبيعية، "التعاون المتعدد الأطراف" يشكل الخيار الوحيد للإقليم لتجنب أزمة مياه قادمة قد تتحول إلى حرب. وقد ذهب بعض المراقبون إلى أبعد من ذلك، مقتبسين ما قاله جان جاك روسو بأن "الماء لا ينتمي لشخص واحد أو بلد واحد أيا يكن، بل ينتمي إلى البشرية" وقد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن "المياه في الشرق الأوسط تنتمي للإقليم والمناطق المحيطة له". وتعبيرا عن هذا القلق، صرح شيمون بيريز بأن "نقص المياه يثبت الضرورة الموضوعية لتأسيس نظام إقليمي". وإلا، يتابع بيريز، "فإن حوض اليرموك قد يصبح مجددا مصدرا لعداوة خطرة". و يؤكد أنه، ومثل جميع الحروب التي خيضت في الواقع السياسي والاسترتيجي في عصرنا، فإن الحروب على المياه لا تقدم حلا لأي شيء. لن تؤدي القذائف إلى فتح الينابيع وسقاية الأراضي العطشى، وبعد أن يهدأ غبار الحرب، فإن المشاكل الأصلية سوف تبقى. لا تستطيع أية حرب أن تغير المعطيات الجغرافية". وبينما من الصحيح القول بأن نقص المياه في ازدياد، لم يذكر بيريز ولا غيره السبب الحقيقي لهذا التأكيد الجديد على التعاون لإيجاد سياسة مائية إقليمية: ما الذي دفع صناع السياسة، الذين تعود أصولهم إلى الحرب والمواجهة، بالفعل لتشجيع التعاون بدل المواجهة والتشارك بدل التفرق؟ إن تفحصا سريعا لسياسة إسرائيل المائية يكشف مقدار التغير في مرتكزاتها القائمة بشكل أساسي على الأيديولوجية، أي الحصول على الماء "لجعل الصحراء مزهرة".
منذ انطلاقة محادثات مدريد، انشغل الإسرائيليون بالعمل على مشروعين متعددي الأطراف. يطرح الأول تأسيس نظام إقليمي لنقل المياه من المناطق الغنية بالمياه إلى المناطق المحتاجة. أما الثاني فهو مشروع تحلية لمياه البحر. ويدرك الإسرائيليون تماما بأن المبالغة في التنمية ستثير مشكلة المياه (بيريز، 1993) ويرون أنه، ولأن سكان الإقليم لا يمكنهم العيش على نفس الحال ل10 أو 20 سنة أخرى، يجب إيجاد البدائل. وإن البديل الأفضل الذي يقترحونه، هو المبادرات التنموية الإقليمية المشتركة. وبالفعل، يرى بيريز شرقا أوسطا جديدا سيعمل على نفس السياق التنموي لنافتا أو آسيان، أو الاتحاد الأوروبي. واقترح بأن الدول العربية المنتجة للنفط عليها أن تتبرع بواحد بالمئة من أرباحها لصالح التنمية الأقليمية التي ستمتد من إريتريا إلى اليمن، وعبر الخليج الفارسي إلى مصر ولبنان وسورية وبالطبع إسرائيل. وستبنى خطوط حديدة وطرقات عابرة للدول، وسيتم ضخ المياه، وإنشاء قنوات، وتوزيع للنفط، وفي المرحلة الأخيرة ستتحول الصحراء من البني إلى الأخضر.
وحول المقترح الثاني، يعتقد بعض الإسرائيليين بأنه إن تم التوصل إلى سلام كامل في الشرق الأوسط، يمكن لأموال النفط العربية والتكنولوجية الإسرائيلية أن تجتمع معا لإيجاد وسائل اقتصادية نووية أو شمسية لتحلية مياه البحر. نظريا، يبدو من الممكن للسلام أن ينهي النزاع العربي الإسرائيلي حول المياه، إلا أنه من المحتمل أيضا أن تمنع المياه التوصل إلى السلام. مع السلام فإن المشهد سيتغير بالتأكيد بحيث تزداد الاستثمارات، لكنها الرغبة بزيادة استخدام الموارد، كالمياه مثلا، ما أدى إلى الصراع بين إسرائيل وجيرانها. يبدو أن محادثات السلام الحالية تقدم طاولة مساومات جديدة حول مسألة المياه لكلا الطرفين.
من ناحية، يحاول العرب استعادة الأرض والمياه التي خسروها بينما من ناحية أخرى، مع العلم أن الصراع المستمر خلال العقود الماضية لم يكن مثمرا، تساوم إسرائيل للوصول إلى موارد جديدة من المياه دون خسارة سيطرتها الإقليمية. إن إصرار إسرائيل المستمر لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة واستعادة السيطرة الكاملة على القدس يشكل تأكيدا قويا على رغبتها بالإبقاء على سيطرتها الإقليمية.
خلاصة
إن سياسات المياه في الشرق الأوسط تشكل مصدرا كبيرا للضغط في السنوات الأخيرة من قبل القوى السياسية والبيئية. وتبدو السياسات المائية مثالا على الصعوبات في إدارة سياسات بيئية متعددة الأطراف حيث يقوم بعض اللاعبون باستحداث عادات سلوكية جديدة. وتشير دراسة آليات وتطور السياسة المائية الإسرائيلية إلى أن صناع السياسة فيها، باعتبار أنهم مدركون لمحدودية بيئتهم القاحلة، ينظرون إلى البحر وإلى المناطق الغنية بالمياه داخ الإقليم للحصول على كميات أكبر من المياه عوضا عن قبولهم لفكرة العيش ضمن الموارد الجوفية المتوفرة لهم. من الصحيح القول أن فكرة جعل صحراء فلسطين مزهرة كانت إحدى مرتكزات الحركة الصهيونية، إلا أن هذا الحلم لم يتحقق. ومن الصحيح أيضا أن اللوبي الزراعي مؤثر جدا وله نفوذ كبير في السياسات الإسرائيلية. إلا أنه يجب أن يكون هناك توزيع عادل للمياه الإقليمية على سكان الإقليم. يقدم أرنون سوفر، مستشار المياه في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وجهة نظر أكثر واقعية، حيث يقول أن لا بد أن يأتي قريبا اليوم الذي يبدأ صناع السياسية الإسرائيليين "يتقسيم المياه على أساس الأولويات الاقتصادية لا السياسية". ويعتقد أيضا أن إسرائيل يمكنها أن تقرر التوقف عن تخصيص بيارات برتقال إضافية وتوجه بدلا عن ذلك طاقاتها باتجاه، على سبيل المثال، صناعة الكومبيوترات. ولكن، يبدو أن إسرائيل بدلا عن ذلك مستمرة في تنفيذ استرتيجيتها القديمة بالبحث بنفسها عن موارد مائية إضافية وبسلوك عدواني تقليدي في السياسية الإسرائيلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق