الأربعاء، 19 فبراير 2014

هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التربية الإبداعية والابتكار



هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التربية
الإبداعية والابتكار
                                                                                                                     الدكتور موسى البسيط
                                                                                                                    جامعة القدس - فلسطين
ملخص البحث
يتضح في الجولة مع توجيهات النبي r في الإبداع والتربية الإبداعية، لكل ذي لُب، أنّ السبْق للإسلام، في الهداية إلى فن "الإبداع والابتكار"، من حيث التأسيس والرعاية والتنمية، وبرهان ذلك، هذه الحضارة البديعة وبُناتُها منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم وقد وضح من خلال هذه الدراسة ما يلي:
·  إن هدي النبي محمد r فيه من مقومات الإبداع مالا يوجد في غيره، وهو إذْ يسعى إلى التربية الإبداعية، يهدف إلى خلق الإبداع في أكمل صوره ومواصفاته، إنه الإبداع المؤسَّس على حقائق الإيمان، ثم هو ليس إبداعاً في المادة فحسب، وإنما في كل ما يحقق الخير والنفع للبشرية .
·  إن هدى النبي r في الإبداع يتوجه إلى رعاية الإبداع رعاية مبكرة، باحتضانه له وتنميته، وصولاً إلى صياغة جيل يكون مهيئا لاستلام زمام القيادة، على درجة عالية من التربية الإبداعية.
·  ونظرة فاحصة في هذا الهدي، تُظهر أن كل ما فيه يُنَمّي الإبداع ويُفرز المبدعين، إذا أُحسن فهمُه والالتزامُ به ظاهراً وباطناً .
·  إن الإسلام بما فيه من كنوز العلم والمعرفة، دين منفتح على الثقافات والحضارات والعلوم، يواكب كل جديد ويسعى إلى إدماجه والإفادة منه مع الحفاظ على الثوابت.
·  أصَّل هذا البحثُ لعلم "التربية الإبداعية" من خلال الرجوع إلى الهدي النبوي الذي يتلقاه  الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي.
المقدمة
أسباب اختيار موضوع البحث
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
لما كان هدي رسول الله r خير الهدي، وأساليبه في التربية خير الأساليب، وبرهان ذلك، ما أثمرته من صياغة جيل من الصحابة له قدْرُه ومكانتُه وأثرُه في الحضارة الإسلامية خاصة، والإنسانية على وجه العموم.
ونظرا للحاجة الملحة إلى نوع خاص من التربية؛ وهو "التربية الإبداعية"، سعيا إلى إيجاد جيل من المبدعين في شتى مناحي الحياة ،وصولا إلى إحداث تغيير شامل .
ولأن الحديث النبوي عن رسول الله  rفيه الهدي الأمثل، ومنه تُستنبط الأساليب التربوية الإبداعية، لذا توجهَت عناية الباحث إلى البحث في هذا الموضوع (هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في التربية الإبداعية في ضوء السنة النبوية المشرفة ).
فما هي التربية الإبداعية؟ وما ضرورتها؟ وما مقومات الإبداع؟ وكيف نرعى بذرة الإبداع ؟ وما أساليب تنمية الإبداع والتفكير الإبداعي؟ كل ذلك في ضوء الهدي النبوي.
 وهل للتربية الإبداعية في ضوء الهدي النبوي أن ترفِد المجتمعات المسلمة بمبدعين، ليسهموا في جهود التنمية في المجالات كلها؟ .
أهمية البحث وأهدافه
   تكمن أهمية البحث فيما يلي:
_ يُعنى  موضوع البحث بتربية الأجيال تربية إبداعية فريدة .
_ يربط البحثُ بين الأصالة والمعاصرة من خلال فهم عصري للأحاديث النبوية.
_ يسعى البحث إلى توظيف الحديث في استنباط قواعد للتربية الإبداعية والتفكير الإبداعي.
_ وتُظهر الدراسة أثر الهدي النبوي في تربية أجيال من المبدعين عبر التاريخ.
إن مما يهدف إليه الباحث أن يَضَعَ بين يدي القارئ، أسـس الإبداع وقواعده ومقوماته من خلال التوجيهات النبوية التي جاء بها الوحي، وفي ضوئها صنع النبي r جيل الإبداع والابتكار والرّيادة والقيادة .
ويهدف البحث إلي تبصير الدارسين للتربية وعلم النفس بميراث سيد المرسلين، وفتح سبل الإفادة من هذا الميراث في واقع الأمة المعاصر ومستقبلها، ويفتح البحث المجال أمام أهل الاختصاص لتلمّس أسس الإبداع في التربية النبوية المستقاة من الوحي، والإفادة منها في دراساتهم.
إن السبيل الوحيد لانتشال الأمة من هوة تخلفها، إنما هو سبيل التربية، وعلى وجه الخصوص "التربية الإبداعية" فهي طوق النجاة، والطريق الآمن الذي يوصل إلى برّ الأمان وتجاوز الهزيمة، إلى التجديد والتطوير والنماء والانتصار.
حدود الدراسة:
سوف تكون الدراسة منصبة على استخراج أسس المنهج النبوي في التربية الإبداعية، وسوف يتم التركيز على الأحاديث الصحيحة واستنباط المنهج منها.
منهج البحث:
سوف يستخدم الباحث المنهج التحليلي الاستنباطي، حيث يتتبع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسنّته في التربية الإبداعية، ثم يستنبط منها قواعد المنهج وأصوله وأساليب تنميته.
أداة الدراسة:
يحرص الباحث على جمع المادة العلمية من المصادر الأصلية في السنّة وشروحها المعتمدة ،ومن مصادر السيرة الصحيحة، كما سيعنى بتخريج الأحاديث، وعزو الآيات إلى مواضعها ،والإفادة مما كتبه علماء السلف في التربية ،وكذلك الكتاب المعاصرون.
الدراسات السابقة:
إن  موضوع التربية الإبداعية وعلاقتها بالتربية الإسلامية أو في التصور الإسلامي تم طرقه؛ فقد ألف الدكتور خالد الحازمي كتابا بعنوان التربية "الإبداعية في منظور التصور الإسلامي" وجعله في ثلاثة مباحث: الأول، الإبداع من منظور التربية الإسلامية،  الثاني، العقل من منظور التربية الإسلامية،  الثالث، جوانب التربية العقلية والإبداعية.
وكذلك كتب الدكتور عبد اللطيف عبد القادر كتابا بعنوان "التربية الإبداعية في التصور الإسلامي" حاول فيه التأكيد على قضية الإبداع، والمؤاخاة بينها وبيّن بعض الجوانب الإجرائية المساعدة على تنمية الإبداع، وحاول وضع هذه القضية في مكانها الصحيح في التصور الإسلامي، غير أن تسليط الضوء على التربية الإبداعية في ضوء السنّة لم يسبق أن أُفرد بالبحث في حدود ما اطلعت عليه.
مخطط البحث:
لقد قسمت بحثي الموسوم بـ " هدي النبي محمد  rفي التربية الإبداعية والابتكار" إلى مقدمة وخمسة فصول:
·       الفصل الأول:
 أسس الإبداع وبواعثه وأصول تنميته ويتضمن ما يلي:
المبحث الأول: الإيمان بالله .
المبحث الثاني: التوكل على الله .
المبحث الثالث: حسن الظن بالله .
المبحث الرابع: الإخـلاص.
المبحث الخامس: المسارعة والمسابقة نحو الهدف.
المبحث السادس: الرغبة في التفوق.
·       الفصل الثاني :
أهم مقومات الإبداع ويتضمن ما يلي:
المبحث الأول: الحريـة.
المبحث الثاني: المثابرة على العمل.
المبحث الثالث: استشراف المستقبل.
المبحث الرابع: العناية بقيم الإبداع.
·       الوقت.
·       الإتقان.
·       الفصل الثالث:
الإبداع، المحضن والرعاية ويتضمن ما يلي:
المبحث الأول: الأسرة والوالدان أول محاضن الإبداع.
المبحث الثاني: رعاية الإبداع وتنميته لدى الطفل.
المبحث الثالث: رعاية الميول الإبداعية.
المبحث الرابع: تبني الأفكار الإبداعية واحتضانها.
المبحث الخامس: نظرية معادن الإبداع.
المبحث السادس: تشجيع الميول الإبداعية.
المبحث السابع: مراعاة الفروق الإبداعية.
·       الفصل الرابع :
أساليب ووسائل تنمية الإبداع والتفكير الإبداعي، ويتضمن ما يلي:
المبحث الأول: التحفيـز.
المبحث الثاني: السؤال والمساءلة.
المبحث الثالث: الألغـاز.
المبحث الرابع: القَصَص الهادف.
المبحث الخامس: التآخي والتآلف.
المبحث السادس: الشورى والعصف الذهني.
وكل ذلك يتم بحثه ودراسته في ضوء الأحاديث النبوية وهدي الرسول r، والله أسأل أن يكون عملي هذا خالصاً لوجهه العظيم،. وأن يوفقني لما يحب ويرضى.
مصطلحات البحث
مفهوم الإبداع والابتكار
الإبداع لغةً: يقال: بَدَع الشيء، يُبدعه بَدْعاً، وابتدعه؛ أي أنشأه وبدأه، وبدع الرّكية، أي "البئر" استنبطها وأحدثها.
 والبديعْ والبَدْع: الشيء الذي يكون أولاً. وفي القرآن الكريم: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً من الرّسُـل الأحقاف – 9-. أي ما كنت أولَ من أُرسل .
"والبديع" من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء، وإحداثه إياها، وهو البديع الأول قبل كل شيء، وبدَعَ الخَلق أي بدأه. وفي القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿بَدِيْع السَّمَاوَات والأَرْض سورة البقرة-117-ٍٍٍٍٍٍٍ أي خالقهما ومبدعهما فهو سبحانه الخالق المخترع، لا عن مثال سابق، أي أنشأها على غير حذاء ولا مثال.
ويقال: "بدع بداعة" فهو بديع ،أي صار غاية في صفته، أبدَع إذا أتى بالبديع، وابتدع الشيء إذا اخترعه.
وبالنظر إلى ما تقدم يظهر أن مدار الكلمة في اللغة على ابتداء الشيء، وصُنْعه واستنباطه لا عن مثال سابق، مع الإجادة وبلوغ المنزلة العالية، فالله هو البديع المبدع المنشئ المبتدئ على غير مثال، وهذا الخَلْق بديع، بمعنى مبْدع، غاية في الدقة والتسوية والتقدير الذي يعكس صفة "الإبداع"  لـ ﴿ بَدِيْع السَّمَاوَات والأَرْض .
فأي إبداع يشبه إبداعه ؟! وأي خلق يضاهي خلقه ، تبارك وتعالى!! .
"الابتكار"  أو "التفكير الإبتكاري"  لغـة :
أمّا "الابتكار" فمردّه إلى مادة " بَكَر" وأولُ كل شيء باكورتُه ، وابتكرتُ الشيء إذا استوليتُ على باكورته، والباكور من كل شيء المبكرُ السريع الإدراك.
إذَا هُـنَّ سَـاقَطْن الحَـدِيثَ كَأَنَّــهُ


جَنَى النَّحل أو أبكـار كَـرْم تَقَطّفُ



وابتكر الرجل أكل باكورة الفاكهة، وابتكرتْ الحامل، ولدتْ بكرها، والكَرْم البكر الذي لم يحمل قبل ذلك . قال الفرزدق:
وَضَرْبةٌ بكْر، أي قاطعة لا تُثْنى، وفي الحديث:
كانت ضربات عليّ رضي الله عنه أبكاراً، إذا اعتلى قدَّ، و إذا اعترض قط"، والابتكار للشيء ابتداعه. وبكر أسرع وباكره سابقه في التبكير، وباكره بادر إليه.
فمصطلح "الابتكار" تجتمع فيه معاني: الإبداع والاستحداث غير المسبوق، والسبق والمبادرة، والتبكير، وسرعة الإدراك، وحين يوصف التفكير بأنه "ابتكاري" إذن، تنضاف إليه تلك الأوصاف، ليكون تفكيراً فيه السبق والإيجابية والإبداع والسداد.
  المعاني الاصطلاحية للإبداع والابتكار: لا أريد بدايةً أن أستعرض جميع التعريفات الاصطلاحية لكل من الإبداع والابتكار لدى أهل الاختصاص، ولكن أقدّم بذكر واحد من التعريفات والذي يرى أن للإبداع والابتكار المفهوم ذاته، وأنهما وجهان لعملةٍ واحدةٍ والتعريف لهما هو:
"مزيج من الخيال و التفكير العلمي المرن لتطوير فكرة قديمة أو لإيجاد فكرة جديدة مهما كانت الفكرة صغيرة ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله".
ثم هذه تعريفات أخرى تسهم في توضيح مفهوم هذه المصطلحات.
فالإبداع هو: "النظر إلى المألوف بطريقة أو زاوية غير مألوفة، ثم تطوير هذا النظر ليتحول إلى فكرة ثم إلى تصميم ثم إلى إبداع قابل للتطبيق أو الاستعمال". والإبداع مفهوم من مفاهيم علم النفس المعرفي، يضم سمات استعدادية معرفية، وخصائص انفعالية تتفاعل مع متغيرات بيئية، لتثمر ناتجا غير عادي ،تتقبله جماعة ما في عصر ما لفائدته، أو تلبية لحاجة قائمة.
والابتكار هو "القدرة أن ننال غير المألوف"، ويعنى: "أن بعض الشيء الجديد قد أُنْتج وأن هذا الشيء ذو قيمة ".
وعلى أية حال فإن "الإبداع" نقيض للتقليد والمحاكاة والمسايرة، والعمل الإبداعي يعني في حقيقته، ابتكار شيء جديد عن الموضوع الذي يُبدع فيه، فهو شيء مختلف عما اعتاد عليه الذهن أو التفكير السائد ..." إنه يتميز بالتعامل مع الأشياء والمواقف بمنظور جديد غير مألوف، ويمتاز بالقدرة على الإتيان بحلول متميزة للمشكلات.
الإبداع والثقافة:
هل بين الإبداع والثقافة تواصل وتواؤم، أم انفصال وتناقض؟، هل في الإبداع تمرد على الموروث أم تجديد له؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات نود القول: إنه لا ينبغي أن نتخيل أن الإبداع منفصل عن الخصوصية الثقافية، أو نعتقد أن دلالة مفهوم الإبداع، الخروج والتمرد عن المألوف الموروث، والانقطاع عن الخصوصية السائدة. كلا، ليس هناك انفصال بين الإبداع والخصوصية الثقافية، فالإبداع تجديد للذات بتجديد الموضوع، فلا إبداع خارج نطاق الذات، والذات هي محصلة الخصوصية وحاملتها.
لذا لا إبداع خارج نطاق الخصوصية الذاتية، ويرى الدارسون أن العلاقة بين الإبداع والثقافة في كون الإبداع محركاً أولياً للثقافة، أو قوة دفعٍ أساسي للحركة الفكرية، فإن نَشِط الإبداع نَشِطت الثقافة، وإن انقطعت أنفاسُه تقطّعت أوصالها. والإبداع أول مَنْ يَشْعر بحراك مجتمعه، وأول مَنْ يحمل أوزاره.
وعليه فإن الإبداع هو" التفكير العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة أولإيجاد فكرة جديدة مهما كانت صغيرة ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله"
هذا المعنى للإبداع يسهم في التجديد، ويحدث التغيير، ويحرك الكوامن، ويحرر الدارسين من قيود التقليد نحو آفاق الاجتهاد في فهم النص، ويسهم في تحقيق تنمية فاعلة في شتى مناحي الحياة.
مفهوم التربية الإبداعية
التربية في اللغة: ربّه يربّه ربّا، ملكه، وربّاه تربية، أحسن القيام عليه ووليه حتى يفارق الطفولة، وربّ الولد ربّا،وليه وتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه.
وفي القرآن الكريم قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء _24_ وقال جل ثناؤه: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) الشعراء_18_ ، فالاستعمال القرآني ل(ربّى) إنما قصد التنشئة والتعهّد بالرعاية والعناية.
المعنى الاصطلاحي للتربية: "هي عملية إعداد للإنسان منذ طفولته للحياة في الجماعة التي ينتمي إليها، وهي عملية إحداث تغيير في الطفل في جسمه، وفي قدراته، وفي تفكيره، وعاداته، وميوله، واتجاهاته، وفي جوانب شخصيته المختلفة، مع افتراض أن تؤدي هذه العملية إلي رفع كفايته الشخصية والاجتماعية."إن تربية الإبداع وتنمية القدرات الإبداعية وتطويرها لدى الأفراد تعدّ هدفا للتربية الإبداعية، وبهذه الغاية تستهدف التربية الإبداعية جملة من الأهداف التربوية الأساسية والهامة وتسعى إلى تحقيقها.
الفصل الأول
أسـس الإبداع وبواعثـه
تقوم التربية الإبداعية على أسس وأصول يحرص الهدي النبوي على تأصيلها لدى الناشئة، وتعمل هذه الأصول على بعث الإبداع وتنميته وتوجيهه.
إن الإبداع قوة دافقة ،وطاقة خلاّقة، وقدرة على التجديد والتغيير ؛كل ذلك إنْ لم ُيبْن على أصول ؛تضمن سلامته  وصلاحه واستمراريته ونماءه، انحرف إلى وجهة غير صحيحة ،وكانت له آثاره السلبية على الفرد والمجتمع.
المبحث الأول:
الإيمان بالله وتوحيده في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات
الإيمان أعظم باعث من بواعث الإبداع، وأكبر محفّز من محفّزات التفكير الإبداعي؛ حين يقرّ الإنسان بتوحيد الله تعالى في ربوبيته للكون، وأنه ربّ كل شيء وخالقه ورازقه ومليكه، وأنه يسيّر الكون كله وفق سنن وحوادث ثابتة، من أصغر ذرة إلى أكبر مجرّة، فنرى الموحّد يُحسن التعامل مع السنن الكونية، ويَنْظر إلى الكون نظرةً صحيحة منضبطة بالمنهج السليم في النظر والتفكير.
إن تنشئة المسلم على هذا الاعتقاد، يُربي المسلم على الجديّة، فالكون لله أقيم على أساس الحق، ووجد لهدفٍ معين إلى أجلٍ مسمى، وليس العبث واللهو من شأنه جلّ جلاله. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ، لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ. الأنبياء 16-17.
لقد ربى القرآن عقل المسلم على أن تكرار حوادث الكون حسب سنن سنها الله، وهذا هو المبدأ الذي بُنِيَت عليه اليوم جميع القوانين العلمية، ثم إن سنن الكون وجميع حوادثه وظواهره قد خلقها الله، وسيّرها بقدر معلوم، ونظام دقيق مرسوم، ومن هذه المبادئ التي استوحاها علماء الإسلام اشتقت أوروبا مبادئ التفكير العلمي، وأوجدت قوانين العلم الحديث، والتي على أساسها تكوّن الإبداع، ونما وازدهر.
الإيمان وتوحيد الألوهية:
والمؤمن يوحد الله في ألوهيته، فلا يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، والعبادات في الإسلام على تنوعها تجتمع على هدف واحد، هو العبودية لله وحده، ووصْل الإنسان بخالقه صلةً دائمة.
تُعلّمنا العباداتُ الوعيَ الفكري الدائم، وتُزود الإنسانَ المؤمنَ، الذي تربّى فيه الإبداع، بشُحنات متتالية من القوة المستمدة من قوة الله، والثقة بالنفس المستمدة من الثقة بالله، والأمل بالمستقبل المستمد من الأمل بتأييد الله ونصْره وثواب الجنة، وبالوعي والنور المستمد من نور الله، هي شحنات للمسلم تدفعه إلى الأمام نحو المعالي، وتجعله مبدعاً وتَهِبُه القدرة المستمرة على الدأب والجهد وبذل كل الطاقة واستفراغ الوسع .
والإسلام بعبادته يحرص أشد الحرص على استمرار هذه الشُحنة الحية التي تملأ القلب والنفس والوجدان، وتضيء الطريق في أصعب الظروف وأحلكها.
وتأمل وصية رسول الله r لغلام من الغلمان – هو ابن عباس- يهيؤه أن يكون مبدعاً صاحب تفكير خلاّق – وقد كان- فتأمل كيف يغرس فيه هذا العامل – عامل الإيمان والتوحيد – المحفّز فيقول له:
(يا غلام إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك؛ احفظ الله تجده تُجاهك؛ إذا سألت فاسأل الله؛ وإذا استعنت فاستعن بالله؛ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ وجفّت الصحف).
وهنا يتخلص المؤمن، الذي نسعى إلى تربيته التربية الإبداعية، من أخطر العوائق التي تواجه الإبداع وتخنقه، ألا وهو "العبودية لغير الله".
إن القيود على الفكر والاعتقاد تحطم مسألة الإبداع، وتَحُول دون التفكير العلمي الخلاّق، فيبقى فكر الإنسان أسيرَ أُطُر الخرافات والخزعبلات، وتقديس أشكال وقوى ومخلوقات، يعتقد فيها الإنسان النفع والضر، ويضفي عليها هالةً من القداسة، يعبد الشمس أو القمر، أو النور أو الظلمة، أو يعبد حجراً أو شجراً ، يدعوه ويرجوه، فيتحطم بذلك كلُّ طموحٍ لديه، ويقضي على حرية التفكير والإبداع، إن الإيمان بالغيب في العقيدة الإسلامية يعدّ أكبر مفجّر للطاقات الإبداعية.
مفجّر الطاقات الإبداعية
"الإيمان بأسماء الله وصفاته"
إن من أعظم مفجرات الطاقة الإبداعية لدى المؤمن ، الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وابتداءً فإن الإيمان بالأسماء يستلزم ركائز هامة هي:
تنزيه الله عن مشابهة خلقه كما قال تعالـى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشورى- 11-، وقطْع الطمع عن إدراك كُنْه هذه الأسماء، فإدراك كيفية الأسماء مستحيل، ثم إن الإيمان بالأسماء والصفات إنما هو توقيفي، فنؤمن بما ثبت منها في الكتاب والسنة، ونثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله r . وإن من أعظم ثمار الإيمان بالأسماء والصفات، استقراء آثارها وانعكاساتها في الخلق والأمر، وقد تعبّد الله تعالى المؤمنين بهذه الأسماء فقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف – 180.
فالله تعالى يدعو عباده أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، ومن هدْي رسول الله r في الأسماء والصفات ما أخبر به قائلاً: (لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحد، لا يحفظـها أحد إلا دخل الجنـة، وهو وتـرٌ يحب الوتر).
"وحفظ الأسماء" أو "إحصاؤها" هو إطاقة القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها، بحيث يَعتبر المؤمن معانيها، فيُلزم نفسه بها.
ومن حِفْظها؛ أن يسوّغ الاقتداء بالله تعالى في أسمائه، كالرحيم والكريم، فليمرّن العبد نفسه أن يصحّ له الاتصاف بها. أما ما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم، فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها.
إن إحصاء الأسماء يكمن في العمل والتعقل بمعاني الأسماء، وللإحصاء معانٍ منها: الإحصاء الفقهي، وهو العلم بمعانيها، ومنها الإحصاء النظري، وهو أن يعلم معنى كل اسم بالنظر في الصيغة، ويستدل عليه بأثره الساري في الوجود، فلا تمر على موجود إلا وهو يَظهر لك فيه معنى من معاني الأسماء، وتعرف خواص بعضها، وموقع القيد ومقتضى الاسم.  
قال الحافظ ابن حجر: "وهذا أرفع مراتب الإحصاء، وتمام ذلك "أن يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر والباطن بما يقتضيه كل اسم من الأسماء، فيعبد الله بما يستحقه من الصفات المقدسة التي وُجِدت لذاتها". ولا شكك أن من يصل إلى هذه المنزلة من التعامل مع الأسماء وفقهها، يتولد لديه الإبداع، وتتفجر فيه طاقاته.
ومما يفجّر الطاقة الإبداعية لدى المؤمن بالأسماء والصفات "أن يدرك المؤمن تجليات الله تعالى من خلال أسمائه، ويعلم أن لكل كمالٍ، ولكل عِلمٍ، ولكل تقدمٍ ولكل فن - أياً كان – حقيقةً سامية عالية، وتلك الحقيقة تستند إلى اسم من أسماء الله الحسنى".
فالهندسة - مثلاً- عِلم من العلوم، وحقيقتُها وغايةُ منتهاها، الوصول إلى اسم (العَدْل) و(المقدِّر).
والطب - مثلاً- علمٌ ومهارةٌ ومهنةٌ، فمنتهاهُ وحقيقتُه تستند إلى اسم من أسماء الله الحسنى، وهو (الشافي) فيصلُ الطب إلى كماله".
ويُبرِز المؤمن إبداعاته من خلال الفهم الواسع لعقيدة الإيمان بالأسماء الحسنى.
اسم "البديع" وحفظه
إن "البديع" اسم من أسماء الله تعالى، ومَنْ أكْثَرَ مِن ِذكْر هذا الاسم، فجّر الله تعالى ينابيعَ الحكمة من لسانه.
ومتى أكثر العبدُ من ذكر هذا الاسم، وفهِم معناه، وتجلى له نورُه، أدخله الله تبارك وتعالى في دائرة الإبداع، وجعله سيداً مطاعاً. ومن أدب هذا الاسم، أن يتجنب البدعة ويلازم السنة.
إن المؤمن الذي يتطلع إلى الإبداع، يدرك انعكاس اسم "البديع" على الصنعة المبْدَعة في الكون، فيستيقن بوحدانية الله، وتفرّده وقدرته، ويدرك مكانه ومكانته في الكون البديع، ويسعى إلى الإبداع وإتقان العمل على نحو بديع.
المبحث الثاني:
حسن الظن بالله تعالى
إن مما يعزز الثقة ببلوغ الهدف رغم المعوقات ، حسن الظن بالله تعالى، أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r، لقول الله: " أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٍ منهم، وإن تقرّب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشى أتيته هرولة "وفي رواية :"فلا يظن بي إلا خيراً".
والظن في هذا الحديث هو العلم والاعتقاد، كقوله تعالى: ﴿وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ .التوبة -118- ، وفي الحديث الجزمُ بتحقّق ما يظنّه العبد في ربه، تمسكاً بصادق وعد الله الذي وعده لا يخلف الله وعده، فكأنه تعالى يقول: ظنّ عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند المثوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، وظن النصر والتأييد والتوفيق والتسديد عند الأخذ بأسباب وشرائط ذلك كله.
لذا فإن على العبد الذي ينشد الوصول إلى إبداع، أن يجتهد بالقيام بما عليه، موقناً بتحقيق النتيجة وبلوغ الهدف.
فالله تعالى يقبله، ويغفر له، ويحقق مطلبه، لأنه وَعَد بذلك، فإنْ اعتقد العبدُ أو ظن خلاف ذلك، فهو اليأس من رحمة الله وذلك من الكبائر، وكأن الله تعالى يقول لعبده المؤمن، أنا عند يقينك بي من الاعتماد على فضلي، والاستيثاق بوعدي، والرهبة من وعيدي، والرغبة فيما عندي، أُعطيه إن سألني، وأستجيب له إذا دعاني.
وقال أبو طالب المكي: "كان ابن مسعود يحلف بالله تعالى، ما أحسن عبد ظنه بالله تعالى إلا أعطاه ذلك، لأن الخير كله بيده، فإذا أعطاه حُسْن الظن به، فقد أعطاه كلّ ما يظنه، لأن الذي حَسّن ظنه به هو الذي أراد أن يحققه له". 
إن القرب من الرب – عز وجل – بإرضائه وحفظه، مع اليقين بموعوده، من شأنه أن يجعل المرء، الذي ينشد الإبداع ويسعى إليه، يتغلب على كل معوّق ، فإن الله تعالى وعد بذلك قائلاً: "كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأُعيذنه".
والمعنى: "يَسّرتُ عليه أفعاله المنسوبة إلى هذه الآلات، ووفقته فيها، وكنت أسرع إلى قضاء حوائجه، مِن سَمْعه في الاستماع، وبصره في النظر، ويده في اللمس، ورجله في المشي".
 المبحث الثالث:
الإخلاص لله والصدق مع الله
إن الإخلاص لله تعالى والصدق معه من أهم أسس الإبداع وبواعثه، وحقيقة الإخلاص أن يتبرأ العبد من كل ما دون الله، ولقد أحسن الإمام الجرجاني حين عرّف الإخلاص بقوله: ألاّ تطلب لعملك شاهداً غير الله، والمخلَصين، الذين أخلصهم الله، والإخلاص في الدين، أن يوحّد المعبود وحده بالعبادة.
إن من يقيم عبادته وأقواله وأفعاله على أساس من "الإخلاص"جدير أن يُبْدع فيما يقيمه الله فيه، وتأمل ما بلّغه النفر الثلاث الذين حكى رسول الله r قصتهم" .... حين أووا إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدّت عليهم الغار، فقالوا: إنه - والله يا هؤلاء- لا يُنجيكم إلا الصدق، فليَدْعُ كلّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه. فتوسل كل منهم بأصدق عمله.
ولك أن تستخلص من هذه القصة قدراً عظيماً من العِبر والحِكَم، فما الذي أنجى هؤلاء إلا الإخلاص في العمل؟ وهو ما يعدّ باعثاً من أهم بواعث الإبداع.
ثم انظر إلى عمل كل واحد منهم والذي كان سبباً في نجاتهم جميعاً، وكيف أن كلاً منهم تصرف في اللحظة المناسبة، بالتصرف المناسب، بالتفكير المبدِع الذي منبعه "الإخلاص والصدق" ، فصاحب الوالدين، البار بهما ، يُمْسك بالقدح ينتظر استفاقتهما، وقد كره أن يستكنا - أي أن يضعفا – بتركهما العشاء.
وهذا صاحب المرأة، أراد ابنة عمّه لنفسه فتمكن منها، وأعطاها عشرين ومائة دينار، وحين ذكّرتْه بالله، انصرف عنها، وترك الذهب الذي أعطاها، وكان المتبادر أن يستحلّ ذلك منها.
وصاحب الأجير، دفعه إخلاصُه وصدقُه وأمانتُه إلى فكرةٍ إبداعية، حين عمد إلى فرق الأرز، فبذره على حِدة فأضعف، ثم بذره فأضعَفَ، حتى كثر الطعام، فاشترى منه بقراً ورعاها حتى كان له ما رأى الأجيرُ من الإبل والبقر والغنم.
إننا بإدامة النظر في الحديث السالف، نجده يَرْصد التفكير الإبداعي لأصحاب الغار، في مجالات تُغطّي جوانب عديدة : الجانبَ التربوي والأخلاقي، وما فيه مِنْ حراسة الفضيلة، والجانبَ الاقتصادي وفيه حفظُ المال واستثمارُه.
المبحث الرابع:
المسارعة والمسابقة
هاتان الصفتان أصلٌ في تنمية ملكة الإبداع، وهي صفات يتربى عليها المبدع في ضوء الهدي النبوي.
إن جيل الصحابة – وهو الجيل المبدع – غُرِست فيه هذه الأصول، فكان فيهم، المبادرُ والسابقُ والمسارعُ.
وكان ذلك استجابة لخطاب الله تعالى في وصف المؤمنين: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ المؤمنون- 61- ، وحث على المسارعة و المسابقة فقال: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ .آل عمران- 133-. وأمر بالسبق فقال: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ البقرة -148- ، وأكثرُ الصحابة التزاماً بهذه الأوصاف هو "أبو بكر الصديق رضي الله عنه" ، يقول عمر – رضي الله عنه-: ما استبقنا خيراً قط إلا سبقنا إليها أبو بكر.  
وعن أبي هريرة قال رسول الله r: " من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: مَنْ تبِع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر: أنا، قال من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله r: "ما اجتمعن في امرئ إلا أدخله الله الجنة ".
إنه أبو بكر الذي يُدعى من أبواب الجنة كلها، فما من بابٍ من أبواب الخير إلا يسارع إلى دخوله كما بشره رسول الله r.
ويربي الرسول r هذه الملَكة لدى الصحابة من خلال تشجيع السابق منهم، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: "يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفاً، تضيء وجوهُهم إضاءة القمر ليلة البدر ، قال أبو هريرة : فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشـة" .
ومن حديث ابن عباس: "وهؤلاء سبعون ألفاً قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب"قلت: ولمَ ؟ قال: "كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون".
و"عكّاشة" كان من السّابقين إلى الإسلام، وكنيتُه أبو محصن، وهاجر سراً، شهد بدراً وقاتل فيها. قال ابن اسحق : بلغني أن النبي r قال: "خير فارس في العرب عكّاشة "قاتل يوم بدر قتالاً شديداً حتى انقطع سيفه في يده، فأعطاه رسول الله r جزلاً من حطب فقال: قاتِل بهذا، فقاتَل به، فصار في يده سيفاً طويلاً شديد المتن أبيض، فقاتل حتى فتح الله، فكان ذلك السيف عنده، حتى استشهد في قتال الردة مع خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة. وعكاشّة في هذا الموقف يغتنم الفرصة، ويسارع إلى اقتناصها، ويسابق إلى خيرٍ يتنافس فيه، فينشط هو حيث يفتر الآخرون.
المبحث الخامس:
 الرغبة في التفوق
الرغبة في التفوق تُعتَبر حافزاً ومنمياً للإبداع، فقد حرص رسول الله r أن يغرس هذا الحافز في قلوب صحابته، فأيقظ فيهم الحسّ المتوثب للإبداع ، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال رسول الله r :
 "قال موسى: يا رب! كلّ عبادك يقول هذا، إنما أريد شيئاً تخصّني به، قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن والأرضين السبع وُضِعْن في كفّةٍ، ولا إله إلا الله في كفّة لمالت بهن لا إله إلا الله". 
فتأمل كيف طلب نبي الله موسى عليه السلام ما به يتفوق على غيره، ويختص به وينفرد، ويؤكد رسول الله r على تنمية هذه الملَكة – المحفّزة للإبداع – لدى الصحابة في مختلف المواقف، روى مسلم من حديث أبي هريرة:
كان رسول الله r يسير في طريق مكة فمرّ على جبل يقال له جُمدان، فقال: سيروا هذا جمدان، سبق المفرّدون، قالوا: وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات.
إن التميّز بالإبداع، والتقدم والانفراد جرّاء المنافسة في العمل البديع، هو هدف من أهداف التربية الإبداعية.
ولعل تعريف رسول الله r بـ "جُـمدان" ذاك الجبل الشامخ، فيه إشارة إلى ما يُطلب ممن نتعهده بالتربية الإبداعية، من شموخ وأنفة، ومن تميّز وإبداعٍ يبزُّ فيه غيره، ويسبق؛ "والمفرّدون" المقصود بهم هنا: المميّزون أحوالهم عن إخوانهم، وهو مقام يصل إليه الذين يتطلعون إلى الإبداع، ويجتهدون للوصول إلى هدف مرسوم هو أعلى الأهداف وأرفعها.
وهؤلاء لا يرضون بالدرجات الدنيا، إنما طموحهم إلى الدرجات العالية، وهو ما حضّ عليه رسولنا r حين قال مرغباً في الجنة: "إن في الجنة مائة درجة، أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، مابين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه يفجّر أنهار الجنة " .فالتربية الإبداعية التي نستخلصها من الهدي النبوي، تسعى إلى خلق نماذج مبدعة، لا تقنع إلا برفيع المنازل والدرجات في مختلف الأصعدة والمجالات، سواء في شأن الآخرة طلباً للجنة، أو في توظيف الدنيا وعمارتها للوصول إلى الفلاح في الدار الآخرة.
الفصل الثاني
مقـومـات الإبداع
بم يقوم الإبداع ؟ وما أجواؤه التي يترعرع فيها وما هي قِيَم الإبداع؟
يهدف هذا الفصل إلى استنباط ما يقوم به الإبداع في ضوء الهدي النبوي، إن التنْشئة على قيَم الإبداع تجعل من الناشئ ذلك المبدع الحريص على انتظام سلوكه ضمن منظومة القيم الإبداعية.
المبحث الأول: الحريــة
ضَمِن الهدْيُ النبوي للإبداع جواً ينمو فيه ويترعرع ، فتوفرت كل المقومات التي يقوم بها الإبداع، ومن أعظم مقوماته "الحرية"، فهي قرينة الإبداع، و"المعرفةُ" وجهٌ من وجوه الحرية، بل هي الحرية الحقيقية نفسها، وبغير ذلك لا يقوم إبداع، وأول ما يخنق الإبداع إنما هو "الجهل"، وقد كان الإنسان قبل بعثة محمد r يجهل مكانه ومكانته، ويجهل تكريم الله تعالى له، فبقي مستعبَداً لغير الله تعالى، لا ينعتق من العبودية التي ساقه إليها جهلُه، وحين حقق الإسلام المعرفة تحّرر وانعتق وأبدع.
إن الإسلام دين العلم والمعرفة، جاء يخاطب العقول، ويحرّضها على إكمال الفكر ويقيم الحجة، ويطلب البرهان.
والتربية الإيمانية الإبداعية للفرد المسلم، هي تربية عقلية سليمة تطلق للعقل العنان، وتعطيه الحرية في التفكير والنظر. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ آل عمران - 190 - .
كما أن الله تعالى رسم منهجاً علمياً للوصول إلى الحقائق وتحقيق الإبداع حين قال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً الإسراء – 36 - .
 في هذه الأجواء التي أوجدها الإسلام ومارسها رسول الله r واقعاً عملياً مع صحابته؛ حيث التحرر من قيود الجهل، واستخدام الأساليب العلمية التي أرشد إليها الوحي، للوصول إلى العلم والمعرفة، ومن ثم الإبداع، في هذه الأجواء أوجد رسول الله r الجيل المبدع.
ومن معوقات الإبداع، ويتنافى مع الحرية "التعصّب"، وأساسُه النظرة السلبية للناس، والتي فيها احتقارهم وازدراؤهم والترفعُ عليهم، واعتبارهم مخطئين وخاطئين، الأمر الذي نهى عنه المصطفى r، فقال في شأن الكِبر: "هو بَطر الحق وغمط الناس".
والمعنى أن حقيقة الكِبْر إنما هي "ازدراء الناس ورد الحق تعصباً لما هو عليه". وقال رسول الله r في التحذير من الكِبْر: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر".
وخطورة التعصب تتمثل في كونه قيْداً على الحرية، وعقبة في طريق الإبداع إذ يلغي التفكير الحر، ويشلّ القدرة على النقد ومحاورة الآخرين ومناقشة آرائهم بموضوعية، ومن ثم كان على المسلم أن يربي ابنه على الموضوعية، وعلى قبول تعدد الآراء، والنظر فيها، واختبارها بالعقل، والتشجيع على التفكير العلمي الخلاق .
ومما يخنق الإبداع ويعيق نموه، وحذر رسول الله r من عواقبه؛ الحرص على جمع المال، واعتباره القيمة التي يسعى إليها صاحب الإنتاج الإبداعي، فمن تستعبده المادة شخص لا تسري في عروقه روح الإبداع. ومثل هذا قال فيه رسول الله r: "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أُعطي رضي وإن لم يُعط لم يرض"، حكمٌ عليه بالتعاسة لا السعادة، والانتكاس لا الارتفاع.
إن المؤمن المبدع، لا يملكه المالُ ليصيّره عبداً له، وإنما يبقى المال في يده لينْجز من خلاله الإبداع تلو الإبداع.
المبحث الثاني:
المثابـرة على العمـل
مقومٌ هام من مقومات الإبداع يجسّد العلاقة بين المبدع والعالَم المحيط به بكل أشكاله ومظاهره، حتى جاء في تعريف الإبداع ؛"أنه النشاط أو العمل الذي يؤدي إلى إنتاج جديد ينفع المجتمع"، والمرء لا يبتكر إلا بالعمل الجاد الدؤوب، على حين أن الوقوف عند حد الأماني والرجاء لا يأتي بخير.
وبلغ من تقدير الإسلام للعمل والمثابرة عليه، أن جَعَل العمل داخلا في مفهوم الإيمان، وقرن بينهما في آيات الكتاب، ورتب على صلاح العمل المؤسس على الإيمان، جنات تجري تحتها الأنهار.
ولم يحصر رسول الله r الإيمان في شعبة واحدة فحسب، وإنما جعله شاملاً لشعب كثيرة فقال (الإيمان بضع وستون شعبة)، وإذا ما تأملنا هذه الشعب ألفيناها – في الغالب – أعمالاً يلزم المثابرة عليها.
وحض الإسلام على العمل والمداومة عليه، وهدى إلى الاستعاذة من العجز والكسل والخلود إلى الأماني، وأثنى رسول الله r على اليد العاملة المكتسبة المثابرة المتقنة عملها حين قال: (إن خير الكسب كسب يدي عاملٍ إذا نصح).
وعن جُميع بن عمير عن خاله قال: سئل النبي r عن أفضل الكسب فقال: (بيعٌ مبرور وعملُ الرجل بيده)، وعن ابن عباس عن النبي r: (من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له).
إن هدي رسول الله r في العمل يحقق انغماسا في العمل الصالح النافع المتقَن حسب أرقى المواصفات والمقاييس .
والإبداع بحد ذاته يتطلب اندفاعا نحو العمل واستغراقا فيه، وتنميةُ الإبداع عن طريق العمل والجهد، حقيقةٌ وقفتْ عليها الدراسات العلمية التي أثبتت أن حب العمل يحرك الاستعدادات الموجودة ويطورها، بل إن الميل للعمل يمكن أن يسهم في تطوير الاستعدادات الخاصة، وحتى في حال وجود إعاقة لدى العامل، فيمكن بالعمل تجاوزُها والوصول إلى مرحلة الإبداع، رغم هذه الإعاقة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فكم شهد التاريخ الإسلامي من مبدعين ذوي الاحتياجات الخاصة.
أما في زمن الرسول r فهذا أنموذج من هؤلاء، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتى النبي r النعمان ابن قوقل  فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صليتُ المكتوبةَ وحرّمتُ الحرامَ وأحللتُ الحلالَ أأدخل الجنة ؟ فقال رسول الله r: "نعم"،  فقال: والله لا أزيد على ذلك شيئاً.
إن هذا الصحابي الذي كان صاحب إعاقة في رجله كان صاحب عزيمة وتصميم وإصرار على العمل، ومن ثم صاحب إبداع وأيّ إبداع!! قال يومَ أحد: أقسمتُ عليك يا رب أنْ لا تغيب الشمس حتى أطأ بعَرجتي هذه خَضَر الجنة، فقال رسول الله r: (ظنّ بالله فوجده عند ظنه، لقد رأيته يطأ في خضرها ما به مِن عرج).
المبحث الثالث:
استشراف المستقبل
الأمل والتوجه نحو المستقبل من أهم شروط الإبداع، فالمسلم المهتدي بهدي رسول الله r لا يتوقف عند اللحظة الحاضرة، فضلا عن أن يكون رهيناً للماضي لا يتزحزح عنه قيد أُنملة، إن الكون يسير وفق نواميس أودعها الله تعالى فيه، والمسلم بالمنهج العلمي الذي استخلصه وسار عليه، يجدر به أن يحسب خطواته آخذاً بكل الأسباب التي من شأنها أن تُنْجح العمل وتضمن نتائجه.
إن من الناس من يفهم التطلع إلى المستقبل والسعي إلى تحقيقه على أنه ضربٌ من الرجم بالغيب، والتدخل فيما لا ينبغي التدخل فيه، وهو فهم خاطئ.
فعلى الرغم من الاعتقاد الجازم بأن الغيب لله إلا أن المؤمن المبدع لا يعطّل الخطط المستقبلية، فالأخذ بالأسباب، ووضع الخطط للتحرك المستقبلي، إنما هو من التوكل على خالق الأسباب ومسيّرها، فالمسلم الذي يُبدع في مجال من المجالات، يدرك أهمية الأسباب المؤدية للإبداع، فيأخذ بها، ويسعى إليها، ولا يدع سببا من أسباب النجاح المادية والمعنوية إلا يُقيم له الاعتبار.
إن التوكل هو تفويض الأمر إلى الله، وهو كما قال ابن رجب "صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، ووكله الأمور كلها إليه وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطى ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه"، وقد فسر العلماء التوكل فقالوا: "ليكن عملك هنا، ونظرك في السماء". وتأمل أحاديث رسول الله r في التوكل:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله! أأعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال:(أعقلها وتوكل).
ويفرق المسلم المهتدي بهدي رسول الله r بين التوكل والتواكل، ويفوض أمره إلى الله، ويعلم أنْ لا تنافي بين التوكل والأخذ بالأسباب.
إن الأخذ بالأسباب للوصول إلى نتائج مستقبلية هو هدي رسول الله r .
كما في الهجرة النبوية، حيث تجلى التخطيط الاستراتيجي المبدع، آخذاً بالأسباب في إنجاح العمل، رغم أن الله كفيل بحفظ رسول الله r وصاحبه في الهجرة.
قال الحافظ ابن حجر: "والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب، اتباعا لسنته وسنة رسوله r ، إنه لا ينتظر أن يكون إبداع أو تنمية للإبداع في بيئة يشيع فيها السلوك التواكلي، أو الاعتقاد بالكهانة والعرافة والسحر والشعوذة والخرافات والأساطير.
لذا حارب الإسلام كل هذه التطلعات المستقبلية التي لا تزيد الإنسان إلا تخلفاً.
وقد عدّ رسول الله r السحر من الكبائر، وحذر منه فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، فذكر منها السحر, كما نهى عن الطِيَرة فقال: "لا طيرة وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم"، فلا ينكر ما للكلمة الصالحة المحفّزة التي ملؤها التفاؤل من أثرٍ في تنمية الإبداع.
إن أعظم ما يحقق رفعة وتقدما وإبداعاً، أن نرسّخ في قلوب الناشئة عقيدة التوكل على الله والثقة به، وإحسان الظن فيه، فإذا ما استقرت هذه العقائد في القلب، زادت صاحبها ثباتا وصبرا وإصراراً ويقيناً على بلوغ الهدف، وتحقيق الغايات، ولا شك أن هذا دأب الأنبياء والمرسلين.
وما يفتأ رسول الله r في صناعته الجيل المبدع يغرس في الصحابة عنصر التوكل على الله واليقين به،  ويقص علينا قصص أولئك المتوكلين الذين كانت لهم إبداعاتهم ونجاحاتهم، بعد أخذهم بالأسباب، ووثوقهم بخالق الأسباب.
المبحث الرابع:
 العناية بقيم الإبداع
الوقـت:
إن من أهم قيم الإبداع والتفكير الابتكاري التي أولاها الإسلام عنايته ورعايته وهدى رسول الله r إلى حفظها واستثمارها في خَلْق الإبداعات – "قيمة الوقت".
وبلغ من أهمية الوقت، أن أَقْسَم به الله تعالى في مطالع سور عديدة.
وأبرزت لنا السنة في أحاديث عديدة قيمة الوقت، والحرص عليه، وعدم إضاعته، والمؤمن المكلف يُحْسِن إدارة الوقت واستغلال كل دقيقة منه، وجعله الإطار الذي يُنَمّى فيه الإبداع.
وفي بيان أهمية هذه القيمة الثمينة من قيم الإبداع يقول رسول الله r :(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).
إذن فالهدي النبوي يربي في المسلم الوعي بقيمة الزمن، ويدعوه إلى المسارعة إلى اغتنام هذه القيمة، ويقول الرسول r: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وقوتك قبل ضعفك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك).
إن الوقت هو الحياة، فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة . وفي هذا يقول الحسن البصري: "يا ابن ادم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك".
إن الصحابة والتابعين الذين تربوا على هدي رسول الله r، فكان منهم الإبداع، وكانوا هم المبدعون في تاريخ البشرية أدركوا، أهمية هذه القيمة فحرصوا على عمارة أوقاتهم، بالعمل الدائب، وما كان يمر اليوم أو بعضه أو البرهة من الزمان، دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح.
لقد وجهت تعاليم الإسلام من خلال الهدي النبوي إلى التزام الإطار الزمني لكل أعمال الإسلام، وفي مقدمتها الصلاة، حتى قال رب العزة والجلال: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا. النساء 103. وعلى هذا النحو يربي الإسلام الفردَ على التوقيت الدقيق وأداء كل عمل في وقته.
"ويحتاج بناء الحضارة إلى وعي بالزمن من جهة أنه طاقة (دينامية) تملؤ الزمن بالحركة الحية المتجددة".
إن رسول الله r يبث هذا الوعي، ويأمر بملء الزمن بالحركة الفاعلة، والنبض الخافق، والطاقة المتجددة قبل أن تداهم المسلمَ الخطوبُ فيقول: "بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال، فشر غائب منتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".
"والتاريخ يعلّمنا أن الأمم التي أحسنت تربية أبنائها على الوعي بقيمة الزمن، استطاعت أن تمكن أبناءها من امتلاك رؤية ديناميكية للزمن، حيث ثبت لديهم أن الزمن متجدد متغير متحرك، وبحركته يتغير كل شيء".   
  الإتقـان:
إن من هدي رسول الله r في أركان الإبداع ومقوماته، أن يُطالِب المرء ببلوغ الغاية في إحسان العمل وإتقانه وفق أحسن المواصفات، قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . البقرة 195. إن الله تعالى قد أحسن في خلقه الكون ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السجدة 7، لذا فقد طلب من عباده أن يُحسنوا ويبلغوا هذا المقام فيما أقامهم فيه، وفيما كلّفهم به.
أخرج الإمام مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد شفرته وليرح ذبيحته).
ومَنْ تدبر هذا الحديث وجده يشمل ظاهر الدين وباطنه، ويشمل العقيدة والشريعة، والعبادة والسلوك.
والإحسان إنما يُطلب في الأعمال كلها بإتقانها، والإخلاص فيها، وتحرّى الدقة والصواب، بل والإبداع في تنفيذها. والإحسان لا يكون في حالة واحدة، يقول ابن رجب:
"وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال، لكنْ إحسانُ كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات على وجه الكمال وهو إحسان واجب، والإحسان في ترك المحرمات بالانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، والإحسان في الصبر على المقدورات، والإحسان في معاملة الخلق ومعاشرتهم، حتى الإحسان في قتل ما يجوز قتله من الدواب، والإحسان في الأعمال كلها".
وصاحب التفكير الإبداعي يجتهد في فكرته استناداً إلى قانون الإحسان، ليبلغ بذلك الغاية، ويستجلب بذلك محبة خالقه حين يصل إلى مقام الإحسان، فيكون المبدعَ المحسنَ.
الفصل الثالث
الإبداع؛ المحضن والرعاية
إن تخيّر العناصر المبدعة وصياغتها وفق أصول التربية الإبداعية يستلزم أجواء خاصة من الحضانة والرعاية، وهذا الفصل يهدف إلى استكشاف محضن الإبداع في ضوء الهدي النبوي ابتداء من الكشف عن الإبداع ،وتبني الأفكار الإبداعية ومراعاة الفروق الفردية لدى الناشئة في التربية الإبداعية.
المبحث الأول:
الأسرة أول محاضن الإبداع
الأسرة أول محضن ينمو فيها الإبداع ويترعرع، وتربية الإبداع لدى الطفل إنما تبدأ منذ نعومة أظفاره، بل منذ الولادة وتستمر مع مراحل العمر المختلفة. "والتجارب التي يحياها الطفل خلال السنوات الخمس أو الست الأولى في حياته تقرر أساس شخصيته.
والأسرة تقوم بدور أساسي في تكوين الشخصية المبدعة، وفي تنمية الاستعدادات والقدرات الإبداعية لدى الأفراد وتطويرها، وفي مدى فاعلية تأثير البيئة المحيطة على تكوين صفات الشخصية المبدعة ما أخبر به الرسول r حين قال: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه ويُنصرانه ويُمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟).
فأيما مولود إنما يولد على الفطرة السوية، ثم يكون التأثر بما حوله، من بيئة وما يكتسبه من أخلاق وصفات، وللوالدين تأثيرهما على شخصية الطفل، وتهذيب طباعه، وتكوين استعداداته، وتنمية قدراته الإبداعية. "والواقع أن الحقائق التي زودتنا بها العلوم الاجتماعية والتربوية والنفسية عن الأسرة وتأثيرها، لم تدع مجالا للشك أن ما يُقّدر للإنسان أن يتصف به من صفات إنسانية، مثل الثقة بالنفس، وامتلاك القدرة على المبادرة، واقتحام المجهول، والتمرد الإيجابي على الواقع وعلى ما هو كائن رغبة فيما ينبغي أن يكون، والرغبة في التغيير والتجديد، والمرونة العقلية وانفتاح الذهن والتعامل مع أفكار الآخرين دون انغلاق ذهني - وغيرها من صفات هي ألصق بالشخصية المبدعة – إنما يكتسبها الفرد بعد ولادته نتيجة لتفاعله مع البيئة الاجتماعية مع أسرته التي تستقبله وتتعهده بالرعاية".
إن رسول الله r يؤكد على دور الأسرة في رعاية الإبداع وتنميته، ويُلقي بالمسؤولية في تعهد الطفولة على الوالدين، ولأهمية ذلك وخطورته، يرتب عليه الثواب والعقاب، فيقول الرسول r :(كلكم راع ومسؤول عن رعيته, والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، ثم قال: فكلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
رعاية الميول الإبداعية وتبني المواهب
ومما هدى إليه الرسول r في هذا الجانب، أنّ على المربي أن يراعي الميول والمواهب التي يبرع فيها الناشئة، بل من يُتَولى أمره، سواء كان طفلاً أو شاباً أو متعلماً أو جندياً أو فرداً في جماعة.
لقد رعى رسول الله r إبداعات الصحابة وسعى إلى تنميتها, أخرج الشيخان عن أبي إدريس الخولاني سمع حذيفة ابن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله r عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم......الحديث).
وهنا، نلفت إلى أن حذيفة بن اليمان نظر إلى المألوف بصورة غير مألوفة، وهداه الله تعالى إلى تفكير ابتكاري، فكرة جديدة لها ثمارها، فإذا كان الصحابة قد ألِفُوا السؤال عن الخير والإيجابية، لينالوا الخير ويحرصوا عليه، فلماذا لا نقف من رسول الله r على مواقع الشر والغواية، ليحذر منها حذيفة، ويحذّر منها الصحابة، بل البشرية قاطبة إلى قيام الساعة، وهذا بحد ذاته إبداع من حذيفة، ويؤخذ من حديث حذيفة هذا، أن كل من حُبب إليه شيء فإنه يفوق فيه غيره، ومن ثم كان حذيفة صاحب السر الذي لا يَعْلمه غيره حتى خُصّ بمعرفة أسماء المنافقين.
قال ابن أبي جمرة: "في الحديث حكمة الله في عباده، كيف أقام كلا منهم فيما شاء، فحُبّب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير وحبّب لحذيفة السؤال عن وجوه الشر ليتجنبه، ويكون سببا في دفعه".
وقد أكد علماء الحديث على ضرورة رعاية الميول الإبداعية في الناشئ استناداً إلى هذا الحديث، قال ابن حجر: "ومن أدب التعليم أن يُعَلّم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه مائلاً إليه من العلوم المباحة، فإنه أجدر أن يسرع إلى تفهّمه والقيام به"، واستنباط ملكات الإبداع عنده.
المبحث الثاني:
رعاية الإبداع وتنميته لدى الطفل
أطفال اليوم هم - بلا شك – رجال المستقبل الواعد، ولسوف يكون فيهم العالم والصانع والتاجر والطبيب ... هؤلاء، فيهم نبث روح الإبداع، ومنهم نصنع جيلا من المبدعين.
"إن أطفالنا الصغار لديهم قدرات عقلية وفكرية تؤهلهم أن يكونوا مبدعين، وعلينا - نحن الكبار- أن نُشْركهم فيما يناسبهم من حواراتنا، ونجيب على أسئلتهم واستفساراتهم بكل صدق وموضوعية دون استخفاف بعقولهم، ونُحسِن الإنصات لآرائهم وأفكارهم". إن الطفل الذي يشعر دائما أنه صغير يموت بداخله كل استعداد للإبداع والابتكار ...
لقد كان الحسن بن علي يجمع أبناءه وأبناء أخيه ويقول لهم: "يا بَني ويا بَني أخي إنكم صغار قوم، وسوف تكونون كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليجعله في بيته".
لقد كان رسول الله r يولي الطفولة عنايته، وهذا هديٌ بثّه في نفوس أصحابه الذين كانوا يصطحبون أطفالهم في مجالس الكبار، لتُبْنى شخصيةُ الطفل فتكبر، ولا شك أن احتكاك الصغار بالكبار له فاعلية في تنمية الشخصية، ويشجعها على الإبداع والابتكار.
لقد روى ابن عمر - وهو لا يزال غلاماً - قصته في مجلس كبار الصحابة مع رسول الله r حين قال : كنا عند النبي r فقال: إنّ من الشجر شجرة مَثَلها مَثَل المسلم، فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُ، قال النبي r: "هي النخلة". 
وللبخاري في الأطعمة قال ابن عمر: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم. إذن ها هو ابن عمر الأصغر سناً يخالط الكبار، ويصغي إلى أحاديثهم، ومن ثم يكون كبيراً ذا همة عالية.
"لقد أظهرت الدراسات حول الظروف التي سادت حياة المشاهير قبل حصولهم على الشهرة، أنّ حوالي 82% من الأفراد الذين تمت دراستهم، قد عايشوا عديداً من الراشدين في وقت مبكر من حياتهم، إن على الأباء والمربيين أن يأخذوا بهدي رسول الله r وصحابته الأطهار في جعل الأبناء يقتحمون مجالس الكبار تعليماً لهم، واستنباطاً لمكنون الإبداع فيهم.
إن برعم الإبداع قد يظهر لدى الطفل في موقف من المواقف، فيُتَعهد حتى يثمر شجرةً يانعة مثمرة، ألم يظهر برعم إبداع الصحابي الجليل ابن عمر – الذي كان غلاماً– وكان فَهِماً ثَقِفاً لمّاحاً، ومن ثم أصبح الشخصية التي يشار إليها في الفقه والحديث ورجاحة العقل وسداد الرأي ؟ .
الكشف المبكر عن الإبداع
إن الكشف عن نبوغ الطفل مبكراً وتحسّس جوانب الإبداع لديه ورعايتها هو منهج رسول الله r في تربيته الإبداعية لصحابته, هذا زيد بن ثابت كان ابن إحدى عشرة  سنة  حين قدم رسول الله r المدينة، وقد كان غلاما ذكيا فطنا تبدو عليه علامات النبوغ، فكيف تعامل رسول الله r مع قدرات زيد بن ثابت الإبداعية؟.
قال زيد بن ثابت: أُتِي بي النبي r مقدمه المدينة فقالوا: يا رسول الله هذا غلام بني النجار وقد قرأ مما أُنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأتُ على رسول الله r فأعجبه ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم على كتابي، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقتُه، وكنت أكتب إلى رسول الله r إذا كتب إليهم.
إذن هذا زيد بن ثابت، كفاءة علمية قُدّمت لرسول الله r، برع في مجال القرآن وحفظه ومشروع كتابته وجمعه، وأبدع في علم الفرائض كما قال رسول الله r في وصفه: (أفرض أمتي زيد بن ثابت).
وفي اعتناء الرسول r بالطفولة ما رواه أنس قال: كان النبي r أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له: أبو عمير وكان إذا جاء قال: "يا أبا عُمير ما فعل النُغير؟" نغر كان يلعب به.
فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وتنضح، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلي بنا.
إن رسول الله r يداعب الصغير ويواجهه بالخطاب، وفي ذلك فائدة عظيمة، وإنه لتقدير منه r، وهو العظيم المرسَل إلى البشرية، يقدر الصغير فيثق بنفسه، ويشعر بقدره واحترام الناس له فيبدع ويبرع.
إن للصغير عالَمه الذي هدى النبي r إلى رعايته واحترامه من حيث إتاحة فرصة اللعب له، والإنفاق في مجال اللعب واللهو لإيقاظ دوافع الإبداع  وتفعيل التفكير الإبتكاري، ثم إن رسول الله r هنا يخاطب هذا الطفل بكنيته كما لو أنه يخاطب رجلاً كبيراً.
ولعل في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة، ستين وجهاً ساقها ابن القاص مبسوطة ثم أورد الحافظ في الفتح بعضها.
أفكار إبداعية كبيرة من الصغار
ينبغي أن يحترم عقل الصغير فلربما تبدو منه الفكرة الإبداعية التي يمكن وصفها بالكبيرة نسبة إلى صغر سنه وضآلة جسمه، فلا تحقرنّ أحدا لصغره أن يصدر عنه الأمر الخطير والإنجاز البديع.
هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يروي من وقائع معركة بدر قال: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتُ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السنّ، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحُدهما سراً مِنْ صاحبه: يا عم أرني أبا جهل. فروى قصة قتلهما أبا جهل.
هذان الفتيان بَدَرَ منهما ما لم يتفطن الكبار له، رَغِبا في الانتقام لرسول الله r فكان منهما التفكير الابتكاري الناضج، وكان منهما التخطيط والتدبير، ثم إننا نلحظ التنافس بينهما على بلوغ الهدف العظيم، وأيّ هدف أعظم من تحقيق نصرٍ مظفر، واجتثاث رأس الكفر الذي أخبر عنه رسول الله r ، فيما رواه أحمد بسنده إلى ابن مسعود أن رسول الله r ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل فقال: "كان هذا فرعون هذه الأمة".
إن على المربي مراقبة جوانب الإبداع في الطفل واستعداداته الكامنة لديه، كما أن الصنف المبدِع من الناشئة والمتميّز بالذكاء المفرط والمهارة، ينبغي أن يُرعى رعاية خاصة ضمن نواد ومؤسسات، فما أن يشب هذا الرعيل إلا ونكون قد أوجدنا جيلا راشدا من القياديين يُسْتَوعَبون في شتى مناحي الحياة، مبدعين، ذوي تفكير خلاق، يسهمون في مسيرة البناء للأمة .
المبحث الثالث
تبني الأفكار الإبداعية واحتضانها
كان من هدي رسول الله  r تشجيع الأفكار الإبداعية وتبنيها، وحين نتأمل بنظرة فاحصة الأحاديث والأحداث في عهد رسول الله r، نجد قدراً كبيراً من الأفكار الموصوفة بالابتكار والإبداع، وتفكيراً علمياً مَرِناً، فيه الجِدّة والتميّز والتطوير، له القيمة العالية والمردود الإيجابي .
ومن أمثلة ذلك في التجهيز لمعركة بدر سبق الرسولُ r المشركين إلى ماء بدر، ليحول بينهم وبين الماء، وهنا أبدى الحباب بن المنذر بتغيير الموقع، فقال رسول الله r: "لقد أشرت بالرأي"، وفعل ما أشار به الحباب بن المنذر رضي الله عنه.
وفي غزوة الأحزاب التي كانت في شوال السنة الرابعة للهجرة، وسميت بغزوة الخندق لأجل الخندق الذي حُفر في المنطقة المكشوفة أمام الغزاة من المدينة، كانت فكرة الخندق فكرة إبداعية أشار بها سلمان رضي الله عنه فيما ذكر أصحاب المغازي.
قال سلمان للنبي r : إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا , فأمر النبي r  بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه.
هكذا يبادر الصحابةُ رسولَ الله r بأفكارهم الإبداعية مستعيناً بها في التخطيط الاستراتيجي.
إن خير ما يستدل به على تبني الأفكار الإبداعية والحلول الابتكارية من رسول الله r ما رواه جابر رضي الله تعالى عنهما قال : كنا عند رسول الله r في صدر النهار قال : فجاء قوم عراة مجتابي النمار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعّر وجه رسول الله r لِما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام، فصلى ثم قال: " تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرة." قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله r يتهلل كأنه مذهبه، فقال رسول الله r: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعد من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
لقد عمل هذا الصحابي عملاً يعدّ فيه مبادراً مقداماً مبدعاً، إنها فكرة إبداعية كانت سبباً ومحفزاً لعامة الصحابة على التتابع في جلب صدقاتهم، بعد التباطؤ في جلبها ليجتمع الدرهم والثوب والبر والدينار والتمر حتى كانت كومين من طعام وثياب.
ويتهلل وجه رسول الله r كأنه مُذْهبه لهذا الإنجاز وللفكرة المحققة له، ونجد رسول الله r يبني على هذه المبادرة المبدعة قانونا مطردا يعد مرجعا في كل تفكير إبداعي ناضج فاعل يسهم في تقديم الخير للجماعة، في اتجاه تطوير الوسائل والأساليب والمناهج.
أجل، هي الفكرة الإبداعية ذات التأثير المستقبلي، فأيما امريء يسنُ سنة ويبتكر طريقة، أو يستنبط فكرة، أو يبتدع وسيلة موصوفة بالحسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا يُنْتقص من أجر المبدع المبادر  .
وهنا يحسن التأكيد على أن ما شجع عليه رسول الله r من فكر وإبداع، إنما هو في الوسائل والأساليب والطرق، بعيداً عن الإطار التعبدي المحض، فتلك يلزم فيها الاتباع، إذْ حّذر رسول الله r من محدثات الأمور فقال:
"إياكم ومحدثات الأمور فإن كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار".
والبدعة التي ينهى عنها، "إنما هي طريقة مخترعة في الدين، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله، أو يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"، لقد اكتمل الدين وليس لأحد أن يخترع أو يبتدع فيه، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًاالمائدة-3-
ويحذر رسول الله r في مسألة الفكر الإبداعي أن نَسُنّ سنناً سيئة، فنصرف جهدنا واجتهادنا في إبداع أفكار تعود بالضرر والشرور على الجماعة ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينتقص من أجورهم شيء).
المبحث الرابع
مراعاة الفروق الفردية
في سبيل صناعة جيل مبدع توجهت العناية النبوية إلى مراعاة الفروق الفردية بين الناس، فكلٌ مبدعٌ فيما يقيمه الله فيه.
والإبداع لا يتصور أن ينحصر في شريحةِ النجباء فحسب، وإنما في كلٍ حسب طاقته وقدرته ومزاياه، لذا كان لزاماً أن يوضع هذا المعيار فتُرعى الفوارق.
"وكان من هدى رسول الله r أن يخاطب كلّ واحد بقدر فهمه، وبما يلائم منزلته، وكان يحافظ على قلوب المبتدئين، فلا يعلمهم ما يعلم المنتبهين، وكان يجيب كل سائل عن سؤاله بما يهمه ويناسب حاله".
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي r يستأذنه في الجهاد فقال: "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم. قال:  ففيهما فجاهد".
مع ما عُرف من النبي r من الحضّ على الجهاد والهجرة والترغيب فيهما، ونجده r يوصي كلا بما يناسبه، أو يُكمل نقصاً فيه، أو تكون له علاجاً فيوصي كلاً من صحابته بما لا يوصى به الآخر لاختلاف الظروف والأحوال.
جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله أوصني بشيء ولا تكثر عليَّ، لعَلِي أعيه قال: لا تغضبْ، فرد ذلك مراراً، كل ذلك يقول: "لا تغضب".
ويأتيه آخر يسأله: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على ذلك شيئا ولا أنقص منه. فلما ولى قال النبي r: "مَنْ سَّره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".
وها هو يراعي أحوال السائل وما هو بحاجة إليه، يسأله الصحابة عن أفضل الأعمال، فيجيب كلاً بما يناسبه.
"إن اختلاف أجوبة الرسول r رعاية لوجوه الأفضلية وشؤون المزية... فأصناف الفضل متنوعه، ومراتب الفضل ومدارج الخير مختلفة، واختلاف جواب رسول الله r فيه الرعاية للفروق الفردية بين وجوه الأفضلية وأسباب الخير".
ويعلل الإمام الحافظ ابن حجر اختلاف الجواب لاختلاف أحوال السائلين، بأن أعلم كلَّ قوم بما يحتاجون إليه، أو بما لهم فيه رغبة، أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره".
إن جيل الصحابة، وهو جيل الإبداع كان يتطلع الواحد منهم إلى الأفضل والأحسن وما يجعله سابقاً متفرداً متميزاً.
وهنا يأتي دور الموجِّه والمُربي، أن يراعي القدرات والطاقات والظروف والأحوال والميزات فيرشد كلا إلى ما يصلحه، فمجالات الخير والفضل والنفع واسعة قال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.المطففين-6-.
المبحث الخامس
المعادن المبدعة
عندما نتأمل هدى رسول الله عليه وسلم في رعاية الإبداع وصناعة المبدعين، نقف من هدية على قاعدة نفيسة وهامه: إنها " قاعدة المعادن في الإبداع ".
روى أبو هريرة أن الرسول r قال: "تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، والمعادن هي الأصول، فإن كانت الأصول شريفة، كانت الفروع شريفة كذلك غالباً، والفضيلة في الإسلام بالتقوى، لكنْ إذا انضم إليها شرف النسب وما سوى ذلك من صفات وسمات، ازدادت فضلاً إلى فضل.
والقائد الذي يسعى إلى صناعة جيل من القادة المبدعين، لا يوقف مسيرته الإبداعية انتظاراً لتكوين الجيل المبدع من الصفر، والشروع في البداية من الصفر، وإن كان هذا الأمر من أولويات العمل، لكنّ ثمة نماذج جاهزة من المبدعين لنا أن نستثمرها ونستثمر طاقاتها وإبداعاتها، كلُّ ما في الأمر أنها نماذج محتاجة إلى الفقه الواعي.
إن الإنسان المبدع القوي المنتج وهو خارج دائرة الإسلام، هو نفسه داخل دائرة الإسلام، إذا فَقِه الدين، وفَقِه حقيقة الاعتقاد الجديد الذي آمن به.
وثمة نماذج من الصحابة الكرام تنطبق عليهم القاعدة النبوية الثمينة. فكم أخذ عمر رضي الله عنه من لحظة اعتناقه للإسلام إلى أن أصبح قائداً لأول مسيرة طافت حول الكعبة؟ وهل تلقّى قدراً معيناً من المعلومات قبل انطلاقه حتى يُجاز لمثل هذا الفعل؟.
يقول عبد الله بن مسعود فيما أخرجه البخاري "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر". إن عمر كان قوة للإسلام، ولم تكن قوته مستمدة من التربية التي تلقاها أول إسلامه، بل هو الذي منح المسلمين القوة بإذن الله تعالى وتوفيقه. ولنا أن نضيف إلى عمر رضي الله عنه "حمزةَ بن عبد المطلب"، لقد كان هذان النموذجان أصحاب بأس وعزم وقوة في الجاهلية، فلما أسلما سَخّرا هذه القوة للإسلام، لكنهما لم يكونا بحاجة إلى تربية خاصة حتى يكونا أقوياء.وكذلك كان سيف الله المسلول خالد بن الوليد، فارساً بطبيعة الحال، وقبل الإسلام كان سيفاً سلطاً على أعدائه ...
إن خالد بن الوليد لم يصنع منه الإسلام سيفاً، وإنما جاء الإسلام ليشرفه بأن يكون سيف الله، بدلاً من أن يكون سيف الكفر.
وأبو ذر أُنموذجٌ وصفه الرسول r وصفاً رائعاً فقال: "ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر"، صدح بالحق حين عرفه لأول مره قبل أن تتدخل أي تربية جديدة لتصوغه، وما كان يخاف في الله لومة لائم.
إن قاعدة رسول الله r في معادن الناس لاستخراج طاقات مبدعة حقيق أن تُفعّل وتُطبّق، وقد رأينا كيف أثبتت فاعليتها في جيل الصحابة، الذين دخلوا الإسلام وهم ذوو معادن خيّرة قوية في جاهليتها.
الفصل الرابع
أساليب ووسائل تنمية الإبداع
يرشد الهدي النبوي في التربية الإبداعية  إلى الأساليب التي تنمّي الإبداع لدى المتعّلم، فالمربي الذي يحرص على تربية إبداعية مميزة، يسعى إلى استخدام كافة وسائل وأساليب تنمية الإبداع، لتكوين العناصر الخلاّقة الفاعلة .
المبحث الأول:  التحفيـز
إن عملية الإبداع هي في حقيقتها محصلة اجتماع عوامل عديدة، فالإبداع محصلةٌ لما يشبه (اللقاء السعيد) بين أعلى الوظائف العقلية كفاية، وأكثر الخصال الوجدانية في الشخص المبدع، وأفضل أنواع المناخ ملاءمة للتفكير الإبداعي. وحين ننظر في هدى رسول الله r في تنمية الإبداع لدى الصحابة رضوان الله عليهم نجده راعى هذه العوامل كلها.
ومن وسائل تنمية الإبداع مما له تعلق بهذه العوامل ما يعرف بالتحفيز، والذي يقوم على توضيح الرؤية البعيدة والاقتناع بها، وتوضح الهدف والمساعدة في فهمه وتشكيله. ومعلوم أن طبيعة الأفراد تتفاوت،من حيث استجابتهم إلى العوامل المؤثرة على حافزيتهم، أو دافعيتهم للعمل من فرد لآخر. وتتنوع استعدادات الأشخاص، فثمة مفتاح لكل شخص به يُحَفّز كل إنسان إلى ما يناسبه من مهارات و قدرات.
وحين يكشف رسول الله r عن محفزات في أشخاص أكابر الصحابة قائلاً ومحفزاً "أَرْحَمُ أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرأهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأفرضُهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أميناً، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
فالرحمة، والشدة، والحياء، والقضاء، والعلم، والفرائض, والقرآن, والأمانة محفزات لجوانب إبداعية امتاز بها أكابر الصحابة, فهم الجيل المبدع المؤثر الفاعل، جوانب فيها التنوع والتكامل والانسجام.
ونرى رسول الله r يستعمل مع كل شخص ما يناسبه من عوامل التحفيز، فتّارة يستعمل الحوافز المادية ليؤلف بها القلوب التي لا تؤلف ألا بذلك، وتارّه الحوافز المعنوية, و ربما استعمل الفخر والشهامة كما في شأن أبي سفيان حين قال الرسول r :"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".
ها هو يستعمل هذا الأسلوب المثمر في تنمية الإبداع ليستثير الهمم، فيمرّ على نفر مِن (أسلم) ينتضلون فيقول لهم "ارموا بني إسماعيل، وأنا مع بني فلان، فأمسك الفريقان بأيديهم، فقال رسول الله r:
"ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم ؟! فقال النبي r : "إرموا فأنا معكم كلكم".
تحفيز العامل الروحي
إن تحفيز الجانب الروحي في المسلم لتنمية جوانب الإبداع ،أمر هدى إليه رسول الله r، وإن نظرة في أعظم السلف نشاطا وإبداعا تهدي إلى أن أولئك النفر كانوا يتمتعون بطاقات روحية فذّه رباها فيهم رسول الله r .
ولقد شكّل هذا في الحقيقة، النفسية الأولية لثقافة العمل لدى المسلم المبدع ، ومن ثم فإن تنشيط الجانب الروحي لدى المسلم ربما كان شرطا لتمتعه بكفاية وفعالية عالية.
إن هؤلاء المبدعين من الصحابة كان أحدهم يُعبأ التعبئة الروحيةُ لينطلق من خلالها إلى التأثير الفاعل المبدع .
عن حنظله الأسدي قال – وكان من كتاب رسول الله r – قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله r يذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأى العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله r عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقتُ أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله r، فحكى لرسول الله r ما قاله حنظلة، فقال رسول الله r :"والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظله ساعة وساعة، ثلاث مرات".
ثم إن رسول الله r، يُعزز الهدف الواضح الجليّ، ويُحفّز الجانب الروحي، فتتولد الإبداعات عند أولئك النفر الذين تعهدهم رسول الله r بتربيته وصنعهم على عينه.
وفيما رواه أنس عن النبي r وسلم قال: "لا يُقَدّمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا أُدنيةً، فدناً من المشركين"، وقال رسول الله r: "قوموا إلى الجنة عرضها السماوات و الأرض"، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات و الأرض؟! قال: نعم، قال: بخٍ بخٍ؟ قال: لا و الله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها.
قال: فاخترج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.
وتحفل السنة النبوية بقاعدة هامة من التحفيز، تلكم هي ما رواه أبو هريرة عن النبـي r قـال: "المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف و في كل خير".
والقوة إنما هي العزيمة في النفس، والقريحة في أمور الآخرة والتطلع إليها وطلبها، وصاحب هذا الوصف يكون أكثر إقداماً وأشد عزيمة، وأثبت وأصبر وأكثر تحملاً، إنه المؤمن يتصف بالقوة لا الضعْف، والإقدام لا الإحجام، والإبداع لا الجمود، ويؤكد الرسول r على معانٍ تبعث على الإبداع وتنميته حيث يقول موصياً:
"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل؛ لو أني فعلت كذا وكذا، و لكن قل قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
إن العجز والكسل والتواني والأماني و"لو"؛ كلّ ذلك معوق من معوقات الإبداع، ومثبط من مثبطات العزائم، ومحطم لكل سبيل من سبل التفكير الإبداعي.
 لقد وضع رسول الله r أسس الإبداع، ومن ذلك تشجيعه القدرات الإبداعية انطلاقاً من الخبرة العميقة بالنفس البشرية، واستعداداتها المتفاوتة وما تمتاز به كل شخصية، فحين يسأل رسول الله r أيّ الناس أفضل؟ فيقول: رجل يجاهد في سبيل الله، قالوا: ثم من؟ قال: ثم مؤمن في شِعب من الشِعاب يتقي ربه ويدع الناس من شره.
إن من الناس من يوصف بقوة النفس ومضاء العزيمة، والصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم، والرغبة في معاركة الباطل ومجابهة الفتن، فهذا أفضل له أن يجاهد ويخالط.
ومنهم من ليس له المقدرة على ذلك، ويُخشى عليه الافتتان، فله ذلك وهو من أفضل الناس.
إن القائد البصير يرعى الإبداع بناءً على خبرته بمن يقودهم، روى أبو واقد الليثي أن رسول الله r بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله r وذهب واحد قال: فوقفا على رسول الله r، فأما أحدهما فرأى فُرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله r قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فأواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحى الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه.
ولا شك أن أفضل الثلاثة هو الذي لجأ إلى الله ولم يقنع بالمرتبة العادية بل رغب في الدرجة العليا والمكانة الرفيعة .
أقبلَ على الله فأقبل الله عليه وجازاه بنظير فعله، بأن ضمّه إلى رحمته ورضوانه.
التحفيز بالترغيب والترهيب
كان من هدي رسول الله r أن يحفّز مرغباً في الخير والطاعة والامتثال، وبيان ما يلاقيه العامل من الأجر والمثوبة ورضوان الله وتبوء المنازل والدرجات، كما كان من هديه التحفيز ترهيباً من المخالفة وعدم الاستجابة، وقد استُعمل هذا المنهج في السنّة في كافة المجالات، وهذه موسوعات الحديث النبوي حافلة بالترغيب والترهيب ، ولك أن تعود إلى كتاب الإمام المنذري في (الترغيب والترهيب) فهو حافل بالتحفيز.
المبحث الثاني:
تنمية الإبداع بأسلوب السؤال والمساءلة
إن من أعظم ما ينمي المهارات الإبداعية ويستنبط كوامنها أسلوب السؤال والمساءلة، ويعتبر هذا الأسلوب أسلوباً معتمداً في التعلم والتعليم وإعمال الفكر، مع ما فيه من إثارة للانتباه وتشويق النفوس للجواب.
وقد اعتمد الوحي أسلوب "السؤال و الحوار"، ومن أبرز ما يثبت ذلك ويستشهد به عليه، حديث سؤالات جبريل....
وفي ذلك دلالة عظيمة على أن السؤال الحسن يسمى علماً وتعليماً، وأن جبريل وإنْ كان هو السائل لكن سُمِي بحسن سؤاله "معلماً"، فحسن السؤال ممن اشتهر به نِصْف العلم.
وقد تنبه الصحابة لأهمية السؤال والمحاورة، فهذا النواس بن سمعان الكلابي يقيم مع رسول الله r بالمدينة سنة ويقول: ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يَسأل رسول الله r عن شيء، فسألته عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس.
إن من الصحابة من كان السؤال والمساءلة والحوار والمحاورة سراً في إبداعه وتقدمه وكشفه الحق، حتى نَقَل إلينا عِلم رسول الله r فيما يخص المسائل العلمية والعملية والفرائض والأحكام.
وقد عقد البخاري في صحيحه " باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه"، وأخرج فيه حديث ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي r كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه . وأن النبي r قال: "من حوسب عُذِّب"، قالت عائشة: فقلت: أو ليس يقول الله تعالى ( فسوف يحاسب حساباً يسيراً )، قالت: فقال النبي r: "إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب فقد عُذِّب".
إننا ونحن نسعى إلى صناعة جيل مبدع ذي تفكير خلاق، علينا أن نعتمد منهج رسول الله r الذي ربى عليه صحابته "السؤال والمحاورة "، ونشجّع على السؤال الجاد المنضبط الهادف، الذي ليس من قبيل الأغاليط الهادفة إلى العنت والإحراج.
المبحث الثالث:
تنمية الإبداع بالألغاز أيضاً
لقد ذهب رسول الله r في تنمية مهارات الإبداع لدى صحابته إلى أبعد من ذلك، حيث استخدم أسلوب الألغاز، ليحرّض العقول على الفهم، ويثير الفطنة ويحرك الذكاء.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن عند النبي r جلوس إذ أتي بجمّارِ نخلة، فقال وهو يأكله: "إنّ مِن الشجر شجرة خضراء لَما بركتها كبركة المسلم، لا يسقط ورقها ولا يتحاتُّ ، وتؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها، وأنها مَثَل المسلم فحدثوني ما هي؟.
فها أنت قد رأيت كيف يُلقي رسول الله r بالمسألة على الصحابة ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في إعمال عقولهم، إنّه يحرّضهم على الفهْم في العلم، ويضرب لهم الأمثال والأشباه ليزيد في الأفهام.
إن هذا الحديث فوائده غزيرة، أخرجه البخاري في أحد عشر موضعاً من صحيحه لِما فيه من الحِكم والاستنباطات، يعدّ أصلاً في مشروعية ما يعرف عند أهل العلم القائمين على تنمية مهارات الإبداع بـ "الألغاز"،. حتى إن الحافظ ابن حجر استنبط من الحديث فوائد مما يتعلق بعلم الألغاز والأحاجي فقال: "وفيه إشارة إلى أن الملغَز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، والملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغَز باباً يدخل منه، بل كلما قرّبه كان أوقع في نفس سامعة".
إنه مسلك أرشد إليه رسول الهدى r وسار عليه العلماء المهتدون بهديه حتى قال الإمام ابن فرحون في ألغازه: قال العلماء: "وفي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي للعالم أن يميز أصحابه بإلغاز المسائل العويصات عليهم، ليختبر أذهانهم في كشف المعضلات وإيضاح المشكلات"، قلت: وبهذا الأسلوب تُخْتبر العقول والفهوم، ويحرص الطالب على دوام التيقظ، وصولاً إلى دقة الملاحظة وجودة التفكير فيما يلقى عليه أو يتوصل إليه.
المبحث الرابع:
القصص وسيلة لتنمية التفكير الإبداعي
لقد اتخذ الرسول r القصص وسيلة من وسائل تنمية الإبداع وتأكيد الاتجاهات الإبداعية، وتحفيز التفكير الإبداعي لدى صحابته، وهي وسيلة ناجعة خاطب الله تعالى بها المؤمنين فقال: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ . يوسف -3-.  وقال: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ . الكهف- 13-. وأمر نبيه r فقال: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . الأعراف- 176-.
إن القصص القرآنية والحديثة تمثل الصورة الواقعية العملية التي ترسم التعاليم القرآنية في مشاهد نابضة بالحياة، وكثير من الناس يرون الحق من خلال الواقع العملي أكثر مما يعرفونه من خلال التعاليم المجردة.
إن رسول الله r يعلّم أصحابه ومن بعدهم بطريق القصص وذكر الوقائع التي يحدثهم بها عن الأقوام الماضين، فتؤثر فيهم ويكون منها العبرة والعظة والقدوة والائتساء، بل وفضلاً عن كونه أسلوباً لتنمية الإبداع لدى المخاطب، نلحظ في القصص ذاتها جوانب إبداع تثير مكامن الإبداع في المخاطب.
إنها قصص ذات مغزى، قصيرة مؤثرة فيها عنصر الإثارة والتشويق، ويتنوع فيها الأسلوب، وقد أظهر أبطالها سلوكاً إبداعياً، حفره الوحي في ذاكرة التاريخ مسطراً له، والأمثلة على ذلك كثيرة وفيرة:
ففي مجال الإبداع في العلاقات الاجتماعية المبنية على الأخلاق، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة عن النبي r "أن رجلاً زار أخاً له من قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته مَلَكَاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ ....الحديث".
وفي مجال الإبداع في العلاقة مع الحيوان والرفق به, روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ....الحديث.
والقصص النبوي الصحيح كثير، لا يخلو من لفتات وجوانب إبداعية، واقرأ إن شئتَ قصة جريج العابد, وقصة الأقرع والأبرص والأعمى، وغير ذلك من القصص.
إنها قصص تحوي حوادث ومواقف كثيرة، يحتاج فيها الإنسان إلى تكوين علاقات، وروابط بين عناصرها وأحداثها المختلفة، ويمكن أن تكون القصة من خلال أحداثها ومواقفها وأدوار أبطالها، أداة تحرك عواطف الإنسان، وتستثير خياله وتفكيره.
المبحث الخامس:
الأخوة والتآخي بيئة ومناخ للإبداع
يحرص الإسلام على خلق بيئة للإبداع وتوليد الأفكار الإبداعية من خلال تآلف وتعاطف وإخاء قائم على الإيمان، قال تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ  الأنفال -63- . ونظرة في هدي النبي r ترى التأكيد على الأخوة وترسيخها واقعاً في حياة الصحابة رضوان الله عليهم. 
قال رسول الله r:"المسلم أخو المسلم"، ويقول أيضاً: "وكونوا عباد الله إخواناً", وقد آخى رسول الله r بين المهاجرين والأنصار. ولا شك أن المؤاخاة توفّر الفرصة الكاملة والمناخ المناسب للابتكار والأداء المتميز في قلب المجتمع المسلم بالانسجام بين أفراده، فلا يتصور وجود أداء حضاري متميز للجميع في مجتمع فاقد خاصية الانسجام والتوافق. إن أفراد المجتمع الواحد يتفرقون إلى ذرّات متنافرة متباعدة، ومن ثم يتخلخل البناء الاجتماعي، ويكون عاجزا عجزاً تاماً عن أداء النشاط المشترك.
لقد حقق الإسلام نموذج المجتمع المنسجم بجميع مكوناته، فكل فرد فيه يربطه بالمجموع عنصر الأخوة، حتى بلغ ذروة الأداء الحضاري المبدع.
إن الأخوة تخلق إبداعاً في أصعدة شتى في الأخلاق، حين يحل الإيثار محل الأثرة، والإيجابية وإرادة الخير محل السلبية والانزواء.
أجل، الأخوة تخلق البيئة الواحدة المتكاتفة المتراصة، التي تنتج إبداعات توصف بالتكامل، فلا تقتصر على الجانب المادي خدمة للجسد الإنساني – وربما أسهمت في تدميره –، بل تجاوزت هذا إلى نطاق أوسع، وإبداع أرحب وأشمل، إلى عناية ورعاية للإنسان، في عقله وقلبه وروحه كذلك.
وإنْ أردتَ معرفةَ مدى تأثير هذا المناخ على الإبداع، فما عليك إلا أن تُطِل إطلالة متأملة من شُرْفة التاريخ، إلى مجتمع الصحابة ورواد الحضارة المبدعة مِنْ بعدِهم، فيتبدّى لك ذلك بجلاء.
المبحث السادس
الشورى والعصف الذهني
قيمة الشورى:
إن من أعظم طرق تنمية التفكير الإبداعي عقد مجالس الشورى وإجراء عملية الاستشارة وفق الشروط والمعايير والآداب المعتبرة، لتؤتي الشورى ثمارها في الوصول إلى أفكار وحلول إبداعية .
وللشورى دور عظيم في استنباط الرأي الأقوم والأهدى، وحسبك أنّ الشورى جاءت بأمر رباني للرسول r قال تعالى : ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . آل عمران 159.
وبين الله تعالى أن من سمات المجموعة المؤمنة التي تسعى إلى الاهتداء إلى حلول بديعة للمشكلات الطارئة , سمة " الشورى " بل إن الشورى منهج حياة لهؤلاء المؤمنين الخُلّص قال تعالى : ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ .الشورى -8-. والشورى وسيلة للاجتماع واستثمار الطاقات، وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى الذي أمر به الله تعالى بقوله: ﴿ وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَان .
بين الشورى والعصف الذهني:
"إن مجلس الشورى يقترب من فكرة العصف الذهني ( (Brain Stormingوالتي تقوم على جمع عدد من الأفراد، وطرح إحدى المشكلات عليهم، وترك العنان لهم ليقدّموا أكبر عدد من الأفكار لحل تلك المشكلة، وتعتبر إستراتيجية العصف الذهني من أكثر الوسائل شيوعاً من حيث الاستخدام، لفرض حل للمشكلات بطريقة إبداعية". ولنا أن نقول إن العصف الذهني ضربٌ من ضروب الشورى، وللشورى أضرب ووسائل .
لقد مارس رسول الله  rالشورى بصورها، وعقد لها مجالسها، وأكثر منها حتى قال أبو هريرة "ما رأيتُ أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله r لأصحابه".
فإذا كان رسول الله  rالمؤّيد بالوحي من ربه يستشير صحابته، فكيف بغيره r؟.
قال ابن تيمية: "إن الله أمر بالمشاورة نبيه فغيرُه أولى بالمشورة ".
إن مداولة الرأي من خلال الشورى، وبيان الحجة، يُبرز مستوى الإيمان والعلم، وتتمايز المواهب والقدرات، وتُعرف المعادن والرجال، فالشّورى محك يكاد يكشف أطراف النيّة ومنثور الموهبة وحدود الطاقة ... ولقد تدرب صحابة رسول الله r تدريباً واسعاً من خلال الممارسة والصحبة على هذه الأمور في مجالس الشورى، فلما أصبح الأمر بأيديهم سهل عليهم الأمر، ومدرسة الشورى من أعظم مدارس الإسلام عطاءً في التدريب والإعداد والتربية والبناء.
الشورى هدي النبي r:
عند التدبر في هدي رسول الله r مع صحابته، نجده يسعى مع الصحابة من حوله مفعّلاً مسلك الشورى في استنباط الرأي، والدعوة إلى التفكير الابتكاري، للوصول إلى الإبداع والحلول الإبداعية، فمنذ بداية نزول الوحي على المصطفى صلى الله عليه وسلم سارع إلى الشورى، واتجه إلى زوجه خديجة، يستشيرها فكانت نعم المستشارة.
الشورى في أدق الظروف
عقد رسول الله r مجالس الشورى، وطلب من ذوي الرأي والحجى من صحابته المشورة:
ذكر ابن إسحاق أن قريشاً قصدت بدراً، وأن أبا سفيان نجا بمن معه، فاستشار رسول الله r الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر كذلك، ثم قام المقداد فقال: امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك، والذي بعثك بالحق لو سلكتَ بنا برك الغماد لجاهدنا معك من دونه، فقال: أشيروا عليَّ ، فعرفوا أنه يريد الأنصار فقال له سعدُ ابن معاذ : امض يـا رسـول الله لما أمرت به فنحن معك فسره قوله ونشطه.
واستشار الرسول r الصحابة في أمر الأسرى فأشار أبو بكر عليه بأخذ الفدية ورأى عمر قتلهم لأنهم أئمة الكفر، فمال رسول الله r لرأي أبي بكر، فنزل القرآن موافقاً لرأي عمر. ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ . الأنفال 67.
وفي معركة أُحد شاور رسول الله r صحابته بين أن يبقوا داخل المدينة أو يخرجوا لمُلاقاة العدو خارجها، فأخذ رسول الله r برأي الشباب في الخروج.
وفي شأن الصلح بينه وبين عيينة بن حصن على ثلث ثمار المدينة على ألا يقاتلوا مع الأحزاب، شاور سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فأشاروا عليه بخلاف ذلك، وألغى الكتابة مع عُيّينه بن حصن وصوب رأيهم.
وفي عام الحديبية خرج النبي r في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة قلّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة ... وسار النبي r حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عيينة فقال : إن قريشاً جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال : أشيروا أيها الناس عليّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراريّ هؤلاء الذين يريدون أن يصّدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله قد قطع عينا من المشركين، وإلا تركناهم محرورين.
قال أبو بكر: يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ، قال: "امضوا بسم الله".
هذه نماذج من استشارة رسول الله r لصحابته، وللشورى وسائل عديدة وصور متنوعة لا تنحصر، فقد تكون الاستشارة لفرد، وقد تكون لجماعة منفردين أو مجتمعين.
وأحد ضروب الشورى، العصف الذهني الذي أسلفنا الإشارة إليه، وقد استعمله رسول الله r.
 ففي مسألة الأذان وكيف يُعلن عن الصلاة، يُطرح هذا الأمر بين الصحابة للشورى، فيتم العصف الذهني ليُدْلِي كلٌ منهم برأيه، ويبدي اقتراحه، فهذا يقول اتخذوا ناقوساً، والآخر يقول اتخذوا بوقاً، والثالث يقول أشعلوا ناراً، ولم يصلوا إلى رأي، إلى أن تنزّل الوحي بكلمات الأذان، ويُرِي الله صحابة نبيّه هذه الألفاظ في منامهم.
ونخلص بعد استعراض ما مضى من وقائع وصور ونماذج إلى:
·               أن رسول الله r كان ينتهج أضْرُباً شتى في الشورى والاستشارة.
·  أن رسول الله r كان ينوّع المستشارين، مراعياً بذلك البيئة والتربية والتخصص والسن والتجربة، وذلك إثراءً للاستشارة ووصولاً إلى الحلول الابتكارية .
·  وقد كان النبي r يختار لكل أمر ما يناسبه كَماً وكَيفاً، فثمة أمر يحتاج إلى عدد قليل، وثمة أمر يحتاج إلى عدد كثير، فقد كان يستشير أبا بكر وعمر، وأحياناً يستشير الأنصار، وفي بعض الأمور يستشير المهاجرين والأنصار معاً، وقد يخصص أفراداً كاستشارة السعديْن، في مسألة ثمار المدينة، وهكذا يختار لكل أمر ما يناسبه، عدداً ونوعاً، استنباطاً للرأي السديد .
·  ولم يقتصر على استشارة الرجل، بل اسـتشار المرأة في العديد من المواقف، وفي ذلك تكريم للمرأة واعترافٌ بها ومعرفة لقدرها، وما يمكن أن تستنبطه المرأة برجاحة عقلها وسداد رأيها من التفكير الإبداعي والحلول الابتكارية في شتى المجالات، ليس ما يخصها ويتعلق بطبيعتها فحسب، وإنما في كبرى القضايا.
·  وقد سار عمر رضي الله عنه على نهج رسول الله r في عقد مجالس الشورى، قال عدنان النحوي : ولم تكن الشورى لدى عمر مجلسا واحدا فحسب، لقد كان مجلسا هنا وهناك مع هؤلاء وهؤلاء، يتجدد على ضوء الدافع والحاجة والخطورة والأهمية .
·  وكان عمر رضي الله عنه على نهج رسول الله r أيضاً في تنويع المستشارين، فكان إذا نزل الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يقتفي عقولهم، وفي أمر استشارة النساء يستشير حفصة ويأخذ برأيها في قضية صبر المرأة على زوجها.
توصيات الباحث:
·  وأخيراً، فإننا نوصي الجهات المسؤولة بإقامة مؤسسات وجمعيات لتنمية الإبداع، واحتضان المبدعين والموهوبين ورعايتهم، مع التركيز على التربية الإبداعية، من خلال هدي رسول الله e بهدف إيجاد القادة المؤمنين المبدعين في كافة المجالات .
·  ونوصي المشتغلين بالتربية والمؤسسات التربوية والمتخصصين بالتربية، بالعودة إلى ميراث النبوة لاستلهام الهدي النبوي العظيم في التربية الإبداعية مع الإفادة من النظريات التربوية المعاصرة .


الهوامش
1.  ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، مادة – بديع،  ص 1/342 -343.
2.             مجمع اللغة العربية( 1980م) المعجم الوجيز، مصر، دار التحرير للطباعة والنشر.
3.             ابن منظور ، جمال الدين أبو الفضل ، لسان العرب ، مادة- بكر- ، ح1 ، ص (470 - 472 ) .
4.             مصطفى، إبراهيم، وآخرون (1989 م) المعجم الوسيط، اسطنبول، دار الدعوة - ص 43 .
5.             المعجم الوجيز من منشورات مجمع اللغة العربية (1980 م) مصر، دار التحرير للطباعة - ص59.
6.             الحمادي، علي،  شرارة الإبداع، إصدار مركز التفكير الإبداعي ط1، ص32.
7.  السويدان، طارق والرفاعي، نجيب (1994م) الإبداع والتفكير الإبتكاري، الكويت، شركة الإبداع الخليجي- ص 80 .
8.                   علي، سعيد، (1428هـ- 2007م)، أصول التربية الإسلامية، (ص10-11)، ط2، مصر، دار السلام.
9.                   جروان، عبد الرحمن فتحي، (1419هـ - 1999م)، الموهبة والتفوق والإبداع، ص89، ط1، دار الكتاب الجامعي.
10.       معوض، خليل(1983م) قدرات وسمات الموهوبين، الإسكندرية دار الفكر الجامعي، ص60.
11.       المصدر السابق - ص 59.
12.       عبد العال، حسن إبراهيم (2004 م)  التربية الإبداعية، ضرورة وجود، دار الفكر، ط1، ص 48، ص80.
13.       عبد العال، حسن إبراهيم، التربية الإبداعية، ضرورة وجود، ص50  .
14.   ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، مادة: ربب، (ص399-401)، ج1، بيروت، دار صادر. أنس إبراهيم، المعجم الوسيط، (ص321)، ج1، ط2، دار إحياء التراث.
15. النحلاوي، عبد الرحمن (2003 م) أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، بيروت، دار الفكر المعاصر، الطبعة الثانية، ص 40-42، بتصرف.
16.       النحلاوي، عبد الرحمن ، أصول التربية الإسلامية، ص 57-58، بتصرف .
17.       الترمذي، كتاب صفة يوم القيامة، باب (59) حديث رقم (2516)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
18. ابن القيم ، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، بيروت، دار الكتاب العربي،  الطبعة الثانية، تحقيق محمد حامد  ج1 / ص 420  .
19. البخاري، محمد بن إسماعيل - صحيح البخاري "الفتح"  كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحد، ج11 / ص 214، رقم الحديث 6410.
20. ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مكتبة الرياض الحديثة عناية عبد الله بن باز، ح11 / ص 225.
21.       ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ح11/ ص 226.
22.       النورسي، بديع الزمان، كليات رسائل النور، الكلمات، 1: 290 – 291.
23.       انظر الفصل الخاص ببيان مفهوم "الإبداع" حيث ورود اسم "البديع" في القرآن الكريم.
24.       الشرباصي، أحمد ، موسوعة الأسماء الحسنى، دار الجيل، بيروت، ص 445 – 446.
25. أخرجه النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، الذكر والدعاء والتوبة، باب الحث على ذكر الله، 4: 2061 رقم الحديث (2).
26.       ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 386:13 بتصرف.
27.       القاري، الملا علي(1992م) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى (36:5).
28.       المصدر السابق، 5 : 42 .
29.       الجرجاني، التعريفات، 13-14.
30.       المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، 42.
31. البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار 6: 505 رقم (3465). والنيسابوري، أبو الحسين، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، الذكر والدعاء، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال، 4: 2099، رقم (100).
32.       ابن حنبل، أحمد بن حنبل، المسند، دار الفكر العربي 38:1.
33.       مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق 1857:4 رقم (13) .
34.       البخاري في فضائل الصحابة باب قول النبي r "لو كنت متخذاً خليلاً"  19:7، رقم (3666) .
35.       البخاري (الفتح) في الرقاق ، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب 405:11  رقم  6242 .
36.       البخـاري، 11: 4. 4،  رقـم  6541.
37. ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11: 411 -412، وانظر ترجمته في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/ 494  .
38.       الحاكم، أبو عبد الله، المستدرك على الصحيحين 1936 / 136 كتاب الدعاء.  وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
39.       مسلم في الذكر والدعاء والتوبة،  باب الحث على ذكر الله 4: 2062 رقم (4)  .
40.       البخاري (الفتح)، كتاب الجهاد، باب درجات المجاهدين في سبيل الله 6: 11 رقم (2790).
41. الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى، الجامع الصحيح "سنن الترمذي"، البر والصلة، باب ما جاء في الكبر، طبعة بيت الأفكار الدولية، الباب رقم 60، حديث رقم 1999، وأخرجه أحمد 1: 385،427.
42.       الترمذي، حديث رقم  (1998).
43.       عبد العال، حسن إبراهيم، التربية الإبداعية، ضرورة وجود، بتصرف يسير  ص137، ص139 .
44.       البخاري، في الجهاد باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، 6: 81، رقم (2886، 2887).
45.       البخاري في الإيمان ، باب أمور الإيمان 50:1 رقم 9.
46.       أحمد 2: 357-358، وحسنه الألباني، انظر الجامع الصغير (3278).
47.       أحمد 3: 466.
48.       الطبراني، في المعجم الأوسط، 289:7، رقم(7020).
49.       مسلم، إيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة 44:1، رقم (18،16).
50. هو النعمان بن قوقل بن أصرم بن فهد بن ثعلبة ، وانظر ، ابن حجر ، الإصابة في تمييز الصحابة ، 564:3 ، رقم(8755).
51.       ابن رجب، أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب ، جامع العلوم والحكم، ص644.
52. الترمذي، صفة القيامة، باب (60)، رقم الحديث(2517)،وقال أبو عيسى: هذا عندي منكر وهو حديث حسن بالشواهد، وانظر صحيح الجامع الصغير (1068). 
53.       البخاري في الطب، باب الشرك والسحر من الموبقات، رقم الحديث (5764).
54.       البخاري في الطب، باب الطيرة، 212:10، رقم الحديث(5754).
55. الترمذي، صفة القيامة، باب في القيامة، رقم 417،416 . الأول من حديث ابن مسعود، والثاني من حديث أبي برزة الأسلمي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
56. الحاكم، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله (1998 ) المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأولى، ج5، ص435، رقم (7916)، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وقال ابن حجر : أخرجه ابن المبارك بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون. (الفتح235:11) .
57.       القرضاوي، يوسف، الوقت في حياة المسلم، ص12-13 القاهرة، مكتبة وهبة .
58.       عبد العال، حسن إبراهيم، التربية الإبداعية، ص296.
59. الترمذي، الزهد ، باب الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيها كثير من الناس، 2306، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأعرج، عن أبي هريرة إلا من حديث محرز بن هارون.
60.       عبد العال، حسن إبراهيم، التربية الإبداعية، ص267.
61.       مسلم، الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، 1548:3 ، رقم(57) .
62. ابن رجب الحنبلي، أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب(1990م )جامع العلوم والحِكَم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، عمان،  دار الفرقان، الطبعة الأولى ص221، بتصرف.
63.       عبد العال،  حسن إبراهيم، التربية الإبداعية، ص(160-179) .
64.       مسلم، القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (2047:4-2048)، رقم (25،24،23،22) .
65.       عبد العال، حسن إبراهيم، التربية الإبداعية، ص160.
66.       البخاري، بالأرقام الآتية:(5200،5188،2558،2409،893).
67.       البخاري، في الفتن، باب كيف الأمر إذا لم يكن جماعة؟ (35:13) رقم(7084).
68.       ابن حجر، فتح الباري، 37:10.
69.       ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري، 37:10.
70.       عبد المعطي، عبد الله( 2006م)كيف تصنع طفلاً مبدعاً، دار التوزيع والنشر، الطبعة الأولى، الجزء الأول، ص39.
71.       أخرجه الدارمي في المسند 1/140، وانظر تاريخ دمشق 13/91- 92.
72.       البخاري في العلم، باب الفهم في العلم، 65:1 ، رقم (72) .
73.       البخاري في الأطعمة، باب أكل الجمار، 569:9، رقم (5444) .
74.       سانمتين، دين كيت، العبقرية والإبداع والقيادة، ترجمة شاكر عبد الحميد ، ص63.
75. أفرد له الذهبي في سير أعلام النبلاء، (36) صفحة ج3، ص203-239. وانظر ترجمته في (طبقات ابن سعد 2/373، 4/142-188، أسد الغابة 3/227، الإصابة 2/347).
76.       علقه البخاري في الأحكام 13/161، ووصله ابن سعد ، وإسناده حسن.
77.       راجع ترجمة في سير أعلام النبلاء، 1/428.
78.       ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، بيروت، دار صادر،  2/358-359، وإسناده صحيح.
79.       ابن حجر ، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 585:10 .
80. البخاري ، الفتح، فرض الخمس ، باب من لم يخمس الأسلاب، 246:6-247، رقم(3141). ومسلم، الجهاد ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، 1372:3، رقم الحديث (1752) .
81.       أحمد 316:5، حديث رقم(3824)، وضعف إسناده .
82. ابن هشام، عبد الملك ابن هشام، السيرة النبوية "سيرة ابن هشام" تحقيق عادل أحمد وآخرين، مكتبة العبيكان- الطبعة الأولى  ج2 : ص210.
83. الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، دار ابن خلدون، ج2، ص445. وانظر ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 393:7، وعزاه لأصحاب المغازي، منهم أبو معشر.
84.       مسلم، الزكاة، باب الحث على الصدقة، 705:2 رقم (69) .
85.       أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة ، رقم الحديث (4607) .
86.       الشاطبي، الاعتصام 1: 37 .
87.       مسلم، الزكاة، باب الحث على الصدقة، 705:2، رقـم (69) .
88. أبو غدة (1996م) عبد الفتاح، الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الأولى  ص81 .
89. البخاري، (الفتح)، الجهاد، باب الجهاد بإذن الوالدين، 140:6، حديث رقم (3004). ومسلم، البر والصلة، باب بر الوالدين، 1975:4، حديث رقم (5) .
90.       البخاري، الأدب باب الحذر من الغضب، رقم ( 5765 ) .
91.       البخاري، الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم ( 1333) .
92.       أبو غدة، عبد الفتاح، الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، ص92، حاشية (1)، بتصرف .
93.       ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 527:1 .
94.       مسلم، فضائل الصحابة، باب خيار الناس، 1958:4،  حديث رقم (199) .
95.       البخاري، مناقب الأنصار، باب السلام، عمر بن الخطاب، 177:7،  حديث رقم (3863).
96. سلطان، جاسم محمد، (2005 م) القوانين الإستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري، مؤسسة أم القرى للترجمة والتوزيع، الطبعة الأولى (2005م)  ص113.
97.       المصدر السابق، ص114.
98. أحمد، 163:2، من حديث عبد اله بن عمرو. والترمذي، المناقب، مناقب أبي ذر، 669:5، رقم(3801)، من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الترمذي: هذا حيث حسن، ومن حديث أبي ذر، وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.
99. بكار، عبد الكريم، (1999 م)،مدخل على التنمية المتكاملة، رؤية إسلامية، دمشق، دار القلم، الطبعة الأولى ص79 .
100. السويدان، طارق، وباشرحيل (2003م) صناعة القائد، الطبعة الثانية،  ص97.
101. الترمذي، المناقب، الباب (23)، ج5 ص665, حديث رقم (379) .
102. ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (1992م) زاد المعاد في هدي خير العباد، مؤسسة الرسالة، ص404.
103. صحيح البخاري، الجهاد، باب التحريض على الرمي 91:6 حديث رقم (2899).
104. بكار، عبد الكريم، مدخل إلى التنمية المتكاملة، رؤية إسلامية  ص187.
105. مسلم، التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، 2106:4، ص187، حديث رقم (12).
106. مسلم، الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد 1509:3-1510، حديث رقم (145).
107. مسلم، القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، 2052:4، حديث رقم (34).
108. المصدر السابق.
109. الترمذي، في فضائل الجهاد ، باب ما جاء أي الناس أفضل، ص288، حديث رقم(1660)، وقال: حسن صحيح.
110. البخاري، في العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، 156:1، حديث رقم(66) .
111. البخاري، الإيمان، باب سؤال جبريل النبي r ....، 114:1، رقم (50).
112. ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري، 125:1.
113. مسلم، في البر والصلة، باب تفسير البر والإثم، 1980:4، رقم (15).
114. البخاري، العلم، الباب رقم (35).
115. البخاري، العلم، باب رقم (35)، الحديث رقم (103).
116. البخاري، في العديد من الكتب، انظر الأرقام (5444:131،72،62،61). ومسلم في باب مثل المؤمن كمثل النخلة ، من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 2164:4-2166، الأحاديث (64،63) .
117. ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري، 146:1. كتاب "درة الغواص في محاضر الخواص".
118. أبو غدة ، عبد الفتاح، الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، ص109، وقد نقل كلام ابن قرحون .
119. الأشقر، عمر سليمان ، صحيح القصص النبوي، دار النفائس- الأردن، ط1، ص15.
120. مسلم، في البر والصلة، باب فضل الحب في الله،1988:4، رقم (38) .
121. البخاري، الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، 437:10، رقم (6009).
122. البخاري، أحاديث الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها...، 476:6، رقم (3436).
123. البخاري، أحاديث الأنبياء، حديث رقم (3464).
124. الحمادي، علي، حقنة الإبداع، بتصرف، ص97.
125. البخاري، في المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم، 97:5، حديث رقم (2442). ومسلم، في البر والصلة، باب تحريم الظلم، 1996:4، حديث رقم (58).
126. رزق الله، مهـدي، السيـرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، دار إمام الدعوة، ط2، ج1، ص(353-360). البوطي، محمد سعيد رمضان (1996م) فقه السيرة النبوية، دمشق،  دار الفكر،  ص(217-222).
127. العمـر،  ناصـر،  فقـه الاستشـارة، ص (1-19)، (أهميـة الشـورى) موقع مسـلم. (www.almoslim.net).
128. عبد الله بن محمد، كيف تصنع طفلا مبدعاً، ص 31 .
129. وانظـر درويش، زين العابدين(1983م) تنميـة الإبداع، القاهـرة، دار المعارف، ط1، ص21.
130. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم،  السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية  ص158 .
131. النحوي، عدنان، ملامح الشورى في الدعوة الإسلامية ، الطبعة الثانية، ص 33.
132. البخاري، 332:5،  رقم(2732) .
133. البخاري، المغازي ، باب قول الله تعالى: "إذ تستغيثون ربكـم ..." 7: 287 رقم (3952 ) أبو شهبة، محمد بن محمد، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 2: 130.
134. مسلم، الجـهاد، باب الإمداد بالملائكة 1385:3،  حديث رقم (58).
135. ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، 3: 273.
136. البخاري، المغازي، باب غزو الحديبية 3: 453،  رقم (4179 ).
137. أحمد، 24:4. والترمذي، رقم 189، وابن خزيمة 192:1، وابن حبان 573:4.
المصادر والمراجع
1.          الأشقر، عمر سليمان، صحيح القصص النبوي، دار النفائس- الأردن، ط1.
2.          بكار، عبد الكريم (1999م) مدخل إلى التنمية المتكاملة، رؤية إسلامية، دمشق، دار القلم، الطبعة الأولى .
3.          البوطي، محمد سعيد(1996م) فقه السيرة النبوية، دمشق، دار الفكر .
4.          الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى، الجامع الصحيح "سنن الترمذي"، طبعة بيت الأفكار الدولية.
5.          ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.
6.          الجرجاني، التعريفات.
7.          الحاكم، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله (1998م) المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار المعرفة، ط1،.
8.          ابن حجر، أحمد بن علي، (1328ه) الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت،  الطبعة الأولى.
9.  ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، مكتبة الرياض الحديثة، بعناية عبد الله بن باز.
10.    الحمادي، علي (1999م) شرارة الإبداع، دار ابن حزم، الطبعة الأولى.
11.    ابن حنبل، أحمد بن حنبل، المسند، دار الفكر العربي.
12.    درويش، زين العابدين (1983م) تنميـة الإبداع، القاهـرة، دار المعارف، ط1.
13.    الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة.
14.    الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون، الطبعة الثانية.
15.    سانمتين، دين كيت، العبقرية والإبداع والقيادة، ترجمة شاكر عبد الحميد.
16. ابن رجب الحنبلي، أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب(1990م) جامع العلوم والحِكَم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم،عمان، دار الفرقان، الطبعة الأولى.
17.    رزق الله، مهدي، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، دار إمام الدعوة، ط2.
18.    ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى ،بيروت، دار صادر.
19. سلطان، جاسم محمد (2005م) القوانين الإستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري، مؤسسة أم القرى للترجمة والتوزيع، الطبعة الأولى.
20.    السويدان، طارق، وباشراحيل(2003م)، صناعة القائد، الطبعة الثانية.
21.    الشرباصي، أحمد، موسوعة الأسماء الحسنى، دار الجيل، بيروت.
22.    أبو شهبة، محمد بن محمد، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة.
23.    الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق محمود الطحان.
24.    الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي السلفي،القاهرة، مكتبة ابن تيمية.
25.    عبد العال، حسن إبراهيم (2004 م) التربية الإبداعية، ضرورة وجود، دار الفكر، ط1.
26.    عبد المعطي، عبد الله (2006م) كيف تصنع طفلاً مبدعاً، القاهرة، دار التوزيع والنشر، الطبعة الأولى.
27.    العمـر، ناصـر، فقه الاستشـارة، موقع مسلم (www.almoslim.net).
28. أبو غدة، عبد الفتاح (1996م) الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، حلب، مكتبة المطبوعات الإسلامية ، الطبعة الأولى.
29.    القاري، الملا علي، (1992م) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح،بيروت، دار الفكر، ط1.
30.    القرضاوي، يوسف، الوقت في حياة المسلم، مكتبة وهبة، ط1.
31. ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، (1992م) زاد المعاد في هدي خير العباد،بيروت، مؤسسة الرسالة الطبعة_ 1_.
32. ابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، بيروت، دار الكتاب العربي، ط2، تحقيق محمد حامد.
33.    ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد، سنن ابن ماجه، بيت الأفكار الدولية.
34. محمود، محمد علي،(2002 م)تنمية مهارات التفكير من خلال المناهج التعليمية (رؤية مستقبلية)،جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، ط1.
35.    مجمع اللغة العربية، (1980م) المعجم الوجيز، مصر، دار التحرير للطباعة والنشر.
36.    مصطفى، إبراهيم، وآخرون (1989م)، المعجم الوسيط, اسطنبول، دار الدعوة، اسطنبول.
37.    معوض، خليل، (1983م) قدرات وسمات الموهوبين، الإسكندرية، دار الفكر الجامعي.
38.    ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية.
39.    النحوي، عدنان، ملامح الشورى في الدعوة الإسلامية، الطبعة الثانية.
40.    ابن هشام، عبد الملك ابن هشام، السيرة النبوية "سيرة ابن هشام"، تحقيق عادل أحمد، مكتبة العبيكان، ط1.
41. النحلاوي، عبد الرحمن(2003م) أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع ،بيروت، دار الفكر المعاصر،  الطبعة الثانية .
42.    النورسي، بديع الزمان، كليات رسائل النور، دار سوزلر للنشر والتوزيع .
43.    النيسابوري، مسلم بن الحجاج، الصحيح المسند، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
44.    الواقدي، محمد بن عمر، كتاب المغازي، دار ابن خلدون.



N
الموضوع
الصفحة
تقديم
أ
مصطلحات البحث: مفهوم الإبداع والابتكار
1
الفصل الأول: أسـس الإبداع وبواعثه
4
المبحث الأول: الإيمان بالله وتوحيده في الربوبية والإلهية   والأسماء والصفات
4
المبحث الثاني: حسن الظن بالله تعالى
7
المبحث الثالث: الإخـلاص والصدق مع الله
8
المبحث الرابع: المسارعة والمسابقة
9
المبحث الخامس: الرغبة في التفوق
10
الفصل الثاني : مقومات الإبداع
11
المبحث الأول: الحريـة
11
المبحث الثاني: المثابرة على العمل
12
المبحث الثالث: استشراف المستقبل
13
المبحث الرابع: العناية بقيم الإبداع:   الوقت ، الإتقان
14
الفصل الثالث: الإبداع، المحضن والرعاية
17
المبحث الأول: الأسرة أول محاضن الإبداع
17
المبحث الثاني: رعاية الإبداع وتنميته لدى الطفل
18
المبحث الثالث: تبني الأفكار الإبداعية واحتضانها
21
المبحث الرابع: مراعاة الفروق الفردية
22
المبحث الخامس: معادن الإبداع
23
الفصل الرابع : أساليب ووسائل تنمية الإبداع والتفكير الإبداعي، ويتضمن ما يلي
25
المبحث الأول: التحفيـز
25
المبحث الثاني: تنمية الإبداع بالسؤال والمسائلة
28
المبحث الثالث: تنمية الإبداع بالألغـاز
28
المبحث الرابع: القَصَصْ وسيلة لتنمية للتفكير الإبداعي
29
المبحث الخامس: الأخوة والتآخي بيئة للإبداع
30
المبحث السادس: الشورى والعصف الذهني
31
ملخص البحث وتوصياته   
35
المصادر والمراجع
41
 فهرس المحتويات
43

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق